يُنظّم الاتحاد الأوروبي يومي 14 و15 من شهر حزيران (يونيو) الجاري مؤتمر بروكسل السابع لـ«دعم مستقبل سوريا والمنطقة» في العاصمة البلجيكية، بمشاركة وفود من أكثر من سبعين دولة، ومؤسسات دولية أوروبية وأممية، وأهم المؤسسات المالية الدولية. ويتمثّلُ الهدف الرئيس لمؤتمرات بروكسل، بحسب الجهة المنظّمة، في «ضمان استمرار الدعم للشعب السوري، سواء في سوريا أو في المنطقة الأوسع، من خلال تعبئة المجتمع الدولي لدعم حلّ سياسي شامل وموثوق للنزاع السوري يتماشى مع قرار مجلس الأمن الدولي رقم 2254». وقال بيانٌ صادرٌ عن مكتب المتحدث باسم الاتحاد للشؤون الخارجية والسياسة الأمنية، بيتر ستانو، إن المؤتمر القادم «يهدف إلى إعادة تأكيد التزام الاتحاد الأوروبي ودعمه للشعب السوري، وحشد الدعم الإنساني والمالي لتلبية الاحتياجات المتزايدة للسوريين المتضررين الذين يعيشون في سوريا وفي البلدان المجاورة».
ويُخصّص المؤتمر يومَهُ الأول، وعنوانُهُ يوم الحوار، لثلاث فعالياتٍ حوارية أساسية، تضمّ مجموعةً من منظمات المجتمع المدني من سوريا وخارجها و«صانعي القرار والشركاء التنفيذيين». وتتناول الفعاليات في هذا اليوم «التحديات الإنسانية وتلك المرتبطة بالقدرة على الصمود التي تواجهها سوريا والمنطقة»، وذلك بحسب البيان الصادر عن الاتحاد الأوروبي. الجلسة الأولى ستكون بعنوان «معالجة الاحتياجات الأساسية والوصول إلى الخدمات الأساسية والتعافي المبكّر في السياق السوري»؛ والجلسة الثانية ستُخصَّص لمناقشة «تطوير الفرص على المستوى المحلي: تمكين القيادة المحلية وحمايتها»؛ والجلسة الثالثة بعنوان «تعزيز العدالة والمساءلة للشعب السوري – وضع الجهود المستمرة من قبل المجتمع المدني والمنظمات الدولية والسلطات القضائية الوطنية والخطوات المستقبلية». على أن هذه الجلسات الثلاث ستسبقها وتتلوها جلستا افتتاحٍ وختام.
في الأثناء، سيُوفّر المؤتمر في يوم الحوار «منصةً تفاعليةً للتواصل مع المجتمع المدني والمنظمات غير الحكومية الناشطة في سوريا والمنطقة»، والتي بدورها ستعقد عدداً من «الفعاليات الجانبية على هامش المؤتمر»، من بينها ندوة تعقدها الشبكة السورية لحقوق الإنسان بالشراكة مع بيتنا والخوذ البيضاء بعنوان «نحن نعرف من استخدم الأسلحة الكيميائية في سوريا، ما هي الخطوة التالية؟». كما تنطلق في الفترة نفسها مجموعة من الفعاليات الثقافية والفنية على هامش المؤتمر، تمتد من يوم 12 حزيران إلى 19 من الشهر ذاته، تشمل معارض فنية ونقاشاتٍ صحفية وعروضَ أفلام وقصصاً سردية، ويمكن الاطلاع على مجمل هذه الفعاليات عبر هذا الرابط.
أما اليوم الثاني، فسيكون مخصّصاً لوزراء خارجية الدول المُشارِكة في المؤتمر، والتي ستقدّم تعهداتٍ مالية لدعم «القضايا الإنسانية الحرجة» في سوريا والدول المجاورة التي تستضيف اللاجئين السوريين، خصوصاً الأردن ولبنان وتركيا، بالإضافة إلى مصر والعراق، إذ ستتلقّى هذه الدول الأموال بشكلٍ مباشر أو من خلال دعم عمل المنظمات الأممية والدولية داخل حدودها. وتجدر الإشارة إلى أن الأموال ليست مخصصةً فقط للسوريين، وإنما أيضاً للمجتمعات المضيفة لهم في هذه الدول.
وستُشارك في اليوم الثاني الدولُ الأعضاء في الاتحاد الأوروبي والدولُ المجاورة لسوريا ودول ثالثة مثل الولايات المتحدة الأميركية وكندا واليابان، فضلاً عن ممثّلين من الأمم المتحدة والمنظمات الدولية الأخرى. وسيترأس المؤتمر، نيابةً عن الاتحاد الأوروبي، الممثل الأعلى للاتحاد الأوروبي للشؤون الخارجية والسياسة الأمنية جوزيب بوريل، ومفوّض الجوار والتوسع أوليفر فارهيلي، ومفوّض إدارة الأزمات جانيز لينارتشيتش.
موعد سنوي لحشد التمويل وتقييم الاحتياجات والمناصرة
منذ إصداره الأول في نيسان (أبريل) عام 2017، صار مؤتمر بروكسل للمانحين حدثاً سنوياً مهمّاً ربيع كل عام، إذ تحرص كبرى المنظمات الإنسانية الدولية والإقليمية والمحلية على عرض احتياجاتها على المانحين من الأسرة الأوروبية وحلفائها خلال فترة انعقاد المؤتمر. كما تحرص دول جوار سوريا، لا سيما لبنان والأردن، على حضور سياسي -وزاريّ المستوى على الأقل- لوضع التحدّيات الاقتصادية التي يُشكّلها اللجوء السوري على دولهم فوق طاولة التداول.
وقد تراوحت المبالغ الموعودة كمِنَح خلال مختلف إصدارات المؤتمر ما بين سقف الـ 7 مليارات دولار عام 2019 والـ 4.4 مليار عام 2021. لكنْ عادةً ما تكون المبالغ المصروفة نهاية كل عام أعلى من الموعود به خلال المؤتمر، ففي عام 2019 صُرِفَت 10 مليارات دولار مقابل السبع مليارات الموعودة كما سلف الذكر؛ كما تجاوز إنفاق عام 2021 السبع مليارات ونصف، بزيادة أكثر من 3 مليارات عن الـ 4.4 الموعودة خلال المؤتمر.
وفي إصداره الأخير، حشد مؤتمر بروكسل السادس مبلغ 6.4 مليار يورو، منها 4.8 يورو وَعدَ بها الاتحاد الأوروبي، ما بين المفوضية الأوروبية بشكلٍ مباشر ومجموع مِنَح الدول الأعضاء منفردةً. ومن المعتاد أن تتصدّر المفوضية الأوروبية قائمة المانحين، في حين تتصدّر ألمانيا، وبفارقٍ كبير، قائمة الدول المانحة بشكلٍ منفرد. كما تحضر أسماء الولايات المتحدة (في حقبة ما بعد ترمب) وكندا واليابان والمملكة المتحدة في صدارة الدول المانحة.
وبعد زلزال السادس من شباط (فبراير)، دعت المفوضية الأوروبية إلى مؤتمر مانحين استثنائي في بروكسل لدعم تركيا وسوريا، تعهّد فيه المانحون الدوليون من أكثر من 60 دولة، فضلاً عن هيئات أوروبية ومنظمات أممية، بتقديم قرابة سبعة مليارات يورو للبلدين، كانت حصة «الشعب السوري» منها 950 مليون يورو.
عدا عن المنح، يُشكّل مؤتمر بروكسل عادةً فرصة للحصول على القروض المُيسَّرة لدعم مشاريع تنموية في مختلف دول جوار سوريا. ويتصدّر البنك الدولي (World Bank) قائمة الجهات المُقرِضة (حوالي 4.3 مليار عام 2021، حسب تقرير التتبّع المالي لمخرجات مؤتمر بروكسل، الصادر في أيار 2022)، يليه البنك الاستثماري الأوروبي (EIB)، الذي أقرض مليارين وربع مليار دولار عام 2021 حسب التقرير نفسه.
أين هذه الأرقام المرصودة من الاحتياجات الفعلية؟
رغم التعهدات التي تقدمها الدول المُشاركة في مؤتمر بروكسل، إلا إن الاحتياجات على الأرض غالباً ما تكون أكبر منها، نتيجة وجود 13 مليون سوري-ة مُهجرين من بيوتهم، يقيم حوالي 5.6 مليون منهم في دول الجوار التي تعاني من انهيارات وأزمات مالية واقتصادية وفساد مؤسساتي أحياناً. وقبل أيام قليلة من موعد انعقاد المؤتمر، أعلن برنامج الغذاء العالمي بأنه سيوقف المساعدات عن 2.5 مليون سوري-ة بسبب نقص التمويل. كما تشكو المنظمات الدولية والمحلية وسلطات دول جوار سوريا، خصوصاً لبنان، من عدم كفاية التعهدات التي تُقدَّم خلال مؤتمر بروكسل، ما ينعكس حملاتٍ عنصريةً وتضييقاً على السوريين، تتكثّف سنوياً على مشارف مؤتمر بروكسل.
وطوال السنوات الماضية، لم تُقدّم سلطات دول جوار سوريا، وخصوصاً لبنان وتركيا حيث يُستخدَمُ اللاجئون كورقة سياسية، بياناتٍ واضحة عن آلية صرف المِنَح وكيفية توزيعها. ورغم أن هذه المِنَح مقوّمة باليورو أو الدولار، فإن المساعدات النقدية توزّع على المستفيدين-ات بالعملات المحلية؛ المنهارة في لبنان ومتراجعةِ القدرة الشرائية في تركيا. وخلال الشهر الحالي، توقّفت جميع أشكال المساعدات الأممية عن جميع اللاجئين السوريين في لبنان بطلب من الحكومة اللبنانية، بعد خلافٍ مع الأمم المتحدة على العملة التي ستُقدَّم بها المساعدات للسوريين-ات، في وقتٍ تشتدّ فيه حملات الترحيل القسري ضدهم-ن.
تتوالى تقارير المنظمات الإنسانية وتحذيراتها حول خطر نقص التمويل على برامجها السوريّة منذ سنوات، والآن وقد زاد الزلزال الوضع سوءاً، تقتضي الاحتياجات العاجلة ردَّ فعلٍ دولي يتجاوز نطاق عمل مؤتمرات بروكسل المعتاد.