يطفَح الإعلام اللبناني منذ بداية الأسبوع الماضي بتقارير عنصرية ضد اللاجئين السوريين في لبنان، ركّزت على أرقام مغلوطة حول أعداد اللاجئين، وعلى «الخطر الديموغرافي» الذي يشكّله السوريون عامةً في لبنان، ودورهم في أزمة العمل والتعليم، و«حجم» المساعدات الإنسانية التي تصلهم. تبعت هذه الموجةَ التحريضية موجةٌ عنصرية كيدية في مختلف مناطق لبنان، تخلّلتها اعتداءات وتضييقات على العمّال السوريين، ورافقتها مداهمات للجيش اللبناني في عدة بلدات لبيوت السوريين بقصد ترحيلهم إلى الحدود السورية. وقد استهدفت المداهمات النساء والأطفال والرجال، دون أي اعتبار لأوضاع اللاجئين والخطر الذي تشكله عودتهم إلى سوريا، والاضطهاد الذي يمكنُ أن يتعرضوا له من قبل النظام السوري. 

مع استمرار الانهيار الاقتصادي في لبنان، وتدهور الوضع المعيشي المُرافق للانهيار القياسي لقيمة العملة اللبنانية، تحْرص السلطة على بناء انتصارها على حساب اللاجئين السوريين، أكثر الفئات هشاشةً وتهميشاً في لبنان، من خلال صورة المدّرعة العسكرية التي تداهم بيوت السوريين في مختلف المناطق، في حين أنه يُفترض، من الناحية الإدارية، أن تكون مهمة التعامل مع أوضاع المقيمين غير اللبنانيين منوطة بقوى الأمن الداخلي.

بدأت المداهمات منذ منتصف شهر نيسان (أبريل) في منطقة بشامون في قضاء عاليه التابع لمحافظة جبل لبنان، وشملت بحسب شهادات اللاجئين ما يقارب 47 لاجئاً سورياً، تم ترحيلهم بشكل تعسفي إلى نقطة المصنع على الحدود السورية، ودون أي تدقيق مسبق في أوراقهم أو تحقق من طريقة دخولهم لبنان أو تسجيلهم في مفوضية الأمم المتحدة. جرت المداهمات بشكل عشوائي، دون إنذار مسبق ودون مراعاة للظروف الإنسانية والسياسية التي قد تُعرِّضُهم لخطر الموت أو الاعتقال في حال عودتهم إلى سوريا، خاصة أن النظام السوري قام باعتقال عدد من المرحّلين منذ اليوم الأول، من خلال تسيير دوريات نحو الحدود السورية اللبنانية. وفي مقابلات أجرتها الجمهورية.نت مع عائلات عدد من المُرحَّلين، تأكَّدَ تسليم بعضهم فوراً للشرطة العسكرية التابعة لجيش النظام. 

توالت المداهمات لتشمل عدة مناطق في لبنان، ورافقها تحشيد شعبي عنصري، إذ حرص كثيرون على التطوع مع الجيش لإرشاد عناصره نحو بيوت السوريين تحت مسمى «الحملة الوطنية لتحرير لبنان من الاحتلال الديموغرافي السوري» التي أعلن عنها رئيس الاتحاد العام لنقابات عمال لبنان مارون الخولي، ودعا خلالها إلى «المقاومة في وجه اللاجئين السوريين». وقد صرّح الخولي أن هدف الحملة هو إنقاذ لبنان أرضاً وشعباً وثقافة وحضارة، وأن الحملة هي دعوة لجميع اللبنانيين لمقاومة هذا «الاحتلال» الذي ساهم بتدمير الاقتصاد حسب زعمه.

تكثَّفت حملات الاعتقال والترحيل في منطقة جونية، وتحديداً حارة صخر، وكذلك في منطقة برج حمود ضمن مدينة بيروت وفي المنصورية في قضاء المتن، وشملت مخيمات اللاجئين في الشمال والبقاع حتى وقت كتابة التقرير. في البقاع تركزت بشكل أساسي في منطقة القرعون، وشَمَلت الاعتقالات ما يقارب 300 لاجئ سوري في المخيم، مع مصادرة أملاكهم الشخصية من سيارات ودراجات نارية. وكانت المداهمة عشوائية، شملت الداخلين بشكل نظامي إلى لبنان، واللاجئين المسجلين في مفوضية الأمم المتحدة، والداخلين بطريقة غير نظامية إلى لبنان. كذلك بدأت حواجز الجيش الموجودة في مداخل المدن اللبنانية، مثل حواجز مدينة صيدا ومدينة طرابلس، باعتقال السوريين أثناء حركتهم ضمن المدن اللبنانية، دون أي تأكيدات حول أعداد المعتقلين من على الحواجز العسكرية التي كانت منتشرة بشكل مسبق بين المدن اللبنانية. 

لا تزال الحملة مستمرة منذ ما يقارب عشرة أيام، وبينما كانت عشوائية تماماً في بعض المناطق، فقد ركزّت في مناطق أخرى على الداخلين بشكل غير نظامي إلى الأراضي اللبنانية، أو ما يسمونه في لبنان الدخول «خلسة». في منطقة الشويفات في قضاء عاليه، داهم الجيش منازل اللاجئين السوريين وطلب منهم تجديد أوراق الإقامة في أقرب وقت ممكن من خلال المديرية العامة للأمن العام، مع حرصهم على تسجيل جميع أسماء السوريين. 

«طارق» أحدُ المهرِّبين على الحدود السورية اللبنانية عند نقطة وادي خالد، قدّرَ في اتصال مع الجمهورية.نت أن عدد الموجودين على الحدود السورية اللبنانية يقارب 150 شخصاً، نساءً وأطفالاً ورجالاً، و«كل ساعتين تقريباً تصل سيارات شحن عسكرية لبنانية، تُسلِّم بعض اللاجئين مباشرةً إلى النظام السوري وتترك بعضهم الآخر على الحدود دون معرفة مصيرهم». كما أكد أن حالات تهريبهم من جديد نحو لبنان متوفرة بمبلغ 200 دولار، وفي حال كان الشخص مطلوباً للخدمة العسكرية قد يرتفع هذا المبلغ، وقد يتضاعف. 

وقال «طارق» في حديثه للجمهورية.نت إنه شهدَ حواراً بين دورية للأمن العسكري السوري تنشط على الحدود وبين لاجئة سورية، طلب فيها الأمن العسكري من المرأة نسيان زوجها بشكل نهائي بعد أن تم القبض عليهم من قبل الدورية. وقد أكد مواطنون سوريون في دمشق للجمهورية.نت أنهم شهدوا، خلال تواجدهم لتجديد جوازات سفرهم، إدخال ما يقارب 60 لاجئاً سورياً من لبنان إلى مقرّ الهجرة والجوازات بعد ترحيلهم من لبنان، وذلك على ما يبدو للتدقيق في أوضاعهم «القانونية» لدى إدارة الهجرة، دون وجود أي معلومات حول مصيرهم بعد ذلك الإجراء أو أسباب توقيفهم. 

وكانت المديرية العامة للأمن اللبناني قد أصدرت بتاريخ 7 تموز (يوليو) من العام الماضي 2022 بياناً لتسوية أوضاع اللاجئين السوريين الداخلين «خلسة» إلى لبنان قبل تاريخ 24 نيسان (أبريل) 2019، على أن يقدّموا إثباتاً من مخاتير الأحياء أو من خلال الولادات التي تثبت أنهم كانوا في لبنان قبل التاريخ المذكور، لأن الدولة اللبنانية لا تملك أي معلومات حول أعداد اللاجئين السوريين الداخلين بشكل غير نظامي إلى لبنان، والبيان سيبقى ساريَ المفعول حتى تاريخ 30 حزيران (يونيو) 2023.

وأعلن وزير الشؤون الاجتماعية في حكومة تصريف الأعمال اللبنانية هيكتور حجار بالأمس، بعد اجتماع وزاري خُصّص لبحث ملف اللاجئين، التأكيد على تقديم مهلة أقصاها أسبوع للمفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين لتزويد ووزارة الداخلية بالبيانات الخاصة بالنازحين بأنواعها، على أنّ تَسقط «صفة النازح» عن كل شخص يغادر الأراضي اللبنانية، مع التأكيد على التشدّد في ملاحقة السوريين الداخلين خلسة إلى لبنان ومراقبة عمالة السوريين بالتنسيق مع وزارة العمل. 

منظمات دولية ومحلية تؤكد خطورة الترحيل على حياة السوريين

أعلنت المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، في رسالة على لسان ممثل مكتبها في لبنان إيفو فرايجسن، دعمها للاجئين السوريين والمجتمع اللبناني في الظرف الاقتصادي الراهن، مع تواصل جهود توصيل الدعم إلى كافة أنحاء البلاد. كما قالت المفوضية إنها جاهزة في هذا الوقت الصعب للإجابة على الاستفسارات والمخاوف في مراكز احتجاز المهاجرين والسجون، ودعم العائلات مع نشر أرقام وإيميلات المفوضية للتواصل وتقديم المعلومات. 

نُشرت هذه الرسالة المقتضبة من المفوضية بعد ضغط «الحملة الوطنية لتحرير لبنان من الاحتلال الديموغرافي السوري»، وبعد اجتماعها الأخير مع الحكومة اللبنانية والأجهزة الأمنية، الذي اعتبرته «انتصاراً جديداً» وطلبت فيه أن تقوم المفوضية بتسليم «data» معلومات اللاجئين لوزارة الداخلية اللبنانية في مهلة أسبوع، خاصة أن لبنان لا يملك معلومات كاملة حول اللاجئين. 

وقد دعت بعض المنظمات في لبنان إلى إيقاف هذه الحملة، ومن بينها منظمة وصول (ACHR)، التي دعت في بيان لها السلطات اللبنانية إلى «احترام حقوق جميع الأفراد، بمن فيهم اللاجئون، في طلب اللجوء والحماية من العنف والاضطهاد، على النحو المنصوص عليه في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان والقانون الدولي. ويجب على السلطات اللبنانية الامتثال للالتزامات التي تتحملها الدولة بموجب القوانين والاتفاقيات الدولية ذات الصلة. ولا يجوز للحكومة اللبنانية اتخاذ أي إجراء من شأنه أن يمكّنها من تجنب الامتثال لهذه الالتزامات. يجب على الدول التي ترغب في ترحيل الأجانب أن تتحقق من عدم تعرضهم للاضطهاد في مناطقهم الأصلية ولن يتعرضوا للتعذيب أو سوء المعاملة». كما دعا البيان الأمم المتحدة بشكل خاص إلى «التحرك بسرعة لحماية حقوق اللاجئين السوريين في لبنان ووضع حد لعمليات الترحيل القسري الجماعية للاجئين السوريين من قبل السلطات اللبنانية».

كما نشرت منظمة العفو الدولية قبل أيام تقريراً دعت فيه السلطات اللبنانية إلى وقف عمليات الترحيل غير القانونية للاجئين السوريين، وسط مخاوف من أن هؤلاء الأفراد مُعرضون لخطر التعذيب أو الاضطهاد على أيدي «الحكومة السورية» لدى عودتهم. وقالت آية مجذوب، نائبة مديرة المكتب الإقليمي للشرق الأوسط وشمال إفريقيا في منظمة العفو الدولية: «من المقلق للغاية أن نرى الجيش يقرر مصير اللاجئين، من دون احترام الإجراءات القانونية الواجبة أو السماح لأولئك الذين يواجهون الترحيل بالطعن في ترحيلهم أمام المحكمة أو طلب الحماية. ولا تجوز إعادة أي لاجئ إلى مكان تتعرض فيه حياته للخطر».

وكانت منظمة العفو الدولية قد أصدرت في العام 2021 تقريراً بعنوان «أنت ذاهب إلى الموت»، وثّقت فيه الانتهاكات ضد اللاجئين السوريين العائدين إلى سوريا، وممّا جاء فيه أنه «أخضع ضباط المخابرات السورية النساء والأطفال والرجال العائدين إلى سوريا للاعتقال غير القانوني أو التعسفي، والتعذيب، وغيره من ضروب المعاملة السيئة، بما في ذلك الاغتصاب والعنف الجنسي، والإخفاء القسري». كما أكدت أنه «لا توجد في سوريا أي منطقة آمنة يمكن للاجئين العودة إليها، بما في ذلك العاصمة دمشق أو منطقة دمشق، وأن الأشخاص الذين رُحلوا عن سوريا منذ اندلاع الصراع فيها معرضون لخطر حقيقي يتمثل في تعرضهم للاضطهاد لدى عودتهم».

كما وقعت كلٌّ من الشبكة السورية لحقوق الإنسان، ومنظمة مجموعة عمل لأجل عفرين، ومجلس إيزيديي سوريا، والحركة السياسية النسوية السورية، وحزب الشعب الديمقراطي السوري، واتحاد تنسيقيات الثورة، بياناً أكدوا فيه أن «سوريا ما زالت بلداً غير آمن وغير صالح للعيش في أغلب المناطق، حتى وإنّ توقفت العمليات القتالية، لأن عودتهم قد تعرضهم للاعتقال والانتقام من قبل النظام السوري والتجنيد الإجباري للشباب منهم في حرب لا تعنيهم، بالإضافة إلى عقوبات قد تصل إلى حدّ الإعدام لمن يعتبرهم النظام فارين من الجيش، ما يعني أن هذه العودة لا تُحقّق معايير العودة الطوعية والآمنة والكريمة». وأكد الموقعون في ختام بيانهم على أن «الحل لوضع اللجوء السوري هو حل سياسي بامتياز، ولا يمكن لأي إجراء مؤقت حل هذا الإشكال، إذ يتطلب حلاً سياسياً شاملاً عبر التطبيق الكامل لقرار مجلس الأمن 2254 الذي يتطلّب تهيئة بيئة آمنة تكون البيئة المناسبة لعودة طوعيّة آمنة وكريمة للاجئين إلى أماكن سكناهم الأصلية».

يعيش اللاجئون السوريون اليوم ظروفاً هي الأصعب منذ بداية لجوئهم إلى لبنان، خاصة بعد تقييد حركتهم. أغلب السوريين لا يستطيعون ممارسة أعمالهم بشكل طبيعي، بعض العائلات فوجئت بغياب بعض أفرادها. الأطفال العائدون من المدارس كثيراً ما يُفاجؤون بترحيل عائلاتهم بعد مداهمة منازلهم أثناء غيابهم. فيما فُرض على اللاجئين السوريين إغلاقٌ كاملٌ من قبل بعض البلديات، كفعل انتقامي. انعكس هذا التقييد على غير المرحلين أيضاً، على شكل عجز في قدرتهم الحركة لتأمين متطلباتهم المعيشية، أو الحصول على المساعدات المادية والمعونات الغذائية، وذلك في سياق حملة تبدو مستمرة في حال عدم تكاتف الجهود الدولية لحماية اللاجئين السوريين في لبنان من خطر الاضطهاد والترحيل إلى سوريا.