في فجر أحد الأيام في أوائل شهر أيار (مايو)، حلّقت طائرات حربية فوق الحدود الشمالية للأردن باتجاه سوريا، وأطلقت صواريخ على منزل مُكوَّن من طابقين، ما أدى إلى تسويته بالأرض ومقتل كل من في داخله.

لم تكن هذه المنطقة، التي كانت ذات يوم معقلاً للمتمردين الذين يقاتلون نظام الرئيس بشار الأسد، غريبة على الغارات الجوية والتفجيرات. لكن الضحية الأبرز للانفجار، السوري مرعي الرمثان، لم يكن مقاتلاً ثورياً، بل كان مُهرِّب مخدرات بارزاً، متخصصاً في عقار الأمفيتامين غير المشروع المسمّى الكبتاغون.

كان يُطلَق على الرمثان (45 عاماً)، والذي قُتِلَ مع زوجته وأطفاله الستة في الغارة، اسم «إسكوبار» المنطقة، تيمناً ببارون المخدرات الكولومبي سيء السمعة. وتظهر سجلات المحكمة أنه مطلوب في الأردن في 57 تهمة بالاتّجار بالبشر: بعضها صدرت فيها أحكام وأخرى قيد التحقيق أو المحاكمة، وأنه جَنَّدَ أقاربه وأصدقاءه لتهريب المخدرات عبر الحدود، ودفع في أحيان كثيرة أكثر من 10 آلاف دولار لكل عملية ناجحة.

الغارة جاءت بعد أيام من  تحذير المملكة من أنها ستستخدم القوة داخل سوريا للقضاء على المخدرات التي تعبر إليها.

وعلى رغم أن الأردن لم يؤكد أبداً أنه نفّذ الغارة، إلا أن جيشه أرسل رسالة نصية من أرقام أردنية إلى عديد المهربين السوريين المتهمين بتجارة المخدرات وتهريبها، بعد اغتيال الرمثان،  تدعوهم إلى تسليم أنفسهم لحرس الحدود الأردني. «نعلم من أنتم. تحَرُّكاتكم مرصودة. اجتماعاتكم مخترقة. تساهمون في تخريب أبناء شعبنا، ولأجلهم لن نرحم أي شخص منكم. نشامى الأردن ستحلق كالنسور ليتم اصطيادكم مجرماً تلو الآخر. مرعي الرمثان كان الأول وليس الأخير».

خلال العقد الماضي، أصبحت سوريا مركزاً لإنتاج الكبتاغون والاتّجار به على نطاق صناعي من مصانع كبيرة تنتج ملايين الحبوب في اليوم، إضافة إلى مصانع مُتحرِّكة صغيرة ذات مكابس يدوية تنتج حبوباً بدرجة قليلة. ويحظى هذا العقار، غير المعروف نسبياً خارج الشرق الأوسط، بشعبية كبيرة في أجزاء من المنطقة، بخاصة دول الخليج العربية الغنية بالنفط مثل المملكة العربية السعودية، حيث يمكن أن يصل سعر القرص الواحد إلى 20 دولاراً.

دمرت الحرب الأهلية الاقتصاد الرسمي في سوريا، لكن تجارة الكبتاغون انتعشت. ويُقدِّر الخبراء أنها قد تجني ما بين 5 مليارات دولار إلى أكثر من 50 مليار دولار سنوياً. وحتى التقدير الأصغر سيتجاوز إيرادات الدولة السورية السنوية.

أسفرت عمليات ضبط المخدرات في أوروبا والشرق الأوسط عن مجموعة متزايدة من الدلائل على أن السلطات السورية تُساعد في إدارة التجارة، لا سيما في ما يتعلق بتشكيل الفرقة الرابعة النخبوبة في الجيش السوري  بقيادة ماهر الأسد، شقيق الرئيس بشار. وتشمل الدلائل والاتهامات عدداً من أبناء عمومة الأسد، وكذلك الحركة السياسية والعسكرية اللبنانية «حزب الله».

ارتفعت مضبوطات الكبتاغون في الأردن ولبنان بشكل كبير. إذ تم ضبط ما يقرب من 300 مليون حبة، يُحتمَل أن تبلغ قيمتُها مليارات الدولارات، في البلدين بين عامي 2018 و2020. فقد فتحت جريمة تهريب المخدرات من سوريا مرحلة جديدة قاتمة في الصراع الدائر في البلاد، حيث تتصارع الميليشيات مع تجار المخدرات – الذين يعملون في كثير من الأحيان جنباً إلى جنب مع السلطات السورية – ضد القوات الأمنية في البلدان المجاورة.

أمضى فريق من مشروعِ تتبّعِ الجريمة المنظمة والفساد العابر للحدود OCCRP وتلفزيون  BBC أكثر من عام في التحقيق حول ما بات يُسمى بـ «حرب المخدرات» التي تشنّها سوريا على المنطقة، حيث شاركوا مراراً مع القوات الأردنية واللبنانية في عمليات خلال الليل والنهار لمكافحة المخدرات، وأجروا مقابلات مع مهربين وضباط أمن وخبراء عسكريين ودبلوماسيين وجنود سوريين حاليين وسابقين.

كما راجع الصحافيون سجلات المحاكم الخاصة بقضايا المخدرات في ألمانيا والأردن ولبنان، بما في ذلك سجلات تحقيق أجراه ضباط شعبة أمن المعلومات التابعة لقوى الأمن الداخلي اللبناني مع  «ملك الكبتاغون» حسن دقو، في بيروت، بعد إلقاء القبض عليه في عام 2021، وحصلوا على لقطات فيديو حصرية التقطتها ميليشيا سورية طردت  مهرب الكبتاغون من قريتهم في  محافظة السويداء.

تعاون الصحافيون على تتبُّع انحدار سوريا إلى ما يصفه الخبراء بـ «دولة المخدرات»، حيث غالباً ما تكون الحدود بين السلطات والعصابات الإجرامية غير واضحة. وتكشف الكثير من المقابلات وسجلات المحكمة عن الرسالة نفسها: عائلة الأسد تتزعم  تجارة الكبتاغون.

قال جويل رايبورن، المبعوث الأميركي الخاص السابق إلى سوريا، في مقابلة مع BBC، إن «نظام الأسد يشن حرب مخدرات على جيرانه، بالتحديد الأردن والسعودية. ويضطر الأردن إلى استخدام كل وسائل الدفاع المتاحة لديه للردّ عليها».

ولا يخامرُ السفيرَ رايبورن شكٌّ في من يدير حرب المخدرات ولماذا. وقال: «الأسد يقوم بذلك كله لزعزعة استقرار جيرانه، هذه  خطته الرئيسية، وأيضاً لاستمرار حصوله على الموارد التي يحتاجها لمواصلة الحرب على شعبه».

لم ترد الحكومة السورية والجيش السوري على محاولات BBC المتعددة للتواصل معهما. لكن سابقاً، نفت الجهتان أي ضلوع لها في إنتاج الكبتاغون وتهريبه. ويؤكدان باستمرار أنهما يكافحان هذه العملية.

ما هو الكبتاغون؟

الكبتاغون هو الاسم التجاري لفينثيلين هيدروكلوريد، وهو دواء اختُرِعَ أصلاً في ألمانيا الغربية في ستينات القرن العشرين لعلاج اضطراب نقص الانتباه والاكتئاب.

تم حظر الكبتاغون في معظم البلدان في عام 1986، ووجد حياة ثانية كمخدر ترفيهي في الشرق الأوسط، بخاصة دول الخليج مثل المملكة العربية السعودية وقطر والإمارات العربية المتحدة. كما أصبح شائعاً بين المقاتلين خلال الحرب الأهلية السورية.

في الوقت الحاضر، تبتعد الحبوب غير المشروعة عموماً من الصيغة الأصلية للدواء، وقد تتضمن مجموعة من المواد بما في ذلك الكافيين أو عقار الثيوفيلين أو الباراسيتامول.

مكافحة تهريب المخدرات في الأردن

 تمتد حدود الأردن على الواجهة الشرقية بطول 531 كم مربع، تغطي طبيعة متنوعة تبدأ بمساحات خضراء على الحدود الإسرائيلية – الأردنية غرباً، وتنتهي بمناطق  صحراوية تلامس حدود العراق والسعودية شرقاً.

قام الصحافيون بجولة في المنطقة مرات عدة، مستقلين قوافل عسكرية أردنية على طول «المنطقة العازلة» للجبهة الشرقية مع سوريا والممتدة من قرية كوم الرف الى عنازه، حيث تنشط عصابات تهريب المخدرات العاملة في درعا، وتحديداً حول تل شهاب والسويداء ذات التضاريس الصعبة، وفي البادية السورية. في بعض المناطق المحاذية لقرية «كوم الرف» مثلاً، تبلغ المنطقة العازلة 150 متراً. في مناطق أخرى، هناك هضاب وجبال ووديان وصخور، تشكل تحدياً للمراقبة بالمقارنة مع مساحات شاسعة من الصحراء المفتوحة كلما سرنا شرقاً. على مد النظر، شاهد الصحافيون أطواقاً من الأسلاك الشائكة والسواتر الرملية والخنادق  والأبراج والسرايا. في زيارة أخيرة للمنطقة بداية العام الحالي، بدا وكأنَّ الطريق الصحراوي قد أُعيدَ تمهيده حديثاً، ما يُسهّل لسيارات الجيب المزودة برشاشات آلية التحرك في المنطقة بسرعة.

منذ أن استعاد نظام الأسد و«حزب الله» اللبناني والميليشيات الموالية  له ولإيران السيطرة على جنوب سوريا قبل أربع سنوات، شهدت المنطقة تزايداً غير مسبوق في عمليات التهريب والتسلل باتجاه الأراضي الأردنية مقارنة بفترات سابقة. وأصبحت المنطقة طريقَ العبور البري الرئيسي لمهربي الكبتاغون الذين يتسللون بالمخدرات نحو الأسواق في الخليج، بخاصة المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة. تنتشر ضمن المنطقة الجنوبية مجموعةٌ واسعة من شبكات التهريب، وتعمل على  مراحل عدة: مرحلة التصنيع في الجنوب ومناطق أخرى داخل سوريا قرب الحدود مع لبنان، ثم نقل المخدرات إلى مناطق تخزين مؤقتة، ومنها الى نهائية بالقرب من المنطقة الحدودية، والمرحلة الرابعة التنفيذ.

يقول الجيش الأردني إنه أحبط أكثر من 1700 محاولة تهريب وتسلل منذ عام 2020. 

لا تشمل الأرقام عمليات ضبط تهريب مخدرات في مخابئ سرية داخل شاحنات نقل تدخل المملكة أو تعبرها ترانزيت، حيث تُوضَّب المخدرات داخل جسم المركبة أو بين ألواح خشبية وشحنات فاكهة وكتل رخامية أو في سيارات سفر تحمل ركاباً، وقد تُخبَّأ في أمتعة شخصية وهياكل العربات التي تمر عبر معبر نصيب الحدودي مع سوريا.

قال مسؤولون أردنيون إن أساليب المهربين تغيرت أيضاً خلال العامين الماضيين: يتّبعون طرقاً مبتكرة في عملياتهم من حيث التوقيت والأدوات والإجراءات. يختارون التوقيتات بعناية من خلال استغلال الظروف الجوية السيئة، والتي تتدنى فيها الرؤية، بخاصة خلال تَشكُّل الضباب الكثيف والعواصف الرملية التي تشتهر بها المنطقة. كما يستخدمون التكنولوجيا المتطورة بحسب مسؤولين، ما يدل على كمية الدعم المتوافر لهذه المجموعات التي تنفذ عمليات التهريب، ومثل ذلك الطائرات المسيرة والنظارات الليلية والمدافع الرشاشة وأجهزة الاتصالات التشاركية وهواتف الثريا. ويشتبكون مع الضباط الأردنيين في معارك بالأسلحة النارية. 

وهناك إصرار لدى المهربين على استخدام «القوة المميتة» كما حصل قبل عام ونيف. سابقاً، لم يصل عدد المجموعة إلى خمسة، وغالبيتهم لم تكن مسلحة. الآن، هناك ازدياد كبير في عدد عناصر مجموعات التهريب والتي وصلت خلال الفترة الماضية إلى نحو 200 شخص للعملية الواحدة، ما استدعى القوات المسلحة إلى تغيير قواعد الاشتباك في كانون الثاني (يناير) 2022 من خلال إطلاق النار لقتل أي هدف يتحرك داخل المنطقة العازلة. في أحيان أخرى، يتم التهريب باستخدام مجموعات مقسمة من ثلاث الى أربع مجموعات، كل مجموعة تتألف من عشرة الى عشرين مهرباً محملين بأكياس المخدرات مع وجودهم في أماكن مختلفة لتشتيت الجهد العسكري الأردني. 

وبحسب الرواية الرسمية، تقترب هذه المجموعات الى المواقع الخلفية السورية بالآليات ومن ثم تترجَّل، ويبدأ السير بنظامِ المجموعات والاقتراب باتجاه الحدود الأردنية وتَحيُّنُ اللحظة الجوية المناسبة للعبور باتجاه الأراضي. ويتعرض الجنود الى رماية من داخل الأراضي السورية في بعض الأحيان عندما يشتبكون مع المهربين. وتتبع المجموعات المسؤولة عن التهريب والتجار الكبار أسلوب التعاقد مع «حمَّالين» مقابل أجر، يحملون حقائب ظهر وأكياساً مصنوعة من الخيش بلون الرمل لتنفيذ عمليات التهريب، وذلك تحسباً لعملية اعتقالهم، إذ لا يمكن استخلاص أي معلومات مفيدة منهم. كما تُهرَّب المخدرات داخل إطارات كاوتشوكية يُدحرجونها الى الجانب الأردني، أو يحملونها على حيوانات، أو يضعونها  في أكياس صغيرة تُربَط بجسم طائرة من دون طيار، أو ينقلونها في سيارات دفع رباعي تسمى شاص.

في مقطع فيديو حصري، لإحدى العمليات التي تم إحباطها، والتي شاهدتها OCCRP داخل مديرية أمن الحدود الذي يراقب جنودُهُ الحدودَ مع سوريا على مدار الساعة باستخدام كاميرات رؤية ليلية عالية الدقة مربوطة بمركز القيادة والتحكم، تقترب مجموعة من حوالى 70 رجلاً من الساتر الأردني لكي يتجاوزوا الحدود ويدخلوا الأردن. ثم إبلاغ قوات حرس الحدود التي تقف على أهبة الاستعداد. ثم نرى دورية ردِّ الفعل السريع تتحرك صوبهم وتطبق قواعد الاشتباك الجديد، وتطلق النار عليهم بشكل مباشر. فورَ تَعرُّضهم للرماية تحركوا. ثم زحفوا وتراجعوا. وقال أحد الضباط: «هذا درسٌ لهم ولغيرهم بألا يقتربوا من أراضينا أبداً». في فيلم آخر، تظهر صور التُقطت في ما يبدو من داخل سوريا، مجموعة كبيرة من الرجال يطلقون طائرة مسيرة من خلف جدار تابع لمنشأة ما باتجاه الأردن.

قصة مهرّب

قال مُهرّب سابق أَخفى عينيه خلف نظارة شمسية ذات زجاج داكن، ولفّ غالبية وجهه بغطاء رأس تقليدي أبيض وأحمر في بلدة المفرق الحدودية الأردنية، إن ضَعف الأمن منذ الحرب الأهلية السورية سمح للقبائل المحلية التي يعيش أفرادها على جانبي الحدود، بالتحرك بسهولة أكبر.

وقال مُهرّب المخدرات، الذي طلب عدم الكشف عن هويته، إنه دخل التجارة مقابل المال بسبب ظروفه المعيشية الخانقة، على الرغم من أنه في بعض الأحيان كان يكسب نحو 15 دولاراً فقط في اليوم. ترك المهنة عندما ازدادت الضغوط عليه، وقد صُدم عندما سمع عن اثنين من المدمنين الشباب الذين فَقَوا عيون بعضهم البعض في نوبة من الجنون.

وأضاف المهرب: «لقد تركتها إلى الأبد، والحمد لله. لكن بالنسبة الى الشباب، والناس بشكل عام، إنه دمار كامل».

أصبحَ التهريبُ عبر الأردن أكثر خطورة منذ أن غيَّر حرس الحدود قواعد الاشتباك على حدوده في كانون الثاني (يناير) من العام الماضي، بعد استشهاد النقيب محمد خضيرات وجرح ثلاثة من رفاقه، في اشتباك مسلّح مع مهربين في منطقة قريبة من كوم الرف، في كمين نصبه مهربون لدورية الجيش وسط برد وضباب كثيف في الفجر. وعلى الفور، منح الجيش صلاحية إطلاق النار على كلِّ من يقترب من الحدود.

وبعد أسبوع من الجنازة المَهيبة التي شارك فيها الملك عبدالله الثاني، قَتَل الجنود الأردنيون بالرصاص ما لا يقل عن 27 مهرباً أثناء محاولتهم عبور الحدود، من بينهم شابان لم يبلغا الثامنة عشرة من عمرهما. دُفِنت الجثامين في مقابر في المملكة بعدما فشل أهلهم في المطالبة باسترداد جثث أبنائهم. وقال صحافي لـ BBC متخصّص في تغطية نشاطات المهربين في السويداء، إن أهاليهم يخشَون الخضوع لتحقيق في حال ذهبوا إلى الأردن لاستلام الجثث  «لأنهم يعرفون أن أبناءهم متورطون في المخدرات».

وقال العميد الركن مصطفي الحياري، الناطق الرسمي باسم القوات المسلحة الأردنية ومدير الإعلام العسكري، في مقابلة مع BBC، إن الأردن «يواجه نشاطات إجرامية تهدف إلى ضخّ كميات كبيرة من المخدرات الى داخل الاردن». وأضاف، أن «هاجسنا الأكبر هو الجماعات المسلحة… هذه الميليشيات تتلقّى المساعدة من المخافر السورية». وفي معرض رده على سؤال يتعلق بأن هناك ترجيحاً لدورٍ تقوم به الفرقة الرابعة السورية في تصنيع الحبوب المخدرة بحسب ما رصد الفريق خارج الأردن، قال العميد الحياري: «ما يهمني هم العناصر الذين أراهم بشكل يومي أمامي منتشرين على الحدود سواء كانوا تابعين للفرقة الرابعة أو لأي جهة أخرى، فهم يشكلون تهديداً لي».

وختمَ قائلاً: «هذا التهديد موجه إلى بنية المجتمع الأردني والمجتمعات المحيطة به في هذه المنطقة».

من جهته، قال ضابط استخبارات عسكرية رافقَ الفريق في جولته الحدودية الأولى الصيف الفائت، إن تجار المخدرات يستهدفون تجنيد الشباب من فئة عمرية تتراوح بين 18 – 30 عاماً، ويستغلون الظروف المعيشية الصعبة جداً في الداخل السوري «لشرائهم» مقابل العمل معهم. وأضاف أن المعلومات التي تصلُنا من الجهات المعنية المختصة «تُفيد بأن عمليات التهريب هذه منظمة تتبعُ لتنظيمات أو منظمات مختصة بتجارة المخدرات». 

وأظهرت مراجعة لمحاضر تحقيقات وقرارات تتعلق بـ 25  قضية مخدرات في الأردن، ما بين عامي 2015 إلى 2022، أن معظم المهربين المتورّطين يعيشون في محافظتي درعا والسويداء في جنوب سوريا، وهما بؤرتان لتهريب الكبتاغون. ويخططون لعمليات التهريب خلال جلسات وسهرات عائلية ويتفقون على الطرق والكميات والمبالغ المدفوعة لقاء ذلك. بعضهم اعترف بأنهم يُخفون المخدرات في مناطق معينة على الحد والساتر الترابي، ثم يستلمها أقاربهم من الجانب الأردني. أبرز المناطق التي وردت في المحاضر والتي تقع على الحد من طرف السويداء ومحافظة المفرق الأردنية هي الكوكلية، تلال شهاب، منطقة عنيزه الصحراوية، منطقة الرماح، ومنطقة وادي الملطاط الأصفر شرق مدينة المفرق.

وكشفت المحاضر أن المهربين ينتمون إلى عشائر بعينها، تكرّرت في غالبية القضايا المضبوطة رغم تغيّر الأشخاص، وهي: الرمثان، الغياث، الشرفات، المساعيد، العيس من المفرق والشبل والوردات والنبهان من الرمثا. ويقول مسؤولون إن نحو 90 في المئة من المخدرات المهربة التي تدخل إلى الأردن، تُخزّن في قرية «منشية الغياث» التي تقع ضمن لواء الرويشد على الطريق الرئيسي المؤدي الى العراق وسوريا. تبعد المنشية 195 عن مدينة المفرق الحدودية مع سوريا. في الصيف الماضي، نفّذت القوات الأمنية حملة ضد تجار المخدرات هناك، وهربوا في غالبيتهم واختبأوا في الصحراء. ويتم التهريب من السويداء إلى المفرق عبر الساتر الترابي ومنطقة الحد. أما طرق التهريب عبر مدينة الرمثا الحدودية، فتتم غالباً بالاتفاق مع شخص من سكان المدينة ممّن يعبرون إلى سوريا من السائقين. ويُسمي المهربون الكبتاغون والحشيش بأسماء حركية مثل جيب، حصان، رأس النسر، عنبر الكيف، لكزس وإكستاسي بحسب المحاضر.

وقدّرَ العقيد حسان حسين القضاة، مدير إدارة مكافحة المخدرات التابع لمديرية الأمن العام، في مقابلة مع OCCRP، أن هناك ما يقرب من 165 شبكة مخدرات تعمل داخل سوريا، تصنع الكبتاغون والحشيش و«الكريستال ميث» أو «مادة الشبوه»، وهو الخطر الأكبر الذي سيجتاحُ المنطقة لأنه يضرب الموصلات العصبية في الدماغ ويُفقِد المُتعاطي حاسة الخوف والسيطرة على نفسه، وقد يُلقي بجسمه من الطابق الرابع إلى الأرض. يُباع قرص الكبتاغون في الأردن بنحو دينار ونصف الدينار، أي نحو 3 دولارات.  ولكن حشيشة الكيف هي المخدر الأكثر انتشاراً في المملكة، يليها الكبتاغون.

وتُصنَع الشبوة بحسب مسؤولين في ريف دمشق السوري، بعدما أدخلتها إيران عبر المعابر الحدودية مع العراق ومنها إلى سوريا. وهي تُشبه زجاج الكريستال المطحون، ويتم حرقها وتَنفُّسها عن طريق الأنف. يُباع الغرام الواحد منها بـ60 ديناراً أردنياً، أي نحو تسعين دولاراً أميركياً. في 2020، كانت نسبة الشبوة التي تم ضبطها في الأردن نحو 3 في المئة من إجمالي المخدرات المضبوطة، لترتفع النسبة في العام 2021 إلى 12 في المئة، وإلى 20 في المئة العام الماضي.

هروب راجي فلحوط

منذ أسابيع، يخضع مهرّب الكبتاغون سيئ السمعة، السوري راجي فلحوط، لعقوبات أميركية وبريطانية لتورّطه في تجارة المخدرات ودعمه نظام الأسد. وقدَّمَ طَردُهُ من منطقة السويداء، العام الماضي، مزيداً من الدلائل حول علاقة السلطات السورية بالتجارة.

كان  فلحوط يُدير ميليشيا قوامها 60 رجلاً في  بلدة عتيل الحدودية. وفي تموز (يوليو) الماضي، هاجمت ميليشيا محلية تُعرف باسم «رجال الكرامة» مقرّ فلحوط، بسبب ممارسات مثل العنف والإجرام والمخدرات.

بعد معركة بالأسلحة النارية، هرب فلحوط. وعندما فتّش المقاتلون قاعدته وجدوا أدلة كثيرة على تورطه في تجارة الكبتاغون: وأظهرت لقطات لهاتفه الشخصي المحمول تمّت مشاركتها مع OCCRP وBBC، آلة صغيرة لضغط الكبتاغون، وأكياساً من الحبوب مكدسة فوق بعضها البعض جاهزة للبيع.

وعلى القدر نفسه من الأهمية، تمّ العثور على بطاقة هوية تُظهر أن فلحوط نفسه كان عضواً في المخابرات العسكرية السورية.

 وأشار دليل آخر إلى أن فلحوط كان يعمل بمعرفة السلطات السورية.

أظهر هذا الهاتف، الذي اطَّلع عليه الصحافيون، اتصالات مكثفة مع ضباط الجيش السوري في إحدى المحادثات. يتلقّى فلحوط أوامر من رئيس فرع المخابرات السورية في السويداء لمعاقبة السكان المحليين المناهضين للحكومة. وفي محادثة أخرى، يقول له إن احتفالية السويداء بفوز الأسد في الانتخابات الرئاسية الأخيرة، يجب أن تكون «الأحلى». وفي محادثة أخرى، يتوسط شاب لدى فلحوط لكي يُنهي ملفه عنده بدل مراجعة الفرع الرئيسي في العاصمة. يقول العميد له: «بس تتحول القضية للمحكمة ويأخذ كف طلب، فوراً تُلغى الإجراءات بحقه».

كما ربطت اتصالات بين فلحوط واللبناني الخارج عن القانون، حسين رياض الفيتروني، المحتجز في لبنان منذ كانون الأول (ديسمبر) 2022، بتهمة الإتجار بالمخدرات والاعتداء المُسلّح.

تُظهر المحادثة قيام فلحوط بتنظيم عمليات نقل معدات صنع الكبتاغون من الفيتروني، الذي أرسل الآلات في ما يبدو إلى سوريا من لبنان.

تربط الفيتروني أيضاً، علاقات صداقة بحسب ما تظهر صوره على مواقع التواصل الاجتماعي، بنوح زعيتر، الذي أدرجته وزارة الخارجية الأميركية على لائحة العقوبات، لارتباطه بالفرقة الرابعة ودعمه النظام السوري وقيامه بتصدير الكبتاغون… وتابعت وزارة الخزانة أنه يرتبط بشكل وثيق مع بعض من عناصر «حزب الله». زعيتر تاجر السلاح والمخدرات هذا، مطلوب من السلطات اللبنانية بتهمة الاتّجار بالمخدرات.

«ملك الكبتاغون» في لبنان

في 24 آذار (مارس) 2021، ضبطت الشرطة في ماليزيا أكثر من 93 مليون حبة كبتاغون مخبأة في عجلات صناعية متّجهة إلى المملكة العربية السعودية. كما قدّمت الشحنة، التي كانت قيمتها على الأرجح أكثر من 1.2 مليار دولار، تلميحاتٍ إلى تورط الفرقة الرابعة السورية في تجارة المخدرات، على الرغم من أن القاضي اللبناني الذي أصدر الحكم على حسن دقو العام الماضي، وَجَد خلاف ذلك.

بعد أسابيع قليلة من ضبط شحنة الكبتاغون، اعتقل ضبّاطٌ في شعبة المعلومات التابعة لقوى الأمن الداخلي في لبنان حسن دقو، 36 عاماً، في سيارته في منطقة الرملة البيضاء في بيروت، لارتباطه بملف تحقيق آخر مع اثنين من مهربي المخدرات اللبنانيين. واتُّهم دقو، الذي يحمل الجنسيتين اللبنانية والسورية، بإدارة إمبراطورية مخدرات في منطقة الطفيل في سهل البقاع اللبناني، الذي يمتد على طول الحدود السورية.

أثناء تفتيش منزل دقو، عثرت الشرطة على ما يقرب من مليوني دولار نقداً، بينما كان هناك 1.1 مليون دولار أخرى في خزانة في شركة إنشاءات مُسجَّلة باسم زوجته.

نفى دقو تورطه في المخدرات، وادّعى أنه كان يعمل في الفرقة الرابعة. وأظهر للمحققين بطاقة هوية رسمية تابعة للفرقة الرابعة، وقال إن الوحدة كلّفته في الواقع بالمساعدة في تعقّب تهريب المخدرات.

كما عمل دقو مع شعبة أمن المعلومات في لبنان، وسرّب معلومات حول شحنات الكبتاغون التي هرّبها منافسوه. وقال دقو إنه مرّر معلومات تتعلق بشحنات مهرّبة للأجهزة الأمنية في الإمارات والسعودية عبر مصدر. لكن القاضي اللبناني الذي أصدر حكماً بالسجن سبع سنوات على دقو في أواخر العام الماضي، أكد أنه كان واضحاً أن دقو كان يتكتّم عن بعض الشحنات خلال إخباراته لشعبة أمن المعلومات.

وقال القاضي إن المحكمة خلصت إلى أنه لا يوجد دليل على تورط مسؤولين سوريين في التهريب، لكن سجِّلَ استجواب دقو يشير إلى خلاف ذلك. وتحتوي السجلات، وهي عبارة عن مجلد مكتوب بخط اليد من 651 صفحة جمعته وحدة الاستخبارات التابعة لقوى الأمن الداخلي، على نصوص لمحادثات هاتفية تم التنصّت عليها لدقو مع المهربين في لبنان وسوريا. كما تظهر في ما يبدو محادثاته مع عملاء الفرقة الرابعة، ورئيس مكتبها الأمني، غسان بلال، الذي فرضت عليه الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي والمملكة المتحدة عقوبات لدوره في حملة القمع التي شنها الأسد عام 2011 والحرب اللاحقة.

تُظهر سجلات الاستجواب أن الكبتاغون الذي تم ضبطه في ماليزيا كان قد غادر من ميناء في الشرق الأوسط. 

وكان دقو على اتصال مع مسؤولي الفرقة الرابعة عبر تطبيق «واتسآب» قبل شحن تلك المخدرات بحسب ما يُظهر مجلّد الاعترافات.

أحد الأرقام، تم حفظها تحت اسم «المعلم»، كان رقم الهاتف مكوناً بالكامل تقريباً من الرقم «3» مكرر. م. وعادة ما تخصص هذه الأرقام، المعروفة في سوريا باسم «الأرقام الذهبية أو المميزة»، لكبار المسؤولين. على شاشة الرقم، تظهر كلمات مأثورة للرئيس الراحل حافظ الأسد: «الوطن غال والوطن عزيز والوطن شامخ والوطن صامد، لأن الوطن هو ذاتنا». بينما ربط تطبيق تحديد هوية الهاتف Truecaller الرقم ببلال وعنوان بريده الإلكتروني.

يُرسل دقو إلى هاتف «المعلّم» صور أربع بطاقات شخصية صادرة عن وزارة الداخلية، ويقول له:

«من بعد أمرك هاي صورة الهويات كرمال سياسية الريف»، أي فرع الأمن السياسي لريف دمشق. 

 فيرد عليه المعلم: «موافق».

بعد أسابيع يقوم بتذكيره: «من بعد أمرك البطاقات عندكن للشباب بدهن تجديد إذا بتتكرم علينا».

يرد عليه: موافق + برمز الإبهام

 تسمح هذه البطاقات للناس بالتنقل بسهولة أكبر عبر نقاط التفتيش التي أصبحت منتشرة في كل مكان عبر الأراضي التي يُسيطر عليها النظام السوري.

وفي محادثة أخرى، يخبر دقو «المعلّم» عن قيامه باستئجار مستودع في ضاحية الصبورة، وهي منطقة خاضعة لسيطرة الفرقة الرابعة، حيث خططوا لتخزين «البضائع» القادمة من لبنان.

دقو: خال، خذنا مستودعاً في الصبورة المنطقة الصناعية جمعيات الرائد والمزرعة على طريق الصبورة باتجاه قرى الأسد دخلة مستودعات حمشو. بس حبيت خبرك. وأخبرنا أبو خالد. ومنشان ننزل الأغراض من الجديدة + جديدة يابوس هي المعبر الحدودي بين لبنان وسوريا+.

رد المعلم: ليش من الجديدة. يعني الأعراض جاي من لبنان؟

يرد دقو: هلا خال ـ موجودة الأغراض في الجديدة ودايماً منحرك الأغراض من جديدة. ما عندي أغراض تحت. 

لم يرد اللواء بلال على محاولات bbc الحديث إليه عبر رقمه المُبرز في وثائق التحقيق والإيميل الذي حصلنا عليه من تطبيق «ترو كولر».

 وفي تبادل عبر تطبيق «واتسآب» قبل ثلاثة أسابيع من ضبط شحنة ماليزيا مع شخص سجّلهُ باسم «M» على هاتفه، يسأل دقو:

دقو: كيفك خال؟ كان من المفترض أن نقوم بالتحميل يوم الأربعاء وأنت لم تخبرني بأي شيء؟
M: مرحبا عزيزي. كانت هناك بعض المشاكل في الشحنة، ولم تكن هناك سفن متاحة. على أي حال، نأمل أن نقوم بالتحميل الأسبوع المقبل.

في محادثة أخرى قبل ثلاث أسابيع من ضبط الشحنة، ينخرط دقو وM في الحديث عن الأمور اللوجستية الخاصة بشحنة يبدو أن مواصفاتها تتطابق مع الشحنة التي ضُبطت لاحقاً.

في يوم ضبط الشحنة، يبدو أن دقو وM يتدافعان لمعرفة ما إذا كانت شحنتهما هي التي استولى عليها الماليزيون.

دقو: الحاويات بألوان مختلفة. هذه عليها ورقة بيضاء.

M: لكن خال ، إنه نفس الترتيب / التعبئة والتغليف.

دقو: العدد والوزن مختلفان. نحن أقل بكثير ووزن أقل بكثير. حصلت على مقطع فيديو أرسلته إلى الرجل الذي قام بالتحميل. أخبرني أن حاوياتنا زرقاء وبيضاء. وهذه لونها أحمر.

M: أرسل لي الفيديو.

في اعترافاته، ادّعى دقو أنه كان يحاول فقط مساعدة الفرقة الرابعة في تتبُّع شحنات تهريب من أشخاص يحاولون أن يتهرّبوا من دفع الضرائب. وأصّر على أنه تحدث فقط مع مهربي المخدرات اللبنانيين والسوريين بحسب المراسلات والصور المضبوطة على هواتفه، لأن هذه الاتصالات ساعدته على مراقبة المهربين لصالح الفرقة الرابعة وأجهزة أمنية عربية أخرى.

وعُثر على فاتورة في أحد هواتف دقو تتبع لشُحنة عجلات صناعية من جمهورية التشيك، كالتي عُثر عليها داخل شاحنة ماليزيا المضبوطة، معبأة بحبوب الكبتاغون. 

 يبدو أيضاً أن دقو كان يتمتع بعلاقات مع كبار المسؤولين. ففي صورة نُشرت على وسائل التواصل الاجتماعي، يتوسّط رئيس الوزراء السابق سعد الحريري دقو وزوجته.

وامتدت صلاته إلى الجانب الآخر من الطيف السياسي أيضاً. إذ قال دقو للمحققين إنه كان يسافر بانتظام إلى سوريا في قوافل عسكرية تابعة لـ«حزب الله»، وأنه زوَّدَ المجموعة بمعلومات عن رجال مسلحين في المنطقة الحدودية الجبلية في لبنان.

«أفيدكم أنه كنت أتوجه إلى سوريا عن طريق المصنع، لكن معظم سفراتي إلى سوريا كانت تتم عبر مَواطن عسكرية تابعة لحزب الله في المصنع أو الطفيل خاصة وأن المنطقة الأخيرة إلى الطفيل يستطيع الأشخاص الدخول الى سوريا والخروج منها دون ختم دخول شرعي».

وأضاف: «بالنسبة لحزب الله عملت مع مجموعة 900 وبالتنسيق مع الفرقة الرابعة».

وقال ضابط أمني لبناني لـ OCCRP، طالباً عدم الكشف عن هويته: «لم يعتقد أبداً أنه سيتم اعتقاله لأنه كان محمياً من حزب الله».

من جهته، قال المحامي علي الموسوي بوكالته عن دقو، إن موكله تعرَّضَ لـ«حملة إعلامية وسياسية منظمة وملفقة»، وإن ملاحقته ومحاكمته كانتا لأغراض سياسية، لا سيّما أنه لم يتم ضبط أي حبة كبتاغون معه أو في أملاكه.

وأضاف كتاب وجّهه إلى BBC: «أوكد لكم المظلومية التي تعرّضَ لها الموكل، إذ إنه بدل مكافأته على الجهود التي بذلها في سبيل الكشف عن عمليات التهريب التي تصله معلومات بشأنها، تقاطعت المصالح السياسية مع مصلحة أفراد العصابات للنيل منه وإزاحته عبر الزجّ به في السجن».  

وقال: «إن شحنة ماليزيا التي ضبطت على هاتفه أثناء التحقيق معه لم تكن باسمه أو باسم أي شركة من الشركات». 

وختم الموسوي قائلاً: «إن محكمة الجنايات لم تبيّن دليل الإثبات على اشتراك الموكل بأية شحنة تهريب حبوب، وإن الشحنة الموجودة على هاتف الموكل لدى توقيفه كانت موجودة على هاتفه لأنها أُرسلت إلى أجهزة أمنية لبنانية».

وينفي «حزب الله» لعبَ أي دور في إنتاج المخدرات أو الإتجار بها، كما ينفي الكثير من المسؤولين في لبنان – حيث تتمتع الجماعة بنفوذ هائل – ربطها مباشرة بالتجارة. وقال أحد المسؤولين إن العمل يتناقض مع إيديولوجية الحزب. وقال آخر إن «عناصر من الحزب» فقط هي المتورطة وليس الحزب. 

لم يرد الناطق الرسمي باسم «حزب الله»، محمد عفيفي، على طلب الـ BBC الحصول على تعليق. 

لكن أشرف ريفي، وزير الداخلية السابق ورئيس قوى الأمن الداخلي اللبناني، قال إن افتقار لبنان إلى السيطرة على حدوده الشرقية والشمالية الشرقية، سمح لـ«حزب الله» بفعل ما يحلو له.

وأضاف ريفي، وهو عضو في كتلة سياسية معارضة لـ«حزب الله»، في منزله الذي يخضع لحراسة مشددة في طرابلس – لبنان: «نحن نعلم جيداً أن جزءاً من تمويل حزب الله يأتي من الجريمة المنظمة والمخدرات». وتابع: «من يكون مقرّباً من حزب الله في لبنان، أو من أحد أجهزة النظام السوري، فإن مشاكله القانونية تكون أخف نظراً إلى وجود قوة خارجة عن القانون توفر له الحماية».

دقو أيضاً مطلوب لتنفيذ حكم قضائي في الأردن مدته 20 عاماً، صدر بحقه غيابياً في تشرين الثاني (نوفمبر) 2021. وكانت السلطات اتهمته بأنه كان يمتلك مصنعاً خارج عمان، وكان يصنع المبيدات الحشرية والمنظفات، لكنه كان يستورد مواد كيماوية من الصين تدخل في صناعة المبيدات والمنظفات، وفي تصنيع الكبتاغون أيضاً. وكان المصنع يصدر السلائف الكيماوية هذه إلى سوريا. 

وفرضت الولايات المتحدة عقوبات على دقو هذا العام لتورطه في عمليات تهريب المخدرات، التي قالت إن الفرقة الرابعة نفذتها بغطاء من «حزب الله».

مهرّب بعلبك 

قال ضباطٌ في الجيش اللبناني إنهم يكسبون المعركة ضد مهربي الكبتاغون. لكن أحد المهربين في سهل البقاع الشمالي روى قصة مختلفة.

في حديثه عبر رابط الفيديو مع فريق التصوير، قال المهرب، الذي استخدم الاسم المستعار «علي»، إن الفقر في منطقته، وهي منطقة تهريب على الحدود الجبلية اللبنانية مع سوريا، دفعَ الكثيرين إلى الانضمام إلى تجارة الكبتاغون.

وأضاف: «جميع مسؤولي الدولة يغضّون الطرف».

ولفت الى أنه عندما تكون لدى المهربين شحنة، يتوجّهون ببساطة إلى قائد المنطقة في لبنان ويطلبون منه يوماً ووقتاً للعبور. ثم يعرض عليهم القائد سعراً مقابل أن يتغاضى عنهم.

وأكد قائلاً، «إذا كان بإمكاني تحقيق ربح، فلمَ لا؟».

وقال ناطق رسمي باسم الجيش اللبناني، في ردّ مكتوب أرسل إلى BBC، «كنا نتمنى عدم بث أي اتهامات لنا من قبل  المطلوبين تُطاول قواتنا الأمنية والعسكرية التي تعمل بجهد كبير، وسقط لنا خلال مكافحة المخدرات شهداء. ولو أننا كنا لنؤثر عدم الرد على المجرمين، نحب أن نوضح ما يلي: الجيش خاض، وما زال، معركة لا رجعة فيها لاجتثاث عصابات الجريمة المنظمة وأبرزها تجار المخدرات والكبتاغون، فدمر بنيتهم التحتية ومصانعهم وحقق إنجازات أساسية ووضع هؤلاء المجرمين في وضع سيئ جداً. والجيش لن يتأثر بكذب المطلوبين للعدالة وافتراءاتهم ومحاولة تشويه صورة العسكريين بهدف زعزعة هيبة المؤسسة العسكرية».

قضية ألمانية تربط شحنات المخدرات بعائلة الأسد

بعيداً من لبنان، كشفت عملية ضبط كبيرة أخرى عن المزيد من الروابط بين صناعة المخدرات والسلطات السورية، بمن في ذلك أفراد عائلة الأسد.

في نيسان (أبريل) 2020، صادرت السلطات الرومانية شحنتين من الكبتاغون والحشيش في ميناء كونستانتا الروماني، تبلغ قيمتهما معاً أكثر من 130 مليون يورو، من أصل 540 مليون دولار. كانت المخدرات، بما في ذلك 6.2 مليون حبة كبتاغون، مُخبأَّة في حاويات مليئة بالثلاجات وصناديق الصابون اللبناني. الحاوية الأولى جاءت من ميناء اللاذقية، والثانية خرجت من اللاذقية وتوقّفت في تركيا قبل أن تُكمل مسيرها صوبَ الميناء الروماني.

بناءً على طلب مساعدة قضائية من السلطات الرومانية بخصوص الشحنات، قامت الشرطة الألمانية بالتحقيق مع اثنين من السوريين، يُعرفان باسم محمد وإياد، واحدٌ منهما يعيش في ألمانيا والآخر أُلقي القبض عليه بعد زيارة أهله المقيمين في ألمانيا، ومن خلال مراقبة الهاتف والميكروفونات المَخفية، ألقت الشرطة القبض على الاثنين في النهاية.

وأظهرت وثائقُ من محاكمتهما، التي عُقدت في ألمانيا العام الماضي، أن إياد كان يُتاجر بالمواد التي يُصنّع منها الكبتاغون. وفي إحدى المرات، قام بشراء نحو 30 ألف كيلوغرام من دواء الربو المعروف بالثيوفيلين من الهند والصين، كانت كافية لتصنيع كبتاغون بقيمة 534 مليون دولار. وهذا كان كافياً لصنع حبوب الكبتاغون التي تم ضبطها في العملية الأمنية في رومانيا.

وقال القاضي في مقابلة مع BBC، إن إياد قدّمَ شرحاً مُستفيضاً لتورط الفرقة الرابعة في الصفقة. ولفت الى أن الفرقة الرابعة تُراقب حركة الحاويات الداخلة والخارجة من ميناء اللاذقية، وطلبت 250 ألف دولار لكل حاوية من البضائع غير القانونية، و60 ألف دولار أخرى للعمال الذين يعملون داخل الميناء. ويتولون عملية النقل.

في غضون ذلك، قام محمد بتنظيم عملية الشحن، إذ أظهرت بوليصة الشحن أنها كانت متجهة إلى المملكة العربية السعودية قبل أن يتم ضبطها في رومانيا. وأفاد المدعي العام بأن المعاملات المالية المتعلقة بالصفقة تمت نقداً عبر تحويلات «الحوالة»، من دون ترك أي أثر ورقي. هذا تقييمٌ سمعناه أيضاً من كبار المسؤولين الأمنيين في سوريا ولبنان.  

ومن دون الخوض في التفاصيل، قال محمد للمحققين إنه كان شريكاً تجارياً لحافظ منذر الأسد، وهو ابن عمٍّ بعيدٍ للرئيس. كما عمل مع مضر شوكت، أحد أقارب آصف شوكت، الذي كان متزوجاً من شقيقة الرئيس الأسد وشغل منصب نائب وزير الدفاع.

في مكالمات هاتفية تم التنصت عليها، أكَّدَ محمد أنه أصبح ثرياً جداً ومحمياً بفضل هذه العلاقات، ويمتلك شقة في حي فاخر في دمشق، والكثير من السيارات.

وأشار في أحد تلك المكالمات: «يعلم الجميع أنني كنت شريكاً لعائلة الأسد. كل من يغادر أو يصل إلى طرطوس أو ميناء اللاذقية أو إلى منطقة التجارة الحرة، يعرف أنني كنت شريكاً لمنذر الأسد. كنت رئيساً لـ 30 شخصاً».

وتابع: «لا تزال لدي علاقة مع عائلة الأسد حتى اليوم. منذر الأسد وابنه حافظ ما زالا أصدقائي». وذكر أنه قبل مغادرته سوريا، قدم 7 ملايين دولار إلى عائلة الأسد.

من جهته، رفض منذر حافظ الأسد ما نقله المحقق الألماني عن مكالمة المتهم محمد، وقال لـ BBC: «لو في 1 في المئة من هالشيء يللي باعتيلي ياه بالكتاب كنت رديت عليكم».

من المعروف أن أفراد عائلة الأسد يسيطرون على العمليات في ميناء اللاذقية، كما وثقت OCCRP في تحقيق سابق نشر في العام 2021.

وقد فُرضت عقوبات على وسيم الأسد، أحد أبناء عمّ الرئيس، بالتزامن مع فرض عقوبات على دقو أيضاً من قبل الولايات المتحدة والمملكة المتحدة، نظراً إلى الدور الذي قيل إنهم يلعبونه في تجارة المخدرات في سوريا. وفي العام الماضي، أقرّت الولايات المتحدة قانون «كبتاجون» الذي وصف التجارة بأنها «تهديد أمني عابر للحدود» وربطها بنظام الأسد. وقال وسيم الاسد ل BBC «أنا أنفي هذه الاتهامات الظالمة وأعترض على العقوبات التي لا تحتمل أي دليل».

سوريا تَعِدُ بالتعاون

في 1 أيار (مايو) 2023، قبل أيام قليلة من مقتل مروّج المخدرات مرعي الرمثان في الغارة الجوية، التقى وزير الخارجية السوري بنظرائه العرب في عمان. وخلال الاجتماع، وافق على المساعدة في وقف تهريب المخدرات والعمل على تحديد منتجي الكبتاغون ومهرّبيه.

جاء الاجتماع بعد عامين حصل خلالهما اجتماع مسؤولين أردنيين مع مسؤولين أمنيين سوريين، قدّموا لهم أدلة على أن المهربين يتلقَّون المساعدة من حرس الحدود.

عندما فشل هذا النهج، بدأت الأردن، بدلاً من ذلك، بالعمل على إعادة سوريا إلى جامعة الدول العربية، التي تم إيقاف عضوية سوريا فيها لمدة 12 عاماً. وفي النهاية، عادت سوريا إلى الجامعة، وتَوجَّه الأسد إلى حضور اجتماعٍ في جدة، المملكة العربية السعودية في السابع من أيار.

ولكن رايبورن، المبعوث الأميركي السابق إلى سوريا، قال إن محاولة العمل مع نظام الأسد للحد من تدفق الكبتاغون، كانت مثل «محاولة التعاقد مع مُشعِل الحرائق لإخماد الحريق».

ونظراً إلى الوضع الاقتصادي الهش لنظام الأسد، كان رايبورن متشككاً أيضاً في استعداد النظام السوري للتخلي عن التجارة التي ثبت أنها مُربحة: «إذا توقّفت إيرادات الكبتاغون أو تعرّضت لاضطراب كبير، فلا أعتقد أن نظام الأسد سيتمكن من البقاء بعدها»، وفقاً لتصريحه.
ووافقه الرأي جنديٌ سوري، عمل في كثير من الأحيان مع الفرقة الرابعة، قبل أن ينشقَّ مغادراً إلى أوروبا في عام 2013. إذ قال: «إذا أوقفَ بشار تجارة المخدرات لأكثر من 20 يوماً، فإن اقتصاده سينهار».

حصيلة تجارة الكبتاغون

في مركز لعلاج الإدمان تديره الشرطة خارج عمّان، تَظهر الخسائر البشرية الناجمة عن تجارة الكبتاغون بشكل واضح. سعة المركز البالغة 180 سريراً مشغولة تقريباً على مدار السنة.

في إحدى الغرف، روى أحد المرضى البالغ من العمر 22 عاماً، والذي طلبَ أن يُعرَّفَ بـ «ياسر»، وهو يرتدي زياً رياضياً رمادي اللون، كيف انقلبت حياته رأساً على عقب بعدما بدأ باستخدام الكبتاغون قبل ثلاث سنوات للبقاء مستيقظاً خلال عمله كبائع خضار في سوق الفواكه الرئيسي في عمّان. وفي وقت لاحق، بدأ أيضاً باستخدام مخدر «الشبوة» أيضاً.

وقال ياسر: «تفقدُ ذاتك. تنتهي من العمل ولا يوجد شيء يغذي جسدك، فتشعر بالإرهاق».

بعدما وصل وزنه إلى أدنى مستوى عند 53 كيلوغراماً، استعاد ياسر وزنه مرة أخرى. ويأمل بأن يتمكن قريباً من لمّ شمله مع زوجته وابنه، اللذين انفصلا عنه خلال فترة إدمانه. وأضاف: »سأذهب إليهم كنفس الشخص الذي يعرفونه، مدركاً وواعياً لكل شيء».