الجمهورية: دكتور خالد، يَعرِفكَ معظم السوريين بوصفكَ قيادياً في المعارضة السورية، كنتَ على رأس الائتلاف السوري المعارض لفترة. لكنك الآن مواطن تركي وناشط في الحياة التركية السياسية، وشاركتَ في تأسيس حزب المستقبل المنضوي اليوم في التحالف المعارض في الانتخابات التركية القادمة. قبل أن ندخل في تفاصيل الانتخابات التركية وحزب المستقبل، نودُّ أن نعرف لمحة عن تقاطع حياتك التركية مع حياتك السورية، عن كيف أصبحتَ تركياً وسورياً في آن معاً.
خالد خوجة: أنا مولود في دمشق سنة 1965 ولكني من عائلة تركية، جَدّي لِوالدتي هاجرَ إلى سوريا في نهاية الثلاثينيات، في عهد عصمت إينونو، وجَدّي لِوالدي في الأصل من مدينة سِواس، انتقل وعائلته إلى عنتاب ومنها إلى حلب، واستقرّوا في قرية كانت ضمن ولاية عنتاب اسمها الراعي الآن. فمن جانب الوالد والوالدة نحن في الأصل عائلة تركية. من جانب الوالدة كانوا يحملون الجنسية التركية، ولكن من جانب الوالد فضّلوا البقاء في سوريا وحَملوا الجنسية السورية. ولادتي ونشأتي في سوريا في دمشق، في حي المهاجرين. وأعتقد أنه سُمّي بالمهاجرين بسبب الهجرات التي استقرت في جبل قاسيون، سواء من الأرمن أو الأكراد أو الشركس أو الأتراك. ونشأتُ في طفولتي في حي ركن الدين، وفعلاً كان لديَّ أصدقاء أكراد وأصدقاء شركس وأصدقاء دروز، وآخرون من مختلف الطوائف السورية. أعتقد أنها كانت تجربة هامة بالنسبة لي، لأنها ساعدتني على معرفة التنوع الثقافي الذي تمتاز به سوريا.
اعتُقل والدي في نهاية السبعينيات، بسبب نشاطه في نقابة الأطباء أثناء فترة الحراك المدني والإسلامي وقتها، وكانت التهمة «مساعدة الإرهابيين» في حين أنه كان يساعد عوائل المعتقلين مع عدد من الأطباء. تم اعتقال الوالدة بعد ذلك، ومن ثم لحقتُ بهما أنا مرّتين في الثمانينيات. كان عمري حوالي 14-15 سنة. ضُغِطَ عليَّ للتعامل مع أجهزة المخابرات، وتم الإفراج عني بعد بضعة أشهر، ثم اعتُقلتُ مرة أخرى لفترة أطول، سنة وثلاثة شهور تقريباً، بسبب عدم التعامل مع أجهزة المخابرات. وبعد خروجي من السجن في نهاية العام 1982 أتيتُ إلى تركيا عند أقاربنا. في الأصل كنا دائماً نتردد على تركيا خاصة في الصيف، عند أقرباء الوالدة، أعمامها. ما يعني أنني منذ 1982 وحتى الآن موجودٌ في تركيا.
ما هي الأسباب التي دفعتك إلى المشاركة في تأسيس حزب المستقبل التركي. من أين بدأت فكرة الحزب وما هي قِيَمُه الأساسية؟
أولاً، كان سبب انخراطي في تأسيس حزب المستقبل هو أن الدكتور أحمد داوود أوغلو طلبَ مني أن أكون عضواً مؤسساً في هذا الحزب. وعلاقتي مع الدكتور أحمد داوود أوغلو تعود إلى العام 2007 تقريباً عندما كان مستشار رئيس الوزراء آنذاك رجب طيب أردوغان، وكان رئيسُ الجمهورية وقتها عبد الله غول. وهذه العلاقة بدأت بجهود نشطاء سوريين، منهم إياس ابن الأستاذ هيثم المالح وحمزة غضبان أخ الدكتور نجيب غضبان. وكان هناك بعضٌ من الإخوان المسلمين: الأستاذ زهير سالم والأستاذ البيانوني. كانوا يترددون على تركيا كثيراً باعتبار أن علاقة تركيا مع بشار الأسد آنذاك كانت قوية جداً، خاصة بعد إنقاذ بشار الأسد من موضوع اغتيال الحريري. كانت تركيا تعمل على إنقاذ الأسد دبلوماسياً، وتؤثر عليه قليلاً كي يتبنّى بعض الإصلاحات السياسية التي قد تُفضي إلى نظام برلماني حقيقي والعودة إلى الديمقراطية والإفراج عن المعتقلين منذ إعلان دمشق وغيرهم، والسماح لمنظمات المجتمع المدني بعملها وما إلى ذلك. كان الدكتور أحمد داوود أوغلو آنذاك يلعب دور الوسيط، وكنتُ أنا وسيطاً بين الدكتور أحمد وبين من يأتي من دمشق أو من أوروبا لبحث موضوع المعارضة السورية.
إذاً كنتَ طبيباً لكن كان لك نشاطٌ سياسيٌ نوعاً ما؟
كنتُ ناشطاً سياسياً منذ نهاية الثمانينيات، سواء ضمن مجموعة الطلاب السوريين في الجامعات التركية، أو حتى الفلسطينيين الذين كانوا يأتون إلى تركيا من فلسطين. لاحقاً، كان النشاط السياسي ضد النظام شبه محظور في تركيا في عهد العدالة والتنمية، لأن علاقة تركيا مع النظام كانت قوية. كان نشاطنا ضمن منظمات المجتمع المدني التركية التي لا تعارض حزب العدالة والتنمية تماماً ولكنها لا تتبنّى نهجه في الوقت نفسه، منها كانت منظمة المظلوم دير برئاسة آيهان بيلغان الذي شكّلَ الآن حزباً كردياً مستقلّاً، وهو أيضاً ما يزال بين المعارضة دون أن يكون تماماً ضد العدالة والتنمية، بالإضافة إلى الـ IHH المنظمة الإنسانية المعروفة ومنظمات يسارية ومنظمات حقوق إنسان داعمة لنا، حتى تلك التي على أقصى اليسار.
في اسطنبول، كُنت قد نجحتُ في الدخول إلى كلية العلوم السياسية، ودرستُ فيها سنتين إلى أن خرجَتْ والدتي من السجن في سنة 1987 على ما أذكر، وأصرَّتْ عليَّ أن أدرس الطب كوالدي وأبتعدَ عن السياسة. لكن بعد تخرجي من كلية الطب، بدأتُ بإنشاء مراكز طبية مباشرةً واستمر نشاطي العام. تعرّفتُ على شبكات منظمات المجتمع المدني التركية، وخاصة منظمات المجتمع المدني الكردية من المتعاطفين مع القضية الفلسطينية أكثر من قضايا أخرى بشكل عام. فخلقَ هذا شبكة علاقات مع شخصيات ونشطاء، وعندما جاءت شخصيات سوريّة تطلب نوعاً من الوساطة، لعبتُ دور الوسيط. لم تكن تركيا راغبة في الضغط على النظام آنذاك، إنما كانت تُقدّمُ النصائح.
إذاً تعززت علاقتك مع أحمد داوود أوغلو منذ ذلك الوقت.
تعزّزت لأنه كان يُطلب مني أن أكون الوسيط، وتعزّزت أكثر عندما بدأت الأحداث في سوريا. طبعاً ليس مع داوود أوغلو فقط، بل مع مستشارين آخرين لأردوغان، وحتى عندما ترك داوود أوغلو وظيفته كمستشار وذهب إلى الخارجية، استلم الملف هاكان فيدان رئيس جهاز الاستخبارات الوطني في تركيا حالياً، وكان قد عملَ على الملف السوري في 2009، وقال لي بشكل واضح إن النظام لا يستجيب لأي محاولة تغيير أو إصلاح. هاكان فيدان تنبَّأ بحصول فوضى في سوريا، قال لي في نهاية 2009 إن سوريا سجن مفتوح وإنه عندما يذهب إلى سوريا عن طريق البر ويتكلم مع الشعب، كافة فئات الشعب، في الأسواق والأماكن العامة، يرى الخوف في عيونهم كلما تكلَّمَ عن السياسة: «واضحٌ أن الشعب خائف ومرتبك، والحكومة لا تريد إجراء أي خطوات للإصلاح، وأعتقد أن الوضع سينفجر ولكنها مسألة وقت».
دعنا نقفز إلى لحظة الافتراق بين داوود أوغلو وأردوغان، كيف حصل هذا ولماذا؟ وكيف تبلورت فكرة تأسيس حزب جديد تحت اسم حزب المستقبل؟
المشكلة الأولى بدأت داخل الحزب الحاكم، عندما ظهرت في الإعلام قضية الفساد المعروفة الآن؛ تبييض أموال العقوبات الإيرانية في تركيا عن طريق وزراء أتراك. اعترفَ رجل أعمال إيراني هو رضا درّاب (أو زرّاب) في أميركا بدفعِ رشاوى لثلاثة وزراء ممّن ساعدوه عبر مَصْرف «هالك بنك». بدأت المشكلة عندما دعمَ داوود أوغلو، وهو رئيس وزراء وقتها، طلب المعارضة والأصوات المستقلة مُساءلة الوزراء، وحالَ أردوغان دون ذلك.
المشكلة الثانية، وأنا لازلت أتكلم عن 2015 أي أثناء رئاسة داوود أوغلو للوزراء، ارتبطت بعملية التفاوض مع الاتحاد الأوروبي لدخول تركيا إلى الاتحاد. كل دول شرق أوروبا التي انضمت إلى الاتحاد فيما بعد خضعت لإصلاحات عديدة مطلوبة أوروبياً، وعلى رأسها تحقيق الشفافية داخل تركيا في موضوع القضاء. قبول أحمد داوود أوغلو بهذه المعايير سيفتح المجال لكل من انتُهكت حقوقه داخل تركيا للذهاب إلى الاتحاد الأوروبي، واستخراج قرار من هناك يُلزم تركيا. أردوغان وقفَ ضد هذا.
المشكلة الثالثة المرتبطة بالمشكلة الثانية هي أن البلديات كانت تُخصّص الأراضي الزراعية، أو الأراضي اللي كانت في الأساس غير مخصصة للتجارة، لبعض رجال الأعمال لتحويلها فيما بعد إلى أراضٍ تجارية، وهذا كان تقريباً المصدر الأكبر للحزب الحاكم في تمويل نشاطاته الحزبية.
هذه القضايا الثلاث كانت سبب الخلاف بين داوود أوغلو وأردوغان. عندما نجح الدكتور أحمد داوود أوغلو في آخر انتخابات برلمانية واستلم رئاسة الحزب ورئاسة الوزراء، لم يبقَ أمام الرئيس أردوغان إلا تحجيم حركته داخل الحزب، فقام بإصدار قرار يُفضي إلى نزع صلاحية تعيين رؤساء الفروع في الحزب من يد رئيس الحزب، أي أنه قام بنزع صلاحيات من داوود أوغلو ووضعها في يد فئة معينة داخل الحزب للضغط عليه. استقال داوود أوغلو من الحزب نتيجة هذه الخطوة. طبعاً علي باباجان وزير الاقتصاد الأسبق كان أيضاً قد استقال، وكان الرئيس أردوغان يتهجّم أيضاً على محمد شمشك، وزير المالية الذي استلم اقتصاد تركيا بعد باباجان. استمرَّ أردوغان بالتهجّم على السياسات النقدية والسياسات الخارجية لداوود أوغلو، وتعمَّقَ فيما بعد هذا الخلاف حتى قرّرَ الدكتور أحمد داوود أوغلو إنشاء الحزب، حزب جديد يحمل المبادئ نفسها التي أُسِّسَ عليها حزب العدالة والتنمية، أي التوجهات نفسها التي أُسس عليها عام 2003، فيكون حزباً بديلاً عن حزب العدالة والتنمية ويحافظ على توجهه الديمقراطي.
فإذاً هي القيم الاجتماعية والثقافية والسياسية الكبرى لحزب العدالة والتنمية نفسها، ولكن مع حماية هذه التجربة من طغيان شخص أردوغان وتعطيله للشفافية والديمقراطية.
تماماً.
علي باباجان وزير الاقتصاد الأسبق وابن تجربة حزب العدالة والتنمية، قام بتأسيس حزب الديمقراطية والتقدم أيضاً كما هو معروف، ومن الواضح أن الحزبين يخاطبان الشريحة الاجتماعية والثقافية نفسها، وكلاهما اليوم في الطاولة السداسية. ما الذي يمنع حزب المستقبل وحزب التقدم والديمقراطية من الاندماج، بما يُحقّق قوة انتخابية وتفاوضية أكبر للجسم السياسي الناشئ؟
هذا كان طلب الدكتور أحمد داوود أوغلو قبل التأسيس. حتى أن أحد عروضه كانت أن يكون هناك حزبٌ واحد ويتسلَّمَ رئاسته باباجان نفسه، قال: «أنا أتخلى عن قيادة الحزب ولكن دعونا نبقى حزباً واحداً». لكن علي بابا جان لديه آراء مختلفة على ما أعتقد؛ كان تحت تأثير الرئيس السابق عبد الله غول، هذا أقله ما نُقِلَ لي. كان عبد الله غول يقول: «إننا سننتهج نهجاً ليبرالياً أكثر من كونه نهجاً محافظاً»، في حين أن داوود أوغلو لا يُخفي كونه رجلاً محافظاً وأنه يتبنّى قيماً محافظة.
هل يذهب عبد الله غول وعلي باباجان في اتجاه ليبرالي على الصعيد الاجتماعي أيضاً، أم على الصعيد الاقتصادي فقط؟
حتى اجتماعياً، نعم، حتى اجتماعياً. التركيز الأساس على الاقتصاد، أما لو لاحظت برنامج حزب المستقبل تجد التركيز في أغلب المجالات على القيم المحافظة في تركيا مع تبني الديمقراطية بالطبع والقيم الليبرالية، أي أنه ليس خارج القيم الليبرالية، لكنها ليست ليبرالية مطلقة. هناك خصوصيات للحالة التركية، للعائلة التركية، للمجتمع التركي كونه مجتمع مسلم في أغلبيته، دون إنكار حقوق الطوائف الأخرى والتوجهات غير النمطية. هناك أمور كثيرة لم يتكلم عنها الحزب ولم يَخُض فيها، منها مثلاً قضايا مجتمع الميم؛ المستقبل لم يَخُض فيها، لا مع ولا ضد. ولكن الحزب تفاعلَ مع قضايا البيئة والعلاقات الدولية، وهي أمورٌ تُمَوضِع تركيا بين الشرق والغرب. وكما ذكرتُ، كان توجه حزب المستقبل شبيهاً جداً بانطلاق حزب العدالة والتنمية في بداياته عام 2003.
كيف يُحضِّر حزبُ المستقبل للمعركة الانتخابية. قبل أن نتحدث عن الطاولة السداسية، الحزب صغير ومعظم الناس تقوم بإدغامه بشخص الدكتور أحمد داوود أوغلو، فهل تعتقد أنكم ستحصلون على عدد جيد من المقاعد؟ ما هي آفاق نمو الحزب في المستقبل؟
أريد أن أتوقف أولاً عند الطاولة السداسية لأنه كانت للدكتور أحمد داود أوغلو جهودٌ كبيرة في تأسيسها، وكانت له أيضاً جهودٌ في إعادة ميرال آكشنر إلى الطاولة السداسية بعد أن تركتها لفترة قصيرة. الدكتور أحمد داوود أوغلو يرى أن تركيا دخلت في حالة استقطاب قوي جداً، هناك خطاب ديني يستغل الدين من أجل السياسة، لا بل يُعمّق المذهبية بشكل لافت في تاريخ تركيا. فالدكتور أحمد يرى أنه لا يمكن إعادة تشكيل تركيا مرة أخرى سوى بتبني خطاب شامل، ليس فقط نظرياً وإنما عملياً. فها هي الطاولة السداسية تجمع اليسار مع اليمين القومي مع المحافظين، يعني أنه إن كنّا على اليمين نجد آكشنر وربما الحزب الديمقراطي، وللمحافظين هناك ثلاثة أحزاب محافظة رغم أن باباجان يرى أن توجهه أكثر ليبرالية، ونجد حزب اليسار: حزب الشعب الجمهوري. الطاولة السداسية انتهت بقبول برنامج مشترك؛ عبارة عن انعكاس لبرامج مشتركة للأحزاب الستة. هذا البرنامج المشترك بشكل عام مقبول. ليس ما يطمح إليه كل حزب، ولكنه شكّلَ قاسماً مشتركاً للأحزاب.
قبل أن نخوض في البرنامج نود أن نتوقف أكثر عند حظوظكم الانتخابية كحزب. كثيراً ما يُقال إن داوود أحمد أوغلو متنوّر، رؤيوي، ولكنه لا يملك الحضور الشعبي الذي يملكه أردوغان أو شخصيات أخرى. هل دور حزب المستقبل اليوم أن يجمع المعارضة ويكون ضمن إطار ائتلافي بدلاً من أن يتحول هو نفسه إلى حزب جماهيري؟
أعتقد أن ما يراهن عليه حزب المستقبل ليس هذه الانتخابات وإنما الانتخابات التي تليها في حال نجحت المعارضة، وهذا هو المرجّح. كلِجدار أوغلو هو الذي سيفوز في الانتخابات، هناك احتمال في الجولة الأولى، ولكن الجولة الثانية محسومة لصالحه حسب استطلاعات الرأي المحايدة، وآنذاك سيحصل تغيير ومُساءلة داخل الحزب الحاكم، والقاعدة الشعبية هي قاعدة حزب المستقبل نفسها، والدكتور داوود أوغلو مرشّح أساسي للحصول على تأييد هذه القاعدة. أي أن حزب المستقبل مرشّح أكثر من حزب الديمقراطية والتقدم لتمثيل هذه القاعدة، ولذلك فإن ما يعوّل عليه الحزب هو الانتخابات التالية.
في هذه الانتخابات، دخل 19 مرشحاً من حزب المستقبل ضمن قوائم حزب الشعب الجمهوري، و23 مرشحاً من حزب الديمقراطية والتقدم، و20 مرشحاً من حزب السعادة، أي ما مجموعه 59 مرشحاً من ثلاثة أحزاب مُحافِظة معارضة، وعلى ما أعتقد فإن 49 إلى 50 منهم دخلوا القوائم الأولى في الانتخابات.
هل يتركّز مرشّحو حزب المستقبل في مناطق جغرافية معينة؟
في قونية أكثر، وفي قيصري وبورصة وبعض مناطق اسطنبول. هناك انتشارٌ جيد، لكن لا نستطيع الحديث عن كافة مناطق تركيا.
هناك تَخوّفٌ لدى البعض في المعارضة من أن يقوم «الريف التركي المحافظ» مرة أخرى بترجيح كفة حزب العدالة والتنمية، في حين أن المعارضة لديها حضور قوي في المدن الكبرى وفي الساحل الغربي فقط. أحزابٌ معارضة ذات توجه محافظ مثل حزب المستقبل قد يكون لها دورٌ هامٌّ في اختراق المناطق المحسوبة تاريخياً على العدالة والتنمية. ما رأيك؟
طبعاً، هذا انقسام موجود ويعود إلى أيام الرئيس تورغوت أوزال ذي التوجهات المحافظة. لكن وقتها، أي في نهاية الثمانينيات، عادت وانقلبت الآية وصوتت هذه المناطق نفسها للحزب الديمقراطي الاجتماعي الشعبي بقيادة أردال إينونو. اليوم لدينا حزب حاكم يتبنى خطاباً دينياً ومذهبياً بشكل فاضح، ويشير إلى أن كلِجدار أوغلو ذو أصول علوية وكردية حتى، وقد يستلم الرئاسة. ومن المحتمل أن ينساق البعض وراء هذا الخطاب، لكن استطلاعات الرأي المحايدة تقول أنه حتى في الأرياف المُحافِظة هناك استقطابٌ حاد.
ربما يحصل حزب العدالة والتنمية على عدد مقاعد أكثر من حزب الشعب الجمهوري، لكن كتحالف، تحالف السلطة لا يحصل الآن على نسبة من الأصوات تتجاوز 44 بالمئة، في حين تتجاوز أصوات كتلة المعارضة الـ49 بالمئة، وفي بعض الأحيان تتجاوز الـ50 بالمئة. أعتقد أن تحالف الأمّة سيحصل على الأغلبية البرلمانية. لم يبقَ الآن سوى بضعة أيام على الانتخابات، ولم يَعُد لدى أردوغان كثيرٌ من الوقت ليُحاول تغيير الوضع، إلا إذا حدث شيء كبير، مثل تدخل عسكري. هذا لا نستطيع التكهن به.
حتى الآن هناك اعتقالات كبيرة، أكثر من 150 شخصاً اعتُقلوا من مؤيدي حزب الشعوب الديمقراطي أو حزب اليسار الأخضر بسبب نشاطهم في المناطق الشرقية، والشعوب الديمقراطي هو الذي سيحسم الكفّة في تلك المناطق.
عن هذا الموضوع تحديداً، القاعدة الشعبية لحزب الشعوب الديمقراطي ستصوّت لكمال كلِجدار أوغلو في الانتخابات الرئاسية، لكن وفي الوقت نفسه، يوجد اختلافات داخل الطاولة السداسية تجاه العلاقة مع الشعوب الديمقراطي، من ميرال آكشنر ذات الخطاب القومي والعدائي تجاهه، إلى باقي الأطراف التي تبدو أكثر براغماتية. هلّا تشرح لنا أكثر التجاذبات الداخلية ضمن التحالف بخصوص المسألة الكردية ومسألة الـ HDP تحديداً؟
ميرال آكشنر هي بلا شك مُحرَجة أمام الناخب القومي، فهي لا تختلف في توجهاتها عن حزب الحركة القومية المتحالِف مع السلطة. هم يتقاسمون الأفكار نفسها، حتى أن الكوادر تتحرك بين هذا الحزب وذاك. نحن إذاً نتكلّم عن يمين لا يوجد بعده سوى مُحرّم إينجه وحزب أوميت أوزداغ المتطرّف. إذاً الحزب الجيد مُحرَج أمام ناخبيه الذين يَعتبِرون تاريخياً أن حزب الشعوب الديمقراطي هو الجناح السياسي لحزب العمال الكردستاني، وأن توجيهاته تأتي من قنديل وما إلى ذلك.
قد يكون هذا صحيحاً جزئياً على فكرة، لكن بالإضافة إلى الاختلافات بين قنديل والشعوب الديمقراطي، حتى الحزب الحاكم في تركيا عندما أراد القيام بجهود لحل المسألة الكردية ذهب إلى قنديل وتحدَّثَ إلى عبدالله أوجلان. ميرال آكشنر لا تستطيع أن تقبل بشراكة مع حزب الشعوب الديمقراطي، شراكة عضوية، لذلك خطابها ضمن المقبول حالياً. في المحصّلة، حزب الشعوب الديمقراطي حزبٌ يساريٌ وضمن تحالف يجمعه مع حزب العمال التركي الذي يجمع أكثر بين اليسار والكمالية، وسويّةً، قد يكون لديهما حظوظ انتخابية جيدة في البرلمان.
في نهاية الأمر، الطاولة السداسية هي تحالفٌ انتخابي، وأهم قاسم مشترك الآن هو العودة إلى النظام الديمقراطي المُعزَّز خلال سنتين بعد الانتخابات. يعني هذا بقاء رئيس الجمهورية رئيساً بصلاحيات، ولكن صلاحياته مرهونة بموافقة البرلمان، ولرهن هذه الصلاحيات جاء الحقوقيون داخل الأحزاب المُشكِّلة للطاولة السداسية بمعادلة أن يكون لرئيس الجمهورية ستة نواب، وأن كل قرار يخرج من رئاسة الجمهورية خلال هذه الفترة يجب أن يُوقِّع عليه النواب الستة. وبعد الأزمة التي وقعت مع آكشنر وسبَّبت ابتعادها عن الطاولة لمدة يومين، ارتفع عدد هؤلاء النواب إلى سبعة بدخول رئيس بلدية أنقرة منصور ياواش ورئيس بلدية اسطنبول أكرم إمام أوغلو. الآن له سبعة نواب، كل نائب في مجال معين، ولكن القرارات الاستراتيجية لا يتفرّد بها أحد، وكلّها يجب أن يوقع عليها هؤلاء النواب. ضمن هاتين السنتين تُجهَّز الأرضية للعودة إلى النظام البرلماني.
هناك مخاوف هائلة اليوم لدى السوريين المقيمين في تركيا، سواء من حَمَلة بطاقة الحماية المؤقتة أو الإقامة السياحية أو حتى المُجنَّسين، ممّا قد يحصل لهم في حال فازت المعارضة. كيف ستتعامل المعارضة في حال فوزها في الانتخابات مع هذا الملف الشائك؟
بالنسبة لنا كحزب المستقبل، قلنا إنه لا يمكن إعادة السوريين إذا استمرت الحرب سواء بين النظام والمعارضة، أو بين أطياف المعارضة نفسها. الآن هناك جبهة النصرة والجيش الوطني، وهناك قوات سوريا الديمقراطية، وقوات النظام. إذا لم يكن هناك حلّ سياسي وانتقال ضمن القرار 2254 والقرارات الأخرى التي بُني عليها هذا القرار، وإذا لم يتم بذل جهود لإعادة الإعمار وتحقيق الاستقرار والانتقال السياسي، لا يمكن إعادة اللاجئين. كل ذلك يأتي بناءً على المعاهدة الدولية لحقوق الإنسان، وعلى المعاهدة الأوروبية لحقوق الإنسان، وعلى الدستور التركي.
لكن حتى ومع وجود هذه المعاهدات والمواد، قامت حكومة العدالة والتنمية الحالية بترحيل لاجئين سوريين بشكل تعسفي. ما الذي يمنع أن يتم ترحيل اللاجئين بطرق مُشابهة على نطاق أوسع في ظل حكومة جديدة؟
الذي يمنع تكرارَ الإجراءات التي تقوم بها الحكومة الحالية هو التوازن داخل البرلمان. النظام البرلماني يَحدُّ من صلاحيات الرئيس، ويؤكد على فصل السلطات.
أعطيكَ مثالاً؛ السوري الذي قُتل في مدينة مرسين من قبل شرطي تركي، وتم رفع قضية على الشرطي وجَرَّمته المحكمة، تدخّلت جهات وطلبت من العائلة التخلّي عن القضية وتخلّوا عنها. منظمات المجتمع المدني التركية لم تستطع القيام بأي شيء بعد ذلك، لأنهم أسقطو حقهم. هذا كله بسبب ارتباط كافة الصلاحيات حالياً بشخص. حتى داخلياً، عثمان كافالا رجل الأعمال التركي الذي برأته المحكمة الدستورية والمحكمة الأوروبية وخرج بناءً على الحكم، أعاد المدعي العام اعتقاله وحُكمَ بعد البراءة بالمؤبد بناءً على طلب من الرئيس أردوغان.
فأي قضية، سواء كانت انتهاكَ حقوق شخص سوري وهو يريد العبور إلى تركيا باستهدافه مباشرة بالرصاص، أو كما حصل في الزلزال، أو التهجير القسري من مراكز الإيواء، كلها من ضمن القضايا المرفوعة. هناك جهات تقوم برفع دعاوى، لكن القضاء لا ينظر فيها باعتبار أن البلد تُحكم بإرادة شخص يريد إيقاف هذه القضايا.
عندما يكون القضاء نزيهاً ولا يوجد جهةٌ تتدخل في القضاء، لا وزارة الداخلية ولا رئاسة الجمهورية، لا يمكن أن يتكرر هذا. تركيا لا تزال غنية بمنظمات المجتمع المدني، وأعتقد أن 20 إلى 25 بالمئة من الشعب التركي يدافع عن حقوق اللاجئين بناءً على إحصائية قامت بها إحدى منظمات المجتمع المدني التركية. هناك منظمات يسارية وأخرى محافظة تدافع عن هذه الحقوق. لذلك ما زال هناك حاضنة للسوريين وإن كانت مساحتها قد قلّت. نحن نتوّقع انهيارات في مناطق أخرى من الشرق الأوسط، بالتأكيد ستحصل موجات لجوء أُخرى. بعد أوكرانيا ربما تحصل من البلقان أيضاً موجات لجوء. فتركيا يجب أن تنظّم هذه الهجرة، حتى تتحول من هجرة غير مُنظَّمة إلى هجرة مُنظَّمة.
طبعاً ستسألني، هل يوجد ضمان؟ أكيد لا يوجد ضمان. هل هناك إمكانية أن يقول كلِجدار أوغلو، إذا حدث واستلمَ الرئاسة: «أنا سأستخدم كل صلاحيات أردوغان وأُخلُّ بالاتفاق السداسي!»؟ نعم هذا ممكن. في السياسة يوجد حسابات أكثر من كونها ضمانات، وعندها يمكن لحزب العدالة والتنمية أن يتفق مع حزب المستقبل وبقية الأحزاب لعرقلة أي قرار يسمح بالترحيل القسري. هناك نسبة تبلغ نحو 20 إلى 25 بالمئة كما قُلتْ تدافع عن حقوق الإنسان في تركيا، وهذا قد يعني أن 75 بالمئة مع التهجير، ولذلك هناك فعلاً خطر. السبب الرئيسي الذي أشعل شرارة العنصرية داخل تركيا بحسب اعتقادي هو تصريح الرئيس أردوغان عام 2018 في عزّ الأزمة الاقتصادية، وفي إطار مُساءلة الحكومة عمّا حصل عن تبديد أموال الدولة. قال: «صرفنا 40 مليار دولار على سوريا».
هناك اليوم ترحيل قسري، ليس للسوريين فقط، بل تم ترحيل أفغان أيضاً إلى سوريا. وما حدث في الزلزال مشكلة كبيرة، حتى أن توزيع الطعام على السوريين وُوجِّهَ بعداء شديد، أي أننا اليوم أمام عنصرية موصوفة، وحَلُّها لن يكون بهذه السهولة. لكن الحلّ يبدأ من خلال سن قوانين دستورية تمنع التحريض العنصري وتُجرّمه، ومن خلال سياسة عملية صرح بها كلِجدار أوغلو دون تفاصيل عندما قال:« أنا سأعيد السوريين خلال سنتين إلى سوريا»، لكن لم ينتبه كثيرون لما قاله بعد ذلك، وهو أنه سيُعيدهم ضمن خطة سلام إقليمية وعالمية، وخطة السلام هذه هي العودة من مسار أستانة إلى المسار الدولي، يعني خطة سلام دولية ضمن القرار 2254.
الحزب الحاكم منخرط منذ بداية العام الماضي في مسار تطبيعي مع نظام الأسد، وكان لدى أطراف عديدة في المعارضة التركية سابقاً تصريحات مؤيدة لعودة العلاقات مع نظام الأسد. أما مؤخراً، فيبدو أن هناك اختلافاً في نبرة المعارضة قليلاً، أقلَّه كلِجدار أوغلو. ما الذي سيحدث باعتقادك في حال استلام المعارضة، أو تحالف الأمّة، لرئاسة الجمهورية والغالبية البرلمانية؟ وماهو موقف حزب المستقبل تحديداً؟
جميع أحزاب المعارضة، باستثناء حزب المستقبل، صرّحت بأنه يجب التحدُّث مع الأسد لإنهاء مشكلة اللاجئين. الدكتور أحمد داوود أوغلو في أكثر من لقاء تَحدَّثَ عن عدم إمكانية إعادة اللاجئين بسبب استمرار وجود السبب الرئيسي للجوئهم، وهو بشار الأسد الذي ارتكبَ جرائم ضد الإنسانية. لكن كما ذكرتُ سابقاً، الأمر الذي يضمن على الأقل البقاء ضمن المسار المُتوافِق مع التوجّه الدولي هو النظام البرلماني المُعزَّز، أو وجود نواب للرئيس في القرارات الاستراتيجية، هذا بشكل أولي. من جهة أخرى، تصريحات كلِجدار أوغلو وأحزاب الطاولة السداسية هي العودة إلى موقع أقرب إلى الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة، وهذا يعني أن على تركيا أن تلتزم بالمواثيق التي وَقَّعت عليها أيضاً ضمن مسيرة الانخراط في الاتحاد الأوروبي، وكذلك الاتفاقات مع أميركا في مواضيع أخرى؛ مواضيع كثيرة جداً أهمها القضايا التي أُثيرت بعد محاولة انقلاب 2016.
أما ما أراه أنا على الصعيد العملي، فهو أن فتح قنوات بين كلِجدار أوغلو وحزب الشعوب الديمقراطي أمرٌ قد يؤثر بشكل مباشر على العلاقة بين تركيا وقوات سوريا الديمقراطية. هنا أتحدث عن سيناريوهات درسناها في الحزب، وأعتقد أن احتمال حصولها كبير جداً. أميركا منذ العام 2013 قالت إن الخيار الوحيد للحلّ السياسي هو أن تجلس المعارضة في شمال غرب سوريا مع المعارضة في شمال شرق سوريا، لتشكيل أرضية مشتركة. عندها فقط ستتدخل أميركا للضغط من أجل البدء بعملية سياسية وتفعيل القرارات الدولية. هذا لم يحصل، ومسار أستانة لم يستطِع فعل أي شيء، ولن يَنتُجَ شيءٌ أيضاً عن ما تقوم به الدول العربية الآن، وكذلك لن يَنتُجَ شيءٌ إذا بقي حزب العدالة والتنمية في السلطة واستمرّ في رفض التقارب مع قوات سوريا الديمقراطية.
أعتقد أن كلِجدار أوغلو سيفتح طريق نحو هذه العملية أكثر، طبعاً هناك شروط تركية؛ تشترط إخراج جميع العناصر المرتبطة بحزب العمال الكردستاني، لكن هذه الشروط يمكن التحدث بخصوصها مع الطرف الداعم لقوات سوريا الديمقراطية، مع الأميركيين والدول الأوروبية، ويمكن حلّها. وأعتقد أننا إن لم نستطع، أو لم تستطع تركيا تفعيل هذا الحل، فإن السيناريو الأمثل بالنسبة للأطراف السورية، المعارضة العربية في الشمال والكردية في الشمال الشرقي والنظام، هو إبقاء هذه الحالة كما هي عليها الآن. وهذا السيناريو هو الأمثل بالنسبة للدول المؤثرة، أي أنه ليس هناك مشكلة وقت بالنسبة لهذه الدول.
وما هو مصير مناطق سيطرة تركيا المباشرة، في شمالي الجزيرة السورية وفي ريف حلب الشمالي وعفرين، في حال نجاح تحالف الطاولة السداسية؟
لن يخرج أي طرف خارجي من سوريا، لا من الناحية الأمنية ولا الجيوسياسية، إذا لم يحصل انتقال سياسي واستقرار، لا يمكن. لا تركيا ولا أميركا ولا حلفاء النظام سيخرجون. أملي وطموحي أن يتم إعادة تفعيل الحَوكَمَة المدنية المحلية في أماكن سيطرة الجيش الوطني والمعارضة، وإعادة تشكيل أجسام سياسية قادرة على الحديث باسم الشارع بحيث تكون القوى المسلحة قِوى دفاع فقط.
هذا أيضاً سيكون نوعاً من أنواع الحل السياسي. يجب أن نُكوِّنَ نموذجاً، وهذا ما لم نتمكّن من القيام به، لا في المجلس الوطني ولا في الائتلاف لأسباب كثيرة. إذا لم نُنجِز نحن نموذج حوكمة مقبولاً بدايةً لدى الشعب السوري ومدعوماً منه، لا يمكن أن نأتي بحل. للأسف الشديد، ربما الآن بالنسبة لأي مواطن في عفرين، بغض النظر عن إثنيته، لا يوجد فرق بين النظام والنصرة، وبين الجيش الوطني وقسد: «مين ما أجا يجي، ما عاد تفرق بالنسبة إلو». وهذا معناه أن حالة الفوضى ستستمر. لكن إن استطعنا من خلال وجودنا في الائتلاف الحاكم في تركيا، إذا حكمَ فعلاً، أن نخرج بنموذج من داخل مناطق سوريا يُسرّع في عملية الحل، فإنني أعتقدُ أن ذلك سيكون المَخرَجَ الأمثل بالنسبة للشعب السوري.
منذ العام 2016، بات التعامل مع المعارضة السورية تعاملاً إملائياً من جانب تركيا، إملاءات تماماً، فأصبحت المعارضة فاقدة للإرادة. استمرارُ هذا النهج يُفقِدُ تركيا ورقة مهمة. لن تستطيع تركيا أن تُقنع الشارع في الداخل بأيّ حلّ إذا إذا لم يكن نابعاً من الداخل نفسه. لذلك، هذا النهج كان نهجاً فاشلاً، والدليل هو الفوران الشعبي في سوريا ضد الممارسات التي تقوم به الجهات المدعومة من تركيا.
أنا أعتقد أن كلِجدار أوغلو سيفهم عاجلاً أم أجلاً، بل ربما بعد استلامه بفترة قصيرة، أن مفتاح الحلّ في سوريا ليس بيد الروس ولا الأطراف المحلية، بل هو بيد الأميركيين، وأنه يجب الجلوس مع الولايات المتحدة قبل الكلام عن الجلوس مع بشار والتطبيع. إذا لم يكن هناك غطاء أميركي لأي تحرك داخل سوريا، فلن يكون هناك أي تقدم في الحل السوري.
هل يمكن أن نراك يوماً مرشحاً للنيابة في تركيا؟ ما هي طموحاتك السياسية الشخصية سواء في تركيا أو سوريا؟
طُلبَ مني الترشح ولكن رفضتُ لعدة أسباب، أولاً وللأسف في سوريا في الثمانينيات كانوا يقولون لنا: «أنتم أتراك شو دخلكم بسوريا». الآن، يوم دخلتُ في تشكيل المعارضة باسمي العربي، خالد خوجة، يُقال لي: «أنت سوري شو دخلك بالقضية التركية». فعلاً كانت الحملة ضدي قوية جداً وخاصة من حزب النصر بقيادة أوميت أوزداغ، وقيل إنني رجلٌ إرهابيٌ كان يقود الجيش الحر وليس المعارضة، والدكتور أحمد داوود أوغلو دافعَ عني مشكوراً. لم تؤثر بي هذه الاتهامات، ولكن في ظل هذا التوتر فضّلتُ عدم الظهور في الصفوف الأولى في الحزب، وأن يبقى دوري في السياسة التركية متعلقاً بالملف السوري. وطموحي فعلاً في المستقبل هو أن يكون لي جهودٌ ومشاركة أساسية في حلّ الموضوع السوري، وربما في قضايا الشرق الأوسط. تَوجُّهي الآن نحو الشرق الأوسط في الغالب، وقد تكلمنا في هذا كثيراً عام 2015 أنا والدكتور أحمد داوود أوغلو، واتفقنا في الرأي بشأن أن المنطقة آيلة فعلاً للانهيار، وإذا لم يتم القيام بإصلاحات جذرية تعكس إرادة الشعوب، فلن تستطيع هذه المنطقة كلها إنقاذ نفسها من الانهيار. طموحي هو أن أساعد في تَجنُّبِ هذا الانهيار.
هل تعتقد أن داوود أوغلو سيرجع وزيراً للخارجية في حال صارَ كلِجدار أوغلو رئيسَ جمهورية؟
أعتقد أنه سيكون لدى داوود أوغلو ملفٌ مهم، وربما لن يستلم إدارته بشكل شخصي، لكني أتوقع أن يكون هناك على الأقل شخصان من حزب المستقبل في ملفّات مهمّة، أي في قيادة وزارات. ربما يفتح الدكتور أحمد المجال لغيره في المرحلة القادمة.