على امتداد ما يُقارب العقد الماضي، بدا أن انتقاد أفراد مجتمع الميم عين (وحلفائهمن) للشركات التجارية على محاولاتها المبتذلة للاحتفاء بشهر الپرايد (الفخر) قد تحوّلَ إلى رياضة موسمية. على الرغم من أن معظم هذا التسويق يبدو حسنَ النية أو غير ضار على الأقل، ولكن له غرضاً نفعياً في نهاية المطاف: أن تظهر الشركات بمظهر «تقدمي» بفعلها أقلَّ الممكن لتكريم مجموعة مُهمّشة والاعتراف بها، وأن تبيعَ مباشرة لهذه المجموعة السُكانية خلال العملية برُمّتها. غالباً ما يكون جهد الشركات مقتصراً على تغيير شعار الشركة ليتلوّن بألوان قوس قزح.

يمكنكَ ملاحظة ما يبدو كلاماً فارغاً هنا: كيف يمكن لدواء سعال أن يُمثّل القيم المرتبطة بالپرايد من خلال خطوة رمزية عمومية على السوشل ميديا وحسب؟ هذه الممارسة التي تندرج تحت ما يسمى بغسيل الصحوة (Woke – washing) استجلبت لا السخرية فحسب، بل النقد من أولئك المتموضعين على اليسار، والذين يجدونها امتداداً سينيكياً ساخراً للدوافع التجارية التي تُحرّك الرأسمالية ذات نفسها.

بالطبع، ليس الأمر وكأنَّ أقواس قزح لاقت قبولاً طيباً لدى العناصر الهوموفوبية على جهة اليمين أيضاً؛ أولئك الكارهون من أصحاب: «لماذا على كل شيء أن يكون سياسياً هذه الأيام؟»، يقولونها متذمرين دون توجيهها إلى جهة معينة. ولكن كان لدى العلامات التجارية القدرةُ المالية على تجاهل هذه الفئة، بسبب الربح الذي تحصُّله من مستهلكي الميم عين والليبرالين المسحورين بمظهر الاحتواء والتسامح.

تغيّرَ ذلك في العام الفائت. فقد نشط تيارُ مناهضة الصحوة المتشدّد، والذي يَشحنه الإنترنت ويضخّم السياسيون صَوتَه ويرّكز على شيطنة الأفراد الكويرين-ات والعابرين-ات. وقد عملَ هذا التيار على الحشد لتهديد الشركات التي تُبدي ولو نفحة من التضامن مع هذه المجموعات وبشكل علني؛ من بد لايت وديزني إلى نورث فيس وتارغت. تُلاحظ الشركات الآن أن سلع قوس قزح غير الضارة، والحملات الدعائية التي تُظهر مشاهيرَ عابرين-ات أو مثليين-ات، والتبرعات لجمعيات الميم عين، تُحفّز حملات كراهية إلكترونية، إلى جانب دعوات المقاطعة. تاريخياً، لم تُلحِق هذه الهجمات الكثير من الضرر بالأرباح النهائية، لكنها تُصبح أعلى صوتاً الآن، ومن الواضح أن العلامات التجارية مذعورة من هذا الضجيج.

واجهَتْ الشركات التجارية التحديات الجديدة بطرق مختلفة، متخذةً في الغالب حلولاً وسطية مضطربة لا تُرضي أحداً. وَعَدت تارغت، على سبيل المثال، بإزالة جزء من الملابس التي تحمل ثيمة الپرايد من متاجرها، ليؤدي ذلك فقط إلى ظهور المحافظين العدوانيين وهم يصورون أنفسهم مُفتعلين  نوبات غضب أمام ما بقيَ من المعروضات المرتبطة بالپرايد هناك. ألغى فريق لوس أنجلس دودجرز (The Los Angeles Dodgers) دعوة مجموعة دراغ خيرية لليلة الپرايد بعد ضغوطات من اليمين، ومن ثم أعادوا دعوتهم مُعلِنين أيضاً عن إقامة يوم خاص بالـ«إيمان المسيحي والأسرة».

لكن شركات أخرى، اختارت، كما يبدو، الاستسلام تماماً للجموع المناهضة للميم عين (كما في حال التبدُّل السريع في لوغو منظمة Major League Baseball). بعضها الآخر التزم الصمت بشأن شهر الپرايد، بغض النظر عن الإعلانات السابقة الخاصة بالمناسبة؛ ما يعني أن الشركات التي تمسّكت بلغةٍ تسويقية من شاكلة «الحب هو الحب»؛ مشاعر لطيفة ورخيصة كان يمكن رفضها من قبل كونها لعباً محسوباً على العواطف، تبدو الآن… حسناً، شجاعة؟ مبدئية؟ مستعدة لمواجهة المُتعصّبين بغض النظر عن التكلفة؟

بيت سمارت (شركة لمستلزمات الحيوانات الأليفة) كانت من بين العلامات التجارية التي تلقّت ردود فعل عنيفة الأسبوع الماضي، بسبب تشكيلة ملابس وألعاب مُستلهمة من الپرايد، والكفيلة بتحويل كلبك إلى كلب تقدمي بامتياز. (تبرّعت الشركة أيضاً بمبلغ 200 ألف دولار لشبكة Gay, Lesbian and Straight Education Network والتي تعمل لمواجهة التنمر والعنف ضد شابات وشبّان الميم عين في المدارس). ومع قدوم شهر حزيران، لم تتراجع الشركة، بل روّجت للتشكيلة على فيسبوك كما خُطِّطَ لها، مع صور لهامستر (خنزير غيني) وسَحَالي ترتدي قطعَ ملابس ملونة بألوان قوس قزح.

كول (Kohl)، التي تلّقت انتقادات إلى جانب تارغت بسبب طرحها لملابس بتصميمات مُستَلهمة من الپرايد، طرحت عبارات مشجعة على «إلهام واحتضان ذاتك الأصيلة» مع فيديو يظهر عارضين-ات من الميم عين يرتدون قطع الملابس، وتحمّلت لذلك وابلاً من التعليقات المسيئة. أبسلوت فودكا، واحدة من أول ماركات الكحول الكبرى التي قرّرت الإعلان في وسائط ميديا كويرية واتخذت موقفاً مناصراً للپرايد، حيث تُواصلُ بيعَ زجاجات من علامتها التجارية تحمل شعار قوس قزح. وعلى خلاف حالة استسلام (Major League Baseball)، تمسّكَ فريق نيو يورك ميتس بقوة بلوغو الپرايد على حسابهم في تويتر، دون أن يتأثروا بوابل السُخط في التعليقات التي تلقوها.

يكاد يكون مُحرِجاً الشعورُ بالامتنان لمجرد أن بضعة شركات عملاقة اختارت تَجاهُلَ هلع أخلاقي مثير للاشمئزاز، ما يشير إلى أنها تُفضِّلُ زبائن مثليين-ات أو عابرين-ات على المتطرفين العازمين على محو هذه الهويات من الحياة العامة. صحيحٌ أنّ معظم هذا الدعم يتلخّصُ في مجموعة من الألوان، ولكن تَجنُّبَ ماركات معينة الوقوع في فخ الحرب الثقافية يبدو كنصر هزيل ومُرّ.

مع ذلك، فقد نجحت هذه الشركات في اختبار حاسم حالياً، وبهذا المعنى، ربّما على المرء أن يعترف لهم بذلك. المبادرات التي لم تكن تعني الكثير في الأوقات «العادية» تكتسب أهمية جديدة في عصر خطاب إبادة جماعية، يستهدف أقلية مُستضعَفة. الوقوف في وجه الإساءات المُنظَّمة، ولو اقتصر ذلك على الفضاء الرقمي، هو رسالةٌ ضمنية لا تُورِدها الشركات في خطابها بشكل صريح: «إلى الجحيم أيها الفَشَلة».ألم يكن ذلك هو الحال دائماً على الجانب الآخر من بهجة الپرايد؟ إن كنتَ تودُّ البقاء غاضباً من رؤية الناس يستمتعون بتنوعهم الهائل، فهذا من سوء حظك. نعم، الشركات لم تتوقّف عن محاولة استجلاب الأموال من هذه المناسبة، ولكن عندما يكون البديل رؤيتها تتوقف فجأة، كما لو أنك تحرصُ على عدم عزل الفاشيين الذين يبحثون عن الهدف التالي بين الشركات للإطاحة به، فنحن نعرف أي نتيجة هي الأفضل. لا أقول إنني مضطرٌ لشراء شريطة عنق ملونة بألوان قوس قزح لِقطَّتي. ولكن هو أمرٌ حسن أنني أستطيع فعل ذلك.