كانت زيارة بشار الأسد إلى أبو ظبي، في 19 آذار (مارس) الماضي، أحدث المؤشرات على إعادة تأهيل الطاغية السوري على يد أقرانه الإقليميين.

لكن اللافت في تلك الزيارة كانت مرافقته لزوجته أسماء الأسد. السيدة الأولى الغامضة ظهرت بملابس بيضاء من رأسها حتى أخمص قدميها، وذلك في أول رحلة معروفة إلى الخارج منذ بداية الحرب قبل أكثر من عشر سنوات.

كان وجود أسماء إشارة إلى مسألة غير مفهومة خارج سوريا: كيف تمكنت امرأة جرى تهميشها في بداية حياتها العامة، كشابة عنيدة وزوجة شابة لديها الكثير من المثاليات الغربية البعيدة عن الواقع، من الصعود بعد ذلك لتصبح إحدى أقوى شخصيات البلاد، على رأس الأسرة الحاكمة المتوحشة.

في الأماكن العامة، تلعب أسماء الأسد دور «الأم» التي ترعى عائلات الجيش السوري والأطفال المصابين بالسرطان والناجين من زلزال 6 شباط (فبراير). ترتدي شرائط رقيقة حول شعرها، فيما ترتدي فساتين صنعتها أرامل الرجال الذين استشهدوا في حروب زوجها.

أما في السر فقد جعلت من نفسها سيدة ذات سطوة هائلة، وفقاً لمقابلات مع 18 شخصاً على دراية بعمليات النظام، بما في ذلك رؤساء شركات وعمال إغاثة ومسؤولون حكوميون سابقون. تتحكم أسماء الأسد الآن ببعض أهم روافع الاقتصاد السوري المنهك، سواءً بمعنى توجيه السياسات أو امتلاك الأسهم والأرباح، وكل ذلك يساهم في إحكام قبضة آل الأسد على البلاد الغارقة في الخراب والدم.

بشار وأسماء الأسد يزوران فتاة جريحة نجت من الزلزال الذي ضرب اللاذقية في مستشفى تشرين بدمشق © يمام الشعار / رويترز

السيدة الأولى التي اشتغلت في بنك جي بي مورجان سابقاً، تقود اليوم المجلس الاقتصادي السري التابع للقصر الجمهوري، والذي يعمل فيه معاونون وشركاء اقتصاديون مقرّبون من الزوج الرئاسي. ومن جهة أخرى ساعدتها منظماتها غير الحكومية على بناء شبكة محسوبيات واسعة لعائلة الأسد، وهي الشبكة التي تتحكم بمسارات أموال المساعدات الدولية القادمة للبلاد.

في وقت مبكر من عام 2020، «بدا واضحاً أن أسماء أصبحت حلقة مركزية من حلقات القوة الاقتصادية في سوريا»، بحسب تعبير جويل رايبورن، مبعوث الخارجية الأميركية الخاص في عهد ترامب.

يمكن العثور على بصماتها في مختلف قطاعات الاقتصاد السوري، من العقارات إلى البنوك إلى الاتصالات – وإن تكن هذه البصمات محجوبة وراء شركات وهمية ومناطق حرة وحسابات خارجية يملكها شركاء مقرّبون.

يتأرجح هذا الاقتصاد على شفا الانهيار، والذي أنهكته سنوات من النزاع، وديون داعمي النظام غير المسدَّدة، والعقوبات الغربية، والانهيار المالي في لبنان المجاور الذي كان ملجأ رجال الأعمال السوريين على الدوام.

لكن معظم ما تبقى من الاقتصاد المنهار مقسوم بين بشار وشقيقه الأصغر ماهر وزوجته أسماء. يقول رجال أعمال ومحللون سوريون إن هؤلاء الثلاثة نهشوا طبقة التجار التقليديين في سوريا وأبدعوا في اختراع أساليب جديدة للاستفادة من الحرب.

أصبح اسم أسماء تحديداً علامة على دمج قنوات الفساد المالي المتعددة وتوحيدها على يد الزوج الرئاسي ودائرته المقرّبة. وكما يقول أحد رجال الأعمال السوريين: «كل سوريا الآن بيد أسماء».

توافق محظوظ

أسماء الأخرس، 47 عاماً، ولدت ونشأت في غرب لندن. يتذكرها من عرفوها في ذلك الحين بأنها ذكية وجذابة وطموحة، ترتاح أكثر وهي تتحدث بالإنكليزية.

خطبتها من بشار عام 2000 كانت مثار دهشة، فقد كان والدها على خصومة مع النظام. «من الواضح أن أسماء كانت متعطشة للسلطة»، كما يقول رجل أعمال سوري عرفها منذ أيام لندن. «أما الآن فمن الواضح أنها لا تستطيع العيش من دونها».

بعد بداية مرتبكة في دمشق – ونزاع مع حماتها المخيفة التي سعت لحصرها في تربية الأطفال – كرّست أسماء نفسها لمبادرات غير سياسية وغير مثيرة للجدل، وذلك في مجالات السياحة والثقافة والتعليم.

عام 2007، أنشأت «الأمانة السورية للتنمية»، وهي منظمة غير حكومية ستمنحها مكانة عالية وتصبح أداة محورية للنظام خلال الحرب. في أوائل 2011، مع وصول ثورات الربيع العربي إلى سوريا، نشرت مجلة فوغ مقالاً سيئ السمعة يصفها بأنها «وردة في الصحراء»، وكان ذلك تتويجاً لحملة علاقات عامة دامت عشر سنوات بهدف ترويج صورة جذابة لبشار وأسماء في الإعلام الغربي.

أسماء الأسد تلقي كلمة خلال افتتاح المؤتمر الدولي الأول للتنمية الذي عقدته الأمانة السورية للتنمية في دمشق عام 2010 © خالد الحريري / رويترز

قبل الحرب الأهلية، كانت النخبة الدمشقية والدبلوماسيون الغربيون ينظرون إلى أسماء على أنها شخص «يمكنه إقناع بشار غير المنطقي بطريقة منطقية»، بحسب تعبير أندرو تابلر، وهو مسؤول سابق في الحكومة الأمريكية وزميل أول في السياسة العربية في معهد واشنطن. كان كثيرون يعتقدون أنها ستمارس هذه القدرة لتهدئة ردة فعل زوجها على الاحتجاجات.

لكن هذا التوقّع لم يكن في محله. خلال أسوأ فترات النزاع، اختفت أسماء من المشهد العام، بينما كان نظام زوجها يعذّب ويقتل مئات الآلاف ويهجّر الملايين من منازلهم.

بحلول 2016، مع عودة قوات الأسد للسيطرة على معظم أراضي سوريا، عادت وخرجت بكامل عنفوانها. لم يكن التوقيت صدفة: حماتها ماتت في ذلك العام. كثير من العلويين هاموا بها بسبب عملها الخيري. صراعها العلني جداً مع سرطان الثدي عام 2018 نجح في التقريب بين أفراد عائلة الأسد، وبعد فترة وجيزة سلّم بشار زوجته عدداً من الملفات الاقتصادية.

بينما كانت أسماء تتعافى، كانت البلاد تعاني من ضائقة شديدة ومتزايدة. كان الاقتصاد السوري في حالة سقوط حر. أصبح النقص الهائل في السلع الأساسية هو القاعدة، فيما كانت ميزانية الحكومة تنزف نزيفاً لتمويل الإنفاق العسكري ورواتب القطاع العام والسلع المدعومة. كان النظام أيضاً تحت وطأة دين كبير لروسيا وإيران. ثم جاء الانهيار المالي في لبنان الذي قضى على مدخرات الكثير من السوريين. وبحلول كانون الأول (ديسمبر) 2019، فقدت الليرة السورية أكثر من 95 بالمئة من قيمتها السابقة على الحرب، مما أدى لإفقار شرائح واسعة من السكان.

أجبرت هذه التعقيدات النظام على إجراءات جذرية لتعزيز قبضة بشار وأسماء شبه المطلقة على الاقتصاد، وفقاً لخبراء سوريين ورجال أعمال وأشخاص على دراية بدواخل القصر الجمهوري. حاولنا طلب تعليق مسؤولين من الحكومة السورية دون جدوى.

كان القصر الرئاسي قد شرع بالفعل في ترقية بعض المقرّبين للعمل كواجهات لبشار وأسماء ومساعدتهما على تجميع وإدارة ثروتهما الشخصية. استفاد العديد من هؤلاء المقرّبين من الحرب؛ فتاجروا بعقارات الأراضي المصادرة، أو أداروا حواجز، أو تاجروا بالنفط مع داعش والميليشيات الكردية شمال شرق سوريا.

لم تكن لدى هؤلاء المقرّبين علاقات بالنخبة التجارية الكلاسيكية التي كانت موالية لحافظ الأسد. يقول رجل أعمال سوري: «كل هذه أسماء لم يكن يعرفها أحد من قبل، ومعظمهم زعران وليسوا أبناء عائلات معروفة». معظم هؤلاء سيخضعون لعقوبات الولايات المتحدة لكونهم «متواطئين في تدمير الاقتصاد السوري».

يشير الخبير الاقتصادي جهاد يازجي أن غياب أي رابط بينهم وبين الفاعلين الاقتصاديين الكلاسيكيين يعني اعتمادهم الكامل على صلاتهم بالنظام والأجهزة الأمنية – وعلى رأس هؤلاء ماهر الأسد، شقيق بشار الأصغر الذي يقود الفرقة الرابعة الوحشية وسيئة السمعة ضمن الجيش السوري.

يقول خبراء إن هذه الصلات خلقت مصادر نهب جديدة، غالباً تحت إمرة ماهر، هي التي ساهمت بإبقاء النظام واقفاً على قدميه: الأسلحة، تهريب النفط، الكحول، ومبيعات الكبتاغون المحظور.

لكن كل ذلك ليس كافياً. وهذا ما دفع نظام الأسد عام 2019 لتنفيذ حملة «مافيوزية»، بحسب تعبير تجار وخبراء سوريين، لتحطيم نخبة رجال الأعمال – بمن فيهم الذين دعموا الأسد طوال الحرب – وهي حملة مستمرة حتى يومنا هذا.

بدأت الحملة في أيلول (سبتمبر) 2019، بعد استدعاء العشرات من رجال الأعمال إلى فندق الشيراتون في دمشق ومطالبتهم بإيداع كميات من الدولار في البنك المركزي لدعم استقرار الليرة السورية، وذلك تحت طائلة احتجازهم. وبحسب بعض الروايات، بلغت القيمة الإجمالية للودائع «مئات الملايين وأقرب إلى المليار».

الشيخة فاطمة بنت مبارك تستقبل أسماء ووفدها في قصر البحر في أبو ظبي في وقت سابق من هذا الشهر © رئاسة الجمهورية العربية السورية

زادت عمليات التشبيح والمصادرة. أحياناً كان يجري استخدام حِيَل قانونية، مثلاً إرسال محاسبي النظام إلى مقرّات الشركات، في عمليات تفتيش تبدو عشوائية، للعثور على انتهاكات قانونية يمكن استغلالها واستخراج غرامات باهظة بذريعتها. من الانتهاكات التي ذكرها محلّلون ورجال أعمال: التخلّف عن دفع ضرائب، أو التملّص من رسوم الجمارك أو أسعار الصرف المحلية أثناء الاستيراد، أو تفادي القواعد الضريبية الجديدة المطبّقة بأثر رجعي.

في كثير من الحالات، يتم احتجاز مدير الشركة وتجميد أصوله حتى تتمكن أسرته من دفع الغرامة – والتي تقارب نصف المليون غالباً.

يشرح أحد رجال الأعمال البارزين كيف أوقفه عناصر مخابرات في أحد شوارع دمشق صيف العام الماضي، وطلبوا منه بأدب مرافقتهم إلى مكتب قريب. وبعد أن بقي في زنزانة انفرادية لمدة 14 يوماً، جرى تخييره: إما دفع مبلغ ضخم بناءً على ثروته المقدَّرة، أو البقاء في السجن إلى أجل غير مسمى.

الأموال المحصَّلة بهذه الطريقة لا تدخل في الحسابات الرسمية ولا يجري تحصيل ضرائب حكومية منها، بل تذهب فوراً إلى الصناديق الخيرية أو الحسابات المصرفية التي يسيطر عليها القصر الرئاسي، والتي يقول مطّلعون إن هدفها في أغلب الأحوال دعم مقرّبي الأسد وزيادة ثروته الشخصية.

الدائرة المحيطة بأسماء

هذه المصادرة الممنهجة للأصول هي نتيجة اجتماعات المكتب المالي والاقتصادي السري التابع للقصر الرئاسي، والذي ترأسه أسماء الأسد بحسب خبراء سوريين مطّلعين.

على عكس اللجنة الاقتصادية الرسمية التابعة للحكومة، هذا المكتب غير معروف خارج بوابات القصر، وهو يقف وراء عمليات المصادرة الأكثر سرية.

من غير الواضح مدى مشاركة بشار في هذا المكتب، رغم سمعته كمدير للتفاصيل الصغيرة. يعتقد البعض أن الزوجين الرئاسيين يعملان بتنسيق وثيق فيما بينهما فيما يتعلق بالاقتصاد، وأن المسافة التي يتخذها بشار بشكل محسوب هدفها التغطية علي سمعته. لكن آخرين يرون أن المكتب السري هو مشروع أسماء الخاص، نظراً لتخصّصها السابق في المحاسبة والتمويل. يقول رجل أعمال سوري مخضرم على معرفة بعائلة الأخرس: «إنها شديدة التأثير [على زوجها]».

أشهر ضحايا الابتزاز المالي حتى الآن رامي مخلوف، ابن خال بشار، الملياردير السابق الذي كان يسيطر على أكثر من نصف الاقتصاد السوري كان يعتبر محاسب النظام، قبل أن تسلبه السلطات إمبراطوريته المترامية الأطراف عام 2019 وتجبره على تسليم أصوله الرئيسية داخل البلاد.

من هذه الأصول شركة شام القابضة، أضخم الشركات السورية، وشركة سيريَتِل، جوهرة ثروات مخلوف وأكبر شبكة اتصالات في البلاد. وهكذا أخضع الأسدان أحد أهم منافسيهم الاقتصاديين، والآن تسيطر أسماء على جمعية مخلوف الخيرية وشبكة المحسوبيات الواسعة التي أنشأتها في صفوف العلويين، الأمر الذي يزيد من نفوذها في قطاع الإغاثة الإنسانية.

الملكة إليزابيث تستقبل أسماء وبشار في قصر باكنغهام في ديسمبر (كانون الأول) 2002 © كيرستي ويغلزورث / بول / فرانس برس / غيتي

يؤكد خبراء ورجال أعمال أن الإطاحة بمخلوف كانت بتوجيه واضح من أسماء. ولم تكن هذه الإطاحة خبراً سعيداً بين كبار المسؤولين العلويين. يقول أحد الأقارب بمرارة: «لم نتحمل كل هذه الظروف لكي نضع سوريا في أيدي امرأة سنية».

منذ ذلك الحين ومخلوف يعيش رهن الإقامة الجبرية، بحسب ستة مصادر مطّلعة، على مقربة من آل الأسد الذين ما زالوا يتطلعون لمصادرة أصوله في الخارج. كان الرجل أقرب إلى خط أحمر بسبب صلاته العائلية، لكن إذلاله العلني أظهر بوضوح أنه لا أحد بمأمن من بطش النظام.

المقرّبون من عائلة الأسد موجودون في كل مكان، بما في ذلك أقارب أسماء وأحد أشقائها على الأقل، والذين يديرون عدة شركات مرتبطة بها ارتباطاً وثيقاً. يمتلك ابن خالتها مهند الدباغ حصة 30 بالمئة من نظام البطاقة الذكية، وهو برنامج حكومي للأغذية المدعومة. يقول: «اليوم من أجل إنجاز أي عمل جديد، أسماء [وجماعتها] لهم حصة».

لكن الزوجين الرئاسيين لا يظهران باسميهما الصريحين في أي وثائق. يقول إياد حميد، الباحث في البرنامج السوري للتطوير القانوني: «تذكر أنك لا تتحدث عن نظام رأسمالي عادي تجد فيه شفافية وتقارير فصلية، وأن العتمة المحيطة بأعمال النظام مقصودة».

ومع ذلك، يبدو أن المسؤولين الأميركيين بدأوا يرون أنساقاً واضحة ويستهدفون جميع المقرّبين من قلب النظام. يقول جويل رايبورن، المسؤول الأميركي السابق: «لم يكن من الصعب جمع الأدلة، فواجهاتهم التجارية بارزة جداً وكان من السهل استهدافهم».

على رأس هؤلاء يسار إبراهيم، الرجل الذي لم يكن يسمع به أحد خارج دمشق قبل أن تفرض الولايات المتحدة عقوبات عليه عام 2020، ليصبح الاسم الوحيد المهم حسب 12 من رجال الأعمال والمحللين والمطّلعين.

هو رسمياً مستشار اقتصادي للرئيس، ولكنه أيضاً عضو في المكتب السري الذي تترأسه أسماء. وهو يمتلك، بشكل غير رسمي، العديد من الشركات التي اضطر أصحابها لبيعها، وفقاً لأربعة رجال أعمال في المنطقة، ومصدرَين مطّلعَين على دواخل النظام.

يظهر اسمه على عشرات من وثائق التجارية، بعضها لشركات مسجلة في سوريا ولبنان وأخرى في جزر كايمان في البحر الكاريبي. من هذه الشركات شركات اتصالات وسياحة وإنشاءات وعقارات وأمن خاص ونفط وغير ذلك، وفقاً لكرم شعار، الزميل الأول في معهد نيو لاينز، الذي يتابع أنشطة إبراهيم.

العديد من هؤلاء المساعدين الكبار بدأوا من مكتب السيدة الأولى، بما في ذلك لينا كناية التي سبق أن ترأست مكتب أسماء وأصبحت الآن مستشارة وزارية. وبحسب ثلاثة مصادر مطلعة، كناية هي إحدى مسؤولي الارتباط في القصر فيما يتعلق بالقطاع الخاص. بعد فرض عقوبات عليها عام 2020، أشارت وزارة الخزانة الأميركية إلى أنها «تقوم بإدارة عدد من الأنشطة التجارية والشخصية نيابة عن [أسماء]».

ومن أعضاء الحلقة المقرّبة من أسماء خضر علي طاهر، مالك شركة إيماتيل، أكبر شركة تكنولوجيا وبيع هواتف في سوريا. وعضو المجلس الاقتصادي للقصر. يعتقد كثيرون أنه يدير الشركة منذ 2019 بالنيابة عن أسماء؛ كان «إيما» اسم دلع أسماء من أيام لندن.

ثقة في غير محلها

تبقى القاعدة الرئيسية لأسماء، والمصدر الرئيسي لمحسوبياتها، الأمانة السورية للتنمية، والتي يديرها فارس كلاس، كبير مساعديها سابقاً ورئيس المجلس الاقتصادي للقصر الجمهوري اليوم.

يقول محللون وخبراء في مجال العمل الإنساني أن تجربة أسماء الأسد في إدارة المنظمة قبل الحرب ساعدتها على بناء منظومة إغاثية «فاسدة بشكل ممنهج» في مختلف أنحاء البلاد، مع وضع شبكة محسوبياتها في القلب من هذه المنظومة.

«لم تكن أي من المنظمات قادرة على العمل دون الاتصال بها» منذ بداية الحرب، بحسب رجل أعمال مخضرم. وتضيف مصادر سورية وعمال إغاثة أن الفساد كان سافراً لدرجة أن أسماء كانت تستضيف في مكتبها بالقصر الرئاسي اجتماعات للتفاوض حول عقود المنظمات الدولية.

اعتادت المجموعات الإغاثية الخضوع لمطالب نظام الأسد بشكل روتيني، خوفاً من فقدان الوصول إلى بعض المناطق ونتيجة الضغوط المتعددة لإبقاء العمليات الإنسانية جارية.

ومن جهته يقيّد النظام وصول المنظمات إلى المناطق الأكثر تضرراً، ويصرف المساعدات باتجاه قاعدته الاجتماعية المفضلة، ويصرّ على تعيين أقارب المسؤولين في مجالس الإدارة. كما استهدف النظام المجموعات الإغاثية المنافسة ليسمح لأسماء بفرض سطوتها على مجال مضمون لا تنقطع عنه الأموال. ففي العام الماضي، اضطرت منظمة تشتغل في رعاية الطفولة للإغلاق بعد أن داهمت السلطات مكاتبها وألقت موظفيها في السجن، وفقاً لمصدرين سمعا بالمداهمات.

كما يطالب النظام هيئات ومجموعات الأمم المتحدة بالعمل مع جهات حكومية مثل الهلال الأحمر العربي السوري والأمانة السورية، وهما الشريكان الرئيسيان في توزيع المساعدات الدولية بعد الزلزال.

تضم شبكة الأمانة السورية 14 مؤسسة وشركة وبرنامجاً فرعياً، بما في ذلك جامعة، ومبادرة تمويل مصغر، وهيئة خاصة بالتراث الثقافي. لكن عملها في المجال الإنساني أثار الانتقادات مراراً وتكراراً. كما توفر الأمانة السورية خدمات مساعدة قانونية ودعم نفسي-اجتماعي، وتدير مراكز مجتمعية مرتبطة بالأمم المتحدة لنازحي الحرب. وقد حاولنا التواصل مع أفرادها من أجل تعليق دون جدوى.

يقول محللون إن مثل هذه الأعمال تجعل الأشخاص الذين أرهبهم وهجّرهم النظام تحت رحمة منظمة تابعة له أولاً وقد تواصل الممارسة الانتقامية ثانياً. تقول إيما بيلز، الزميلة غير المقيمة في معهد الشرق الأوسط: «معظم العقلاء يتفقون على فداحة أن تقدم جمعية خيرية تابعة لأسماء الحماية والدعم القانوني لضحايا زوجها».

يقول موقع الأمانة السورية للتنمية أنها حققت «دخلاً غير متوقع» من خلال دياري، وهي شركة إنشاءات تابعة. فازت الشركة بالعديد من مناقصات مشاريع الأمم المتحدة في السنوات الأخيرة، كما تعمل مع مؤسسة آغا خان في حلب القديمة.

في تقرير التدقيق المالي الصادر عن المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين عام 2018، يجري انتقاد «شريك» للأمم المتحدة – لم يُذكر اسمه – تعاقد مع شركة «يملكها بالكامل» لإعادة تأهيل بعض الملاجئ مقابل 400 ألف دولار تقريباً. وبحسب مصدرين، كان الشريك هو الأمانة العامة والشركة كانت دياري.

أسماء تلوّح مع أطفال معاقين خلال حفل تخرج عام 2018 لأساتذة من جامعة دمشق يعملون في المنظمة السورية للأشخاص ذوي الإعاقة © عمر صناديقي / رويترز

رداً على أسئلة وجهناها، ذكرت الأمم المتحدة أن شراكاتها مع الأمانة السورية أصبحت «محدودة للغاية»، وغالباً ما تكون ضرورية بسبب «دورها المؤسسي»، كما أن هذه الشراكات تتم مراقبتها بانتظام. «الشراكة لا تعني تفويضاً مطلقاً»، بحسب تعبير فرانشيسكو غاليتيري، والذي كان حتى آذار (مارس) من كبار المسؤولين الأممين المقيمين في دمشق.

لكن الأمم المتحدة أيضاً تدفع ملايين الدولارات – 12.3 مليون دولار في 2021، حسب تحليل كرم شعار لأحدث البيانات – مقابل أن يعيش موظفوها في فندق فور سيزنز بدمشق. نظرياً، يمتلك أغلبية أسهم الفندق رجل أعمال يدعى سامر فوز خضع لعقوبات أميركية بسبب علاقاته المالية مع النظام. لكن أربعة رجال أعمال وخبيرَين وأحد أقارب فوز ذكروا أن جزءاً على الأقل من أرباح الفندق ينتهي إلى يد أسماء.

رغم تراكم العقوبات ضد عائلتها ومساعديها، لا تبدو أسماء منزعجة. في تشرين الأول (أكتوبر) الماضي، ظهرت وهي ترتدي فستان فالنتينو موديل 2021 الذي تبلغ قيمته حوالي 4,500 دولار – ما يعادل 200 ضعف متوسط الرواتب السورية اليوم على الأقل.

ما تزال تحتفظ بجواز سفرها البريطاني. ظهرت تقارير عام 2021 تشير إلى نية بريطانيا تجريدها من جنسيتها بسبب انتهاكات حقوق الإنسان، لكن هذا لم يحدث بعد. لكنها عوقبت هي نفسها عام 2020 مع والدَيها وشقيقَيها وابنها الأكبر بتهمة مراكمة «ثروات غير مشروعة على حساب الشعب السوري». لا يزال والداها يعيشان في لندن، بينما يعيش شقيقاها في دمشق.

بعد طرد معظم المنافسين الاقتصاديين، يرى البعض أن الزوج الرئاسي الآن يجمع الأصول لمجرد استعراض القوة. يقول أحد رجال الأعمال: «هما بالتأكيد لا يحتاجان إلى كل الأموال التي يجمعونها، وأعتقد أنهم يشترون عقارات وعلامات تجارية فقط من أجل الهيبة والهيمنة، وللتأكد من أن الجميع يعرف من صاحب الكلمة الأخيرة».