بمرور ثلاثة أشهر على الزلزال المدمّر الذي ضرب سوريا وتركيا في السادس من شباط (فبراير)، يتوضّح شيئاً فشيئاً حجم الخسائر الكارثية التي تسبّب بها في كلا البلدين. وتزداد وطأة هذه الخسائر في سوريا التي حطّمتها سنوات من الحرب ودمار البنية التحتية وانعدام القدرة على التعامل مع الكوارث، باختلافٍ واضحٍ عن تركيا التي تبدو قادرةً على التعافي من الآثار المادية للزلزال خلال سنواتٍ قليلة. وبازدياد حجم الاحتياجات على صعيد الإيواء والتعليم والطبابة والغذاء وغيرها على كامل التراب السوري، فإن برامج المساعدة الإنسانية والإغاثية تظل غير مستقرة، ولا تغطي أكثر من ربع المطلوب خلال الفترة الحالية.
إحصائيات متنوعة
تتنوع الإحصائيات التي تقدّمها المنظمات الإنسانية والإغاثية والمراكز البحثية حول حجم الأضرار التي تسبّب بها الزلزال، وذلك باختلاف أدوات الإحصاء وحجم انتشار فرق المسح وآلية التوثيق. وبحسب آخر إحصائيةٍ نشرها فريق منسقو الاستجابة العامل في المناطق الخارجة عن سيطرة النظام في شمال غربي سوريا، بلغ عدد الأسر المتضررة 334.821 أسرة، بعدد أفرادٍ إجمالي بلغ 1.843.911 نسمة. وأُجبرت 48.122 عائلة على النزوح من بيوتها، بعدد أفراد 311.662 نسمة، وكان 67 بالمئة من إجمالي النازحين من الأطفال والنساء والحالات الخاصة. وبلغ عدد الوافدين من تركيا إلى داخل الأراضي السورية 67.718 نسمة، يقطن 90 بالمئة منهم لدى أقارب أو ضمن مخيمات مُحدثة أو في مراكز إيواء.
ووثّق منسقو الاستجابة مقتل 4.256 شخص، وإصابة 11.774، في حين ما يزال 67 شخصاً في عداد المفقودين. كما أحصى التقرير الأضرار التي لحقت بالمنشآت والبنى التحتية على النحو الآتي: تضرّرت 433 منشأة تعليمية (مدرسة)، و73 منشأة قطاع صحي، و83 دار عبادة، و94 منشأة عامة أخرى، ولحقت أضرار ضمن المخيمات بـ 136 وحدة سكنية. أما عدد المباني المهدمة بشكل فوري أثناء الزلزال، فوصل إلى 2.171، في حين أن عدد المباني غير الآمنة للعودة وغير القابلة للترميم 5.344، وعدد المباني التي تحتاج إلى تدعيم لتصبح أمنةً للعودة 14.844، وعدد المباني الآمنة والتي تحتاج إلى صيانة 23.738، وعدد المباني الآيلة للسقوط التي تم هدمها بعد الزلزال 214 مبنىً.
«المدارس في مدينة جنديرس بمنطقة عفرين شمال غرب سوريا تأثرت بشدة نتيجة الزلزال، وبحسب أرقام المجلس المحلي، فقد تضررت 24 مدرسة من أصل 45 مدرسة يدرس فيها 40 ألف طالب في البلدة، في حين تم تخصيص المدارس لإيواء المتضررين، أما المدارس التي تأثرت بالهزات وآيلة للسقوط، تم إغلاقها للمحافظة على سلامة الطلاب».
المجلس المحلي بجنديرس
وبلغت الخسائر الاقتصادية التي وثّقها منسقو الاستجابة قرابة 2 مليار دولار أميركي، كما فقدت أكثر من 13.643 عائلة مصدر دخلها نتيجة الزلزال، وبلغ عدد الشاحنات والقوافل الإغاثية التي دخلت عبر المعابر الحدودية 3.452 شاحنة، تشكّل نسبة المساعدات الأممية منها 36.04 بالمئة، أي ما يعادل 1.244 شاحنة. أما نسبة الاستجابة الإنسانية، فلم تتجاوز 39.87 بالمئة لكافة القطاعات الإنسانية، واقتصرت نسبة الاستجابة الإنسانية للمتضررين عند حدود 24.56 بالمئة.
في مناطق سيطرة النظام السوري، قالت وزارة الصحة في آخر تحديثٍ لها إن عدد ضحايا الزلزال في حلب وحماة واللاذقية وصل إلى 1414 ضحية، ولكن يصعب العثور على تفاصيل واضحة ومحدّثة للخسائر بشكلٍ تفصيلي بسبب عدم ورود تحديثات رسمية، بخلاف المناطق الخارجة عن سيطرة النظام، والتي عملت أكثر من جهة مدنية على إحصاء الخسائر فيها.
أما بالنسبة لأعداد الضحايا السوريين داخل الأراضي التركية التي ضربها الزلزال، فقد وثقت الشبكة السورية لحقوق الإنسان 6319 ضحية، في حين قال وزير الداخلية التركي سليمان صويلو في مؤتمرٍ صحفي إن عددهم تجاوز 4000 ضحية، دون أن يذكر تفاصيل إضافية عن التوزّع الجغرافي للضحايا والعدد الإجمالي للجثامين التي تم نقلها إلى الأراضي السورية.
«بلغ عدد المدارس المتضررة من جراء الزلزال 248 مدرسة في محافظات طرطوس وحلب واللاذقية وحماة وريف إدلب، بموجب عمل اللجان الهندسية التي قامت برصد الأضرار».
دارم طباع، وزير التربية في حكومة النظام
تقديرات اقتصادية من البنك الدولي
قدّر البنك الدولي الأضرار الناجمة عن الزلزال في سوريا عند 3.7 مليار دولار أميركي، في حين بلغت الخسائر نحو 1.5 مليار دولار أميركي، ليبلغ إجمالي قيمة الأضرار والخسائر 5.2 مليار دولار. وتُمثِّل الخسائر انخفاضَ الإنتاج في القطاعات الإنتاجية وتقلّص الإيرادات وارتفاع تكاليف التشغيل في مجال تقديم الخدمات. ويتصدّر قطاع الإسكان قائمة القطاعات المتضررة بنسبة 24 بالمئة من إجمالي الأضرار، يليه قطاعات النقل والبيئة نتيجة التكلفة المرتبطة برفع الأنقاض، وأخيراً قطاع الزراعة الذي تكبَّد أضراراً مرتفعة بسبب نقص إمدادات المواد الغذائية بمقدار 1.3 مليار دولار أميركي (83 بالمئة من إجمالي الخسائر). بدورها، ووفقاً لتقديرات البنك الدولي، تعرّضت محافظة حلب لأكبر قدرٍ من الأضرار (44 بالمئة من إجمالي الأضرار، أغلبها في قطاع الإسكان ثم الزراعة)، تلتها محافظة إدلب (21 بالمئة). وجاءت مدينة حلب أيضاً على رأس قائمة المدن الأشد تضرراً، إذ بلغ نصيبها نحو 60 بالمئة من مجموع الأضرار، تلتها اللاذقية (12 بالمئة)، وإعزاز (10 بالمئة).
وأشار البنك الدولي في تقريره إلى أنه من المتوقع أن يزداد انكماش إجمالي الناتج المحلي الحقيقي لسوريا بمقدار 2.3 نقطة مئوية في العام 2023 بسبب الزلزال، وذلك بالإضافة إلى انكماشٍ سبق توقُّعه وقدره 3.2 بالمئة للعام 2023، وذلك بحسب المرصد الاقتصادي لسوريا – شتاء 2022/2023. ويعود الانكماش الإضافي في الدرجة الأولى إلى تدمير رأس المال المادي وتعطّل النشاط التجاري، ومن المتوقع أن يزداد معدل التضخم بنسبةٍ عالية، والسبب الرئيسي في ذلك هو النقص في السلع المتوفرة وزيادة تكاليف النقل وارتفاع الطلب الكلي على مواد إعادة البناء.
مؤتمر دول مانحة في بروكسل وصندوق وطني للزلزال
استضافت العاصمة البلجيكية بروكسل، يوم الإثنين 20 آذار (مارس) 2023، مؤتمراً استثنائياً للدول المانحة من أجل دعم تركيا وسوريا بعد زلزال السادس من شباط (فبراير). وانعقد المؤتمر برعاية رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين، ورئيس وزراء السويد أولف كريسترسون الذي تشغل بلاده رئاسة الدورة الحالية للاتحاد الأوروبي. وفي نهاية المؤتمر الذي استمر ليوم واحد فقط، تعهّد المانحون الدوليون من أكثر من 60 دولة فضلاً عن هيئات أوروبية ومنظمات أممية، بتقديم قرابة 7 مليارات يورو لمساعدة سكان تركيا وسوريا المتضررين، بواقع أكثر من 6 مليارات يورو كمِنَح وقروض لتركيا، و950 مليون يورو كمِنَح حرص معظم المشاركين في المؤتمر على القول إنها لـ«الشعب السوري». وكانت المفوضية الأوروبية أكبرَ المانحين من خلال تعهدها بتقديم مليار يورو لمساعدة تركيا في إعادة الإعمار، و108 ملايين يورو (قرابة 115 مليون دولار) كمساعدات إنسانية لسوريا. وتمثل المنح المقدمة من المفوضية الأوروبية والدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي وبنك الاستثمار الأوروبي والبنك الأوروبي للإنشاء والتعمير، أكثر من 50 بالمئة من إجمالي التعهدات بالمنح، بقيمة 3.6 مليار يورو.
بدوره، أصدر رئيس النظام السوري بشار الأسد في الأول من شهر أيار (مايو) الجاري، مرسوماً تشريعياً يقضي بإحداث «صندوق وطني» لدعم المتضررين من الزلزال بغية «إدارة وتنظيم الموارد والتبرعات المالية». وستتولّى لجان الإغاثة في المحافظات المنكوبة، بموجب المرسوم، تطبيق إجراءات الدعم المالي للأفراد المتضررين وفق ما يحدده الصندوق، الذي سيفتح حساباتٍ جارية في المصارف لتلقي المنح والإعانات والهبات والوصايا والتبرعات والمساهمات المالية ذات الطابع المحلي والدولي. وأتت خطوة الإعلان عن الصندوق -في الغالب- للاستفادة من كونه مُعفىً من العقوبات الغربية، وليكون وسيلةً لإدخال الأموال إلى خزينة النظام السوري من قبل الدول التي دشّنت مسار التقارب السياسي معه بعد الزلزال.
«لقد سعى آلاف السوريين والسوريات في الداخل والشتات لمدّ يد العون لمواطنيهم ومواطناتهم في المناطق المنكوبة، فأثبتوا أنه، رغم كل شيء، ما زالت هناك طاقةٌ كبرى للعمل من أجل تلبية احتياجات أهل البلد وصون كرامتهم. على هذه الطاقة الآن أن تتجاوز منطق الفزعة الذي تتوقّف فيه حياة كثيرين أياماً وأسابيع عديدة لتلبية الطارئ قبل أن يعودوا لمشاغلهم، وصولاً إلى إنشاء استراتيجيةٍ طويلة الأمد وموثوقة للتعاضد الاجتماعي التكافلي، يموّلها القادرون والقادرات بجزءٍ صغيرٍ من دخلهم ووقتهم. الشتات السوري، بشكلٍ خاص، مدعوٌ لإطلاق عملية تفكير وتخطيط بهذا الصدد».
على التعاضد السوري-السوري أن يذهب أبعد من «الفزعة»، مجموعة الجمهورية
دبلوماسية الزلزال
بعد الزلزال، لم تنتظر الدبلوماسية العربية سوى أيامٍ قليلة لتبدأ جولاتٌ وزياراتٌ عربية رسمية إلى دمشق. وكان رئيس النظام بشار الأسد قد تلقّى في الأيام الأولى التي تلت الزلزال مكالماتٍ هاتفية من الرئيس المصري والملك الأردني وسلطان عمان وملك البحرين. وفي الثاني عشر من شباط، بعد مرور ستة أيام على الزلزال المدمر، وصل وزير خارجية الإمارات عبد الله بن زايد إلى دمشق ليلتقي الأسد للمرة الثانية منذ بداية العام. كما وصل وزير خارجية الأردن أيمن الصفدي في الخامس عشر من شباط ضمن جولةٍ شملت سوريا وتركيا للوقوف على الأوضاع الإنسانية في البلدين كما جاء في بيان الخارجية الأردنية.
لكنّ الاتصالات على مستوى الرؤساء واللقاءات الدبلوماسية التي كانت تتحدث عن التعامل مع آثار الكارثة التي ضربت البلاد، سرعان ما بدأت بالتحول إلى نقاشٍ حول المسار السياسي والتطبيع مع النظام السوري، والذي بدأ رسمياً من خلال الزيارة التي قام بها بشار الأسد إلى العاصمة العمانية مسقط في العشرين من شباط (فبراير). وبعد عودة الأسد إلى دمشق، استقبل وفوداً من ممثلي البرلمانات العربية بعد اجتماعاتٍ عقدوها في لبنان، كما استقبل وزير خارجية مصر سامح شكري قبل نهاية شباط.
وفيما اعتُبرت الزيارة الرسمية التي قام بها بشار الأسد وزوجته أسماء إلى دولة الإمارات خطوةً أكبر في مسار التطبيع العربي مع النظام السوري، كان لزيارة فيصل بن فرحان وزير الخارجية السعودي وقعاً خاصاً بعد قطيعةٍ سعوديةٍ مع دمشق دامت أكثر من عقد. وبدأت الرياض بعدها جهوداً علنية لتشجيع الدول العربية على إعادة العلاقات مع النظام والموافقة على استعادته لمقعد سوريا في جامعة الدول العربية.
بموازاة ذلك، قامت الدول العربية بإرسال طائراتٍ تحمل مساعداتٍ إنسانية إلى مناطق النظام، فقد وصلت الطائرات الجزائرية والمصرية في السابع من شهر شباط، وأرسلت السعودية أول طائرة مساعدات في العاشر من الشهر ذاته، في حين استقبلت مطارات دمشق وحلب طائرات المساعدات الإماراتية بدءاً من يوم العاشر من شباط. واعتُبرت هذه المساعدات كسراً لحاجز القطيعة وفاتحةً لعودة العلاقات والحوار بين الدول العربية والنظام السوري.
ورغم التسارع الكبير في مسار التطبيع مع النظام السوري، لم تحمل الدول العربية خطةً واضحةً متفقاً عليها للمسار السياسي، وهو ما انعكس تخبطاً ضمن مجموعة الدول العربية التي أبدت تحفظاتٍ على إعطاء بشار الأسد هدايا مجانية دون تقديم تعهدات مُلزمة في عددٍ من القضايا، مما أدى إلى تشكيل. مجموعةٍ مصغرةٍ التقت وزير خارجية النظام السوري في عمّان وخرجت بما يشبه خارطة طريق لمتطلبات إعادة العلاقات مع النظام السوري.
بخلاف ما بدت في الأيام الأولى، لم تعد التحركات الدبلوماسية العربية بعد فترةٍ قصيرةٍ معنيةً بالزلزال الذي ضرب سوريا، وبقي الاسم دبلوماسية الزلزال، لكنّ ما استمرّ حقاً كان دبلوماسية التطبيع المجانية مع النظام السوري.
جدول زمني لأبرز محطات الدبلوماسية الزلزالية العربية
الحدث | التاريخ |
اتصال هاتفي من الملك الأردني اتصال من رئيسي مصر والجزائر اتصال من سلطان عمان اتصال من ملك البحرين |
7 شباط |
اتصالات تعزية من رئيس العراق والرئيس الفلسطيني والرئيس التونسي | 8 شباط |
رسائل تعزية من رئيس دولة الإمارات ورئيس المجلس السيادي السوداني | 9 شباط |
زيارة وزير الخارجية الإماراتي مكالمة من الرئيس الموريتاني |
12 شباط |
زيارة وزير خارجية الأردن | 15 شباط |
زيارة رئيس ميليشيا الحشد الشعبي العراقي | 16 شباط |
زيارة لجنة الأخوة والصداقة البرلمانية اللبنانية السورية | 19 شباط |
وصول بشار الأسد في زيارة رسمية إلى سلطنة عمان | 20 شباط |
وصول وفود برلمانية عربية إلى دمشق | 26 شباط |
زيارة وزير الخارجية المصري إلى دمشق | 27 شباط |
زيارة بشار وأسماء الأسد إلى الإمارات | 19 آذار |
اتصال مع الرئيس الجزائري | 3 نيسان |
بشار الأسد يستقبل وزير الخارجية السعودي في دمشق | 18 نيسان |
أضرار في الصحة النفسية
فرضت الصدمات النفسية التي خلّفها الزلزال الذي ضرب تركيا وسوريا نفسها على المشهد، إذ حذّر الاتحاد الدولي لجمعيات الصليب والهلال الأحمر FRC من الحاجة الملحة إلى استجابة مستدامة الأجل للصحة والصحة النفسية والاحتياجات النفسية والاجتماعية بهدف منع «كارثة ثانية». وبحسب منظمة أطباء بلا حدود: «يعيش الناجون في حالة حذرٍ شديد ويواجهون صعوبةً في التركيز والنوم. يرى البعض كوابيساً كل ليلة، وأمسوا كثيري النسيان، كما فقدوا شهيتهم. ما انفكت الهزات الارتدادية تحدث كل يوم، فاستحضر الناس التجارب السابقة ويعتقدون أن كارثة أخرى تلوح في الأفق». وتشير التقديرات إلى أن أكثر من مليون شخص في شمال غرب سوريا يحتاجون إلى دعم عقلي ونفسي اجتماعي، ولا يتوفر حاليا سوى 24 اختصاصيا نفسياً.
«لم تكن المستشفيات والمراكز الصحية شمال غربي سوريا قبل حدوث الزلزال تمتلك القدرة على التعامل مع عدد السكان الموجودين أصلاً؛ سكاناً ونازحين من باقي المناطق السورية. وكان المقتدرون من المرضى السوريين يسافرون ويعبرون الحدود مع تركيا للاستشفاء، أو يعتمدون خدمة صحية محدودة من المنظمات غير الحكومية التي أصبحت محدودة العمل في شمال سوريا خلال السنوات الثلاث السابقة. وليس وضع المستشفيات في مناطق سيطرة النظام السوري بحالٍ أفضل، إذ يعتمد غالبية السوريين على القطاع الطبي الخاص والأهلي، وعلى حوالات خارجية من الأقارب ودعمٍ من المنظمات الدينية والخيرية لتغطية نفقات الطبابة الخاصة والحاجات الدوائية المتزايدة».
تحت أنقاض الصحة العامة في سوريا، خلود السابا
أوضاع قانونية وإنسانية قلقة للاجئين السوريين في تركيا
قال تقريرٌ نشره موقع ويلسون الأميركي إنّ الزلزال أدّى بشكلٍ خاص إلى تعقيد حياة اللاجئين السوريين المحفوفة بالمخاطر بالفعل، وأضاف الموقع أن اللاجئين السوريين في مقاطعة هاتاي في تركيا يعانون شبه انعدام في المساعدات الحكومية، وكذلك المساعدات الصحية. وعقب الزلازل، قالت الحكومة التركية في 15 شباط (فبراير) الماضي «إنّ السوريين ممن لديهم تصاريح إقامة ويعيشون في المحافظات الأكثر تضرراً من الكارثة، يمكنهم العودة إلى بلادهم والبقاء فيها لمدة لا تقل عن ثلاثة أشهر ولا تزيد عن ستة أشهر». وحذّرت السلطات التركية أنه في حالة عدم الالتزام بهذه الآجال الزمنية فإنها ستُلغي تصاريح إقامة المخالفين، وهو ما بدا محاولةً للدفع بأكبر قدر من اللاجئين السوريين المتضريين من الزلزال إلى خارج الحدود التركية والتنصّل من أي واجبٍ تجاههم.
«غياب الدعم الرسمي والتمييز والمعاملة العنصرية دفعت الآلاف من العائلات السورية المنكوبة للعودة إلى سوريا. بعد الزلزال أكدت الرئاسة التركية عزمها تعويض كل المتضررين، بالمنازل والسيارات والأعمال الزراعية والصناعية والخدمية، وذلك خلال ثلاثين يوماً من تقدير الأضرار، في حين لم يصدر تصريحٌ من أي جهةٍ حول استجابةٍ مماثلة تخص السوريين المتضررين، ولا استجابة تحميهم من موجة العنصرية المتصاعدة والاعتداءات المتكررة التي يتعرضون لها».
السوري لورا، هيڤين جقلي
يقول فضل عبد الغني، مدير الشبكة السورية لحقوق الإنسان في حديث لقناة DW الألمانية، إنه «يتفهّم قرار بعض السوريين في العودة إلى بلادهم بعد كارثة الزلزال، ولكن يساوره القلق حيال وعود الحكومة التركية بالسماح لهم بالعودة مجددا إلى تركيا». وأضاف عبد الغني أنّ «معظم هؤلاء يمتلكون تصاريح إقامة، والبعض منهم يحمل الجنسية التركية، لكن يُخشى أن ترى السلطات التركية في خروجهم من تركيا فرصة، وألا تسمح لهم بالعودة مرةً أخرى بسهولة».
تقصير أممي ودعوات للمحاسبة
اعترفت الأمم المتحدة بالتقصير الذي ارتكتبته خلال الأيام الثمانية الأولى بعد الزلزال في شمال غربي سوريا الخارج عن سيطرة النظام نتيجة عدم تدخّلها لإدخال المساعدات الإنسانية وأدوات البحث والإنقاذ التي كان بوسعها المساهمة في انتشال العالقين والضحايا من تحت الأنقاض. كما تعهّدت بفتح تحقيقٍ في أسباب التقصير الذي صار محط انتقادٍ من جهات حقوقية وإنسانية وصحفية سورية ودولية، ولكنها حتى الآن لم تنشر معطياتٍ جديدة عن مسار التحقيق أو نتائجه.
«ثمة ضرورةٌ لتنسيق جهود المؤسسات الحقوقية والمنظمات الإنسانية السورية الداعية لإجراء تحقيق وإطلاق مسارٍ لمحاسبة المسؤولين الأمميين الذين امتنعوا عن غوث السوريين بُعيد الزلزال، والسعي لأن تتطوّر هذه الجهود من تعبيرٍ غاضب الآن إلى حملة مستمرة وطويلة الأمد. «الموضوع معقّد»، لا شك، كما هو «معقّد» أمام كل جهود محاسبة ركّاب قطار الإفلات من العقاب في سوريا، لكن جهوداً منسّقةً لتثبيت هذه المُطالبة ورفعها بوضوح ليست فقط مفيدة لأنها محاولة محاسبة مسؤولين بعينهم امتنعوا عن أداء واجبهم، ما كلّف أخوة وأخوات لنا أرواحهم-ن؛ بل لأنها أيضاً تدخّل في الساحة العامة يُرافع عن قيمة حياة وكرامة السوريات والسوريين: إن كان الزلزال كارثةً طبيعية، فما لا يُطاق أن يكون طبيعياً هو التبخيس المتواصل لقيمة أرواح السوريات والسوريين في الأروقة الدولية، وبلا حساب ولا عقاب».
الأمم المتحدة والزلزال في سوريا: أسبوعان من «الفشل»، قاسم البصري وياسين السويحة