يُعدُّ سهل الروج في ريف إدلب السلّة الغذائية الأهم للمحافظة، لا سيّما في ما يتعلق بإنتاج الخضار المبكّرة، ويضمّ السهل مشروع الروج الذي يُعتبر من أهم المواقع الزراعية في إدلب؛ لجودة تُربَته، ووجود مشروع ضخٍّ للمياه، وقرب المياه الجوفية منه، فضلاً عن مساحته الكبيرة وامتداده على أكثر من 50 قرية وبلدة. باتت الزراعة بالأنفاق البلاستيكية إحدى التقنيات الزراعية واسعة الانتشار، ويُركّز عليها المزارعون لزيادة عوائدهم من زراعة الأراضي وتغطية حاجة السوق من مختلف أنواع الخضروات.
يتحدّث أبو وائل، وهو مزارعٌ من أبناء قرية عدوان في سهل الروج، عن التكاليف والجدوى من زراعة الأنفاق: «أملك قطعة أرض مساحتها دونمٌ واحد، أزرعها بمحصول الكوسا بطريقة الأنفاق، ويكلّفني ذلك منذ بدء عملية الزراعة وحتى نهاية القطاف أكثر من 600 دولار أميركي، بينما يمكن أن أجني في النهاية ضعف المبلغ الذي أنفقته، ولكنّ ذلك متعلقٌ بعدة شروط؛ أهمها التبكير في القطاف لتسويق المنتج بسعر مرتفع في السوق، وقلة الأمراض التي تؤثر على كمية وجودة الإنتاج». حقق أبو وائل عائداً وصل إلى 1200 دولار أميركي من زراعة أرضه بتقنية الأنفاق البلاستيكية العام الفائت، ويعتبره مشروعاً جيداً في حال زراعة أرضٍ أكبر مساحةً من أرضه.
اقترب محصول هذا العام من النضوج، وسيبدأ قطافه بعد أيام قليلة، ويساهم تدفّق الخضار إلى الأسواق خلال هذه الفترة في انخفاض سعرها بما يعود بالنفع على المستهلك، لا سيما مع وصول سعر كيلو الكوسا حالياً إلى 25 ليرة تركية، بينما سينخفض مع تدفق الإنتاج إلى الأسواق ليصل إلى نصف هذا السعر تقريباً.
ويرى عدي، وهو تاجر خضروات في المنطقة، أن الخضروات المبكرة التي ينتجها مزارعو سهل الروج تتميز بكثرة الإنتاج وتنوعه، فضلاً عن جودتها وسرعة نضجها وقرب أماكن زراعتها من مناطق التسويق في مدن إدلب ومعرة مصرين، مما يقلل التكاليف على التجار والمستهلكين. ويشير عدي إلى أن أسعار هذه المحاصيل تبدأ بالانخفاض التدريجي ابتداءً من القطفة الأولى لمحاصيل «الباكورية»، لكنّ ذلك يحافظ على زيادة الأرباح بالنسبة للتجار، نظرا للاستغناء عن الخضروات المستوردة ذات التكاليف المرتفعة على التجار والمستهلكين.
أبو مريم، من سكان قرية صراريف بسهل الروج، يشرح مراحل الزراعة بالأنفاق: «يجهّز المزارعون الأرض والمساكب في شهر تشرين الثاني (نوفمبر)، ثم يتم تجهيز الشتول، وتبدأ الزراعة الفعلية تحت النفق لغالبية المزروعات في بداية شهر شباط (فبراير)، حتى يصلوا إلى مرحلة القطاف بعد شهرٍ ونصف من ذلك، أي في منتصف نيسان (أبريل)». ووفقاً لهذا المخطط الزمني، يسبق قطاف الخضروات المزروعة بتقنية الأنفاق موعد القطاف العادي في الأرض المُستدامة بشهر ونصف على الأقل، وهو ما يمكّن من استثمار هذه الأراضي الزراعية والاعتماد عليها للاكتفاء الذاتي من المنتجات الزراعية، إلا أن أبو مريم يشكو من ارتفاع تكاليف الزراعة بالأنفاق، لا سيّما التكاليف المتصلة باستخراج المياه الجوفية التي تعتمد عليها هذه التقنية.
ما هي زراعة الأنفاق البلاستيكية
تتميز زراعة الأنفاق بسهولة الإنشاء وبساطة التصميم، وبالتالي انخفاض التكاليف مقارنةً بالبيوت البلاستيكية الكبيرة التي تُستخدم لذات الغرض. والأنفاق البلاستيكية هي بيوت أسطوانية الشكل ذات مدخل نصف دائري على شكل قبو، تستخدم لحماية النباتات من الظروف الجوية، وأهمها انخفاض درجات الحرارة والصقيع والرياح التي تكون نشطة في شمال غرب سوريا في نهاية فصل الشتاء وبداية الربيع، في حين أنها تسمح بنفاذ أشعة الشمس، وترفع درجة الحرارة داخل النفق بمعدل 4 درجات، وهو ما يسمح بنمو الخضروات بشكلٍ جيد قبل أوانها المعتاد.
وتصلح الأنفاق البلاستيكية لزراعة الخيار والكوسا والبندورة والفاصولياء والبطيخ الأحمر والباذنجان والخس، ويتم تحميل بعض تلك المحاصيل، في مراحلها الأخيرة، بمحصول آخر أحياناً، وذلك لتحقيق الاستفادة القصوى من النفق البلاستيكي. ويستخدم المزارعون شكلاً واحداً من الأنفاق، بينما يختلف طولها تبعاً لطبيعة الأرض، وهي أقبية ذات ارتفاع منخفض يتراوح بين 50 إلى 60 سنتيمتراً. كما يتكوّن النفق البلاستيكي من هيكل مقوّس يُستخدم في إعداده سلكٌ معدني بقطر 5 ميليمتر وبطول 3 أمتار أو أكثر بحسب نوع المزروعات، وبذلك يكون عرض قاعدة النفق المزروعة قرابة مترٍ واحد.
يفرد المزارعون فوق الأقواس المعدنية بَكراتٍ من البلاستيك الشفّاف المخصّص لتلك العملية، بعرض 2 متر، ويتم تثبيت طرف منه بالتربة بشكلٍ محكم والطرف الآخر يتم تثبيته بأكياس مليئة بالتراب، وذلك تسهيلاً لفتح النفق وإغلاقه لمتابعة الزراعة أو أثناء تمديد أنابيب مياه التنقيط بداخله.
ويقول المزارع أبو عبدو، من سكان قرية الغفر بسهل الروج، إن تجهيز دونم واحد بطريقة الأنفاق يتطلّب إنفاق أكثر من 300 دولار أميركي (لا يشمل ذلك الزراعة)، وهي مقسّمة على النحو الآتي: 130 دولار لشراء بلاستيك زراعي يبلغ عمره الافتراضي سنتين، و75 دولار ثمن شراء شبكة مياه بالتنقيط، و50 دولار قيمة قضبان معدنية، وتحتاج أيضاً إلى مبلغ 50 دولار كأجور لليد العاملة والنقل ومصاريف تجهيز الأرض. أما الشتلات ومصاريف السقاية والأسمدة والأدوية، فتختلف تكْلفتها من أرض إلى أخرى.
في الثامن عشر من شهر آذار (مارس) الجاري، وصل فيضانٌ مائي إلى أجزاء من سهل الروج بعد تشكّل سيولٍ من مياه الأمطار القادمة من سفح الجبال الشرقية التي تحده، وأدى ذلك إلى خسارة المزارع أبو علي، من سكان قرية عدوان بسهل الروج، جزءاً من محصول الخس الذي زرعه في أرضه التي تبلغ مساحتها 2 دونم. وكان أبو علي قد أنفق على محصوله قرابة 600 دولار أميركي، كما جرفت مياه الأمطار عدداً من الأنابيب البلاستيكية يبلغُ طولها 300 متر. ويقدر أبو على خسارته عند 1000 دولار أميركي، بينما كان يأمل في الحصول على أرباحٍ تبلغ ضعف المصاريف. يضيف أبو علي أنه «استدان لأجل هذا الموسم أملاً بتحسين أحواله، لكنّه رتّب ديوناً على نفسه لم تكن بالحسبان».
بدوره، قدّر عبد الباسط أبو عبد الله، رئيس الجمعية الفلاحية في قرية عدوان، الأضرار التي لحقت بالقرية نتيجة تشكل السيول بقرابة 105 دونماً، مزروعة بالكوسا والفاصولياء والخس والفول والمحاصيل الشتوية كالقمح والجلبان. ويضيف أبو عبد الله بأنّ الأنفاق التي تضرّرت، حتى ولو بشكلٍ جزئي، لا أمل في إعادة استخدامها، لأنها تعرّضت للظروف الجوية الخارجية بشكلٍ مباشر أدت إلى تلفها. وعند سؤاله عن العلاقة بين فشل زراعة الأنفاق وتوافر الخضار في الأسواق، قال إن الغاية من زراعة الأنفاق البلاستيكية هي «الحصول على خضار مبكرة، وأي أضرار تلحق بالمحاصيل ستكون لها آثار مباشرة على الأسواق المحلية، وبالتالي استمرار ارتفاع الأسعار، خاصةً أن بداية القطاف يتزامن حالياً مع بدء شهر رمضان».
يشكو أبو علي من ارتفاع تكاليف الزراعة بما يشمل أسعار البذور والأدوية والأسمدة، فضلاً عن أجور الفلاحة و اليد العاملة، مشيراً إلى أن زراعة الخضروات المبكرة، فضلاً عن كونها ترفد السوق المحلية بأنواع مختلفة من الخضروات بأسعار وجَودة منافسة لمثيلتها المستوردة، فهي تؤمّن فرص عملٍ للعديد من الشبّان والفتيات العاملين-ات في محافظة إدلب التي تعاني من نسبة بطالة مرتفعة جداً. ويحتاج الدونم الواحد من الأنفاق إلى عامل-ة واحد-ة لمدة 30 يوم عمل منذ بداية تشكيل الأنفاق والزراعة ووصولاً إلى القطاف، وذلك بحسب ما أخبرنا به أبو علي.
وتشتهر منطقة سهل الروج بتنوّع محاصيلها بسبب خصوبة أراضيها وإنتاجها لمختلف أنواع الخضار والمحاصيلأبرز قرى سهل الروج: كنيسة بني عز، عدوان، البالعة، الغفر الجنوبي، محمبل، عقربات، المعزولة، حيلا، الشيخ يوسف، ملّس، عرة الشمالية، الكريز، عين الحمرا، كفرميد، بفطامون، حلول، العراقية، الحمو، النحل، أبو زبير، بسليا، كفر روحين، الشيخ علي، القنيطرة، الصحن، صراريف، جنة القرى، شاغوريت، كبته.، ويعتمد سكانها على الزراعة كمصدر دخلٍ أساسي. ويوجد في المنطقة مصدران للمياه، هما «سد البالعة» والمضخات الموجودة في منطقة «عين عري»، لكنّ هذه المياه لا تكفي كامل منطقة سهل الروج، خصوصاً أن المصادر لا تعمل بكامل طاقتها نتيجة الأعطال وخروج قسم كبير من المضخات عن الخدمة رغم إعادة تأهيل بعضها من قبل حكومة الإنقاذ التابعة لهيئة تحرير الشام بالتعاون مع منظمات محلية، مما يركّز الاعتماد في غالبية المساحات الزراعية على الزراعة البعلية.