السفر في اللجوء والهجرة
أنواع الإقامات الألمانية وإشكالياتها
خلال مرحلة ما بعد الحصول على حق اللجوء، تَختلفُ الحالة الإجرائية بين أنواع تصريحات الإقامة المختلفة والحماية المؤقتة، وأحياناً تصريح الإقامة المتسامح (Duldung). الحماية المؤقتة مثلاً؛ لا تسمح لحامليها وحاملاتها بتغيير المدينة أو الولاية التي تم فرزهم-ن إليها عند الوصول، إلا في حالات خاصة تتعلق بالعمل أو الدراسة، ويحتاج ذلك إلى إجراءات طويلة. كما أنه ليس لهم-ن الحقّ في لمّ شمل عوائلهم-ن، ولا يحصلون على جواز السفر الأزرق؛ أي أنهم عملياً غير قادرين-ات على السفر خارج ألمانيا إلّا في نطاق الاتحاد الأوروبي، وذلك بعد تقديم طلب في دائرة الهجرة. أحد أسباب الحصول على حماية مؤقتة بدلاً من تصريح الإقامة هو عدم حيازة جواز سوري ساري المفعول.
الاضطرار إلى الذهاب إلى السفارة السورية لتجديد جواز السفر السوري كشرط للحصول على تصريح إقامة أو تجديدها يُدخلنا دهليزاً جديداً من التناقضات البيروقراطية والأخلاقية؛ حيث يُحتِّم على اللاجئ-ة الذهابَ إلى السفارة السورية بكل ما في ذلك من تجاهل لرعب الناس من هذا المكان الذي يمثل نظاماً هربوا منه، ويُشكّل تطبيعاً مع الجرائم ضد الإنسانية التي ارتكبها هذا النظام، ودعماً مادياً مباشراً له؛ إذ أن تكلفة إصدار الجواز السوري تتراوح بين 250-700 يورو، ما يعني أكلافاً ضخمة كما في حالة ي.م، التي تضطر إلى تجديد جوازها كل عامين ونصف لتجديد فيزا العمل التي أتت على أساسها، فهذه القوانين ليست حكراً على اللاجئين-ات فقط.
م.إ قاومت هذا الشكل من التطبيع الإجباري مع النظام لسبعة أعوام، رفضت خلالها تجديد جوازها السوري، فلم تحصل إلا على الحماية الثانوية منذ لجوئها عام 2015، فتخلّت بذلك عن ميّزات الإقامة والجواز الأزرق، بالتالي عن إمكانية الحركة خارج ألمانيا، حتى اضطرت منذ فترة قصيرة إلى الرضوخ وتجديد جوازها السوري للتقديم على جنسية البلد الذي أصبحت تتحدث لغته، وتُدرِّس في إحدى جامعاته.
أما عن حملة الجواز الرمادي، أي عديمي-ات الجنسية مثل الفلسطينيين-ات، فيحتاجون إلى إذن زيارة (فيزا) إلى كل البلدان تقريباً، وكثيراً ما تتم عرقلة الموافقة أو تسهيلها حسب العلاقات الدبلوماسية السائدة بين البلد الأم وبلد الإقامة الحالية والبلد الذي تُطلَب زيارته. بلدان الشنغن يُشكِّلون هنا الاستثناء الوحيد، إذ يحق لحملة الجواز الرمادي الإقامة في أيٍّ منها لمدة ثلاثة شهور دون فيزا.
الوصائية البديلة على حرية الحركة ضمن بلد اللجوء
يحقُّ للاجئ حامل الإقامة الحصول على الجواز الأزرق، مع التذكير بمحدودية عدد البلدان التي تعطي فيزا لحامليه، و عدم تناسي القانون الألماني الساري على متقاضي المساعدات المالية من قبل مكتب العمل (Jobcenter)، حال كل اللاجئين-ات قبل دخولهم-ن سوق العمل، وهو قانونٌ يسمح بمغادرة المدينة أو البلد لمدة أقصاها واحد وعشرون يوماً، وذلك بعد تقديم طلب مغادرة المكان والحصول على موافقة خلال مدة أدناها ثلاثة أسابيع، ما يعطي الدولة وصاية على حركتهم-ن حتى في الداخل الألماني. يُرينا ما سبق أن اللاجئين-ات يعيشون حدوداً مكانية وزمانية من نوع جديد داخل ألمانيا، حتى بعد تخطيهم للحدود الجيوسياسية الخارجية للبلد عند عبورهم إلى داخله.
وإذا عُدنا إلى الفترة التي يكون فيها هؤلاء قادمين-ات جدداً إلى ألمانيا، ولا يزالون في فترة التقديم على اللجوء وانتظار المحكمة التي ستوافق على لجوئهم أو ترفضه، فلا يحق لهم-ن حتى التحرُّك بين الولايات والمدن، بل لا يحقُّ لهم-ن استقبال الضيوف خارج أوقات الزيارة في مراكز اللجوء، ما يجعل مكان إقامتهم-ن أشبه بالسجن من كونه بيتاً مؤقتاً. فإنّ البيت هو المكان الذي يمكنك أن تستقبل فيه ضيوفاً، وتستطيع مغادرته والعودة إليه أنّى أردتَ ذلك حسب تفكير ياسين الحاج صالح حول المساحات الثلاث: البيت/الوطن، والسجن، والمنفى. فإذا مُنعنا من الخروج من البيت/الوطن أصبح سجناً صغيراً أو كبيراً، وإذا مُنعنا من العودة إليه أصبحنا منفيّين.
السفر في سياق جندري
الانتظار كما وصفته نائلة منصور في مقالها احركلك حركة، أنت رجّال هو حالة سورية، فرضها علينا نظام الأسد بإخراجنا عن السياسة والفعل، وبذلك عن الزمن. لكنها كانت حالة تميلُ لأن ترتبط بالنساء أكثر من الرّجال، فهن ينتظرنَ المعتقلين، والعرسان، والفَرَج. أما الرجال فيتحايلون على الانتظار بأن يخرجوا ويتحرّكوا.
يسقط التوزيع الجندري عن حالة الانتظار في فترة اللجوء الأولى، والتي هي فترة اعتباطية إدارياً حسب درجة الضغط على الدوائر المسؤولة، لأن حركة الجميع تكون مشلولة على حد سواء حتى يتم الاعتراف بهم-ن كلاجئين-ات بحكم محكمة.
في فترة الانتظار المُحتّمة يميلُ بعض الرجال إلى الشعور بخلل هويّاتي يسبّب فقداناً للأمان من نوع جديد، يضع دورهم الوجودي مكان تساؤل بعد أن فقدوا أمانهم الحياتي والمعيشي في بلدهم; حيث يُطلَب منهم التخلّي عن أدوارهم السابقة كمُعيلين للأسرة ومُشرّعين لقوانين المنزل وقضاة لشؤون أسرتهم، وتسليمها للدولة الجديدة التي تكون مرجعيتها القوانين المدنية، وليس الدين والتقليد.
تتضّح هذه الحالة في قصة أحد المعارف الذي اختار العودة بأطفاله إلى إحدى أكثر المدن السورية تأثراً بالحرب، لأنه على خلاف مع زوجته التي تريد الانفصال عنه وتربية الأطفال وحدها. كان يرى في فقدان سلطته على الأسرة، وتربية زوجته للأطفال تحت مظلَّة قانون ألمانيا المدني، انهياراً مضاعفاً لأمانه، ما جعله يُهاجر عكسياً إلى دولةٍ هرب منها، ويعيش حالة «استعادة للوطن الأصلي» الذي يُعيد له دوره كأب وسلطة وحيدة على أطفاله تحت مظلة الدين والعائلة، فيستعيد بذلك أمانه، ودوره الوجودي كرجل.
أما النساء، سواء كُنَّ مهاجرات أو لاجئات أو مقيمات للدراسة أو العمل، يشكُّل السفر بالنسبة لهنَّ تحدياً لا يقارن بنظيره للرجال. إذ أن المساحات العامة أضيق على النساء، وتشير إحدى الدراسات إلى أن 50 بالمئة من النساء في العالم يقمنَ بتغيير سلوكهنَّ بشكل دوري عند تواجدهنَّ في الأماكن العامة، تفادياً للتحرش، لدرجةٍ قد تصل إلى تفادي التواجد في الأماكن العامة أصلاً.
تبرزُ الفجوة الجندرية في قطاع السياحة عالمياً بدءاً من الفنادق وسيارات التوصيل، ونجد دليلات سياحيات مخصصات للنساء فقط في بلدان كالهند ونيبال وبوتسوانا. تبدو لي هذه الحلول ضرباً من ضروب العرض والطلب، تتمثل في تقديم خدمات حماية سياحية نسائية مدفوعة أثناء السفر، أكثر من كونها حلّاً حقيقياً للتحرش في قطّاع السياحة، فهي تزيد على النساء تكاليف سفرهنّ، فتصبح الفجوة هنا فجوة جندرية ومالية؛ قد تصل إلى منع النساء من حجز غرفة فندق والإقامة فيها دون مرافقة زوجها، أو رجل مُحرَم من أسرة هذه المرأة، كما يحصل في مصر بشكل متكرر كواحد من أشكال التحرش الهيكلي. تجدر الإشارة هنا إلى أن هذا المنع يحصل اعتباطياً دون أساس قانوني. أخبرتني طالبة ماجستير عربية، وعُمرها في نهاية العشرينيات، أنها لا تدرس فرع أحلامها بل فرعاً قريباً منه، وذلك لوجود شرط للنجاح في فرعها المفضّل يقتضي الإقامة خارج ألمانيا لفصل دراسي كامل. تفسيرها لعدم القدرة على المشاركة هو كونها غير متزوجة، ولا يسمح أهلها بسفرها لوحدها، علماً أنها تحمل الجنسية الألمانية. لهذا المثال أن يخبرنا كم هو أبويٌ جذر مشكلتنا الذي يتمثل تارة بسلطة الدولة وقوة جواز السفر، وتارة بالسلطة الأبوية الدينية العائلية.
تفتح لنا القصة السابقة نافذة على السؤال اللّولبي، فيما إذا ما كان التّدين وحده منبعاً لشلل حركة النساء وقدرتهنّ على التنقل أم لا، فستُغلق قصة م.ز الباب على هذا السؤال لتؤكد لنا أن تجارب الناس مختلفة في هذا الموضوع. هي امرأة محجّبة في منتصف العشرينيات، وترى في الاصطياف والسياحة غاية أساسية في السفر، وتسافر مع صديقاتها كثيراً. أخبرتني أنها ترى حتى في اللجوء والحصول على إقامة ريثما تحصل على الجنسية مجالاً أوسع للسفر بين البلدان الأوروبية، تستمتع به كثيراً، ولم يكن متاحاً عندما كانت تعيش في سوريا كمواطنة. تبتعد م.ز بذلك عن سردية المظلومية في الحديث عن اللاجئين-ات أولاً، والمتديني-ات ثانياً.
السفر في السياق العالمي
السياحة من زاوية نقدية
تؤدي العولمة عند شتيفين ماو إلى السكون والجمود أكثر منه إلى الحركة والتنقّل. دليله على ذلك أنّه في ستينيات القرن المنصرم كانت حرية السفر بالنسبة إلى سكان البلدان الأفريقية أكثر سهولة من اليوم. يتكلم ماو عن وجود أرستقراطٍ عالمي في قطاع السفر ينحصر ضمن دول منظمة التعاون والتنمية الاقتصادية/ OECD ودول الخليج، ومجدداً الهند والطبقتين العليا والوسطى في الصين.
بين 80 و90 بالمئة من سكان العالم لم يسبق لهم-ن أن سافروا بالطائرة قط، وفقط 2 إلى 3 بالمئة من سكان العالم يسافرون سنوياً عن طريق الجو.
المسافر-ة الغربي-ة (ويشمل ذلك المسافرين-ات من أصول مهاجرة، لكنهم يحملون الجواز الألماني مثلاً) يسعى إلى النمو من خلال السفر، ويوسع دائرته المعرفية ومدى إدراكه، ويرفع عتبة اللذة التي تصبح في مجتمعات الرفاه، وبفعل الحياة الاستهلاكية، صعبةَ الإشباع على كل الأصعدة. تُرفَع عتبة اللذة ابتداءً بتذوق الطعام الغريب، وصولاً حتى إلى السياحة الجنسية التي تُمارَس في بعض الأحيان مع قُصَّر. السياحة ليست ممارسة موحّدة، بل إنها كغيرها تختلف بين الأذواق والمستوى الثقافي والاقتصادي الذي ينتمي إليه الناس. كما أن هنالك نظرة عامّة تفوق الحقيقة تجاه علاقة المجتمعات الغربية بالسياحة، إذ أنه في العام 2019 كان ثلث سكان الاتحاد الأوروبي غير قادرين-ات مادياً على القيام برحلة سياحية سنويّة، وفي عام 2022 كان 20.9 بالمئة من الشعب الألماني غير قادر ماديّاً على السياحة.
لكن في كل الأحوال غالباً ما تكون السياحة حالة إكزوتيكية (exotic)، حيث يسافر الأشخاص الحاملون لجواز السفر الأقوى المرتبط شرطياً بالحالة الاقتصادية الأقوى، ويدفعون أبواب حدودهم السائلة بخفة «ليسوحوا» حرفياً، ينبهرون بالغرابة، يرون «الآخرين» لكنهم لا يتعرفون عليهم-ن، ثم يعودون إلى بلدانهم ليكملوا استهلاك «العادي» وإعادة إنتاجه.
الشواطئ التي يستلقي عليها السائح ذو جواز السفر الغربي من الطبقة الوسطى والعليا، كلّما رغب في ذلك، تُدفَع عليها أموال وحيوات لبلوغ الوجهة المعاكسة بحثاً عن النجاة، وطلباً لحياة كريمة. السُيَّاح في الغالب من عامة الشعب، ولا يدَ مباشرة لهم في تعامل حكوماتهم مع ملف اللاجئين-ات، وهم-ن أنفسهم-ن يعيشون تحت ضغط زيادة الإنتاج ضمن الأنظمة الرأسمالية على مدار العام، لكي يستهلكوا أوقات فراغهم-ن في بلدان هم أفضل حالاً من سكانها اقتصادياً.
لا ضير في السياحة كحالة استجمام واستكشاف بحد ذاتها، إذا لم نكن بصدد تأثيرها التلوثي على البيئة. الضيرُ في السياحة يكمن في سياقها العالمي حالياً، والذي يأخذ شكل تيارات سفر أحادية الجهة، وبالرغم من ذلك تجدنا نستخدم مصطلحات «كموجات اللجوء». وفي الدوائر المحافظة غير المرحِّبة باللاجئين-ات في ألمانيا نسمع مصطلح «سيّاح الاقتصاد»؛ كأن اللاجئين-ات في حقيقة الأمر يقومون بنزهة في أوروبا بحثاً عن المال، ثم يعودون إلى بلدانهم الحارة ليستمتعوا بالعطلة.
أشكال أخرى للسفر المتاح للبعض فقط
über sich hinauswachsen فعلٌ مركب باللغة الألمانية يقابلهُ بالإنكليزية to surpass oneself. المعنى الحرفي لذلك هو أن يتفوق الشخص على نفسه أو أن يتجاوز إمكانياته الراهنة، وهو الفعل الذي يسعى إليه الكثيرون-ات من الألمان-ات الذين سألتُهم-ن عن غايتهم-ن من السفر.
من الخطأ حصرُ المفاهيم الغربية للسفر في السياحة. غالباً ما يقوم الطالب الجامعي الألماني مثلاً بتجربة الفصل الدراسي التبادلي ضمن برنامج يدعى ايراسموس، حيث تستقبل الجامعات طلاباً وتبتعث طلاباً. ولنا أن نتخيل صعوبة الحصول على فيزا والتكاليف المتعلقة بالإقامة بالنسبة للطلاب المبتعثين من تركيا إلى ألمانيا مثلاً، مقارنة بالطلاب الألمان المبتعثين إلى تركيا.
هنالك توجه أوروبي، وألماني خاصة، يشجِّع على السفر في مرحلة ما بعد المدرسة وقبل اختيار التخصّص المهني أو الفرع الدراسي، لمدة عام غالباً ضمن برامج متنوعة تنظم هكذا سفريات وإقامات للطلاب. والكثيرون-ات ممن خاضوا التجربة أخبروني أنهم سافروا إلى بلدان العالم الثالث أو دول ناشئة، مع التحفظ على هذه المصطلحات، ليقوموا بتدريس التلاميذ هناك، أو ليتطوعوا كمدربين-ات في مشاريع تنموية، ما يجعل دورهم-ن تنويرياً رغم صغر سنهم-نّ وقلة خبرتهم-نّ. إحداهنّ أخبرتني: «بعد مرور الوقت أصبحتُ أسألُ نفسي؛ ما الذي كان يجعلني كفؤاً وأنا في الثامنة عشر من العمر لأن أشرح الرياضيات والكيمياء لطفل ناميبي في الثانية عشر من العمر، دون أن يتم اختبار قدراتي؟».
******
كلّ هذه أمثلة تكثّف لنا ارتباط القدرة على الحركة بتوزّع رأس المال والسلطة، وليس الهدف منها شيطنة السفر ولا الإنسان الأبيض لكونه قادراً على السفر، بل هي تسليطٌ للضوء على تمثيل السفر لانعدام توازن توزّع السلطة ورؤوس الأموال الثقافية والمادية حول العالم، ومساهمته المباشرة فيه.
عودةً إلى الشتات السوري
أجابني 20 من أصل 22 سوري-ة، مجنّس-ة وغير مجنّس-ة، في ألمانيا على سؤالي عن غايتهم-ن من السفر بالقول إنهم-نّ يرون في السفر غاية استجمامية وسياحية، بحثاً عن الشمس ولرؤية الثقافات والطبيعة.
لكن هنالك جزئية في السفر تخصّ الشتات السوري في ألمانيا، ألا وهي فكرة زيارة الأقارب والأصدقاء المتوزعين بين بلدان مختلفة، فيصبح السفر وسيلة للم الشمل والاجتماع ببعضنا أكثر منه غاية لزيارة بلد لقيمته السياحية.
ه.ق كانت وجهتها الأولى بعد حصولها على جواز سفر ألماني هي مصر، لزيارة أخيها. كما أكدت على أهمية السفر للتعرُّف على ذاتها وعلى ألمانيا بلد إقامتها أكثر، حيث أنها تعتبر أننا نتعرّف على الأشياء أكثر عندما نبتعد عنها. حالة حزم الأمتعة واختيار اللازم من غير اللازم هي جزءٌ من التعرّف على الذات والأشياء عندها. تقول: عندما نعيش بين أشيائنا، لا نعود نميز المهم منها من غير المهم.
أما صديقتي صاحبة صورة جواز السفر الأحمر على فيس بوك فهي لم تعش تجربة اللجوء، بل جاءت عن طريق فيزا دراسية، والتي كانت ستارة على سبب قدومها الحقيقي، ألا وهو صديقتها الحميمية المقيمة في ألمانيا من قبل الثورة.
دائماً ما تخبرني أنها رغم حصولها على جواز السفر الألماني، فإن رؤية البلدان الجديدة بالنسبة لها ثانوية للغاية أمام رغبتها بأن تكون بين أصدقائها، فتسافر معهم-نّ أو إليهم-نّ. وجهتها المتكررة في السفر كانت دائماً سوريا، قبل التجنيس وبعده، حيث لم تُحرَم من زيارتها بسبب إقامة الدراسة التي أتت على أساسها. كانت تدخل الأراضي السورية عن طريق الحدود اللبنانية، و تُعامَل كغيرها بسوء هناك، لذا كانت فرحتها بالحصول على الجنسية الألمانية تكمنُ بأن «تتمختر» على الحدود اللبنانية، وتدخل الأراضي السورية «بشوية كرامة».
خاتمة
عند استلام الجنسية الألمانية يتم إخبارنا أننا ألمان في كل العالم ما عدا في سوريا، بما أن الجنسية السورية لا تسقط عنّا. بمعنى أننا نستطيع استعادة وثائقنا، وحرّية تحركنا في كل العالم، لكننا إذا ما زُرنا سوريا فسنعود مواطنين-ات سوريّن-ات، نُبرز «الهواوي»هويات بمعنى وثائق إثبات الشخصية، والكلمة هي جمع هوية بالطريقة التي ساد استخدامها من قبل عناصر الجيش عند حواجز التفتيش الأمنية في سوريا. على الحواجز الأمنية، فتبقى حركتنا مُعاقة حتى بين شوارعنا.
أخبرني أحد الأصدقاء أنّ التفتيش على الحواجز ليس حكراً على السوريين-ات فقط، بل يتم تفتيش الأجانب على الحواجز أيضاً، فأجبته بأن المفارقة هنا تكمن في «الكودات» الطائفية على الهويّة السوريّة، كالاسم والكنية ومكان الولادة، التي قد تصل لأن تكون كفيلةً بالاعتقال أو حتى التصفية عند الحاجز.
أما عن سؤال السفر في السياق العالمي: هنالك تفاوت في إتاحة السفر وتسهيله للقسم الثّري من العالم، ثم تصعيبه بشكل لا معقول للجزء المتبقي منه، لدرجة تصل إلى ترك المهاجرين-ات تحت رحمة البحر والطقس، في تقصير يرقى لأن يكون ضلوعاً في جريمة كبرى. حالياً، يبلغ هذا التفاوت أقصاه من خلال إعلان الاتحاد الأوروبي عن الإجماع على تعديل قوانين اللجوء، والذي من شأنه الإمعان في تصعيب إجراءات اللّجوء وتسهيل الترحيل، كأحد أشدّ أنواع التسّفير القسري سوءاً .