تخرّجَ الدكتور يمان أبو عاصي (اسم مستعار) من كلية طب الأسنان في دمشق عام 2017، متخصّصاً في جراحة الوجه والفكّين، ليبدأ العمل في البداية كمندوب زَرْعات سنيّة لإحدى الشركات. في فترة عمله كمندوب، عرفَ أن طبيب الأسنان السوري الذي يعتمد على المرضى السوريين لا يُعالج سوى ثلاث حالات زراعة سنيّة في الشهر وسطياً، أما الأطباء الذين يعتمدون على المرضى العراقيين واللبنانيين والمغتربين السوريين، فتأتيهم 30 حالةً في الشهر وسطياً.
يؤكد أبو عاصي على أن بعض مجالات القطاع الطبي في سوريا تعتمد كثيراً على القادمين من خارج البلاد، سواء من المغتربين السوريين أو العراقيين وغيرهم من دول الجوار. وبحسب ما رآه، فإن العراقيين هم الأكثرية. ويضيف أن القطّاعات الطبية التي يتوجّهُ إليها القادمون من خارج سوريا هي السنيّة والتجميلية، وكذلك العظمية والجلدية والجراحة عموماً، إذ يمكن تقديم الخدمات الطبية في هذه المجالات خلال وقتٍ قصيرٍ نسبياً. وحتى في مجال طب الأسنان نفسه، لا يمكن لاختصاصي التقويم مثلاً الاستفادة من القادمين من خارج البلاد نتيجة طول وقت العلاج.
زيارة دينية وطبيّة بأسعار زهيدة
في 2017، العام الذي تخرّج فيه الدكتور يمان أبو عاصي، بدأت إجراءات إعادة المعابر البرية بين العراق وسوريا بعد إجلاء داعش، الأمر الذي أكد على أهميته للسياحة الدينية وزيرُ السياحة السوري السابق بشر يازجي، إذ اعتبر أن فتح المنفذ البري مع العراق سيكون له انعكاسٌ كبيرٌ على المستوى الاقتصادي، بما فيه قطّاع السياحة، مُبيناً أن البلاد ستشهد نتيجة ذلك عودةً كبيرةً للزوار والشركات العراقية إلى سوريا للعمل في مجال السياحة الدينية.
تأتي أهمية السياحة الدينية بالنسبة للقطاع الطبي من استغلال الزوار لفترة إقامتهم القصيرة في سوريا للعلاج، ضاربين بذلك عصفورين بحجر، فتكلفة العلاج في سوريا تُعدُّ منخفضةً بشكلٍ كبير مقارنةً بالعراق، كما أن جودة الخدمات الطبية أعلى بكثير، كما أكد لنا مرضى عراقيون اختاروا سوريا للعلاج، إذ قد يدفع العراقي القادم مع رحلة سياحية دينية أقلَّ من ألف دولار تشمل رحلته وإقامته ووجباته بالإضافة إلى النزهات وعلاج أحد أسنانه أو أكثر، أو خضوعه لجراحة تجميلية مثل تجميل الأنف، في الوقت الذي سيكلفه علاج سنٍ واحدٍ المبلغَ نفسه تقريباً عند طبيبٍ جيّد في العراق. بالرغم من أنه يمكن إيجاد بدائل أرخص أيضاً في العراق، يُفضّل العراقيون الذهاب إلى خارج العراق للعلاج وإنْ كان فرق السعر ليس كبيراً في حالة علاج سنٍّ واحدٍ مثلاً، لكن في حالة أسنان الفم كاملةً فالفرق يكون كبيراً. البلدان التي يختارها العراقيون للعلاج هي إيران وسوريا ولبنان والأردن، وتُعدُّ سوريا الخيار الأرخص الذي يضمن في الوقت نفسه نتائج مُرضيةً في الغالب.
تقدّم الشركات السياحية في العراق أسعاراً مغرية لبرنامج رحلةٍ كامل إلى سوريا مخصّصٍ للمجموعات، يتضمّن زيارة مقام السيدة زينب وسوق الحميدية ومول كفرسوسة والربوة، وزيارة أطباء في مختلف المجالات، وكذلك الإقامة الفندقية والوجبات. تبلغ تكلفة هذه الرحلات من 400 إلى 500 دولار أميركي طيراناً، بما يشمل كامل ما تقدّمه الرحلة، عدا ما يدفعه السائح للأطباء ونفقاته الشخصية. في الوقت الذي تكلّف فيه رحلة الطيران من بغداد إلى دمشق المبلغ نفسه تقريباً في حالة السفر الفردي. أما عن طريق البر، فتكلّف رحلات المجموعات السياحية 250 دولاراً أميركياً فقط للفرد الواحد. كما تقدّم هذه الشركات والعاملون بالتعاون معها خدمات صرافة وحوالات بأسعار السوق السوداء، ويمكن إيجادهم في مجموعات الفيسبوك السياحية بأسماء صريحة أحياناً، الأمر الذي يسمح للقادمين بإطالة زيارتهم أو تغيير الميزانية التي حدّدوها مسبقاً عند الرغبة.
مع التكلفة القليلة، والمميزات التي تقدمها هذه الرحلات، ارتفع عدد القادمين إلى سوريا بغرض السياحة الدينية في عام 2018 بنسبة 24 بالمئة مقارنةً بعام 2017، لتقفز النسبة في 2019 إلى 76 بالمئة، ويشكل القادمون من دول الجوار (العراق ولبنان والأردن) النسبة الأكبر منها. ومع انخفاض النسبة في عامي 2020-2021 بسبب وباء كورونا، يعود الرقم للارتفاع إلى 141 بالمئة في 2022 مقارنةً بالعام الذي يسبقه، وتشمل هذه النسبة جميع القادمين إلى سوريا من عرب وأجانب. وخلال الربع الأول من العام الحالي، كان عدد الذين دخلوا سوريا بغرض الزيارة الدينية نحو 36 ألف قادم من العراق وإيران والبحرين والأردن.
بدورها، تُقدّمُ المراكز الطبية والعيادات التجميلية عروضاً تستهدف غير السوريين، عبر مواقع التواصل الاجتماعي، بطرقٍ مباشرة وغير مباشرة. المباشرة أن يقدم المركز خدماتٍ سياحية بالتعاون مع دليل أو شركة سياحية، فيتكفَّل المركز بمساعدة الدليل أو الشركة السياحية غير المعلن عنها بإيجاد محل الإقامة والفيزا وكلَّ سُبل الراحة. هذه الإعلانات مقدّمة بشكلٍ مباشر للعراقيين، بينما تستهدف مراكز أخرى فئاتٍ مختلفة مثل الأردنيين والخليجيين، لنجد هاشتاغ #زراعة_الشعر_في_سوريا الذي تُدرَجُ فيه منشورات توضح فرق الأسعار بين سوريا وغيرها دون توضيح السعر. كما تضعُ العديد من العيادات والمراكز أرقام هواتف مخصّصة للحجز من خارج سوريا، مُرفقة بصور حالات تمّ علاجها لمرضى من دول مختلفة مثل الأردن والبحرين.
استغلال الطبيب السوري والمريض العراقي
لا شكَّ أنّ المجموعات السياحية تعتمدُ على الكثرة لتستطيع تقديم عروضٍ منخفضة السعر، إلا أن الربح الأكبر الذي يحصلُ عليه «الحِملدار» أو قائد الرحلة الدينية تأتي من الأطباء السوريين. يحصل الحملدار أو الدليل السياحي أو سائق التكسي الذي يجلبُ المريض على نسبةٍ عاليةٍ من التكلفة الإجمالية للعلاج الطبي، ومن بين هؤلاء فإن الحملدار المسؤول عن الرحلات الدينية، الذي يُسمّى بالحجي، هو صاحب النسبة الأعلى لأنه يمتلك ثقة المرضى/الزائرين، وبالتالي يتحكّم بأسعار الأطباء المُجبَرين على مُسايرة الأرقام التي يطلبها لكي لا يستغني عنهم.
بحسب الدكتور يمان أبو عاصي، يحصل الحملدار على نسبة 40 بالمئة من إجمالي ما يدفعه المريض للطبيب. فالمبلغ الإجمالي 1000 دولار مقابل زرعة سنيّة على سبيل المثال، وهذا أكبر رقم يمكن دفعه إذ غالباً ما يكون أقل من ذلك، مقسّم بين سعر الزرعة السنية الذي يتراوح بين 250 – 500 دولار أميركي بحسب نوعها، وأجرة المخبري، والطبيب صاحب العيادة، وأخيراً أجرة الجرّاح الذي يقوم بالزرع. بالتالي يحصل الحملدار على نسبة ربح أعلى بكثير من الطبيب. في حال رفضِ هذه النسبة، سيتوقّف الحملدار أو أي وسيط آخر عن التعامل مع هذا الطبيب وبالتالي (يَقطع رزقه)، وأحياناً يصل به الأمر إلى إقناع المريض بأن هذا الطبيب سيء، لذا يُضطرُّ الطبيب إلى القبول بهذه النسبة، فيصير ربحه من المريض العراقي أقل من المريض السوري وعليه الاعتماد على الكم، أو أن يرفع السعر على المريض ليستطيع دفع النسبة المطلوبة دون خسارة.
لا تقتصر المشكلة على النسبة العالية فقط، إنما يصل الأمر بالوسطاء إلى البحث عن أطباء يقبلون حالات لا تستدعي العلاج، الأمر الذي يمسُّ بشرف المهنة بحسب أبو عاصي. فإذا رفض الطبيب علاج الحالة في وقت قياسي لأنها تحتاج لشهر على الأقل من المراجعات، يبحثُ الوسيط عن طبيب آخر يعالج الحالة في مدة قليلة قد تنتجُ عنها مضاعفات كبيرة، بالاعتماد على أن المضاعفات اللاحقة لن تُسبِّبَ مشكلة لهم لأن المريض سيعود إلى العراق ولا يهمهم ما يحصل له بعدها. وأي طبيب يرفض هذا النوع من الاحتيال سيخسر عدداً كبيراً من المرضى العراقيين الذين يعتمد عمله على وجودهم. وهذا يسري على كثير من الحالات الطبية في مختلف المجالات على الرغم من ادّعاء الحملدار، أو حتى الشركات السياحية أو الطبية تقديم كفالات، إذ يعتمدون على أن المريض لن يدخل في دوامة العودة إلى سوريا لاحقاً، خصوصاً وأنه غالباً ملتزم بوظيفة ما ولا يستطيع الحصول على إجازة جديدة للعلاج.
سمسرة منذ الوصول وحتى الضماد الأخير
وبحسب ما يراه الدكتور الجرّاح العام صالح (اسم مستعار)، فإن الجميع يُسمسر على المريض العراقي القادم إلى سوريا، بِدءاً من سيارة التكسي التي يركبها في المطار أو الشركة السياحية التي يأتي معها إلى أصغر ممرض. يتحدث د. صالح عن إحدى التجارب التي شهدها عن ممرضةٍ سألته عن طبيب يقوم بجراحة تَثدّي لمريض عراقي، وأكدت الممرضة بحسب صالح: «انتبه هاد عراقي، يعني قلّه يرفع ويحسبلي نسبتي». أرسل صالح المريض إلى طبيبٍ يعرفه ويثق بمهنيته. طلب الطبيب أجرة العملية 1.5 مليون ليرة سورية، أي ما يقارب 170 دولاراً. لكنه عندما رأى الحالة رفض علاجها لأنها لا تستدعي العمل الجراحي، الأمر الذي أغضب الممرضة التي توعدّته بألّا تأتيه بمريضٍ عراقي مرةً أخرى، وأنهت كلامها لصالح: «هاد صاحبك شو هالسعر يلي طالبه؟ قلتلك ألف مرة هاد عراقي».
يكمل صالح بأن الممرضين أيضاً لهم نصيبهم من المريض العراقي، فالمرضى الذين يأتون لمدة شهر بسبب عملية جراحية كبرى يحتاجون لعنايةٍ وتغيير ضمادات، ليطلب منهم الممرض الذي يذهب إلى شقق المرضى المُستأجرة أسعاراً كبيرةً جداً مقابل تغيير ضماد، لكن المريض لا يعترض لأنها لا تزال أرخص من العراق، أو لأنه غريب ولا خيار له سوى الرضوخ للخروج بسلامة دون مضاعفات.
يذكر د. صالح أن الطلب على الطب في سوريا لا يأتي من جانب اقتصادي فقط، إنما أيضاً بسبب نسب النجاح الكبيرة وجودة الطب في سوريا، فالمرضى الذين يأتون من أجل عملية قص المعدة يُحجز لهم مسبقاً عند أفضل اختصاصيي جراحة البدانة والجراحة التنظيرية، ومن بينهم طبيبٌ هو أكثر طبيب يتعامل مع مرضى عراقيين في مجاله لنسبة النجاح العالية لديه. يختلف سعر الجراحة عند طبيبٍ بهذه الشهرة بين المريض السوري والعراقي، فالعملية تكلف ما يقارب 1500-2000 دولار أميركي للمريض السوري، لكنها تصل إلى 3000-3500 دولار أميركي للمريض العراقي بسبب أجرة الوسيط وعمليات الاحتيال بحسب ما يُشاع في المشافي. ويقول عراقيون في مجموعاتٍ خاصة بهذا النوع من العمليات على وسائل التواصل الاجتماعي إن أجرة العملية، شاملةً للتحاليل والمعاينة، تبلغ 1500 إلى 2000 دولار، أي كما يدفع السوري بالضبط، ولكن فقط إذا عرف المريض كيفية الوصول بنفسه إلى الدكتور. يقول د.صالح إنه سمع أن الطبيب نفسه قد أجرى 28 عملية لوفد عراقي في يوم أو يومين، علماً بأن هذا الطبيب لا يقوم بكامل العملية، وإنما فريقه، بينما يقوم هو بالإغلاق. ويعمل بالطريقة نفسها أطباء الإخصاب ومعالجة العقم وأطفال الأنابيب في مشفى الشرق في سوريا، وعلى رأسهم طبيبٌ شهيرٌ يُعَدّ من أوائل من بدأوا باستقبال المرضى العراقيين في سوريا، ويعتبر مجاله واحداً من المجالات الأكثر طلباً من العراقيين بالإضافة إلى الجراحات التجميلية والبوتوكس والفيلر وطب الأسنان. يضيف د.صالح: «صحيح في كتير سمسرة واستغلال من كل مين يقرّب من هالمريض، بس بمجال الإخصاب وقصّ المعدة عالأقل النتيجة ممتازة، وطبعاً أرخص من العراق رغم كل الاستغلال».
دوامة فساد
في المجالات الأربعة التي تجذب العراقيين (التجميل، ومعالجة البدانة، والإخصاب المساعد، والأسنان)، يُعدُّ مجال الأسنان الأكثر تعقيداً. بحسب د.صالح فإن المُسيطر في المجالات الأخرى أطباءٌ متميزون بالفعل، إذا ما استثنينا الفيلر والبوتوكس التي يقوم بها أيّ طبيب بمجرد الحصول على دورة تدريبية رغم عدم قانونية الأمر، كما أنه غالباً ما يكون المرضى القادمون من أجل حالات معالجة البدانة والإخصاب المُساعد وتجميل الأسنان ميسوري الحال نسبياً، إلى حدٍّ يسمح لهم بإطالة الإقامة حتى الشفاء الكامل. أما في حالة علاج الأسنان فالأمر مختلف؛ لأن مجال الاحتيال فيه أكبر، كما أن كلفته أقلّ، حسب الحالة، وبالتالي فإن مرضى الأسنان هم الأكثرية.
كما سبق وذكر د. يمان أبو عاصي، يضغط الوسطاء الذين يجلبون المرضى مقابل نسبةٍ يفرضونها على أطباء الأسنان للقبول بعلاج حالة تحتاج أسبوعين في غضون ثلاثة أيام فقط، أو القبول بعلاج حالة لا تستدعي هذا العلاج، فيكون الضرر أكبر من النفع، وغالباً ما يكون هذا الضغط على أطباء أسنان جُدد لا يمكنهم الاستغناء عن المرضى الذين يأتي بهم هؤلاء.
تزعم الشركات السياحية وشركات الزَّرْعات السنّية تقديم كفالاتٍ للزراعة، لكن بحسب د.أبو عاصي فإن هذه الكفالات وهمية، لأن طريقة العمل بالزرعات السنية في سوريا غير نظامية على حد وصفه، إذ تسيطر الشركات على هذا المجال لعدم قدرة أغلب الأطباء الجُدد على تجهيز عيادة متخصصة بالزرع، فتقوم الشركة بتوفير الزَرعات والأدوات وكذلك طبيب الزرع، وفي هذه الحالة يعمل طبيب الزرع لصالح الشركة وليس لصالح مركزٍ طبي أو عيادة مختصة كما يجب أن يكون الأمر. للقيام بعملية زرع في عيادة غير مختصة في هذا المجال، يطلب طبيب الأسنان العادي من الشركة الزرعات والأدوات وطبيب الزرع، وتقرّر الشركة أجرة طبيب الزرع التي يجب أن يدفعها طبيبُ العيادة.
تكمن المشكلة هنا في تَحمُّل المسؤولية، لأن هذه الطريقة تعني أن «الطاسة ضايعة» بحسب وصف د.أبو عاصي؛ فإذا حدثت مشكلةٌ مع المريض لا يمكن تحديد المسؤولية: هل تقع على عاتق طبيب العيادة أم الشركة أم دكتور الزرع؟ علماً أن طبيب الزرع في الشركات غالباً ما يعمل بترخيصٍ مؤقت لا يَسمح له بالعمل خارج المشافي الحكومية والجامعة.
يُضيف أبو عاصي أن حالات الزرع لا تُرفض عند الطبيب غير المختص، لأن أسعار الزرعات بالدولار، لذلك يقوم الطبيب بالاتصال بشركةٍ ما لتقديم خدمة الزَرعة السنّية في عيادته للمريض. لكن المشكلة الأكبر تكمن في أن الوسيط/الحملدار «يمسك الدكتور من الإيد اللي بتوجعه»، ويتضرر المرضى الذين قد يحتاجون لتطعيم عظم قبل ثلاثة أشهر من الزرع، لكن الطبيب يقوم بالزرع دون هذا التطعيم حتى لو كان ضرورياً في بعض الحالات كي لا يخسر مرضاه.
وباعتبار أن أطباء الأسنان أحد مصادر القطع الأجنبي في سوريا بحسب جريدة الوطن السورية، تحاول حكومة النظام السوري تعزيز مجال السياحة الطبية، ففي عام 2022 دعا رئيس مجلس الوزراء، حسين عرنوس، إلى تعزيز السياحة العلاجية والطبية، وذلك في لقاءٍ له مع وزير السياحة والثقافة والآثار العراقي حسن ناظم. وبدوره، روّجَ الجانبُ العراقي للسياحة الطبية حين وجَّهت السفارة العراقية في دمشق رسالة شكر إلى وزير الصحة السوري حسن الغباش لما يقدمه قطاع الصحة السوري من خدمات للإخوة العراقيين المقيمين فوق الأراضي السورية، وفي التقرير نفسه الذي ورد فيه الخبر، أكد وزير الصحة على ضرورة تشجيع السياحة العلاجية لإنعاش الاقتصاد الوطني.
ونتيجة ارتباط السياحة الطبية بالسياحة الدينية ارتباطاً كبيراً بسبب الرحلات الدينية التي تُقدِّم خدمات زيارة الأطباء، تُعَدُّ منطقة السيدة زينب المنطقة الأكثر أهميةً في هذا الجانب. في العام الماضي قام وزير السياحة محمد رامي رضوان مرتيني ومحافظ ريف دمشق معتز أبو النصر بجولة تفقدية في منطقة السيدة زينب، وذلك بهدف تحسين الواقع الخدمي والمروري والسياحي في المنطقة، وكذلك دعم جهود الكوادر الطبية فيها.
مع ذلك، لا يبدو بأن هذه الجولات تؤتي ثمارها. إذ يؤكد د.أبو عاصي على أن منطقة السيدة زينب تُعَدّ بؤرةَ فسادٍ في مجال طب الأسنان، فمستويات العَقامة دون الحد الأدنى، ولا يوجد تراخيص، وتم افتتاح عدة عيادات من قبل حِملدارات بشكلٍ غير قانوني، يعمل فيها أطباء مبتدئون بأجور قليلة، والعمل فيها «من قفا الإيد». عالج أبو عاصي والكثير من رفاقه حالاتٍ لعراقيين تضررت أسنانهم في عيادات السيدة زينب، وكانوا قد عادوا إلى العراق قبل أن يدركوا الضرر الذي حصل لهم، ليعود بعض المقتدرين في زيارتهم الثانية لسوريا للتداوي دون وسيط هذه المرة، بل يبحثون بأنفسهم عن أطباء. يرى أبو عاصي أن سمعة عيادات السيدة زينب والحملدارات واستغلال الوسطاء وصلت إلى العراق، والكثير من العراقيين قد فهموا اللعبة، لذا بدأت تكثر حالات الزيارة الفردية دون وسيط.
تؤكد آلاء على ذلك، وهي عراقية زارت سوريا لأجل جراحة تجميل أنف. ففي العراق سمعت كثيراً عن استغلال الحملدار أو التكسي أو أي وسيط للمريض مادياً، كما سمعت بأنهم يأخذون المرضى لأطباء دون المستوى، لذا بحثت بنفسها عن طبيب تجميلٍ ناجحٍ في دمشق وسافرت واتجهت إليه بعد حصولها على موعدٍ مبكر لأنها عراقية، وهي الآن راضيةٌ عن النتيجة.
يُعطي جميع الأطباء رغم امتلاء أجندتهم موعداً مبكراً جداً للمريض العراقي أو المريض القادم من خارج سوريا عموماً، لأنهم سيحظون نتيجة ذلك بدعايةٍ في الخارج. وأحياناً يُعطى الموعد المبكر مقابل أموالٍ يدفعها المريض لسكرتير الطبيب بحسب د.صالح، الذي يُنهي كلامه بجملة: «متل ما قلتلك. كله بيسمسر عالمريض العراقي من أول ما يجي لحد ما يرجع عالعراق».