عاشت سوريا كوارث متتابعة في عام 2023، بدايةً من الزلزال الرهيب الذي ضربَ شمال وغرب البلاد وتبعاته، وانتهاءً بتوقُّف مساعدات برنامج الغذاء العالمي. وظلّت البلاد تعيش أزماتها المتفاقمة بما يتعلق بالمحروقات والكهرباء والدواء وانخفاض القدرة الشرائية.
تشهد مختلف المناطق السورية، بصرف النظر عن الجهات المسيطرة، ظروفاً متشابهة من حيث صعوبة العيش وإمكانية تأمين متطلبات البقاء. نلخّص في هذا التقرير أبرز المعطيات والمؤشرات المعيشية مع نهاية هذا العام.
زلزال السادس من شباط
قدّر البنك الدولي الأضرار الناجمة عن الزلزال في سوريا عند 3.7 مليار دولار أميركي، في حين بلغت الخسائر نحو 1.5 مليار دولار أميركي، ليبلغ إجمالي قيمة الأضرار والخسائر 5.2 مليار دولار. وتُمثِّل الخسائر انخفاضَ الإنتاج في القطاعات الإنتاجية وتقلّص الإيرادات وارتفاع تكاليف التشغيل في مجال تقديم الخدمات. ويتصدّر قطاع الإسكان قائمة القطاعات المتضررة بنسبة 24 بالمئة من إجمالي الأضرار، يليه قطاعات النقل والبيئة نتيجة التكلفة المرتبطة برفع الأنقاض، وأخيراً قطاع الزراعة الذي تكبَّد أضراراً مرتفعة بسبب نقص إمدادات المواد الغذائية بمقدار 1.3 مليار دولار أميركي (83 بالمئة من إجمالي الخسائر).
ووفقاً لتقديرات البنك الدولي، تعرّضت محافظة حلب لأكبر قدرٍ من الأضرار (44 بالمئة من إجمالي الأضرار، أغلبها في قطاع الإسكان ثم الزراعة)، تلتها محافظة إدلب (21 بالمئة). وجاءت مدينة حلب أيضاً على رأس قائمة المدن الأشد تضرراً، إذ بلغ نصيبها نحو 60 بالمئة من مجموع الأضرار، تلتها اللاذقية (12 بالمئة)، وإعزاز (10 بالمئة).
ووثّق فريق منسقو الاستجابة في شمال غرب سوريا، في العاشر من نيسان (أبريل)، مقتل 4.256 شخص، وإصابة 11.774. وأحصى الفريق الأضرار التي لحقت بالمنشآت والبنى التحتية على النحو الآتي: تضرّرت 433 منشأة تعليمية (مدرسة)، و73 منشأة قطاع صحي، و83 دار عبادة، و94 منشأة عامة أخرى، ولحقت أضرار ضمن المخيمات بـ 136 وحدة سكنية. أما عدد المباني المهدمة بشكل فوري أثناء الزلزال، فوصل إلى 2.171، في حين أن عدد المباني غير الآمنة للعودة وغير القابلة للترميم 5.344، وعدد المباني التي تحتاج إلى تدعيم لتصبح أمنةً للعودة 14.844، وعدد المباني الآمنة والتي تحتاج إلى صيانة 23.738، وعدد المباني الآيلة للسقوط التي تم هدمها بعد الزلزال 214 مبنىً.
وبلغت الخسائر الاقتصادية التي وثّقها منسقو الاستجابة قرابة 2 مليار دولار أميركي، كما فقدت أكثر من 13.643 عائلة مصدر دخلها نتيجة الزلزال، وبلغ عدد الشاحنات والقوافل الإغاثية التي دخلت عبر المعابر الحدودية حتى العاشر من نيسان 3.452 شاحنة، تشكّل نسبة المساعدات الأممية منها 36.04 بالمئة، أي ما يعادل 1.244 شاحنة. أما نسبة الاستجابة الإنسانية حينها، فلم تتجاوز 39.87 بالمئة لكافة القطاعات الإنسانية، واقتصرت نسبة الاستجابة الإنسانية للمتضررين عند حدود 24.56 بالمئة.
في مناطق سيطرة النظام السوري، قالت وزارة الصحة في آخر تحديثٍ لها إن عدد ضحايا الزلزال في حلب وحماة واللاذقية وصل إلى 1414 ضحية، ولكن يصعب العثور على تفاصيل واضحة ومحدّثة للخسائر بشكلٍ تفصيلي بسبب عدم ورود تحديثات رسمية، بخلاف المناطق الخارجة عن سيطرة النظام، والتي عملت أكثر من جهة مدنية على إحصاء الخسائر فيها.
سعر صرف الليرة
ارتفع سعر صرف الدولار الأميركي مقابل الليرة السورية في السوق السوداء مع نهاية هذا العام بمقدار الضعف بالمقارنة مع بدايته، من 6700 ليرة مقابل الدولار الواحد إلى 14000. وقد حاول المصرف المركزي مجاراة أسعار الصرف في الأسواق من خلال إصدار نشرة يومية للصرافة والحوالات، سعياً لحصر أكبر قدرٍ من عمليات تبادل القطع الأجنبي في القنوات النظامية، إلا أن ذلك لم ينجح إلى حدٍّ كبير، فما تزال السوق الموازية مزدهرةً كما في السنوات الماضية، وكانت التغيرات الربع سنوية لسعر الصرف في نشرة السوق الرسمية وفق الآتي:
4.522 ل.س/ 1 دولار | 6.532 ل.س/ 1 دولار | 8.500 ل.س/ 1 دولار | 11.500 ل.س/ 1 دولار | 14.000 ل.س/ 1 دولار |
كانون الثاني (يناير) | نيسان (أبريل) | تموز (يوليو) | تشرين الأول (أكتوبر) | كانون الأول (ديسمبر) |
الدواء
أدى تدهور سعر صرف الليرة، بالإضافة إلى العجز الحكومي عن تمويل استيراد المواد الداخلة في عمليات التصنيع وتوقف بعض المعامل بسبب الخسائر، إلى تدهور سوق الأدوية وارتفاع أسعارها بما لا يتناسب إطلاقاً مع القدرة الشرائية للسكان. ورفعت وزارة الصحة السورية بموجب ذلك أسعار الأدوية ثلاث مرات منذ بداية العام بنسب مختلفة بحسب نوع الدواء، على أن العقبات لا تقتصر فقط على سعر الدواء، بل كذلك على توافره في الأسواق. وقد جفّت المشافي الحكومية من الأدوية والمستلزمات الطبية مثل مضادات الحساسية ومتطلبات العناية (شاش، كفوف، سيرومات، إبر وريدية).
منذ شهرين وحتى الآن، يستمر انقطاع أدوية الأمراض المزمنة (مثل زرع الكلية) التي كانت توفّرها وزارة الصحة، ويبلغ سعر علبة دواء تكفي لشهر نحو مئتي ألف ليرة سورية. كما انخفضت مبيعات الصيدليات نتيجة ضعف القدرة الشرائية دون إحصائياتٍ دقيقة عن مقدار الانخفاض، على أنّ نقيب الصيادلة في محافظة القنيطرة أشار إلى أن مبيعات الأدوية في الصيدليات «انخفضت إلى أكثر من النصف». وكانت نسب زيادة الأسعار التي حددتها وزارة الصحة وفق الآتي:
كانون الثاني (يناير) | آب (أغسطس) | كانون الأول (ديسمبر) |
50-80 ٪ | 50-65 ٪ | 70-100 ٪ |
ارتفاع شامل في الأسعار
ارتفعت أسعار مختلف السلع المعيشية في عموم سوريا، واستمر تدهور القدرة الشرائية طيلة العام، وذلك حتى مع الوعود بتحسّنٍ اقتصادي أثناء مسار التطبيع العربي مع نظام بشار الأسد والآمال التي تعلّقت بزيارة بشار الأسد إلى الصين في شهر أيلول (سبتمبر)، والتي سبقها بشهر زيادة في معدلات الرواتب والأجور بنسبة 100 بالمئة، سرعان ما تآكلت بفعل رفع الدعم عن المحروقات والتضخم وارتفاع الأسعار.
ووصلت أسعار اللحوم الحمراء ولحم الدجاج إلى أرقام قياسية، فضلاً عن ارتفاع أسعار الأجبان والألبان بنسبة تجاوزت 100 بالمئة.
طبق البيض: 65 ألف ليرة سورية | كيلو لحم الغنم: 160 ألف ليرة سورية | كيلو شرحات الدجاج: 85 ألف ليرة سورية |
المحروقات
ظلت أزمة المحروقات مستمرةً بشكلٍ أكبر مما كانت عليه، لا سيما بعد رفع أسعار مختلف المشتقات النفطية بمقدار ضعفين مع نهاية العام وإصدار نشرة أسعار دورية كل أسبوعين، مما فاقم من أزمة المواصلات. وقد ازدادت ساعات تقنين الكهرباء إلى حدود 20 ساعة يومياً في دمشق، بينما لا تزوّد الكثير من المناطق السورية بالكهرباء على الإطلاق. كما انقطعت الحكومة عن تقديم مازوت التدفئة المدعوم عبر البطاقة الذكية، ولا تحصل الأسرة السورية في مناطق سيطرة النظام إلا على قنينة غاز منزلي واحدة كل ثلاثة أشهر.
بنزين البطاقة الذكية (المدعوم) في كانون الأول (ديسمبر): 8500 ليرة سورية | بنزين البطاقة الذكية (المدعوم) في كانون الثاني (يناير): 3000 ليرة سورية |
شمال غرب سوريا
قال منسقو استجابة سوريا في آخر تقريرٍ لهم إن سعر سلة الغذاء المعيارية الكافية لإطعام أسرة مكونة من خمسة أفراد لمدة شهر واحد قد ارتفع إلى حوالي 98 دولار أميركي (2,793 ليرة تركية)، وهو ما يستهلك 67 بالمئة من راتب عامل مياومة لمدة شهر كامل، بعد ارتفاع نسب التضخم في المنطقة إلى 75.04 بالمئة على أساسٍ سنوي مقارنةً بالعام الماضي.
وذكر التقرير أن نسبة المخيمات التي تعاني من انعدام الأمن الغذائي ارتفعت إلى 88.7 بالمئة من المخيمات، ويجد 95.1 بالمئة منها صعوباتٍ في تأمين مادة الخبز. كما وصل عدد المحتاجين إلى المساعدات الإنسانية إلى 4.4 مليون شخص، بزيادةٍ قدرها 11 بالمئة مقارنةً بالعام الماضي. ومن المتوقع أن ترتفع النسبة بمقدار 17.3 بالمئة مع نهاية العام الحالي نتيجة تغيرات سعر الصرف وثبات أسعار المواد الغذائية على المستوى المرتفع وزيادة أسعار بعض المواد الأخرى.
ولمواجهة هذه الظروف القاسية، بلغ عدد الأسر التي خفّضت عدد الوجبات الأساسية قرابة 71.2 بالمئة من إجمالي الأسر، في حين ترتفع النسبة ضمن المخيمات إلى 93.8 بالمئة.
منطقة الجزيرة
يعيش عشرات الآلاف من النازحين في المخيمات والملاجئ المكتظة في الجزيرة السورية، ولا يتلقون مساعداتٍ مستمرة أو كافية بحسب هيومن رايتس ووتش، مما يؤثر سلباً على حقوقهم الأساسية. وتبرز الحاجة المُلحة لتأمين مآوي مناسبة للطقس وصرف صحي كافٍ ووصول ملائم إلى الغذاء ومياه الشرب النظيفة والرعاية الصحية والتعليم. وقد أدى النقص الحاد في مواد التنظيف في عموم المنطقة، وخوصاً في المخيمات، إلى تفشي الكوليرا والجرب والحصبة والجدري والليشمانيا وأمراض جلدية أخرى.
وقد ألحقت الغارات التركية على المناطق التي تسيطر عليها قوات سوريا الديمقراطية أضراراً بالبنية التحتية الحيوية وأدت إلى انقطاع المياه والكهرباء عن ملايين الأشخاص، وهو ما عمق أزمة المياه الحادة التي تواجهها المنطقة، خصوصاً في محافظة الحسكة.
وكانت الإدارة الذاتية، في شهر أيلول (سبتمبر) الماضي، قد رفعت أسعار المحروقات في المناطق التي تحكمها بنسبة تتجاوز 300 بالمئة لبعض المشتقات. وطال الرفع المازوت المخصص للمركبات السياحية بموجب البطاقة الذكية، إذ وصل إلى 2100 ليرة سورية (15 سنتاً أميركياً)، بعدما كان يباع قبل هذا القرار بسعر 525 ليرة. كما ارتفع سعر ليتر المازوت الحر إلى 4100 ليرة (30 سنتاً)، وكان سعره سابقاً 1200 ليرة. كما شمل رفع الأسعار المازوت الصناعي والمخصص للسيارات السياحية ومركبات النقل والمؤسسات العسكرية والمدنية، ليصبح السعر الجديد 2050 ليرة للتر الواحد. وقد أدى هذا القرار إلى احتجاجاتٍ في عدد من مناطق محافظة الحسكة، ولاحقاً إلى أزمة محروقات أدت إلى تعطل في المواصلات وتوقف مولدات الكهرباء عن العمل وزيادة في المستوى العام للأسعار.
توقّف برنامج الغذاء العالمي
مع نهاية هذا العام، أوقف برنامج الغذاء العالمي المساعدات التي يقدمها في سوريا «لمدة شهرين أو ثلاثة»، على أن يعود في نهاية العام إلى تقديم المساعدات بنسبة لا تصل إلى 60 بالمئة مما كان يقدمه سابقاً. وقد حذر البرنامج من «عواقب لا توصف على ملايين الأشخاص» نتيجة وقف توزيع المساعدات الغذائية. وقد عزا البرنامج قراره إلى «مستوى الاحتياجات الإنسانية غير المسبوق حول العالم والتحديات الاقتصادية العالمية والتشديد المالي من جانب الجهات المانحة الرئيسية».
وكانت المساعدات الغذائية التي يقدمها البرنامج تصل إلى 5.5 مليون شخص في عموم سوريا، قبل أن يختصر البرنامج أعداد المستفيدين في شهر حزيران (يونيو) الفائت إلى 3.2 مليوناً، وذلك بعد عامين من تقليص حجم السلة الغذائية تدريجياً لتصل إلى نصف الحجم المُوصى به.
ويضع هذا القرار شرائح واسعة من السوريين أمام خطر المجاعة، لا سيما أن برنامج الغذاء نفسه قد قدّر أعداد فاقدي الأمن الغذائي في سوريا عام 2022 بحدود 12.1 مليون شخص، مع احتمال وقوع 2.9 مليون آخرين ضمن هذه الفئة.