هم. ونحن. المفردات ثابتة لكن معانيها متحولة. المعاني التي تسكن في الكلمات تتغير. فالمعاني، هي الأخرى، تُجبَر، بين حين وآخر، على أن تلملم ما تيسر ممّا تملكه وتهاجر. فهي تُطرد مثل البشر. فتبحث عن أمكنة جديدة تسمح لها أن تستقر. وتضيق بها. فتسكن محلها معانٍ جديدة. هكذا نصبح/هم ويصبحون/نحن ويصبحونهم ونُصبحنا.
– سنان أنطون، خزامى (2023)

دار الأوبرا في دمشق

2009 أو 2010 

«كافي عاد، كافي عاد!»؛ أَلتفتُ ورائي لأرى صاحب الجملة التي اختَتَمَتْ نشيجهُ المكتومَ الذي استمرَّ أكثر من ساعة. عراقيٌ من بين عشرات العراقيين الذين كانوا يحضرون حفلة لفريدة محمد، المغنية التراثية العراقية التي اعتلت خشبة المسرح مثل صخرة ثابتة لا تتزحزح، بعنق كأنه جذعُ شجرة. علاقةُ جيلي في مُحيطي مع العراق هي علاقة تهويمات عن هذا البلد القريب العريق، وهي أيضاً علاقةُ «بلاد الرافدين»؛ جملةٌ كانت تتكرر في كتب التاريخ المدرسية، وطُبعت في الذهن في آن معاً مع عبارة «كل البلدان العربية عدا العراق» التي كانت ما تزال تُكتَبُ على أول جواز سفر استصدَره جيلنا نفسه، وهي علاقة غناء؛ لكنه الغناء الذي عرفناه في تلفزيون الثمانينيات السوري مع فرقة الطريق، ودون الدخول في تفاصيل أعمق يعرفها ربما أكثر منّا مُجايلونا في دير الزور ومدن شرق سوريا، وهي كذلك علاقةُ نُتَفٍ قليلةٍ من دوبلاجات بأصوات عراقية لرسوم متحركة عربية.  لم يكن رجلُ الـ«كافي عاد» يَنشجُ وحده، كان هناك الكثير من العراقيات والعراقيين في الصالة ممّن يبكون ويغنون معاً، بصمت. يبدو أن الرجل لم يكن يريد الاسترسال مع موجات الحنين والحزن، ولكنه أتى مع ذلك لحضور الحفل. العيون العراقية الساهمة حينئذ لم تكن حاضرة في آننا وهُنانا السورية، كانت تنتظر شيئاً ما. دمشق بين 2005 و2010 للعراقيين كانت بيروت بين 2013 و2018 لنا؛ قاعة ترانزيت، بانتظار أوطان جديدة.

باريس

آذار ونيسان 2003

لم أُبارح سريري تقريباً طوال هذين الشهرين، في تلك السنة التي كنتُ أتحضّرُ في نهايتها للدفاع عن أطروحتي في الدكتوراه. لم أتوقع أن أتمكن من النهوض من سريري، ولا من إتمام ما شرعتُ به، شللٌ فيزيائيٌ ونفسيٌ شامل. كُنّا نعيش على وقع تصريحات الصحّاف وزير الدفاع العراقي و«عُلوجه»، كما عشنا بعد ثمان سنوات على وقع تصريحات محللين سياسيين يعلنون «ساعة الصفر» لسقوط النظام السوري، مع حفظ الفارق بين السِياقين. أستمعُ من إذاعة الشرق وأتابع على التلفزيون خطاب دومينيك دوفيلبان وزير الخارجية الفرنسي في مجلس الأمن عن معارضة فرنسا لغزو العراق. ليس الأمر أننا كنا نصدق الصَحّاف، كان نوعاً من الحنين الخَدِر لشيءٍ ما يَبثُّهُ صوته، حنين وتشبُّث وعاطفة تجاه فكرة ما عن العراق وعن كرامتنا معاً، فكرة غير واضحة ولكننا نريد ألّا تكون مُجرَّد مزحة. في حلقة مقاومة الجيش الأميركي على تخوم المطار من مسلسل الصحّاف، كُنَّا نريد أن تستمر تلك اللحظة أكثر مما استمرت فعلياً. في لحظات الصحو القليلة من الخَدَر ذاك، كنتُ أؤدي واجباتي بالتظاهر في كل مظاهرات باريس المناهضة للغزو الأميركي للعراق، وأقرأ مقالات نهلة الشهّال وآلان غريش وتشومسكي في لوموند ديبلوماتيك، وأَحضُرُ بعض المحاضرات في الجامعة. من الذكريات البسيطة التي بَقيَتْ لي من تلك المرحلة أنني في إحدى تلك المحاضرات تلقيتُ نصيحة صادمة من زميل نمساوي، غيرهارد، حين قال لي: «لا ترجعي إلى دمشق، سيكون مصير دمشق مثل بغداد»، وأذكرُ فرحَ الكثير من الزملاء والأساتذة بالتخلص من الطاغية صدام، وفرحَ زملاء وأساتذة آخرين كنتُ أذكرُ كَمَدَهُمْ في صيف 2000 حين حُرِّرَ جنوب لبنان. 

قبلها بستة وثلاثين عاماً كان أحد أخوالي يتحضّرُ للتقدم إلى امتحان البكالوريا، وتركَ كل شيء ليتدرَّبَ على السلاح ويعيش على وقع تصريحات الراديو متحمساً لدخول تل أبيب قريباً وتحريرها. في مسلسل ليالي الحلمية الذي بقي في وجدان جيلي في ثمانينيات القرن الماضي، شخصية زينهم السماحي، «رمز الجدعنة والشهامة» والذي أدى دوره الفنان سيّد عبد الكريم؛ كانت الشخصية تتفاجأ مثلنا بالواقع غير المُوافِق للأفكار. بعد أربعة عقود أعدتُ مشاهدة ذاك المسلسل، وأيقنتُ أنَّ أكثر ما أكرهه فيه هو شخصية زينهم السماحي. 

بين باريس ودمشق 

2004 و2005 

صَدَمتنا وأَذلَّتنا صور سجن أبو غريب، عبر الشاشات. لم أتحدث مع أي عراقي في دمشق عمّا يَشعرُهُ حيال ذلك. كلٌ في عوالمه، في ذلك الوقت كانت الحرب الطائفية العراقية بدأت تأخذ شكلها الواضح، ولكنه ليس الحدث الأبرز في نطاق وعيي، لم أُدرِكهُ تماماً، انشغلتُ عنه بتسونامي اليابان، ومن ثم اغتيال الحريري وسلسلة الاغتيالات التالية في لبنان وخروج الجيش السوري منه، وأنماط الاستهلاك الجديدة في دمشق مع الانفتاح على «اقتصاد السوق»، وغلاء أسعار العقارات بسبب وصول العراقيين «الأغنياء»؛ «المبغددون» منهم بحسب التعبير الشامي القديم، الذين يتذمرون من البيوت السورية العمودية وهم المعتادون على المدن الممتدة أفقياً حيث لا خوف من إزعاج الجيران بالأصوات العالية. في الخلفية كانت هناك أذيال ربيع دمشق واعتقالات جديدة في العام 2005، وتحضيرات وبرامج لاقتراب دمشق من أن تكون عاصمة الثقافة العربية عام 2008. في وسط كل ذلك كانت المقتلة مستمرة وبأشكال أخرى غابت عن مشاغلنا اليومية، ولكنها ظهرت في موجات متعاقبة من خروج للعراقيين ظننا أنها ارتبطت بالضربة الأميركية، وكانت هناك قصة أخرى لأبو غريب لم تصلنا من بين مئات القصص التي لم تصل إلى مداركنا إلا متأخرة، قصة أخرى غير السجن، قصة قمح أبو غريب الذي حافظ عليه الفلاحون العراقيون آلاف السنين ليُدمَّرَ خلال سنتين أو أكثر قليلاً بفعل التهجين الوراثي الذي أجراه الأميركيون عليه. وكانت هناك التشوهات الخلقية التي بدأت تظهر على مواليد العراق بسبب اليورانيوم وأسلحة أخرى استخدمها الجيش الأميركي في العراق. كلُّ هذا لم نَعِهِ تماماً، كان بعيداً كأنه لم يَطَلنا شعورياً ومباشرة، حتى لو أننا نعرف الوقائع.   

دمشق، برزة مسبق الصنع  

2005 

يريد الصحفي الفرنسي الشيوعي من جريدة لومانيتيه أن يُغطي بقايا ربيع دمشق والاعتقالات الأخيرة أمام قصر العدل، ويريد كذلك أن يُقابل عائلة عراقية خرجت من العراق وتقيم في دمشق لتغطية اللجوء العراقي حينئذ، استدلَّ عليَّ لأُترجمَ له. في برزة مسبق الصنع كان هناك تجمع لمسيحيين عراقيين. استقبلتنا عائلة عراقية من بلدة باطنايا في محافظة نينوى، كانوا كلداناً يتكلمون السريانية، الأب والأم في الأربعينات من عمرهم ولديهم ثلاثة أطفال مراهقين. الأم الشابة، تحمل اسماً ثورياً بامتياز، ولكنها لا تعرف شيئاً عن الثورات ولا تحبها. لم تكن تتقن القراءة أو الكتابة، زوجها كان يملك محلاً للأدوات المنزلية الكهربائية في بغداد. سألني الأب: «همينا مقابلة؟ بشنو راح تساعدنا هاي المقابلة، أخاف يقشمرونا؟ راح نحصّل فيزا؟ لفرنسا إلا أمريكا لو كندا؟ ترى يا معودة عنا قرايبين في كل مكان». لم أفهم السؤال تماماً، بعد عقد تقريباً فهمتُ أكثر معنى أن يصبح المرء آلةَ كلام، وأهمية أن «يُرسمِلَ» بعض الشيء هذه المهمة المسرحية القميئة: الشهادة. «المشكلة آني جيت قُبل الغزو بـ 2003». تاريخ وصوله يُضعف الملف في السفارات، التفاصيل والأرقام والتواريخ هي رأسمال اللاجئ، ينبغي تحصينها والتمكُّنُ منها ما أمكن. عام 2014 في المكتب الفرنسي لحماية اللاجئين وعديمي الجنسية، تذكرتُ نجم، ربَّ الأسرة النينوي، وأهمية تواريخ تَنقُّلاته. تمّت المقابلة، وتحدثت العائلة عن ظروف حياتها في دمشق، وعن ضرورة أن يُنظر في أمر طلباتها وملفاتها المودعة في السفارات المتعددة. لم تحصل العائلة على أي فيزا إلى فرنسا فيما بعد، مع أن لهم أقرباء في فال دواز، في سارسيل الضاحية الواقعة في شمال باريس، حيث تكثرُ أسماء نبوخذ نصر ونينوى وبابل وأسماءٌ ألفيةٌ أخرى على مقاهٍ ومطاعم نائية في ضواحٍ بائسة تُصنَّف بـ«الزون» في المحكية الفرنسية. 

لم تعمل زوجة نجم قبل أن يحطوا رحالهم في دمشق، كان عائدُ عملِ زوجها من محل الأدوات الكهربائية يكفي العائلة في بغداد، ولم يجد نجم عملاً ثابتاً في دمشق يكفي أجرة البيت في برزة ومصروفَ العائلة. استطاعت زوجته أن تجد عملاً كمساعدة في البيوت عن طريق الكنيسة، كانت لا تقبل أن تعمل إلا في بيوت مسيحية، وكان زوجها يُريح نفسه من عبء التساؤل عن الموضوع بأن الكنيسة الكلدانية، بوصفها وسيطاً بينه وبين المجتمع، هي الضمان لحفظ ماء وجهه. تدخل زوجة نجم البيت الذي ستخدمُ فيه كملكة، بشعر مُصفَّف ومصبوغ وبحقيبة يد دائماً، كانت غالباً ما تصرخ على الناس الذين يطلبون منها أن تعمل أكثر أو أن تتفانى في تنظيف زاوية ما، تصرخُ حرفياً لتقول إنها ليست مجبورة أن «تُمعَس» لتتقاضى هذا الأجر، وإن التنظيف يمكن أن يكون بالتقسيط «كل مرّة شوية».

كان لثائرة أختٌ أتت مع عائلتها هي أيضاً إلى برزة، إخوتها الشباب بقيوا في العراق، ولكنهم رجعوا من بغداد إلى قريتهم باطنايا بعد انتشار حرب الميليشيات، وبعد مجزرة كنيسة سيدة النجاة في بغداد عام 2010. لم يَعُد لثائرة أحدٌ في العاصمة العراقية، انكفأت كل عائلتها إلى سهل نينوى في المحافظة الشمالية. كانت ترسل لهم أحياناً بعض النقود من عملها الذي تقضيه بين المساعدة في البيوت والطبخ، وخاصة طبخ الكبة المصلاوية الرقيقة كرغيف خبز وكبّة الرز، تبيعها في سوق برزة للخضار والمنتجات الغذائية الذي كان يعجّ بالمنتجات العراقية المُستجدة على الأسواق السورية. غير «الكص» والمسقوف الذي عَرَفته كل سوريا، كان هناك المنّ والسلوى على الأصول العراقية وطُرشي العنبة والكليجة العراقية، والشبث كعشب لا يستخدمه السوريون كثيراً ولكن العراقيين أدخلوه بقوة إلى السوق ليستخدموه في صُنع الرز بباقلة. الرائحةُ الباقيةُ في أنفي من كل ذلك هي رائحة الهيل، العراق رائحته هيل، وشاي «مُخدّر» حسب الأصول. غير العمل، تحاول ثائرة أن تعتني قدر الإمكان بعائلتها وأولادها الثلاثة. أولادها أصحاب الأسماء الأوروبية الصرفة غير المندمجة مع أسماء والديهم لم يكونوا مهتمين بالدراسة، لهجتهم شامية وخاصة الأصغر منهم، يحاولون تعلم رقص الهيبهوب واللغة الإنكليزية بلكنة أميركية انتظاراً للفيزا الأميركية، رغبتهم من بين الفيز الممكنة هي الفيزا الأميركية، ويرتدون «الستريت وير» السابق لعصره في برزة مسبق الصنع حينها. لهم بعض الأصدقاء في الحي وأقارب أمهم الذين خرجوا من العراق، يراقبون تداعي العلاقة بين أمهم وأبيهم منكسرِ الرجولة في هذا البلد الجديد. لم تعد تحتمل زوجته أي علاقة حميمية معه: «ما أريد يقترب مني، ولو اقترب أخليه يكبّ برا، ما أريد أحبل بعد». أثناء ذلك كانت ثائرة تتناول الكثير من الأدوية لإنزال الوزن كي تصبح رشيقة. تلك الإرادة الغريبة لتغيير شكلها، بأن تخرج من جلدها الذي ستنفجر فيه، كَلَّفتها قرحة معديّة حادة وسرطان ثدي بعد شهر من وصولها إلى بر الأمان في كندا، بعد أن حلَّ التعب.

دمشق، برزة مسبق الصنع

2007 و2008

من نقاط العلّام العراقية في برزة مسبق الصنع «مركزُ الدعم النفسي الاجتماعي والطبي»، الذي أقامه الهلال الأحمر لـ «مستفيدين» عراقيين. كلمات دعم نفسي اجتماعي ومستفيدين دخلت قشرتي الدماغية بشكل قطعي بعد 2012 لأفهمها تماماً، ولكن التجربة كانت موجودة قبل ذلك في سوريا ومُوجَّهة للعراقيين بدعم من هيئة أممية لا أعرف من هي الآن. في تلك المراكز عمَل جزءٌ ممن سيكونون من أصدقائي بعد 2011، سيعملون في دعم السوريين والاستجابة لأهوالهم بعد أن تمرنوا على العراقيين. يا لبؤسنا. سامي، سيتعامل مع سَلَس الأطفال اللا إرادي وعدم تَحكُّمهم المطلق بأجسادهم في الغوطة الشرقية، بعد ثمان سنوات من تعامله مع هذه الحالات في شقّها العراقي. وسيرى بأم عينيه أهوال مقابر جماعية لآلاف قضوا بالضربة الكيماوية بعد أن كان يسمع فقط، بأم أذنيه، أهوال الحرب الطائفية في سرديات مراكز الدعم النفسي الاجتماعي السورية. من بين ما رآه وسمعه هو امرأة عراقية خرساء، قَدَّموا لها أجساد أطفالها وليمة على باب بيتها في رمضان. الخَرَسُ هو الحافظ الأخير للبشرية في مواجهة المرذول. ربما أنا نفسي كان عليَّ أن أخرسَ وألّا أكتب ما كتبته هنا، وأن أتذكر مقولة أدورنو بأن هناك أشياء ينبغي أن تبقى بيننا وبين الله، إلّا أن هاجس لملمة النتف من الذاكرة لتَحَسُّسِ معنىً ما كان أقوى. عام 2014، خرسَ سامي لبعض الوقت، وخرستُ أنا بدوري.

المفردات والمصطلحات هي كمّادات، تتنوع أحجامها وأشكالها. توضع على الصمت، بعده أو قبله بقليل، لكي تُخفي الجرح، وتطمس القبح. «حادث»، «موضوع»، «حادثة»، «سالفة»، «قصة». كلها مفردات تُقال كي لا تُقال الحقيقة، ببشاعتها. الحقيقة التي لا يغطيها، ولا يمكن أن يغطيها، شيء. لا تُقال لكتها تُرى.

سنان أنطون، خزامى (2023)

دمشق 

آب وأيلول 2013  

يريد صديقنا نظمي أن يطلي نوافذ بيتهم في المهاجرين بالازرق. حقاً؟ تجنباً للقصف الأميركي؟ عن جد؟ بعد خط أوباما الأحمر وضربة الكيماوي في الغوطة الشرقية بدأنا الاستعداد لاحتمال الضربة الأميركية. تأخذنا الأفكار والأخبار والآراء المتضاربة: هل فعلاً سنتخلص من الأسد؟ وماذا لو توهجت دمشق بالنار كما توهجت بغداد عام 2003؟ تذكرتُ ثائرة التي غادرتنا قبل ذلك بسنتين إلى ألبرتا في كندا، في أوائل العام 2011، بعد عقد تقريباً من الانتظار في ترانزيت برزة مسبق الصنع، ومقولتها التي كانت تحب أن تكررها: «خطية، أنقهر عليكم، راح يصير فيكم متل عنّا، هادا خرى والتاني بول». لم أعد أذكر عمّا كانت تقولها، أعتقد أنها كانت تقولها عن كل القوى السياسية في العراق، مؤكدة أن لا أوطان للمسيحيين العراقيين إلا خارج المنطقة؛ لم أَعُد أتذكر. 

نتكلم كثيراً عن «المعنى»، أن نصنع معنىً ما ممّا يحدث معنا. أتساءلُ كثيراً ماذا يمكن أن يكون معنى كلِّ ذلك؛ كلِّ ما مررنا به خلال عشرين عاماً بعيداً عن كليشيهات مثل «الطغاة يجلبون الغزاة»؟ المعنى الوحيد الذي أجده الآن أننا كُنّا أطياف بشر نتلقّى وقائعَ عن آخرين عبر الشاشات، أو نتلقَّاها في أجسادنا ونموت، وتتلاطمنا أفكار عن أنفسنا وعن الآخرين وعن الحياة، مجرد أفكار ومشاعر وانطباعات، والواقع هو مُجرَّدُ عدم عبثي يبقى منه الألم.