بعد ساعاتٍ قليلة من زلزال السادس من شباط (فبراير) الذي ضرب سوريا وتركيا، أعلنت وزارة النقل السورية أن مطارات البلاد «على أتم الاستعداد والجاهزية لاستقبال المساعدات لتدارُك تبعات كارثة الزلزال»، مردفةً أنها قدّمت أذوناتٍ للتنسيق بين سلطات الطيران المدني وعددٍ من الدول «الصديقة والشقيقة» لهبوط طائراتها وتسهيل مهامها.

وبالفعل، وصلت في الأيام الثلاثة الأولى بعد الكارثة أكثر من 30 رحلةً جوية من 14 دولة تربطها علاقاتٌ مع النظام السوري تتراوح بين المتينة والباردة، وهي الإمارات وروسيا وإيران والهند وباكستان وأرمينيا والجزائر والعراق وعُمان وتونس ومصر وفنزويلا والأردن وليبيا. وفي التاسع من الشهر ذاته، تزامناً مع إعلان الولايات المتحدة الأميركية والمملكة المتحدة والاتحاد الأوروبي الرفع الجزئي للعقوبات على النظام السوري، هبطت طائرتان قادمتان من الاتحاد الأوروبي في مطار دمشق ضمن سلسلة مساعداتٍ مباشرة هي الأولى من نوعها منذ بداية الاحتجاجات السورية عام 2011. ثم تتابع وصول طائرات الإغاثة التي كسرت عزلة المطارات السورية، فهبطت طائرةٌ قادمةٌ من السعودية في سوريا بعد 10 سنواتٍ من الغياب، وكانت جزءاً من جسرٍ جوي سعودي لإغاثة المتضررين من الزلزال.

وبمرور ثلاثة أشهر على الزلزال، كانت 329 طائرة أجنبية قد وصلت إلى المطارات السورية تحمل مساعداتٍ إنسانية، 121 منها حطّت في مطار دمشق، و82 في حلب، و126 في اللاذقية، ليكون عدد الدول التي كسرت عزلة المطارات السورية خلال هذه الفترة، بحسب المدير العام للمؤسسة العامة للطيران المدني باسم منصور، 17 دولة بالإضافة للاتحاد الأوروبي.

حركة الطيران المدني مشلولة لسنوات

توصي الوكالة الأوروبية لسلامة الطيران بعدم الطيران داخل المجال الجوي فوق سوريا على كافة الارتفاعات ومستويات الطيران، وبحسب Safe Airspace (قاعدة بيانات مستقلة لمخاطر مناطق النزاع على المجال الجوي)، تُعتبر خطورة المجال الجوي فوق سوريا من الدرجة الأولى، وتُعد أنظمة الدفاع الجوي السوري الخطر الأساسي، تليها الهجمات الجوية المستمرة من روسيا وإيران، وكذلك إسرائيل التي لا تُظهر أي اعتبارٍ لحركة المرور المدنية. وفي هذا الإطار، ازدادت الضربات العسكرية الإسرائيلية الجوية على سوريا عام 2023، وسُجّلت 40 ضربة مقارنة مع 28 ضربة عام 2022، تركّز جزء منها على مطاري حلب ودمشق الدوليين، بمعدل 7 ضربات لمطار دمشق، و5 ضربات لمطار حلب، ما أدى لإخراجهم مراراً عن الخدمة بشكلٍ مؤقت.

ولكن قبل ذلك، كانت المطارات السورية مادةً للعقوبات الأميركية منذ عام 2004 بتهمة نقل الجهاديين إلى العراق، ثم شُدّدت هذه العقوبات وأخذت شكلاً أوسع عام 2012، عندما فرض الاتحاد الأوروبي منعاً على الخطوط السورية الحكومية من السفر إلى جميع دوله، كرسالة احتجاج على أعمال القمع والقتل التي مارسها بحق المنتفضين ضده. لاحقاً قاطعت غالبية شركات الطيران المطارات والأجواء السورية لأن سماء البلاد تحولت إلى مسرحٍ لعمليات طيران النظام ضد المناطق الخارجة عن سيطرته، ومن ثم ملأت الأجواء السورية طائراتُ روسيا والتحالف الدولي وتركيا، وكانت هذه الشركات تخشى من استهداف طائراتها عمداً أو عن طريق الخطأ.

ولم تكن شركات الطيران المحسوبة على القطاع الخاص بمنأى عن العقوبات، فشركة أجنحة الشام التي يمتلكها محمد شموط، أحد محاسيب النظام السوري، نقلت مرتزقةً من سوريا إلى ليبيا للقتال مع ميليشيات اللواء المتقاعد خليفة حفتر، بحسب المكتب الإعلامي لعملية بركان الغضب التي أطلقها الجيش الليبي عام 2021. وفي العام ذاته، استغلت الشركة سعيَ السوريين للفرار من البلاد نحو أوروبا عبر تسيير رحلات من سوريا إلى بيلاروسيا المحاذية للاتحاد الأوروبي، والتي لم تكن تفرض تأشيرات على السوريين، ما جعلها مادةً لعقوباتٍ أوروبية رُفعت العام الماضي بعد نشر الشركة بياناً أكدت فيه تعليق رحلاتها إلى بيلاروسيا. 

2023: عام الانفراجة

يوجد في سوريا اليوم أربعة مطارات سورية قيد العمل: دمشق وحلب والقامشلي (الحسكة) واللاذقية، تُشرف عليها المؤسسة العامة للطيران المدني السوري المملوكة بالكامل من الحكومة السورية، والتي تمتلك كذلك أسطولاً مكوناً من 4 طائرات. ويُقدّر عمر هذا الأسطول بما يقارب 21.5 عاماً، ويعتمد في الوقت الراهن على الهبات بشكلٍ أساسي، فطائرة المسافات المتوسطة من نوع Airbus A320 التي تمتلكها الشركة السورية للطيران قد وصلتها من إيران.

أما شركة أجنحة الشام الخاصة، فيضمُّ أسطولها طائرةً مشابهةً حصلت عليها مؤخراً عبر مخططٍ كَشَف عنه موقع Plane Spotters المتخصص في مراقبة الرحلات الجوية، شاركت فيه الإمارات العربية المتحدة لخرق العقوبات الأميركية والأوروبية المفروضة على الشركة، وباستخدام اسم وشركة واجهة هي كوينز إير. وتُعتبر أجنحة الشام المُرخصة عام 2007 أول شركة طيرانٍ خاصة في سوريا، يُقدّر عمر أسطولها بثلاثين عاماً، وتعتبر حالياً الشركة السورية الخاصة الوحيدة التي تقوم بنشاطٍ ملاحي، بعد إفلاس مالك شركة فلاي داماس التي كانت بدورها تمتلك طائرةً واحدةً مُستأجرة. 

رغم هذا الأسطول المتواضع جداً، تشهد المطارات السورية ارتفاعاً ملحوظاً في أعداد المسافرين والعابرين، فبعد انحدارٍ في حركتها الملاحية ذهاباً وإياباً من 1.433.766 عام 2011 إلى 17.902 عام 2015، واستمرارها على هذا الانخفاض حتى 2019 الذي شهد سفر 299.469 شخصاً عبر المطارات السورية، تضاعف الرقم في عام 2021 إلى 672.219، وذلك بحسب آخر إحصائية نشرها موقع البنك الدولي.

العام  أعداد المسافرين  فرق الأرقام بالنسبة المئوية 
2011 1,433,766 ___
2015  17,902 انخفاض النسبة بمقدار 98 بالمئة بين عامي 2011  و2015
2019  299,469 ازدياد النسبة بمقدار 94 بالمئة بين عامي 2015 و2019
2021 672,219 ازدياد النسبة بمقدار 55 بالمئة بين عامي  2021 و2019

بينما تقول أرقام وزارة النقل التابعة للنظام السوري إن أعداد المسافرين داخلياً وخارجياً وصلت إلى مليون و599 ألف مسافر عام 2022. كان من الصعب على الطائرات والمطارات السورية التعامل مع هذا الازدياد الملحوظ لعدد الرحلات، خاصة أن الطائرات التي تملكها شركتا الطيران السورية الحكومية والخاصة قد دخلت ضمن العمر الافتراضي للطائرات الذي لا يَسمح لها بالاستمرار، علاوةً على القصف الإسرائيلي المتكرر لمطاري دمشق وحلب، الذي فرض على النظام السوري ضغوطاً لوجستية متكررة لصيانة المطار والطرق الواصلة إليه، والتي كان يموّلها عبر زيادة أسعار الخدمات المُقدمة من شركات الطيران، إذ غالباً ما ترتفع أسعار بطاقات السفر بعد الضربات الإسرائيلية بمقدار الضعف.

ويقدّر موقع flight connections أن ما يقارب 194 رحلة جوية تنطلق شهرياً من دمشق، وفي حديث مع بعض المسافرين من مطار دمشق، أكدوا أن بعض الرحلات يتم إلغاؤها قبل الإقلاع بساعات بسبب عجز عمال الصيانة عن مواكبة حركة المطار المكثّفة في الفترة الأخيرة. 

خطوط أجنبية في الأجواء

رغم خطورة العبور الجوي فوق سوريا، تقدِّم الخطوط الجوية البنغالية والخطوط الجوية الباكستانية خدماتها في مطار دمشق الدولي. وأدّت الأزمات العربية والدولية إلى ضرورة استخدام المجال الجوي السوري بالنسبة لبعض الدول، مثل الأزمة الخليجية التي أثّرت على حركة الطيران القطري، ودفعت قطر في عام 2019 لطلب استخدام المجال الجوي السوري، كما جاء على لسان وزير النقل السوري السابق علي حمود. كما تَبِع بداية التصعيد الأرمني الأذري عام 2020 تشغيل أول رحلة طيران للخطوط الجوية السورية من دمشق إلى أرمينيا بعد انقطاع دام 8 سنوات

وتستخدم روسيا المجال الجوي السوري للطيران المدني منذ عام 2022 نتيجة تبعات غزوها لأوكرانيا ومنع الطيران المدني الروسي من العبور في أجواء بعض الدول، ومن بينها الأردن. عدا ذلك، انتشرت معلومات على وسائل التواصل الاجتماعي في عام 2022 عن استئناف عبور الطيران المدني التركي الأجواء السورية بالاعتماد على صورة من موقع FlightRadar24، إلا أن شركة الطيران المدني السوري أكدت عدم صحة هذه المعلومات، كما عاد الموقع نفسه لنفي الخبر.
كما يُظهر جدول الرحلات من مطار دمشق الدولي اسم شركة Taquan Air التي تُسيّر رحلات بين مدينتي دمشق وعمّان، والتي يوضِّح برنامج أسطولها أنه يستخدم أيضاً رحلات بين دمشق والكويت والخرطوم. وهذه الشركة أميركية مقرّها ولاية ألاسكا وتقدم خدمات الرحلات المستأجرة وخدمات الملاحة الجوية في الشرق الأوسط وتسيّر رحلاتٍ ضمن العواصم العربية وفي قارة أفريقيا وآسيا. 

وعند مراسلة الشركة بالتعاون مع مرصد السياسات السياسية والاقتصادية، وسؤالها عن تسيير رحلات ضمن المطارات السورية، أكدت الشركة أنها ليست الشركة ذاتها المذكورة ضمن قوائم الرحلات، وخلال البحث تبيّن أنه قانونياً من الممكن أن تمتلك شركتا طيران الاسم ذاته وعلامة الاتصال ذاتها. 

 

الدكتور كرم الشعار، المختص بمتابعة الكيانات التي تخرق العقوبات على سوريا، قال في تعليقه على طبيعة العمل المُحتملة لهذه الشركة: «بالتأكيد هناك أسباب كثيرة للشك في عمل شركة Taquan Air، خاصةً بعد جوابها لنا بأنها ليست الشركة ذاتها العاملة في سوريا. ما هو واضح أن لا وجود لحركة سفر لمدنيين على هذه الخطوط، ما يعني إمكانية أن تكون هذه الخطوط تنفّذ عمليات من نوع آخر، من الممكن أن تكون مرتبطة بتهريب الأسلحة أو تهريب الأموال، خاصة أن الدول التي تعمل ضمنها وفي مجالها الجوي غير مستقرة سياسياً وفيها معدلات جريمة منظمة مرتفعة جداً، مثل دول شرق أفريقيا وسوريا، ولذلك بالتأكيد يحتاج التدقيق في طبيعة عملها للكثير من البحث في المستقبل».

عدا الشركات السابقة، جرى الاحتفاء بحركة الطيران بين دمشق واليونان، والتي قال المدير العام لمؤسسة الطيران المدني باسم منصور لجريدة الوطن السورية إنه «سيتم لاحقاً ربط هذا الخط مع مدينتي دوسلدورف بألمانيا وستوكهولم في السويد، بمعدل رحلة أسبوعياً بشكل مبدئي، مع إمكانية زيادة عدد الرحلات في حال زيادة الطلب من المسافرين».

وبالفعل تم افتتاح شركة FreeBird كوكيل حصري لشركة طيران Air Mediterranean اليونانية في دمشق في أيار (مايو) 2023، وكان إعلانها الأول عن «عودة حركة الطيران بين سوريا وأوروبا بعد انقطاع دام 12 عاماً»، وهي جزء من مجموعة تجارية تسمى ALDJ GROUP. وقد خفّفت عملية نقل المسافرين بين سوريا وأثينا تكاليف السفر نحو أوروبا، وذلك عبر وكيل شركة mediterranean في دمشق، وهي شركة freebird travel agency، ولكن حتى وقت كتابة هذا التقرير لا يوجد أي رحلات مباشرة بين ألمانيا وسوريا، رغم إصرار الشركة على الترويج لهذه الرحلة حتى الصيف الماضي عبر صفحتها على فيسبوك. الحقيقة أن الرحلة تشمل بلد عبور ثالث للتوقف من أجل ترانزيت، وهذا ما لا تقوله الشركة. 

تعود ملكية شركة FreeBird إلى محمود عبد الإله الدج، سوري الجنسية من مدينة تل رفعت الواقعة في ريف حلب الشمالي، ويشغل منصب المدير العام للشركة في كل من دبي ودمشق وأثينا منذ عام 2017. وبالإضافة إلى جواز سفره السوري، يحمل جواز سفر صادر من السلطات الليبية في مدينة مصراتة، وورد اسمه عام 2021 مع سبعة متهمين آخرين بقضية تهريب المخدرات من سوريا إلى الموانئ الليبية، وحكم عليه بالإعدام غيابياً بحسب أوراق القضية 3 لسنة 2019 والتي نشرتها صحيفة العربي الجديد ضمن تحقيق استقصائي. كما تم إدراج اسم شركة الدج من قبل الاتحاد الأوروبي ضمن قائمة عقوباته المتعلقة بالوضع الراهن في سوريا في منتصف كانون الثاني (يناير) 2024، بالإضافة لشركة أجنحة الشام ومؤسسة الطير الحر للسياحة والسفر وشركة إيلوما للاستثمارات الخاصة وشركة العقيلة، وذلك «لدعمهم أنشطة النظام السوري بنقل المرتزقة وغسيل الأموال وتجارة المخدرات وتجارة الأسلحة».

بينما يؤكد بحثٌ أجراه مرصد الشبكات السياسية والاقتصادية بالتنسيق مع صحيفة دير شبيغل الألمانية، أن شركة FreeBird بدأت نشاطها بالتزامن مع بدء رحلات شركة Air Mediterranean بين أثينا ودمشق في 8 آذار (مارس) 2023، وتم تقديم الشركة في حفل إطلاقها كشركة طيران بدلاً من وكالة سفر، بينما ضمَّ حفل الإطلاق صوراً لشركة أجنحة الشام، ما يؤكد على وجود علاقات مستمرة بين شركة FreeBird وأجنحة الشام، التي يشير إليها الدج عبر صفحته الخاصة على فيسبوك كونه وكيلها الحصري في ليبيا، على الرغم من أنه لا يمكن حجز رحلات أجنحة الشام على موقع FreeBird، ليقوم لاحقاً بحذف جميع معلوماته الشخصية وأماكن عمله من حسابه الشخصي على فيسبوك. 

ليست غريبة علاقة إدارة شركة Air Mediterranean مع النظام السوري، فقد تم إدراج اسم أندرو حلاق كمدير للشركة في بيان صحفي لها عام 2017، وعلى الرغم من تغير ملكية الشركة مع مرور الوقت، لكنها ضمّت دائماً أندرو وفانتي حلاق، ومؤخراً أدرجوا والدتهم، نانتا، في الشركة اعتباراً من 28 آب (أغسطس) 2023. 

هناك أدلة أن عائلة الحلاق لديها بعض الوصول إلى نظام الأسد من صورة جورج الحلاق، والد أندرياس وفانتي، مع وزير الخارجية والمغتربين السوري فيصل المقداد. وكذلك يُعرف جورج حلاق في الأوساط الصحفية اليونانية «كممثل للاستثمار اللبناني في الشركة»، وفي 11 حزيران (يونيو) 2021، أفادت وكالة الأنباء السورية الرسمية سانا عن زيارة أجراها جورج حلاق إلى دمشق، بصفته مساعد الرئيس ووزير جنوب أوروبا والشرق الأوسط وأفريقيا والمبعوث الخاص لرئيس جمهورية غَيانا.

فيصل المقداد يستقبل جورج حلاق-سانا

متاهات «العقود التشاركية» للهيمنة على المطارات

أشار تقرير نشرته صحيفة الغارديان البريطانية للباحث السوري كرم شعار إلى إنشاء النظام السوري شركات وهمية في محاولة ممنهجة لتجنب العقوبات، ويُظهر التقرير روابط واضحة بين أصحاب الشركات الوهمية الجديدة ورئيس النظام السوري والزمرة المتحكمة باقتصاد البلاد، بما في ذلك الأفراد الخاضعين للعقوبات.

عاد استحداث هذه الشركات إلى الواجهة مع إعلان جريدة البعث الرسمية في تموز (يوليو) الماضي عن نية مشاركة القطاع الخاص في عمليات استثمار وإدارة وتشغيل المطار بعملياته الجوية والأرضية، بحيث تتوزع الحصص بين 51 بالمئة لمؤسسة الطيران العربية السورية و49 بالمئة للمستثمر الشريك، وشمل الإعلان «الدفاعَ عن الاستثمار في ظل الظروف الخانقة». وبعد أربعة أيام من ذلك، نشرت الصحيفة ذاتها إيضاحات بشأن الاستثمار، معلنةً عن اسم الشركة المُسثمرة وهي إيلوما للاستثمار المساهمة المغفلة الخاصة.

وبيّنت الصحيفة الناطقة باسم حزب البعث أن الاستثمار لا يتعلق بأرض المطار «لما يمثّله من سيادة للدولة السورية»، بل سيكون لشراء وصيانة الطائرات والمحركات وقطع التبديل والوصول بالأسطول إلى عشرين طائرة، بالإضافة إلى رفع قدرة العمليات الأرضية لتخديم أكثر من 25.000 رحلة سنوياً لكافة النواقل الوطنية والأجنبية، ورَفعِ عدد الركاب إلى أكثر من 3 ملايين راكباً سنوياً، عبر ضخ استثمارات قدرها 300 مليون دولار أميركي خلال 20 عاماً. فيما يؤكد التقرير أن الاستثمار لن يكون في مطار دمشق فقط، بل يشمل جميع المطارات التي تستخدمها المؤسسة السورية للطيران. 

ستحصل شركة إيلوما لقاء ذلك على نسبة 20 بالمئة من الإيرادات الصافية في أول عشر سنوات من الاستثمار، وسيتم رفعها لتصبح 25 بالمئة من الإيرادات الصافية في السنوات العشر التالية.

إعلان جريدة البعث الرسمية

وفي العدد الخامس من الجريدة الرسمية لعام 2023، ضمن القرار رقم 3469، صادقت وزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك على النظام الأساسي لشركة إيلوما للاستثمار المساهمة المغفلة الخاصة، والتي تختص بـ«إدارة واستثمار المنشآت التي تعمل في مجال السياحة وخدمات المطارات»، برأس مال قدره 100 مليون ليرة سورية، وتعود ملكيتها لثلاثة أشخاص يحملون الجنسية السورية، هم علي محمد ديب (مواليد 1989) بنسبة 33 بالمئة، ورزان نزار حميرة (مواليد 1991) بنسبة 33 بالمئة، وراميا حمدان ديب (مواليد 1981) بنسبة 34 بالمئة.

وينحدر كل من علي وراميا ديب من محافظة اللاذقية، والأرجح أن لهما صلة قربى باللواء ناصر ديب، أحد مؤسسي شركة سند للحماية الأمنية، والذي يشغل كذلك منصب نائب وزير الداخلية.

الصورة من مرصد الشبكات السياسية والاقتصادية، تُنشر لأول مرة

وتمتلك رزان حميرة وراميا ديب أسهماً في شركة Infinity sky light لتجارة اللواقط الشمسية ومستلزمات الطاقة البديلة، وسبع شركات أخرى بالشراكة مع علي نجيب إبراهيم، الواجهة الاقتصادية ليسار إبراهيم، واجهة القصر الجمهوري الاقتصادية والمسجل رسمياً كمالك لنصف أسهم شركة الاتصالات الجديدة وفا للاتصالات التي لم ترَ النور حتى الآن.

 

واللافت أن نشاط شركة إيلوما المُتمثل في إدارة شركات الطيران والمطارات، قد صادقت عليه وزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك في حكومة النظام قبل الإعلان عن الاستثمار بأربعة أشهر، كما يظهر في نسخة قرار الوزارة رقم 729.

وكان مجلس الشعب قد أقرّ في نيسان (أبريل) 2021 قانون الاستثمار رقم 18 لعام 2021، الذي يهدف إلى «إيجاد بيئة استثمارية تنافسية لجذب رؤوس الأموال»، وتنص المادة الرابعة منه على حرية الاستثمار ومكافحة الممارسات الاحتكارية المخلة بالمنافسة والعدالة في منح الفرص الاستثمارية، إلا أن هيئة الاستثمار السورية لم تعرض على موقعها الرسمي أي فرصة استثمار ضمن قطاع النقل الجوي.

ولكن رغم هذا، مُنِح استثمار تشغيل المطارات لشركة إيلوما بموجب عقد قائم بالتراضي بين مؤسسة عامة ومستثمرين ليسوا إلا إحدى واجهات النظام الاقتصادية.

في أواخر العام الماضي تحوّلت لوحات الإعلانات الطرقية في دمشق لشاشاتٍ حمراء كُتب عليها «في سماء سورية… قريباً»، ويُقابل هذه العبارة طائرةٌ مدنية تُحلق بين الغيوم. كان مثيراً للسخرية انتشار الإعلان مع خروج مطاري دمشق وحلب عن الخدمة إثر الغارات الإسرائيلية، وبعد ذلك اختفى الإعلان وأثره دون أي تصريحٍ حتى اللحظة عن ماهيته. بالتأكيد كسرَ زلزال السادس من شباط عزلة النظام وعزلة المجال الجوي السوري، إلّا أن أثر العقد الأخير وما رافقه من استباحة المجال الجوي السوري عسكرياً ستبقى حاضرة، شأنه شأن استحواذ النظام ومحاسيبه على اقتصاد الطيران المدني وإغراق شوارع دمشق بإعلانات رحلاتٍ جوية تنتشر وتختفي دون تفسير.