بينما تسير في شوارع دمشق صباحاً أو مساءً، تُصادف أرتالاً من الحافلات المتوقفة في أماكن عديدة من مناطق العاصمة. بات المنظر مألوفاً، إنها حافلاتٌ تتْبَع للجامعات الخاصة وتنقل الطلاب والموظفين من وإلى مقرات الجامعات. يصعد هذه الحافلات قلةٌ قليلة من أبناء دمشق المُتجهين إلى الجامعات الخاصة، وإذا دقّقت النظر في ثيابهم ومظهرهم الخارجي، لن يكون من الصعب تقدير أن معظمهم ينتمون إلى شريحةٍ اجتماعية مرتاحة مادياً أكثر من غيرها، في بلدٍ يقبع 90 بالمئة من سكانه تحت خط الفقر. يُنفق أهالي هؤلاء الطلبة عشرات ملايين الليرات السورية، أو ما يُعادلها ويزيد عليها بالعملات الأجنبية، من أجل تعليمهم في مثل هذه الجامعات.

نشرت صحيفة الوطن شبه الرسمية في 8 أيلول (سبتمبر) 2022، أي قُبيل بدء العام الدراسي الحالي 2022/2023 تقريراً بعنوان «يا بلاش!! 73 مليوناً تكلفة دراسة الطب في الجامعة الخاصة و45 مليوناً للأسنان، والصيدلة بـ39 مليوناً، عدا أجور المواصلات؟». وتناولت فيه الصحيفة شبه الرسمية القرارَ الصادرَ عن مجلس التعليم العالي، والذي حدد بموجبه الحدَّ الأعلى لرسم الساعة المُعتمدة في الجامعات الخاصة، والتي تعتمد نظام الساعات والأقساط في الجامعات الخاصة وفق النظام الفصلي للطلاب المُستجدين المسجلين بدءاً من العام الدراسي 2022/2023. وتتراوح رسوم الدراسة للساعة الواحدة بين 35 ألف ليرة سورية للتمريض، وصولاً إلى 275 ألف ليرة لساعة الطب البشري وهي الأعلى، وما بينهما رسوم بقية الاختصاصات.

وتضمّنَ القرارُ بنداً يقضي باستمرار الطلاب المسجلين في العام الدراسي 2021/2022 وما قبل، بتسديد الرسوم والأقساط التي سُجّلوا على أساسها في الجامعة بالنسبة للطلاب السوريين المقيمين في سورية. أما الطلاب السوريون غير المقيمين والطلاب العرب والأجانب في العام الدراسي 2022/2023، فقد بقيت الرسوم على حالها دون زيادة، وذلك لكونها تُدفَع أصلاً بالقَطْع الأجنبي. وسمح القرار للجامعات الخاصة بزيادة 100 بالمئة على الرسم المُحدّد للساعة المعتمدة أو الرسم السنوي أو الفصلي في العام الدراسي 2021/2022، على ألّا يزيد الرسم على الحد الأعلى المذكور في القرار بالنسبة لأجور الساعات. وبحسب صحيفة الوطن أيضاً، فإن الرسوم تضاعفت عن العام الذي سبقه، إذ كانت تكلفة الدراسة في كليات الطب البشري نحو 42 مليون ليرة سورية، والتي بدورها تضاعفت عن العام الذي سبقه أيضاً.

يوجد في سورية نحو 24 جامعة خاصة، تأسّس معظمها في السنوات الأولى للقرن الحالي، وتحديداً بعد عام 2003. ويُرْجِعُ أصحاب هذه الجامعات الفضل في ما أسموه «الثورة التعليمية في سورية» إلى رأس النظام بشار الأسد، الذي «قام بإجراء سلسلةٍ من الإصلاحات الواسعة في مجال التعليم، وكانت الجامعات الخاصة في مقدمة هذه الإصلاحات». ويمكن تلخيص ما يقوله أصحاب الجامعات الخاصة في مقابلاتٍ وتصريحاتٍ إعلامية عن أسباب افتتاح الجامعات الخاصة بالتالي: «ستُخرِّجُ طلاباً يكونون رواد جيلٍ جديدٍ قادرٍ على تبنّي الحداثة ونمط التعليم الغربي على تراب بلاده، وستكون هذه الجامعات مؤسساتٍ تعليمية تتقاضى أقساطاً من الطلاب وذات تمويل جيد ونمطاً جديداً يضاهي أرقى الجامعات في الشرق الأوسط وأوروبا والولايات المتحدة، بالإضافة إلى رفد سوق العمل بالخريجين الذين يُغطّون اختصاصاتٍ لا توجد في الجامعات الحكومية، والمحافظة على القَطْع الأجنبي الذي كان ينفقه الأثرياء في تعليم أبنائهم في روسيا ودول شرق أوروبا في الغالب، وبعضهم في أوروبا الغربية وأميركا». بخلاف ذلك، فإن لرئيس جامعة القلمون عبد الرزاق شيخ عيسى رأيٌ آخر: «تأخّرت سورية في افتتاح الجامعات الخاصة، وبالتالي خسرنا جزءاً كبيراً من البنية التحتية اللازمة لهذه الجامعات، فقد خسرنا الكثير من الطلاب والأساتذة الذين سافروا خارج القطر سعياً وراء الحصول على تعليم أفضل. وقد أثّرَ ذلك على أمور كثيرة مثل أسعار الصرف، وقوة العملة».

ما يقدّمه مُلّاك ورؤساء الجامعات الخاصة لم يعد دقيقاً تماماً اليوم، فقد تحوّلت الجامعات الخاصة إلى ما يشبه الجامعات الحكومية في كثيرٍ من الأمور، وخاصةً تَطابُق الكليات والاختصاصات، والتي من المفترض أن تكون مختلفةً عن مثيلاتها في الجامعات الحكومية، واعتماد الجامعات الخاصة على الكوادر التدريسية العاملة في الجامعات الحكومية للتدريس فيها في أيام فراغهم، وهو ما أدى إلى تفاقم أعداد الخريجين الباحثين عن عمل، لا سيما مع معدلات النجاح المرتفعة في الجامعات الخاصة، والتي تنتهج -جزئياً- هذه السياسة لتشجيع بقية الطلاب على الدخول إليها في المواسم الدراسية التالية.

لا يمكن التغاضي عن أن السبب الحقيقي لافتتاح الجامعات تجاريُّ بحت، وما يؤكد ذلك أن الغالبية العظمى ممن حصلوا على موافقاتٍ لافتتاح الجامعات الخاصة هم من المقربين من النظام، سواء كانوا أصحاب مناصب أم أصحاب مال من سوريا وخارجها، بمباركة وشراكة مع شخصيات من أركان النظام ومحاسيبه. على سبيل المثال لا الحصر، فإن جامعة القلمون كانت أول جامعة خاصة إدارياً ومالياً تحظى بالموافقة، وتعود ملكيتها إلى أبو سليم دعبول، الذي بقي لسنواتٍ طويلة يدير مكتب حافظ الأسد، واستمرّ في منصبه مع تولّي بشار الأسد السلطة فيما بعد. بنى أبو سليم، الذي فارق الحياة قبل نحو عامين، جامعة القلمون في مسقط رأسه دير عطية في ريف دمشق، منتصف الطريق بين حمص ودمشق. وبدأت عمليات البناء في هذه الجامعة عام 2003، وبعد عامٍ واحدٍ فقط بدأت الجامعة باستقبال الطلاب، بتكلفة إنشاء وتجهيز وصلت وقتها إلى نحو 62 مليون دولار أميركي.

ولدينا مثالٌ آخر هو الجامعة السورية الخاصة، والتي أسّسها رجل الأعمال العراقي عبد المجيد السعدون، ويَذكُر الموقع الإلكتروني للجامعة تاريخ التأسيس بالقول: «أُحدِثَت الجامعة السورية الدولية الخاصة للعلوم والتكنولوجيا بموجب المرسوم الجمهوري رقم 339 تاريخ 7/8/2005, وتم تعديل اسمها لاحقاً ليصبح الجامعة السورية الخاصة بموجب المرسوم الجمهوري رقم 343 تاريخ 24/9/2012». وفي الموقع نفسه، وتحت بند مجلس الأمناء، لا يرد ذكر اسم رئيس مجلس الأمناء، بل فقط نائب الرئيس والأعضاء، ومن بين الأعضاء إيهاب مخلوف، وهو الشقيق الأصغر لرامي مخلوف الذي انقلب على شقيقه رامي مؤخراً واستمر على ولائه لبشار الأسد. وكان رامي مخلوف ابن خال بشار الأسد وواجهته الاقتصادية سابقاً قد وضع يده على الجامعة عام 2010، بعدما رفض صاحبها العراقي منحه حصة فيها، وكعادته قام رامي بتلفيق عدة تهم له أجبرته على التنازل عن ملكية الجامعة بالكامل، قبل أن تضع أسماء الأسد، بحسب ما تُشير تسريباتٌ، يدها مؤخراً على كل ما يملكه رامي مخلوف في سوريا.

وخلال أقل من خمس سنوات على تأسيس أول جامعة خاصة، تضاعف عدد الجامعات في سوريا بتكاليف وصلت إلى أكثر من مليار دولار أميركي. في السنوات الأولى لانطلاق هذه الجامعات كانت الأقساط السنوية تتراوح بين 3.000 و10.000 دولار، ما جعل الانتساب لهذه الجامعات حكراً على أبناء الطبقتين الوسطى العليا والعليا من الشعب السوري، وبشكلٍ طبيعي على أصحاب المناصب والمقربين من السلطة أو الطلاب القادمين من الدول العربية الأخرى.

تخصصات محدودة

بالعودة إلى الحديث عن الكليات والاختصاصات، فإن 5 جامعات من أصل 24 جامعة فيها كل الاختصاصات الطبية (طب بشري، طب أسنان، صيدلة)، و9 جامعات فيها اختصاصان طبيّان (طب أسنان، وصيدلة)، و6 جامعات فيها اختصاص واحد على الأقل (إما صيدلة أو طب أسنان). تحدّثت الجمهورية.نت إلى طبيبٍ تخرّجَ من جامعة الشام الخاصة عن هذه التخصصات ومزاياها: «تتفوق الجامعات الخاصة في بعض النواحي، ومنها سير المحاضرات، إذ لا يتجاوز عدد الطلاب 40 طالباً في الحصة الدراسية الواحدة في المحاضرات النظرية، وفي المحاضرات العملية للكليات الطبية هناك 20 طالباً فقط، ما يعطي راحةً أكبر للطالب والأستاذ. لكن لا يمكننا الحديث عن فروقات كبيرة خاصة بالتعليم، إذا علمنا أن أكثر من نصف أساتذة الجامعات الحكومية تقريباً هم مَن يدرّسون في الجامعات الخاصة نظراً للنقص الحاصل بالكوادر، مما يعني تماثلاً في المحتوى التعليمي وطريقة إيصاله للطلبة». 

ويتابع حديثه بالقول: «في الكليات الطبية على سبيل المثال، يدرس طلاب الطب البشري القسم العملي من دراستهم في المشافي الحكومية، وهو ما يعني تقارباً في المستوى بين العام والخاص بعد التخرج. أما في كليات طب الأسنان، فإن الجامعات الخاصة هي التي تقوم بتأمين المرضى للطلاب في الدروس العملية، ما يؤدي إلى راحة الطالب وتعدد وتنوع الحالات بشكلٍ أكبر من الجامعات الحكومية التي يعتمد الطالب فيها على نفسه في تأمين الحالات المرضية».

وبخصوص فَُرَص العمل بعد التخرج، يقول: «تتساوى الفرص بالنسبة لجميع الخريجين في حال وُجدت، في المقابل، فإن الجميع يستطيع العمل بشهادته في الأعمال الخاصة، لكنها تبقى نسبة مزاولي العمل الخاص قليلةً بين الطلاب الخريجين في جميع الاختصاصات، ويتجه معظم خريجي كليات الطب البشري للعمل في المشافي الحكومية التي تعاني نقصاً شديداً في الكوادر، فيما يتجه خريجو طب الأسنان إلى المشافي أو المراكز الطبية. أما خريجو التخصصات الهندسية، فوِجْهَتهم في الغالب المكاتب الهندسية، دون أن ننسى أن غالبية الخريجين من مختلف الاختصاصات يتجهون لتعلم اللغة الألمانية بحثاً عن فرصة سفر إلى ألمانيا هرباً من الوضع المتردي في سوريا».

ويُنهي الطبيب المتخرّج حديثاً كلامه بالإجابة عن سؤالنا بخصوص رسوم التسجيل في الجامعات الخاصة بالقول: «عندما بدأت دراستي عام 2014 كانت السنة الدراسية تكلف نحو 2 مليون ليرة، حالياً أعتقد أن تكلفة السنة الواحدة وصلت إلى 12 مليون ليرة، والكلام هنا عن الطلاب المسجَّلين بناءً على شهادات سوريّة وليس القادمين من الخارج، لأن المبلغ أكبر بكثير إذا ما تمت مقارنته بسعر صرف الدولار في السوق المحلية».

أصحاب الجامعات الخاصة في ورطة!

يرى القائمون على الجامعات الخاصة أنهم يعيشون في ورطةٍ تسبّبت بها الأوضاع السيئة التي تمرّ فيها البلاد منذ عام 2011. قبل ذلك العام كان سعر صرف الدولار الأميركي مقابل الليرة السورية حوالي 47 ليرة، لكن قيمته اليوم تجاوزت 8.000 ليرة للدولار الواحد. يقول المدير المالي لإحدى الجامعات الخاصة في حديثٍ للجمهورية.نت: «في السنوات الأخيرة باتت الجامعات الخاصة تبحث عن تأمين نفقاتها فقط، لأن الارتفاع المتكرر للأسعار أضرّ بالجامعات بشكلٍ كبير، وهي مطالبةٌ بتغطية نفقات مختلفة، مثل ترميم المباني والبنية التحتية، خاصةً تلك التي تضرّرت خلال عقدٍ من الحرب، وقد اضطرت بعض الجامعات التي تقع مقرّاتها في الأرياف، وتحديداً ريفي دمشق وحلب، إلى نقل مقرّاتها خلال سنوات الحرب إلى داخل مدينتي دمشق وحلب بمبانٍ مستأجرة ولسنوات، وذلك بحكم تواجدها سابقاً في أماكن شهدت نزاعاً مسلحاً. ثم بعد العودة لمقرّاتها الأساسية، واجهت تكاليف الترميم وإعادة الصيانة، عدا عن تعويض الممتلكات التي تم نهبها من قبل أطراف عسكرية مختلفة، ومصاعب أخرى مثل توليد الكهرباء للتعامل مع مشكلة انقطاع التيار الكهربائي لفتراتٍ طويلة، بالإضافة لعملية تطوير المناهج، وارتفاع الرواتب بالنسبة للمدرسين والموظفين في هذه الجامعات».

وعن الارتفاع الكبير لرسوم التسجيل، يقول المدير المالي: «بالفعل كان هناك ارتفاع كبير في السنوات الأخيرة، لكن هذا الارتفاع يشمل الطلاب الجدد فقط، بينما يستمر الطلاب القدامى بدفع الرسوم التي سجّلوا على أساسها منذ السنة الأولى، لذلك فإن هذا الارتفاع لا يغطي حجم الإنفاق» بحسب زعمه. وكان مصرف سورية المركزي قد ألزم الجامعات الخاصة باستيفاء قيمة أقساط الرسوم الدراسية بالليرة السورية من الطالب السوري المقيم ومن في حكمه، وبالقَطْع الأجنبي (دولار أميركي أو يورو) من الطالب السوري غير المقيم والطلبة العرب والأجانب، على أن يحصل المركزي على 50 بالمئة من هذا القطع، بينما يحق للجامعة التصرف بالنصف الآخر لتأمين احتياجاتها من المستوردات وتسديد الالتزامات والنفقات المترتبة عليها بالقطع الأجنبي.

يرى أستاذٌ في الجامعة الدولية الخاصة، رفض ذكر اسمه لأسباب أمنية، أن الجامعات الخاصة جاءت تلبيةً لاحتياجات شرائح معينة من المجتمع السوري: «معظم طلاب الجامعات الخاصة من أبناء المغتربين الذين يعيشون في الخارج، حيث يعمد الكثيرون منهم إلى إرسال أبنائهم للدراسة فيها، ومن أبناء رجال الأعمال، وأبناء المسؤولين والضباط في جيش النظام وفروعه الأمنية، أو المسؤولين والضباط أنفسهم، إذ يُسمح لمن يحمل شهادة ثانوية قديمة بالتسجيل في الجامعات الخاصة، في حين لا تَسمح الجامعات الحكومية بذلك، ليستغل هؤلاء نفوذهم وسلطتهم على الجامعات الخاصة أو علاقاتهم مع أصحابها للحصول على شهادة جامعية دون جهدٍ يُذكَر».

الجامعات الخاصة، أُسوةً بالجامعات الحكومية، ليست بعيدةً عن حالة الانفلات والفوضى، ففي العام الماضي أعلنت وزارة الداخلية في حكومة النظام توقيف 3 طلاب من جامعة الحواش الخاصة بحمص نتيجة مشاجرة جماعية بين طلاب الجامعة نتج عنها إصابة 3 طلاب وهروب 10 طلاب. فيما سارعت الجامعة لإصدار بيان تدين فيه المشاجرة وتعلن عن فصلٍ نهائي لكل المتورطين فيها.

متفوقون بأعداد محدودة في الجامعات الخاصة

يرتاد الجامعات الخاصة عددٌ قليل جداً من الطلاب المتفوقين في الشهادة الثانوية، والذين يحصلون على مقاعد مجانية بصفة إيفادٍ داخلي، وخاصةً في الكليات الطبية، ويلجأ هؤلاء إلى الجامعات الخاصة هرباً من السنة التحضيرية في الجامعات الحكومية، إذ يُسمَح لكل طالبٍ بالتسجيل في الفرع الذي يرغب به مباشرةً، إلا أن هؤلاء يحتاجون لعلاماتٍ عالية تقترب من العلامة التامة في الشهادة الثانوية. على سبيل المثال، فإن الجامعة السورية الخاصة أعلنت في الموسم الدراسي الحالي أن التسجيل في كلية الطب البشري يحتاج إلى مجموع أقله 2324 من 2400 للتسجيل عن طريق دفع الأقساط، في حين كان المجموع المطلوب لمنحة الإيفاد الداخلي المجانية 2397 من 2400، وهو ما يؤكد صعوبة المهمة بالنسبة للطلبة المتفوقين. لكن المهمة لم تكن صعبة على جابر، الطالب المتفوق الذي حصل على منحةٍ لدراسة الطب البشري في إحدى الجامعات الخاصة. يروي جابر للجمهورية.نت بعضاً من مشاكله في الجامعة: «معظم الذين يحصلون على منحة في الجامعات الخاصة يشعرون بالغربة عنها. الحالة المادية لعائلتي متواضعة جداً، ولولا أنني تفوقت في الثانوية العامة وحصلت على مقعد مجاني في هذه الجامعة، لم أكن لأحلم يوماً بزيارتها، وليس بالدراسة فيها. ما أشاهده من حالة البذخ والترف لم أكن أتوقع أنه موجود في بلدنا نظراً للبيئة المحيطة التي أعيش فيها. الكثير من الطلاب يرتادون الجامعة بسياراتهم الفارهة وبعضهم مع مرافقة شخصية، هناك ترفٌ في اللباس وفي الأموال الكثيرة التي ينفقونها في كافتيريا الجامعة، حتى أن بعضهم يدفع المال لدكاترة الجامعة حتى ينجحوا في موادهم. هذا ما سمعته من بعض الطلاب، لكنّي لم أشاهده بعيني، لكن ما أستطيع أن أؤكده أن مستواهم العلمي في المحاضرات النظرية والعملية متدنٍ جداً ولا يؤهلهم لدراسة الطب، فكيف بالنجاح في إنهاء الدراسة».

وكانت وزارة التعليم العالي في حكومة النظام قد أعلنت قبل انطلاق العام الدراسي الحالي عن إجراء مفاضلةٍ مركزية للقبول في الجامعات الخاصة للكليات الطبية للعام الدراسي 2022/2023. كما قرّر مجلس التعليم العالي رفع الحدود الدنيا لبعض الاختصاصات في الجامعات الخاصة (الاختصاصات الطبية خصوصاً وبعض الاختصاصات الهندسية)، والإبقاء على الحدود الدنيا لبعض الاختصاصات الأخرى على وضعها السابق. وقال أمين مجلس التعليم العالي ماهر ملندي لصحيفة الوطن الموالية أن تطبيق مفاضلةٍ مركزيةٍ للجامعات الخاصة للكليات الطبية فقط خلال الوقت الراهن «يحقق مبدأ تكافؤ الفرص والعدالة بين الطلاب، والحفاظ على المقاعد الشاغرة التي كانت تذهب ضمن الآلية السابقة». وأضاف ملندي: «سيصبح بإمكان الطالب التقدّم ضمن مفاضلة واحدة تتضمّن كل الجامعات، وليس كل جامعةٍ على حدة، وبالتالي يبسّط ذلك من إجراءات الطلاب ويخفف انتقال الطالب من جامعةٍ إلى أخرى، مشيراً إلى أنه خلال العام القادم، وفي حال نجاح المفاضلة بهذا الشكل الجديد، يمكنُ تعميمها على بقية الاختصاصات».

وفي موضوعٍ متصل بآليات التقدم للجامعات، ذكر ملندي أنه «للمرة الأولى تتم الموافقة للجامعات الخاصة على إعلان ملء الشواغر، وذلك مع بداية الفصل الدراسي القادم، على أن تبدأ الحياة الدراسية للطالب اعتباراً من الفصل القادم (الثاني) بهدف إتاحة الفرصة لقبول عددٍ إضافي من الطلاب».