«خطر داهم»، «جيش من السوريين»، «اغتصاب وقتل»، «وَزِّعوا لهم الـ condoms»؛ هي بعض أبرز العبارات التحريضية التي طاردت اللاجئين السوريين من قِبَلِ مسؤولين في الدولة اللبنانية وصحافيين ومؤثرين على مواقع التواصل الاجتماعي في الأشهر الأخيرة، رافقتها حملة تحريض كبيرة برعاية من وزير الداخلية، وحملة إشاعات برعاية وسائل الإعلام اللبنانية ومواقع التواصل، فماذا حدث؟ ومن أيقظ هذه الجولة الجديدة من العنصرية؟ وما هي خلفياتها السياسية؟

التحريض على اللاجئين عام 2023 

لا يتوقف التحريض على اللاجئين في لبنان، وفي كل مرة يُخلَقُ سبب جديد لهذا التحريض في العالم الافتراضي.

عام 2022، كانت أزمة الخبز وانقطاعه، كما الهجرة عبر البحر، ُمناسَبة لموجة تحريض على اللاجئين. كذلك، كانت الانتخابات النيابية محطة أساسية للتحريض عليهم من قبل المُرشَّحين وماكيناتهم الانتخابية.

في نيسان (أبريل) الماضي، داهم الجيش أماكن سكن اللاجئين في مناطق متعددة من لبنان، وقام بترحيل مئات اللاجئين على الفور رغم أنهم مسجلون لدى المفوضية السامية للاجئين. ترافقت هذه المداهمات مع حملة على مواقع التواصل الاجتماعي بعنوان: «#لعودة_السوريين_الآن». وقد شُنَّت الحملة بمناسبة ذكرى خروج الجيش السوري من لبنان، وكان مناصرو أحزاب «14 آذار» هم من شنّوا هذه الحملة، التي أثّرت فعلاً، ولاقت صداها لدى الحكومة والأجهزة الأمنية المُهيَّأة أصلاً لأي عمل ضد اللاجئين.

وكانت الحكومة اللبنانية قد أصدرت عدة قرارات في نيسان الماضي، مثل إسقاط صفة «النازح» عن مُغادري الأراضي اللبنانية، ومطالبة الأجهزة الأمنية بأن تتشدد في منع دخول السوريين بالطرق غير الشرعية؛ ومطالبة الدول الأجنبية بأن تتحمل أعباء «النزوح السوري إلى لبنان». قبلها، كانت الحكومة قد أقرّت العام الماضي خطة لترحيل السوريين «طوعاً» برعاية الأمن العام، ولكنها لم تنجح لرفض اللاجئين العودة إلى أماكن سيطرة النظام دون ضمانات لسلامتهم، كما أن الأزمة الاقتصادية الحادة التي تعاني منها سوريا لا تُشجّع أحداً على العودة.

وكان التيار الوطني الحر قد نظَّمَ مظاهرة (ليست الأولى) أمام مقر بعثة الاتحاد الأوروبي في بيروت، في تموز (يوليو)، اعتراضاً على تصوّيت البرلمان الأوروبي، بأغلبية ساحقة، على قرار يؤكد عدم تلبية شروط العودة الطوعية والكريمة إلى سوريا التي كانت قد أقرتها الحكومة اللبنانية العام الماضي.

موجة اللجوء الجديدة عبر التهريب على الحدود 

وقد أوقف الجيش اللبناني الصيف الماضي العديد من محاولات التهريب عبر الحدود السورية اللبنانية، خاصةً التهريب عبر الحدود الشمالية المليئة بالمعابر غير الشرعية. ونشطت العصابات التي تتشكل من جنسيات مختلفة في عمليات التهريب، كما شارك فيها بعض سكان القرى الحدودية، خاصةً من ناحية مساعدة المهربين على الاختباء من دوريات الجيش مقابل مبالغ مالية. وكانت هذه السنة هي الأنشط في عمليات التهريب البري عبر الحدود، وقد أحبط الجيش بعض عمليات التسلل، وهي كبيرة، بأرقام مشاركين وصلت من 800 وحتى 1000 مشارك. وقد وساهمت هذه الأحداث في تشجيع خطاب العنصرية، في الإعلام ووسائل التواصل، وتقديم الأمر بوصفه اجتياحاً للبنان، واحتلالاً آخر.  

ويعود سبب صعود موجة التهريب الأخيرة إلى الأزمة الاقتصادية الحادة التي تعاني منها سوريا. وكانت عدة تقارير أشارت إلى أن بعض الأجهزة الأمنية متواطئ في عمليات التهريب لقاء مبالغ مالية، كما ألمحَ لذلك رئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل، متهماً الجيش بالتقصير. وكان هدف باسيل من هذا الأمر سياسياً بالدرجة الأولى، فهو لا يريد التصويب على الجيش كمؤسسة، بل على قائده جوزيف عون المُرشَّح الأبرز لرئاسة الجمهورية؛ يقول باسيل للبنانيين أن قائد الجيش لا يستطيع حمايتكم، وبالتالي لا يصلح ليكون رئيساً للجمهورية.

التحريض يؤدي لاشتباكات على الأرض

حصل ما كان متوقعاً، ولم تعد الحملات الإلكترونية والإعلامية ضد السوريين محصورة في الإعلام والمواقع الاجتماعية فقط، بل أصبحت مادية على الأرض مباشرةً. وشهدت مناطق عدة في بيروت والجبل عراكاً بين لبنانيين وسوريين، واعتداءات على سوريين عُزَّل وحواجز في المناطق من قبل البلديات بقصد اعتقال السوريين ومصادرة دراجاتهم النارية، وهذا جميعه بطلب من وزير الداخلية، بسام المولوي، وغطاء سياسي منه.

وكانت تلك المظاهر قد وصلت لدرجة عالية من الخطورة، أثارت تخوفاً حقيقياً من أن يؤدي هذا التوتر إلى انزلاق حاد لمواجهة سورية لبنانية دائمة في الشارع. أقيمت حواجز على الهوية في بعض المناطق، مثل عين الرمانة، للتدقيق بهوية المارّة وأصحاب الدراجات النارية. وكان الإشكال الذي حصل في الدورة، شمال بيروت، هو الأكبر على الإطلاق بين لبنانيين وسوريين، لدرجة أن رئيس التيار الوطني الحر، جبران باسيل، حذَّرَ من خطورة التحريض والعنف تجاه اللاجئين، وهو المعروف بمواقفه العنصرية تجاههم. ليس واضحاً لِمَ رفض باسيل الدخول في تلك الجولة من العنصرية. هل فعلاً شعر أن الأمور تنزلق أمنياً؟ أم لأن خصومه، خاصةً القوات اللبنانية، هم من يقودون هذه الجولة من التحريض؟  

«سلاح السوريين» والمخيمات 

عنوان السلاح والأمن هو النافذة الجديدة-القديمة للتحريض على اللاجئين، والشماعة التي لطالما استعملها  بعض الإعلام اللبناني، ومعه الأمن والجيش والسياسيون والأحزاب، للتخويف من «خطر» اللاجئين. قال محافظ بعلبك-الهرمل، بشير خضر، إن شبكة من عمال الدليفري السوريين تم كشفها وتوقيفها، بعد أن كانت تبيع داتا وإحداثيات اللبنانيين في عاليه لعصابات ومجرمين، دون أي دليل على هكذا كلام بطبيعة الحال. كما تصاعدت دعوات للتسلح في وجه السوريين، على اعتبار أنهم يشكلون جيشاً خطراً على الكيان اللبناني. وقد اقترحَ الصحافي جوزيف أبو فاضل عبر برنامج صار الوقت، البرنامج السياسي الأشهر في لبنان، أن يزرع الجيش ألغاماً على الحدود لمنع تدفق اللاجئين، فيما كان لأبو فاضل دعوات سابقة للتسلح في وجه السوريين.

كذلك، ضجت مواقع التواصل الاجتماعي في الفترة الأخيرة بصور أسلحة قيل أنها وجدت في مخيمات اللاجئين، واستُعملت المشاهد للتحريض عليهم، رغم أنها هذه الأسلحة كانت تُصادر عندما يداهم الجيش العصابات في مناطق عدة، وهي عصابات تتشكل من جنسيات مختلفة.

«طوفان الأقصى» والحرب توقف التحريض مؤقتاً، ولكن..   

بعد السابع من تشرين الأول (أكتوبر) الماضي، توجهت الأنظار الأمنية والسياسية إلى الحدود الجنوبية. ويُعتبر الوضع على الحدود الآن هادئاً نسبياً مقارنةً بما كان عليه بُعيد عملية السابع من أكتوبر، التي أخذت كل الاهتمام العالمي والإقليمي واللبناني، ووجّهت كل التركيز السياسي والإعلامي. تسبب التصعيد على الحدود خلال الأيام والأسابيع الأولى بُعيد «طوفان الأقصى» بنزوح جديد، شمل اللبنانيين والسوريين الذين يعيشون في قرى جنوب الليطاني. وبحسب المنظمة الدولية للهجرة، نزح حوالي 46325 شخص، بين لبناني وسوري، من مناطق عدة في الجنوب. وبحسب المنظمة، تَوجَّه 70 بالمئة من هذا النزوح الداخلي باتجاه 5 جهات داخلية: صور والنبطية وعاليه وبيروت وصيدا. وقد أدت هذه الموجات من النزوح إلى غلاء جنوني في إيجارات الشقق والمنازل، انعكست سلباً على قدرة اللبنانيين والسوريين على إيجاد مأوى بديل لهم.

ولكن، لم توقف حرب غزّة التحريض على اللاجئين السوريين، بل خلقت لهم تُهماً جديدة مثل العمالة والتجسس لصالح الإسرائيليين كما أشار مغردون ممانعون، خاصةً بعد استهداف إسرائيل لمنزل في بيت ياحون قتل فيه نجل النائب محمد رعد. كما حرَّضَ وزير الشؤون الاجتماعية، هكتور حجار، على عدم استقبال اللاجئين السوريين الهاربين من القصف الاسرائيلي في المدارس ومراكز الإيواء التي أنشأتها الدولة عبر خطة الطوارئ التي أقرتها الحكومة اللبنانية، رغم أن هذه الخطة ممولة بجزء كبير منها من قبل الهيئات الدولية. وقد نشر موقع أخبار الساحة المختص بتوثيق الخطابات العنصرية، في نشرته لشهر تشرين الأول (أكتوبر)، مجموعة من التصريحات والتقارير الصحافية التحريضية والعنصرية. لكن يجدر القول بأن انشغال الناس بالحرب على غزة والقصف على جنوب لبنان لم يترك مجالاً لصدىً كبير لهذه الممارسات التحريضية، إذ لم تشهد مواقع التواصل الاجتماعي حملات كبرى من قبيل ما شهدناه طوال الأشهر الماضية.

ما تزال الحرب هي الموضوع الطاغي على المشهد السياسي والإعلامي في لبنان، إلا أن الحديث عن ترحيل اللاجئين قد عاد إلى الإعلام اللبناني وتصريحات المسؤولين السياسيين، فهل يعود التحريض على اللاجئين السوريين من جديد بعد انتهاء الترقب؟ وهل ستكون هناك شماعة جديدة عبر تحميل اللاجئين، بطريقة أو بأخرى، مسؤولية الحرب مع إسرائيل أيضاً؟