أودت الضربات التي نفّذتها القوات الجوية الأردنية يوم الخميس 18 كانون الثاني (يناير) 2024، في ريف السويداء جنوب سوريا، بحياة عشرة أشخاص من بينهم طفلتان، بينما قتلت تاجر مخدرات واحد بحسب المرصد السوري لحقوق الإنسان. أحد ضحايا هذا الهجوم الذي تركّز في بلدتي عرمان وملح هو العقيد الركن المتقاعد نزيه الحلبي، وهو من رواد ساحة الكرامة والحراك الشعبي في السويداء.
وفي ظل عدم قدرة الأهالي والمجتمع المحلي في المنطقة على الحصول على تصريحات وتوضيحات من السلطة الأردنية، غلبت حالة من الاستياء والغضب بين السكان المتضررين. وتساءل البعض إن كان غياب الدقة المتكرر في القصف يَهدفُ إلى توجيه رسالة تتجاوز تُجّار المخدرات أنفسهم إلى المجتمع المحلي، والضغط على العشائر والعائلات المحلية بين البدو والدروز للحد من التهريب في المنطقة.
لكن إن كانت هذه هي النية، فلماذا تتجاهل المملكة الهاشمية كل الأيادي الممدودة لها من المجتمع المحلي في السويداء وترفضُ أي مبادرة لتوحيد الجهود في القضاء على التهريب، خاصة بعد أن بارك الشيخ حكمت الهجري شيخ عقل طائفة الموحدين الدروز الضربات الأردنية وطالبها بتحييد المدنيين فقط؟
أيضاً وفي السياق نفسه، قامت حركة رجال الكرامة، وهي أكبر فصيل عسكري في السويداء، بمجموعة من العمليات على نطاق متوسط في المدينة منذ بداية العام، اعتقلت جرّائها أحد أكبر تجار المخدرات داخل المحافظة وقامت ببث اعترافاته في فيديو نشرته على صفحتها الرسمية في فيسبوك. وقامت بمداهمة وكر عصابة تمتهن الترويج للمخدرات، وإتلافِ المواد المُصادرة. واقتلعت كولبا في حي الخزانات كانت اتهمت أصحابها بالترويج للمخدرات في المدينة.
وأصدرت الحركة عبر صفحتها على فيسبوك أيضاً، أول أمس السبت 20 كانون الثاني (يناير) 2024، بياناً من تسعة بنود طالبت فيه الحكومة الأردنية بوقف عملياتها ضد المدنيين، وحمّلت «أجنحة أمنية وعسكرية» في «الدولة السورية» مسؤولية «نشر الفوضى»، و«تسهيل عبور شحنات المخدرات إلى السويداء وتحويلها إلى منطقة تخزين وتهريب إلى الأردن». وأبدت الحركة استعدادها للتعاون مع السلطات الأردنية من أجل تسليم كل المطلوبين من أبناء المنطقة، وحثّت العائلات والمرجعيات الأهلية وجميع الفعاليات المدنية على إصدار مواقف واضحة ضد المهربين والوقوف عند مسؤولياتها «والعمل على استعادة مؤسسات الدولة السورية، لخدمة الشعب».
ويقول الكثيرون من أبناء المنطقة إنه إذا كان الهدف من الضربات الأردنية إيقاف تهريب المخدرات بالفعل، فعلى المملكة ألا تتجاهل «رأس الأفعى»، أي الأجهزة الأمنية السورية. ويقول من خَدَم منهم في قوات النظام، ولا سيّما في الفرقة الرابعة، إنهم تعرّفوا على حبوب الكبتاغون للمرة الأولى في حياتهم أثناء هذه الخدمة قبل عقد من الزمن، حيث كانت «توزع عليهم بالمجّان». أما الآن، فالشيء الوحيد الذي يقوم به القصف الأردني هو رفع سعر مادة الحشيش، ليس بسبب عدم توفُّرها، بل لأن «الديلر» يتحجُّج بالقصف الأردني لرفع الأسعار.
بدأت اتهامات متبادلة تظهر بين مختلف الفصائل المحلية، وبدأ تداولُ أسماءَ على أنها لمهربين من العيار الثقيل، ولهذا تعلو الأصوات لرفع الغطاء عن هؤلاء الأشخاص ومحاسبتهم عشائرياً بعد ثبات تورطهم. قد يبدو هذا الكلام مقبولاً، لكن تطبيقه يحتاج لإرادة شعبية موحدة ومؤسسة عسكرية منظمة، سيّما في ظل تداعي نظام الأسد وتركه الناس في مواجهة ما اقترفت يداه.
لا يخفى على أحد صعوبة الوضع وتعقيده في سوريا، والتوازن بين محاربة الجريمة وحقوق الإنسان مسألة حساسة في الأصل وتتطلب استراتيجية فعّالة، وهذا يتطلب حواراً وتنسيقاً بين المملكة الأردنية الهاشمية والمجتمع المحلي في السويداء، وتفاعلاً إقليمياً ودولياً يُهدِّئ من مخاوف أبناء المنطقة، ويمنع النظام السوري وداعميه من الاستمرار في تصدير أزماته المختلفة إلى الإقليم والعالم.