دَفَعَنا إدراكُنا بأن المنظومة السياسية والتمويلية التي نعمل ضُمنها مُعطّلة إلى أن يقرر بعضنا، نحن الناشطات النسويات، التعاونَ لتأسيس الحركة السياسية النسوية السورية. تمثّلت رؤيتنا في اتّباع نموذج شراكة نسوي فريد مع جهات مموِّلة نسوية.رابطة النساء الدولية للسلام والحرية، كفينا تيل كفينا، النساء الآن، وجِهات أخرى. وكان من أهم الأسئلة التي واجهناها في الحركة: هل نقوم بتسجيل الحركة كجمعية أم لا؟ فَضَّلنا الحفاظ على مرونة الشكل التنظيمي الذي نتّخذه دون التخلي عن هيكلية تشغيلية، وهو ما دفعنا إلى خيار عدم التسجيل كجمعية. عوضاً عن ذلك، صِغنا نموذجاً من الشراكة النسوية مع جهات مانحة نسوية كالرابطة النسوية الدولية للسلام والحرية، الأمر الذي منحنا المزيد من الحرية من قيود المؤسسات السياسية.

تَمثّلَ التحدي في أن ننجح في تشكيل سابقةٍ في طريقة عملنا. غالباً ما تضطّرُ المؤسسات إلى الرضوخ للأعراف والهيكليات الذكورية القائمة، والمُعَدّة لتلبية احتياجات الرجال أصحاب الحظوة والمقدرة. يؤدي هذا إلى ترسيخ البنى الهَرَمية ووضع أُطر زمنية متصلِّبة والاستمرار في منظومات ماليّة لا مساواة فيها. ما أردناه هو تأسيس نموذج جديد يتجاوز هذه العوائق، إلا أن هذا المستوى من الحرية في وجه تقاليد ذكورية راسية في المجتمع والثقافة وذهنية الناس له ثمنه.

رغم هذه التحديات، حققت شراكتنا ازدهاراً كبيراً، ومنحت الحركة قوةً واعترافاً في تمثيلها للسياق السياسي النسوي على الصعيدَين السوري والدولي، ومثَّلت نموذجاً للتجمعات النسوية الأخرى في المنطقة. يفرض التأثير المستمر للمنظومات الذكورية على التجمعات النسوية أن تجد مقاربات مُبتكَرة لتغيير البنى القائمة، وأن تعثر على حلول فريدة لتحقيق النجاح على المدى البعيد. 

المؤسسات التقليدية والمؤسسات النسوية

صُمِّمت المؤسسات عموماً بشكل يلبي احتياجات وتجارب الرجال، بما يهمل غالباً مسؤوليات النساء والتزاماتهنَّ خارج الإطار الرسمي المؤسسي. تأتي هذه التحيُّزات من تاريخ طويل من انعدام توازن السلطة، والتقاليد الثقافية التي تكلّف النساء، في المقام الأول، بمهمات الرعاية وإدارة الشؤون العائلية، ولا تعترف، في الوقت نفسه، بمساهماتهنَّ. نتيجة ذلك، كثيراً ما تواجه النساء تحدياتٍ في إحداث توازن في المسؤوليات الملقاة على عاتقهنَّ؛ بين الحياة المنزلية والحياة المهنية.

حيث صُمِّمت المؤسسات التقليدية بناءً على نموذج العامل المثالي الذي يمكنه تخصيص ساعاتٍ طويلة للعمل، والحفاظ على مرونته، ويمنح العمل الأولوية على الالتزامات الشخصية. يتجاهل هذا النموذج العمل غير مدفوع الأجر، ومسؤوليات الرعاية التي تتولّاها النساء خارج أطر المؤسسات الرسمية. وعندما يحين الوقت للترقيات وفرص العمل، غالباً ما تُحرَم النساء من هذه الفرص نتيجة الصورة العامّة بأن مسؤولياتهنَّ في الرعاية تحدُّ من قدرتهنَّ على العمل. بالإضافة إلى ذلك، يتعرّض العمل الذي تقوم به النساء في المجال الخاص، والذي ينظرنَ إليه على أنه مُرضٍ عاطفياً وكمصدر للفخر، للتجاهل وعدم التقدير. فالاصطلاح العامي «ست بيت» يحمل في طيّاته استخفافاً بقيمة من يُطلَق عليها هذا الوصف. وللأسف، لا تعترف المؤسسات الرسمية في قراراتها المتعلقة بالترقية ومنح فرص العمل بقيمة هذه الأدوار المهمة. ثمّة إنكارٌ متجذّر لثراء هذه الخبرات والتجارب، وإهمال لحقيقة أن أعمال الرعاية تتطلّب مهارات عالية في مواجهة المواقف الحساسة وإدارة الموارد وحل النزاعات، ناهيك عن المهارات التعليمية والتربوية.

ضمن سياقات ذات شروط صعبة مثل هذه، تصقل النساء العديد من قدراتها، بما فيها الذكاء العاطفي والتعامل مع الطلبات المتناقضة والمهارات الإدارية، إلا أن هذه القدرات لا تؤخذ في الحسبان في المجال العام، رغم أن الطلب على هذه المهارات في العقود الماضية أصبح مرتفعاً جداً. يعكس التحيُّز ضد النساء في البنى المؤسسية ضيماً منهجياً، وتقاليد اجتماعية قديمة همّشت النساء وحَدَّت من قدرتهنَّ على شغل مناصبَ صنع القرار.

من شأن إعادة التفكير في هذه القضايا أن يكون له آثار عميقة وعواقب عملية. فالتحيُّز ضد النساء وتنميطهنَّ يؤدي إلى تحيُّز غير واعٍ في قرارات التوظيف والترقية، ما يحرم الشركات والمؤسسات من الاستفادة من مهارات ومواهب فريدة. بالإضافة إلى ذلك، تساهم هذه التحيُّزات في ترسيخ الأدوار الاجتماعية التقليدية في المؤسسات، وهو ما يؤدي إلى خسارة مساهمات مهمة ممكنة. وكما ذُكِر آنفاً، تساهم هذه التحيزات في غياب الاعتراف الثقافي العام بالوقت والجهد الذي تستثمره النساء في أعمال الرعاية وإدارة الشؤون الأسرية. ويعتمد التقييم في هذه المنظومات غالباً على فهم صناعي للكفاءة والإنجازات الممكن حسابها كمياً، بما يعزز الأدوار الاجتماعية التقليدية ويفترض الالتزام غير المرن.

أحياناً، ورغم مهمَّتها المتمثِّلة في مواجهة وتفكيك المنظومات الذكورية، تجد المؤسسات النسوية نفسها حبيسة البُنى السلطوية التي تسعى إلى تجاوزها. وهذا يشمل المنظمات المدنية وغير الربحية السورية، كما يشمل المبادرات والبرامج السياسية. كثيراً ما تضطر هذه المنظمات إلى التعامل مع المنظومات السلطوية القائمة وإدارتها للموارد كي تتمكن من الاستمرار، ما يؤثر سلباً على قدرتها على إحداث تغيير وإن كان جزئياً.

إذا كان لنا أن نواجه هذه المشكلات المنهجية، فلا بد من تَحوُّل جذري في ثقافة وسياسات وممارسات المؤسسات. 

ولتشكيل مؤسسات نسوية تُحدِثُ تغييراً حقيقياً، لا بدَّ من مساءلة المنظومات المتحكّمة بالموارد وتحديها باستمرار. ويشمل ذلك مناصرة نماذج جديدة تمنح الأولوية للمرونة والتوازن بين الحياة الشخصية والعمل، وإعادة النظر في الهيكليات والافتراضات التي تؤدي إلى إدامة الفروق الاجتماعية. ومن شأن تنفيذ سياسات تعزّز المرونة في شكل العمل وزمنه وممارساته أن تساهم في إرساء بيئة أقرب إلى المساواة والعدالة. ويمثل الإقرار بقيمة المساهمات المختلفة للنساء، بما في ذلك مهاراتهنَّ في الرعاية وتحرير أدوار الرعاية من الأطر الجندرية، عاملاً جوهرياً في تحقيق المساواة في النوع الاجتماعي، وفي إنشاء بُنى مؤسسية تدعم حقاً تعزيز مكانة النساء.

وبالتفكير في ذلك، يمكن تطويرُ خطاب سياسي يُتيح المجال أمام المؤسسات النسوية للعمل على إعادة صياغة المشهد الثقافي والمؤسسي نحو المزيد من المساواة، وبشكل يشمل الجميع ويعكس التجارب والمساهمات المتنوعة لمختلف أفراد المجتمع.

جديرٌ بالذكر أن هذه الأعراف تعرَّضت على نحو متزايد للمساءلة، لا سيّما في ظل الإجراءات التي ترافقت مع وباء كوفيد 19، حيث فضحت أزمة الوباء العيوبَ المتأصّلة في المنظومات القائمة. أتاح الوباء فرصة إعادة تقييم الهيكليات والأعراف التقليدية، وأفسح مجالات جديدة للنقاش والإصلاح بما يضع تحدياً أمام الأسس الذكورية التي تقوم عليها ثقافة العمل الشائعة.

ردّاً على بنية المؤسسات المتصلِّبة، والتي تشكل عبئاً، تأسست الحركة السياسية النسوية السورية كنموذج تجريبي لمؤسسة ترفض المنظومات السلطوية التي تتحكم بالموارد، لتفتح أبواباً كانت مغلقة رسمياً في وجه النساء، لا سيّما في المجال السياسي. تأسست الحركة بعد محاولات عديدة ومتكررة من النسويات السوريات عبر السنوات الماضية ليصبحنَ جزءاً من المؤسسة السياسية القائمة، والتي تعمل داخل الهيئات السياسية السورية القائمة. كان نصيب هذه المحاولات جميعها الفشل، إذ لم يكن المجال السياسي مفتوحاً للنساء اللواتي لا يرضخنَ للمنظومات القائمة.

كان للنساء أصواتٌ مستقلة، وطالبنَ بحقوقهنَّ في التصويت والمشاركة في صنع القرار. بعد ذلك، فعلت النساء اللواتي أسسنَ الحركة السياسية النسوية السورية ما لم يكن ممكناً التفكير فيه، وأسّسنَ هيكلية سياسية، مؤسسة، تقودها نسويات وتسير وفق أحكام نسوية. وتَمثَّل الهدف من الحركة في رفض الوضع السائد عبر العمل بالتوازي مع الهيئات السياسية القائمة، وبَنَت الحركة رؤيتها وقيمها على المُثُل النسوية غير المُعبّر عنها حالياً في طرائق العمل السياسي. لم تستمد الحركة شرعيتها من المنظومات الذكورية العسكرية، ولم تنَل مصداقيتها من الجهات الممولة الدولية والأطراف الداعمة لها. على العكس، اكتسبت الحركة شرعيتها من صِلاتها، ومن تشجيعها لأصوات واحتياجات الموجودات ميدانياً من نساء وأطفال ومهمّشين-ات.

نموذج شراكة نسوية فريد

أنشأت الحركة السياسية النسوية السورية، وهي أول حركة نسوية سياسية في المنطقة العربية، نموذجَ شراكة نسويِّ فريد مع الجهات الممولة النسوية، وهي الاستراتيجية التي أثبتت نجاحها في مواجهة التحيُّزات الذكورية والقيود التي تواجهها المؤسسات النسوية. وباتخاذها خيار عدم التسجيل كمنظمة تقليدية، وعقدها شراكة مع رابطة النساء الدولية للسلام والحرية، وجدت الحركة سبيلاً للعمل خارج المؤسسات السياسية الذكورية القائمة، والتي تَحِدُّ من أثرها المنشود. من جانبها، وفّرت الرابطة، وهي مؤسسة راسخة، آليات عمل لدعم الحركة في عملها كمنظمة نسوية من دون تدخل خارجية أو إملاءات. وضعت الحركة السياسية النسوية بدورها هيكلياتها الداخلية الخاصة، ونظامها الداخلي ووسائل عمل لا تتقيَّد بما تفرضه المؤسسات التقليدية، وتنسجم مع المبادئ النسوية. عبر هذه الشراكة، قدّمت الرابطة للحركة سياسات داعمة تتيح لها العمل كمنظمة نسوية. تتلقى الرابطة التمويل بالنيابة عن الحركة، وهو ما يمنح الحركة الحرية للسعي إلى تحقيق برنامجها السياسي، ويتيح لها في الوقت نفسه العمل خارج قيود المؤسسات الذكورية.

لم تُمكِّن الشراكة النسوية الحركة من الازدهار فحسب، ولكنها وضعتها أيضاً في مصاف أقوى المنصات السياسية للنساء وأوسعها نيلاً للاعتراف في المشهد السياسي السوري. وقد لَفَتَ نجاحُها انتباه تجمّعات نسوية أخرى في المنطقة وخارجها، باتت تنظُرُ إليها كنموذج يُحتَذى. تواصلت جهات عدة مع الحركة بهدف التعلّم من التجربة، ومنها مجموعات نسائية من مالي وفنزويلا والمظلة التنسيقية للنساء الأفغانيات.

رغم ذلك، تُشكل التحديات التي تفرضها القيم الذكورية المهيمنة في التجارب اليومية التي تعيشها النساء في مجتمعات عديدة، بيئةً صعبة على العمل النسوي. وتُعطّل الذهنية السائدة والحساسيات الثقافية المتجذرة الحراكَ الفكري والذهني للنساء، وتمنع تقدم وفعالية المنظمات التي ينتمينَ إليها. يتطلّب تجاوزُ هذه الصعوبات والعقبات إبداعاً مستمراً وقدرة على إحداث تحول في المنظومات وأشكال التفكير والعمل القائمة. لا بدَّ لهذه الإصلاحات كلها من مقاربة نسوية جماعية، تكون فيها قوة الأطراف المجتمعة أكبر من مجموع قوة أجزائها. وتُمثل الشراكة بين رابطة النساء الدولية للسلام والحرية والحركة السياسية النسوية السورية تجسيداً لهذه القوة، التي تمكّن الطرفين من مواجهة المنظومات القمعية التي انتشرت لزمن طويل في المؤسسات، وعطّلت مسيرة المساواة الجندرية.

الدعم والتكافل النسويّان

لم تُبنَ الشراكة بين الحركة السياسية النسوية السورية والجهات الممولة لها في فضاء منعزل، بل استلهمت الكثير من دعم وتكافل وحكمة ومساهمة النسويات الرائدات، اللواتي أرشدنَ الطريق وشاركنَ إيمانهنّ بالقيم النسوية. وأثبت التعاون الفعال بين النسويات أنه عامل جوهري في إنجاح هذه الشراكة النسوية. ويكمن سر فعاليته في أن النسويات يفهمنَ أن عملهنَّ قائم على الأسس التي أرستها من أتينَ قبلهنّ.

أدركت مؤسِّسات الحركة النسوية السورية أنهنّ يبنينَ على عمل من سبقهنّ من النسويات الرائدات اللواتي مهدنَ الطريق أمام التقدُّم والعدالة. وهذا الاعتراف بالجهد الجماعي ومساهمة النسويات عبر التاريخ زاد الحركة قوةً، وعزز التزامها في إفساح مجالات جديدة أمام النساء لإحداث أثر اجتماعي وسياسي. ويمثل التعاون بين الحركة والجهات النسوية الشريكة لها، لا سيّما التعاون الميداني، شهادةً على القوة التي تكتسبها المنظمات من تشارك المعارف والتجارب، ومن العمل الجماعي. فمن خلال هذا التعاون وحده، تمكّنت المؤسسات النسوية، مثل الحركة السياسية النسوية السورية، أن تتعلم كيف تكتسب دعم الآخرين وتعزز أثرها وتعبُرُ الطرق الوعرة التي تفرضها المجتمعات والثقافات والذهنيات الذكورية. وبالوقوف معاً، وبإدراك الصلة بين عمل مختلف المؤسسات، بَنَت النسويات على إنجازات من سبقنهنّ، وهنّ يمهّدنَ الطريق لمن سيأتينَ بعدهن.

نيل الشرعية والمصداقية من النساء الموجودات ميدانياً

أدركت الحركة السياسية النسوية السورية أهمية التعاون، وعقدت شراكات مع منظمات وأفراد داخل سوريا وفي الدول المجاورة، بالإضافة إلى النساء في المهجر. قام هذا التعاون على مبادئ الاحترام المتبادل والأهداف المشتركة وحرية قيادة المبادرات. مكّنَ موقعُ القيادة هذا الحركةَ من التعاون مع منظمات أخرى لجمع الموارد والخبرات والشبكات لتنفيذ مشاريع ومبادرات تدعم تقدُّم النساء، وتُطوِّر برنامج الحركة النسوي. تتيح هذه الشراكات للحركة الاستفادة من نقاط القوة وقدرات كل منظمة لتشكيل قوة جماعية ذات مصداقية وشرعية تمكِّنها من العمل لإحداث التغيير الاجتماعي.

والأهم أن الحركة، باعتبارها كياناً مستقلاً غير مسجّل رسمياً، تمتّعت بالمرونة التي مكّنتها من عقد شراكات حسب الشروط التي تلائمها، الأمر الذي مكّنها من الحفاظ على استقلالها السياسي، وكفل لها التزام مبادئها وقيمها النسوية في مختلف مجالات عملها وتعاونها. بناءً على ذلك، لا تخضع الحركة للقيود أو العمليات البيروقراطية التي تواجهها المنظمات المسجّلة والمرخصة، فاستطاعت عقد شراكات تتوافق مع رؤيتها واستراتيجياتها من دون العوائق الرسمية. ساهمت جهود الحركة المستمرة في مضاعفة عدد النساء المشاركات في العملية السياسية، ليصل تمثيل النساء في اللجنة الدستورية، على سبيل المثال، إلى 30 في المئة.مباحثات السلام السورية تحت مظلة الأمم المتحدة. علاوة على ذلك، تمكّنت الحركة من إرساء معيار جديد، حيث تمكّنت من تحقيق مطلب أن تكون نسبة تمثيل النساء 30 في المئة على الأقل في وثائق المعارضة السياسية السورية.

عبر هذه الشراكات، استفادت الحركة السياسية النسوية السورية من معارف وتجارب النساء الموجودات ميدانياً في سوريا، إلى جانب الدول المجاورة والنساء في المهجر. بالمقابل، ضمنت هذه الطريقة في العمل أن يستند عمل الحركة على واقع واحتياجات وأولويات النساء السوريات في سياقات متنوعة. أوْلَت الحركة قيمة كبيرة للتجارب والخبرات الثرية والمتنوعة للنساء اللواتي يستطعنَ تقديم إضافات كبيرة، بما في ذلك في المجال السياسي. تستثمر الحركة في مهارات النساء الاجتماعية وقدرتهنَّ على التشبيك وتجربتهنَّ في الرعاية، وهي العناصر التي تجعل منهنّ طرفاً أساسياً في أي عملية سياسية أو تفاوضية. تدرك الحركة الاهتمام الذي توليه النساء لعافية المقربين منهنّ والمجتمع المحيط بهنّ عموماً، وهو ما يؤهلهنّ للمشاركة في عملية التفاوض السياسي ببراعة، فهنّ من يحققنَ المكتسبات من حل أي نزاع. وبالتالي، تركز الحركة السياسية النسوية السورية على النساء المتواجدات ميدانياً لدى تصميم المشاريع. زادت عملية صنع القرار من شعور النساء العضوات في الحركة بالانتماء إليها والمسؤولية عنها. ودفع هذا بالنساء العضوات إلى المساهمة الفاعلة، وإلى إطلاق مشاريع وفعاليات وبرامج.

اضطلعت الحركة بدور فاعل في فتح سُبُل ومبادرات سياسية ومجالات مشاركة على المستوى الدولي، وميدانياً في سوريا. أثّرت الحركة النسوية السياسية السورية في السردية الخاصة بسوريا، عبر تنظيمها فعاليات عامة خلال اجتماع لجنة وضع النساء في الأمم المتحدة، ومجلس حقوق الإنسان في جنيف، وعبر مشاركتها في الإحاطات التي تُقدَّم إلى مجلس الأمن في نيويورك، وذلك من خلال وضع النساء في المقدمة. فإلى جانب الحديث مع الصحافة والزيارات الدبلوماسية، أوجدت الحركة فرصاً لإيصال صوت النساء السوريات، وبالتالي، أوجدت سياقاً يمكِّنُهنّ من استعادة استقلالية قرارهنّ وحضورهنّ محلياً وعالمياً. بذلك، أظهر النجاح في التعبير عن مطالبهنّ السياسية أن التزام الحركة السياسية النسوية السورية لم يكن إيصال أصوات النساء فحسب، بل الحرصَ على أن مشاركتهنّ الفاعلة كانت تستفيد من مَطالب جميع السوريين-ات المطالبين-ات بالديمقراطية ومبادئ حقوق الإنسان.

وكان التفاعل مع المجتمع المدني السوري من الجوانب الأخرى الهامة في عمل الحركة. فقد أدركت الحركة أهمية تبادل وجهات النظر والأولويات مع المجتمع المدني. وناصرت النساء بقوة التفاعل مع المجتمع المدني، وركّزت على القضايا الأساسية، مثل قضية المعتقلين-ات والشؤون الإنسانية. وعبر إيلاء الاهتمام الأكبر لأصوات وأولويات الشعب السوري، رمت الحركة السياسية النسوية السورية إلى تعزيز مصداقية محادثات السلام، وعملت على إرساء الثقة في العملية السياسية.

عبر هذه الاستراتيجيات والمبادرات المتنوعة، أدّت الحركة دوراً محورياً في مناصرة حصول النساء على مواقع سياسية قيادية، ودعم المساواة الجندرية في المشهد السياسي السوري. وكان لعمل الحركة أيضاً دورٌ فعّال في تعزيز الاهتمام بالقضية السورية عموماً. وتُقدِّم إنجازاتها دروساً قيّمة وإلهاماً لحركات النساء الأخرى والعمليات السياسية حول العالم.

الخلاصة أن نموذج التعاون والصِلات مع المؤسسات والأفراد، الذي تتبعه الحركة السياسية النسوية السورية، يُبنى على الاحترام المتبادل والشجاعة في القيادة ومناصرة الأهداف المشتركة. وعبر عقدها شراكات مع الكيانات الشبيهة أو تلك المنسجمة مع قيمها والتفاعل مع النساء في مجالات مختلفة، وَسَّعَت الحركة السياسية النسوية السورية من نطاق وصولها، وعزَّزت أثرها، وحافظت على التزامها المبادئ النسوية كجزء لا يتجزأ من بناء سوريا عادلة وديمقراطية لجميع أفرادها.