خرجَ وزراء خارجية دول مجلس التعاون الخليجي ومصر والعراق والأردن من اجتماعاتهم في مدينة جدّة في السعودية، ببيانٍ لم يتضمن موقفاً واضحاً بخصوص الموضوع الرئيسي الذي كان سبباً في ذلك الاجتماع. إذ لم يحدد البيان الختامي رأي الحضور في استعادة النظام مقعدَ سوريا في جامعة الدول العربية. وحتى عندما زار فيصل بن فرحان، وزير الخارجية السعودي، دمشق يوم أمس، لم يتم التطرق إلى هذا الملف في التصريحات والبيانات الصادرة عن الطرف السعودي، فيما استبعد فيصل المقداد، وزير خارجية سوريا، عودة قريبة لنظامه إلى جامعة الدول العربية.
لم تكن تلك النتيجة مفاجئةً بسبب تسرب موقف عدد من الدول العربية، مثل قطر والكويت، الرافض للتطبيع مع النظام السوري، بالإضافة إلى تحفظات مصرية وأردنية تكشَّفت بعد اجتماع جدّة، وهي أمورٌ أدّت معاً إلى فشل السعودية في الوصول إلى إجماع على عودة النظام خلال القمة العربية المرتقب عقدها بعد منتصف شهر أيار (مايو) المقبل، واستمرارها في مسار التطبيع معه منفردةً.
في المقابل، اتفق الحضور في جدّة على أهمية الوصول إلى حلٍّ سلمي للصراع في سوريا عن طريق مسار سياسي يكون للدول العربية دورٌ أساسيٌ فيه. هذه النقطة بالذات هي الأهم في المحاججات التي تقف إلى جانب خطوة التطبيع مع النظام السوري.
تتلخص المحاججات بأنّ فتح القنوات مع نظام الأسد سيسمح باستعادة دورٍ للدول العربية، كانت قد فقدته مع الزمن نتيجة تراجع دعمها التدريجي للمعارضة السورية وانتصارات النظام العسكرية بدعمٍ من حلفائه في موسكو وطهران. لكن وفي نفس الوقت، لا يبدو أنّ أحداً من ساسة الدول العربية يمتلك خطّة واضحة لصناعة هذا الدور، ولا قدرةً على تحقيق أهدافه بالوصول إلى حلٍّ سياسي يعيد اللاجئين ويحقق الاستقرار في المنطقة، بما في ذلك إنهاء عمليات تهريب المخدرات التي انفجرت في السنوات الأخيرة مستهدفة دول الخليج بشكل أساسي.
وما عدا الخطة الأردنية التي جرى طرحها قبل أشهر، وحصلت على موافقة غربية، لا توجد أي اقتراحات مماثلة. فلا يبدو أنّ الرياض أو أبو ظبي اللتان تقودان اليوم عملية التطبيع مع النظام السوري تمتلكان أي طرح بديل، كما أنهما لم تقوما بدعم أو تبني المبادرة الأردنية؛ والتي تتلخص بقيام المجتمع الدولي بتخفيف الضغوط الاقتصادية والسياسية عن النظام السوري تدريجياً، مقابل اتخاذه إجراءات واضحة في عدّة ملفات، من بينها ملف المعتقلين والمسار السياسي وتهريب المخدرات. وهي مبادرة لم تحظَ حتى اللحظة بتعليق واضح من النظام السوري، ناهيك عن قبوله التعامل معها بشكلٍ جديّ.
تحتاج سوريا بالفعل إلى دور عربي يُخلّصها من استفراد ثلاثي أستانا بمصيرها كما حصل لأعوام؛ ذلك أن تراجع الدور العربي، بالإضافة إلى أسباب محلية وأخرى دولية، أودى بالبلاد نحو وضعها الكارثي الحالي. لكن بالمقابل، ستكون نتيجة ما تقوم به السعودية اليوم أسوأ بكثير من غيابها عن الساحة السورية طوال الفترة الماضية، لأنّ هذا التطبيع المجاني سيُشجع نظام الأسد على مزيد من التعنّت، ومزيد من رفض أي تنازلات تُطلب منه خلال مفاوضات الحل السياسي.
لم يكن الدور العربي في صالح حقوق السوريين أصلاً في السابق، فقد تورطت دول العربية بدعم منظمات متطرفة مثل جيش الإسلام وجبهة النصرة، كما توَّرط بعضها باتفاقات قذرة أدت إلى تهجير سكانٍ من مناطقهم كما حدث في اتفاق المدن الأربعة. كذلك شاركت تلك الدول في تصنيع مؤسسات معارضة سياسية منفصلة عن الواقع تماماً، ما أودى بها إلى الحالة التي نشاهدها اليوم من اختصارها كورقة بيد تركيا فقط.
الدور الذي تحتاجه سوريا اليوم من الدول العربية، هو دورٌ يقوم بمراجعة أخطاء تدخلها أو انسحابها طوال السنوات الاثنتي عشرة الماضية، كي لا تظل البلاد مجرّد ملفٍّ تستفرد به كل من أنقرة وطهران، وهو ما سيؤسس لحلّ على حساب السوريين بالطبع. لكنّ ما نشاهده من عودة عربية إلى التعاطي مع سوريا بالطريقة المتبعة حالياً لا يبدو أنّه سيغير من ذلك المصير، بل ربما سيحمل ضرراً أكبر على جميع الصعد؛ السياسية والإنسانية وعلى استقرار المنطقة نفسها. إعطاء الأسد جوائز مجانية سيفضي حتماً إلى استمراره في سياساته التي تسببت بمقتل مئات الآلاف وتهجير الملايين.
بإمكان العرب أن لا يفعلوا شيئاً للوصول إلى حلٍّ سياسي في سوريا، هذا ما يحصل منذ سنوات، لكن انخراطهم في أيّ حلٍّ على حساب الشعب السوري سيكون خطيئةً أكبر من ذلك بكثير.