انخفضت أسعارُ غالبية الخضروات الصيفية وبعض أنواع الفواكه محلية الإنتاج في شمال غربي سوريا، وذلك مع زيادة إنتاج العروة الصيفيةويقصد بالعروة الصيفية، زراعة النباتات في الأرض المستدامة في آذار ونيسان، أما في حال الزراعة في شهر أيار نكون قد دخلنا في العروة الصيفية المتأخرة، أما العروة الخريفية تزرع بعد الصيفية المتأخرة. للخضار وكثرة المعروض من الفاكهة في الأسواق. وكانت أسعار هذه المواد مرتفعةً خلال فصل الشتاء نتيجة دخولها إلى المنطقة عن طريق الاستيراد من خلال المعابر الحدودية مع تركيا. وباتت الأسعار في الوقت الراهن أكثر تناسباً مع دخل المستهلكين، لا سيّما أنها تتزامن مع فترة إعداد المونة الصيفية، التي بدأت هذه السنة في وقتٍ مبكر للاستفادة من الأسعار التي انخفضت اعتباراً من أواخر شهر حزيران (يونيو) الماضي. كما فتح هذا الانخفاض في الأسعار المجالَ أمام مشاريع عمل منزلية صغيرة لتحقيق الربح من تحضير المونة وبيعها في الأسواق بأسعار وجَودة تنافسُ إنتاج المعامل الكبيرة المحلية والأجنبية.

وأبرز الخضروات التي شهدت انخفاضاً في الأسعار هي البندورة والبطاطا والباذنجان والفليفلة والخيار والفاصولياء والقرع والقثة والبامياء والنعنع، فضلاً عن عددٍ من أصناف الفاكهة الصيفية التي تُستعمل في صناعة المربيات والعصائر مثل الخوخ والتفاح والمشمش والكرز.

وبخلاف المستهلكين وأصحاب مشاريع تحضير المونة، تأثّر مزارعو المنطقة سلباً بانخفاض الأسعار، فتكبّد قسمٌ منهم خسارات متفاوتة، ولم يجنِ البعض الآخر إلا أرباحاً قليلةً، وذلك رغم لجوئهم إلى خفض المصاريف من خلال استخدام منظومات الطاقة الشمسية لاستخراج المياه، والتقليل من استخدام الأسمدة والسقاية باستخدام شبكات التنقيط والري بالرذاذ وغيرها.

تكاليف كبيرة وإنتاج منخفض

باتت المشاريع الزراعية، التي تَستجِرُّ مياه السقاية إليها بمحركات الديزل ومختلف أنواع المحروقات، غير مجدية مادياً نظراً لارتفاع تكاليف الإنتاج. يعمل أبو محمد، من قرية الصحن في ريف جسر الشغور، مزارعاً منذ 18 عاماً، ويمتلك بئر ماء ومنظومة طاقة شمسية لاستخراج المياه الجوفية، كان قد استأجر أرضاً قرب أرضه التي أراد أن «يُريحها»يقصد بـ«إراحة الأرض» عدم زراعتها لعام كامل أو أكثر حتى تعوّض تربتها العناصر العضوية والمعادن الهامة للنباتات التي فقدتها التربة، نتيجة الزراعات المكثّفة المتلاحقة. بسبب زراعته لها على مرّ أعوامٍ متلاحقة فأصبح إنتاجها أقل من طموحه.

تبلغ مساحة الأرض التي استأجرها أبو محمد 5 دونمات، دفع لصاحبها 250 دولار أميركي لقاء استغلالها لموسمٍ صيفي واحد، وزرعها بالخيار والبندورة والفليفلة. يقول: «الأسعار الحالية غير مشجعة للمزارعين بالمقارنة مع التكاليف الكبيرة من أسمدة وبذور ومبيدات، والتي تُشترى بالدولار الأميركي. بالمقابل يجمع المزارع إيرادات إنتاجه بالليرة التركية التي انخفضت قيمتها بشكلٍ كبير منذ تحضير الأرض للزراعة، فقد كان سعرها عند تحضير الأرض 19 ليرة تركية مقابل الدولار الأميركي الواحد، بينما لا تزال تنخفض حتى وقت قِطاف المحاصيل، مسجلةً في آخر تحديثٍ لها 27.25 ليرة مقابل الدولار الأميركي، أي أن فارق التصريف بلغ أكثر من 8 ليرات، وهذا يعود بالخسارة على المزارعين بغض النظر عن جودة الموسم الزراعي».

زرع أبو محمد دونمين من الخيار ودونمين من البندورة ودونم واحد من الفليفلة، وتأمّل في البداية بجني أرباحٍ جيدة، ولكنّ المحاصيل التي زرعها واجهت مشكلاتٍ عديدة؛ كتقلُّب الطقس والبرودة في أيار (مايو) وحزيران (يونيو)، وارتفاع درجات الحرارة بشكلٍ كبير في تموز (يوليو)، ممّا أثّر على إنتاج محاصيله. إضافةً إلى مشكلة الآفات الحشرية التي تطلّبت منه مجهوداً وأموالاً مُضاعفة للتخلُّص منها. ويقول أبو محمد نقلاً عن المهندس الزراعي الذي اشترى منه البذور، إن إنتاجية الدونم الواحد من ثمار الخيار هي 5 أطنان، أي من المفترض أن يجني من دونميه المزروعين 10 أطنان. ولكن النتيجة كانت مختلفةً تماماً، فهو لم يجنِ سوى 3 أطنان من الدونمين، بسعر 18 ألف ليرة تركية وفق آخر فاتورةٍ تسلّمها من سوق الهال، رغم أن محصوله في مراحل الإنتاج الأخيرة، بينما بلغت تكلفة الإنتاج ما يقارب 600 دولار أميركي للدونمين.

وبالنسبة للبندورة، فقد بلغ إنتاج الدونم الواحد 2.5 طن، وبقي أمامه قطفة واحدة حتى ينتهي من محصوله بشكلٍ كامل، أي أن مجموع إيرادات البندورة بلغ 15 ألف ليرة تركية، بينما التكلفة التقريبية بلغت أكثر من 10 آلاف ليرة تركية، والخسارة بشكلٍ أساسي كانت بسبب فرق العملة بين الدولار الأميركي والليرة التركية.

بينما الفليفلة لاتزال في بداية إنتاجها، ولكنه لا يعوِّل عليها لتعويض خسارته بسبب انخفاض سعرها في الأسواق حالياً وتأثُّرها بموجة الحرارة.

يبيع أبو محمد في الوقت الحالي كيلو البندورة بـ3 ليرات تركية، والخيار بـ6، والفليفلة بـ7، موضحاً أن أسعارها غير مشجعة، ومحصوله لم يحقّق تكاليف استئجار الأرض وثمن الشتلات وأجور العمال، رغم أنه أصبح في مرحلة الإنتاج الأخيرة لكل من الخيار والبندورة، مؤكداً أن موسمه لفصل الصيف الحالي «لا يستحقّ تعبه».

يتفق المزارع أبو عبدو من سهل الروج في ريف إدلب مع كلام أبو محمد، ويقول هو الآخر إن أسعار الخضار لا تساوي تعبها والتكاليف التي أنفقها على زراعة أرضه التي تبلغ مساحتها 8 دونمات مزروعة بمحصول البندورة، فقد تطلّبت زراعتها ورعايتها وقطافها ونقلها قرابة 1800 دولار أميركي، بينما مجموع إيرادات محصوله لا يتجاوز 2200 دولار أميركي. ويضيف أبو عبدو: «بقسمة الربح القليل على عدد الدونمات الثمانية نجد أن صافي الأرباح لا يتجاوز 50 دولاراً لكل دونم، وهو ربح قليل لا يساوي مجهود 4 أشهر من العمل الزراعي والعناية بالمحصول».

يبيع أبو عبدو ما يقطف من ثمار البندورة لورشةٍ محلية تعمل بدورها في الصناعة التقليدية لربّ البندورة؛ عبر عصر الحبات وتجفيف العصير تحت أشعة الشمسٍ بشكل مباشر. ويقول إنه واحدٌ من مجموعة مزارعين متعاقدين مع الورشة لبيع المحصول بسعر السوق الذي تراوح ما بين 2.5 إلى 3.5 ليرة تركية للكيلو. ويرى أن الورشة تستفيد أكثر منه «لقلة تكلفة العمل وسهولة تسويق المنتج وانخفاص سعر آلة العصر وأحواض البلاستيك لنشر العصير تحت أشعة الشمس».

صناعة الكونسروة والمربيات تنمو

يقول السيد عوني ربّوع، وهو تاجر في سوق هال مدينة إدلب، إن هناك أنواعاً محددةً من الخضار التي تباع بسعرٍ جيد نظراً لاستخدامها في التصنيع، كالخيار والفليفلة والقتة، وتتنافس ورشات ومعامل تصنيع الخضار على شرائها. ويتم تصدير الإنتاج بعد تحويل الخضروات إلى مكدوس ومخلل ورب البندورة وغيرها، أي إنه لا يتم شحن الخضار طازجةً للتصدير مباشرة، باستثناء بعض الأنواع كالبطاطا والبصل والثوم.

ويشكو ربّوع من منع الجانب التركي تصدير الزيتون المصنع (ترانزيت) من إدلب عبر تركيا لبقية الدول الأوروبية والعربيةلم نتمكن من الحصول على نسخة من قرارٍ رسمي بهذا الخصوص، في حين تؤكد حكومة الإنقاذ التابعة لهيئة تحرير الشام أنها تشجع التصدير نافيةً وجود أي قرار منع من جانبها، بينما لم تنفِ وجود قرار بمنع عبور منتجات الزيتون من قبل السلطات التركية.، رغم أن الآونة الأخيرة قد شهدت إعادة فتح أبواب تصدير مادة زيت الزيتون، ما رفع سعر صفيحة زيت الزيتون من 55 إلى 80 دولار أميركي في فترةٍ قصيرة أثّرت على المستهلك في شمال غربي سوريا.

وفي حديثه للجمهورية، يقول براء برهوم إنه ورث مهنة تصنيع الخضار والفواكه عن والده، وإن عمر مصنع العائلة يبلغ أكثر من 40 عاماً. يتسوق برهوم أنواعاً محددةً من الخضار ويتم تصنيعها في معمله، الذي يُشغِّل 30 عاملاً، قبل طرحها للبيع في الأسواق، ويرى أنّ توفّر اليد العاملة والخضار ذات النوعية الجيدة يساهم في تطوّر المهنة واستيعاب فائض السوق، بينما يعرقل هذا النوع من الصناعات إغلاقُ المعابر واستصدارُ قراراتٍ مجحفة بحق التجار تمنعُهم من تصدير بضائعهم إلى الخارج، كما هو الحال مع الزيتون المصنّع بمختلف أشكاله (مخلل، مشوي، محشي).

ويؤكد البرهوم أن كميات كبيرة من مخللات الزيتون لا تزال تتكدّس في المشاغل والمعامل منذ زلزال السادس من شباط (فبراير) الماضي. حينها تم إبلاغ التجار بصدور قرار من الجانب التركي يمنع تصدير الزيتون المصنَّع سواء إلى تركيا أو العبور (ترانزيت) إلى الدول الأخرى عبر تركيا. تسبّب هذا القرار بإلغاء برهوم لعددٍ من الطلبيات بعد أن قبض عربونها، وكانت في طريقها لصالح تجار في دول الخليج العربية، ما أجبره على إعادة العربون وإلغاء الطلب «للحفاظ على سمعته في السوق».

مشاريع المونة المحلية

«مونة بيتك من عنا»، مشروعٌ بسيط يقوم عليه 7 أشقاء نازحين من بلدة جرجناز إلى قرية محمبل في ريف إدلب الغربي، يقدِّمون خدمة التوصيل المجاني إلى المنازل في عدة مناطق في إدلب. ويروِّج القائمون على العمل منتوجاتهم عبر مجموعة على تطبيق الواتساب تضم نحو 600 مشترك وصفحة على فيسبوك. يقول محمد الدغيم، أحد القائمين على المشروع، إن الهدف من استخدام وسائل التواصل الاجتماعي هو «الترويج للمنتجات وإيصالها إلى أبواب المنازل في عدة مدن ضمن محافظة إدلب، وخلق جو من التنافس مع البضائع المستوردة».

ويصنع الدغيم حالياً في مشغله؛ رب البندورة والبندورة المطبوخة ودبس الفليفلة والملوخية المجففة والباذنجان المحفور المجفف وأنواع من المربيات. وهو يتسوّق احتياجاته من الخضار من سوق الشحن في جسر الشغور، ويشحن منتوجاته إلى أخويه اللذين يعملان بدورهما على توزيع المنتوجات في منطقة سرمدا ومخيمات أطمة.

يقول الدغيم إن مشروعه الصغير يتكون من ورشة عمل بسيطة وسيارة للتوزيع، وماكينة لصناعة دبس الفليفلة لتسهيل وتسريع عملية الإنتاج، ويحقق مشروع الدغيم، بحسب كلامه، مردوداً مادياً مقبولاً له ولإخوته في ظل الظروف المعيشية الصعبة. ويؤكد الدغيم أن الأسعار الحالية مشجعة لزيادة إنتاج مشروعه الصغير، معرباً عن أسفه لما حل بالمزارعين نتيجة انخفاض الأسعار.

وتعمل عائلاتٌ كثيرةٌ في إدلب على تأمين المونة المطلوبة في ظروف مشابهة للورشات والمعامل، وتختلف عنها من حيث العنصر البشري العامل، الذي عادةً ما يكون مجموعة من النساء والفتيات والشبان من عائلةٍ واحدة. وتروِّج تلك العائلات منتوجاتها عبر وسائل التواصل الاجتماعي، كما تبيع الفائض لتجار الجملة الذين يُعدّونها بدورهم لعمليات فرز وإعادة توضيب أو استخدام الصنف بأعمال أخرى تتماشى مع احتياجات سوق التصدير.

تصدير الإنتاج المحلي من المونة

تُنتِج مناطق شمال غربي سوريا الخارجة عن سيطرة النظام السوري طيفاً واسعاً من الفواكه والحمضيات، وتتركز زراعتها في منطقتين أساسيتين في ريف عفرين شمالي حلب وريف جسر الشغور غربي إدلب، إضافةً إلى الكرز والوشنة في مناطق جبل الزاوية. وتُستهلك هذه المنتوجات محلياً ويتم تصنيع المربيات منها للاستهلاك المحلي أيضاً، بينما يتم تصدير دبس الرمان والتين المجفف ومربى وعصير الوشنة الذي تنفرد في صناعته منطقة جبل الزاوية.

وذكر حمدو الجاسم، مدير العلاقات العامة في وزارة الاقتصاد في حكومة الإنقاذ، أن كميات التصدير تختلف من عامٍ لآخر، ويعود ذلك لتوزع الميزان الزراعي وتنوُّع المحاصيل التي يتم زراعتها في الموسم. وأشار إلى أن وزارة الاقتصاد والموارد التابعة للإنقاذ «تعمل على تصدير المنتجات الفائضة عن احتياجات السكان في شمال غربي سوريا، إذ يتم تصدير عدد من المنتوجات الزراعية، ومنها البصل والبطاطا وورق العنب والثوم، إلى الدول العربية بشكلٍ عام عبر تركيا. كما يتم تصدير عدد من المنتوجات، ومنها الجبس والكوسا والخيار لمناطق شمال وشمال شرقي سوريا أيضاً».

وبحسب الجاسم، فإن الرسوم المفروضة على عمليات التصدير «هي أجور رمزية وزهيدة مقابل الخدمات المقدمة من تحليل وفحص وتقديم شهادات صحية على المعابر الحدودية»، في حين أنه لم يكشف لنا عن لوائح الأجور دون توضيح الأسباب. وفي ما يخصُّ كميات الاستيراد من المنتجات الزراعية، فالنصيب الأكبر للبندورة، إذ يدخل شمال غربي سوريا عبر المعابر الحدودية أكثر من 50 ألف طن سنوياً.

بدوره، تحدث المهندس صالح دريعي، مدير مديرية الموارد المائية في «حكومة الإنقاذ»، عن تلك المشاريع التي تقوم بها الوزارة من أجل تحسين الزراعة، قائلاً إنه «تم ضخ مليون متر مكعب من مياه الأمطار والسيول في ’سد البالعة‘ التجميعي خلال فصل الشتاء ليتم استخدامها لاحقاً في ري المحاصيل الصيفية، كما تم تجهيز محطات آبار الري في منطقة ’عري الجنوبي‘ وتم تزويدها بمشاريع طاقة شمسية. كما تعمل المنظمات على تأهيل مشاريع الري التي تدمرت بفعل الزلزال في حوض العاصي، وتمّ تأهيل مشروع الري في ’التلول الجنوبي‘ ومشروع ري ’التلول الشمالي‘ و’حير جاموس‘».

وكان عددٌ من المشاريع الزراعية قد توقّف نتيجة غياب الطاقة اللازمة أو غياب الصيانة عن البنى التحتية المستخدمة في الزراعة والعمليات العسكرية المباشرة، كما تأثرت بعض البنى التحتية أو خرجت عن الخدمة نتيجة زلزال السادس من شباط، خصوصاً تجهيزات الطاقة الشمسية في حوض العاصي، وهو ما تعمل مؤسسات ومبادرات أهلية و«رسمية» على إصلاحه من خلال تأمين منظومات طاقة شمسية جديدة لزيادة المساحات المروية. ولكن مع هذا تبقى الزراعة، وهي العصب الأهم في اقتصاد المنطقة على مستوى تأمين فرص العمل والدخل، بحاجة إلى الكثير من الجهود لتعود على الأقل إلى ما كانت عليه قبل سنواتٍ قليلة.