استضافت العاصمة البلجيكية بروكسل، أمس الإثنين 20 آذار (مارس) 2023، مؤتمر الدول المانحة الاستثنائي لدعم تركيا وسوريا بعد الزلزال الذي ضرب البلدين في السادس من شباط (فبراير). وينعقد المؤتمر برعاية رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين، ورئيس وزراء السويد أولف كريسترسون الذي تشغل بلاده رئاسة الدورة الحالية للاتحاد الأوروبي.

وقد تم الإعلان عن هذا المؤتمر الاستثنائي عقب الزلزال مباشرةً، وهو مختلفٌ عن المؤتمر السنوي الذي ينظّمه الاتحاد الأوروبي في بروكسل في شهر أيار (مايو) المقبل لدعم سوريا ودول جوارها التي تستقبل لاجئين سوريين على أراضيها، والذي كان يُعاني من نقص التمويل من طرف الدول المانحة وعدم وفاء بعضها بالتعهدات المالية التي قدمتها. ورغم أن المؤتمر يقول في عنوانه إنه لدعم سوريا وتركيا، إلا إن السفيرة الفرنسية لأجل سوريا قالت في مؤتمرٍ صحفي عقدته في غازي عنتاب إن المؤتمر مخصصٌ بشكل رئيسي لدعم تركيا، بنسبة 80 بالمئة.

واعتمد المؤتمر، بحسب تصريحاتٍ سبقته، حجم الأضرار الوارد في تقديرات البنك الدولي، الذي قال إن قيمة الأضرار المادية المباشرة التي خلّفها الزلزال تصل إلى نحو 34.2 مليار دولار في تركيا لوحدها، لكنّه أشار إلى أن إجمالي تكاليف إعادة الإعمار والتعافي التي يواجهها البلد قد يصل إلى ضعفي هذا الرقم، ليعاود الإعلان في وقتٍ لاحق عن أن حجم الأضرار في تركيا يقارب 100 مليار دولار، وهو رقمٌ أشارت إليه الأمم المتحدة أيضاً. أما في سوريا، فقدّرَ خبراء البنك الدولي أضرار الزلزال المبدئية بأكثر من 5 مليارات دولار.

وقالت لويزا فينتون، رئيسة برنامج الأمم المتحدة الإنمائي في تركيا، إنّ هذا الرقم المبدئي سيُستَخدم كأساس لمؤتمر الدول المانحة من أجل جمع التمويل لمساعدة ضحايا الزلزال في تركيا وسوريا، والذي كان من المُزمع عقده في بروكسل يوم 16 آذار (مارس) الجاري. غير أن المفوضية الأوروبية أخطرت الجهات المدعوة إلى المؤتمر قبل 3 أيام من تاريخ انعقاده بالتأجيل حتى إشعارٍ آخر، ودون تقديم أسباب واضحة، مكتفيةً بالقول إن التأجيل جاء نتيجة «ظروف غير متوقعة». أخيراً، تم الإعلان عن عقده أمس الإثنين، ودون حضورٍ سوري سواء على المستوى الرسمي، أو من قبل منظمات المجتمع المدني في مناطق سيطرة نظام الأسد أو خارجها.

وتعليقاً على عدم دعوة النظام، ومنظمات قريبة منه، لحضور المؤتمر رغم الدفع في هذا الاتجاه من قبل دولٍ حليفةٍ ومقربة منه، قالت وزارة الخارجية والمغتربين التابعة له في بيانٍ أمس الإثنين: «تستهجن الجمهورية العربية السورية عقد ما يسمى ‘مؤتمر بروكسل للمانحين لدعم متضرري الزلزال في سورية وتركيا’، دون التنسيق مع الحكومة السورية الممثلة للبلد الذي حلت به هذه الكارثة، أو دعوتها للمشاركة في أعماله، لا بل إن القائمين على المؤتمر استبعدوا أيضاً مشاركة أبرز الفاعلين الإنسانيين الوطنيين من المنظمات غير الحكومية السورية».

ورغم أن الاتحاد الأوروبي ودوله الأعضاء هم المانحون الرئيسيون في المؤتمر الاستثنائي، إلا أن بياناً صادراً عن الاتحاد الأوروبي قال إن المشاركة مفتوحة أمام الدول المرشحة لعضوية الاتحاد والمرشحين المحتملين والدول الشريكة ودول الجوار ودول مجموعة العشرين -باستثناء روسيا- ودول مجلس التعاون الخليجي، وكافة المنظمات التابعة للأمم المتحدة والمنظمات الدولية ومنظمات الإغاثة الإنسانية والمؤسسات المالية.

وأمام عدم دعوة أيٍّ منها، وقّعت 56 منظمة سورية غير حكومية تعمل في شمال غربي سوريا، بالإضافة إلى 5 تحالفات وشبكات، رسالةً وجَّهتها إلى رئيسة المفوضية الأوروبية ورئيس وزراء السويد، حصلت الجمهورية على نسخةٍ منها. وأوصت الرسالة بمجموعةٍ من البنود، ننقل ترجمة أجزاء منها:

1- تُثمّن المنظمات غير الحكومية السورية المُوقِّعة على الرسالة موقف الاتحاد الأوروبي، من أن الدعم الإنساني لضحايا الزلزال يجب ألا يكون ثمنه إضفاء الشرعية، أو التطبيع مع الحكومة السورية، قبل تحقيق المساءلة عن انتهاكات القانون الدولي الإنساني والوصول إلى الحل السياسي وفقًا لقرار مجلس الأمن الدولي رقم 2254.

2- وجوب مشاركة المنظمات السورية غير الحكومية في المناقشات حول المساعدات الإنسانية والإنعاش للسكان المتضررين من الزلازل، كما يجب أن تكون المنظمات جزءاً من عملية صنع القرار بشأن برامج وآليات المساعدة، وينبغي تقديم الدعم المطلوب لها من أجل التعافي بسرعة والقدرة على الاستجابة للاحتياجات الماسّة.

3- ضمان وصول المساعدات الإنسانية بشكلٍ عادل ومستدام إلى شمال سوريا عبر جميع نقاط العبور الحدودية، وذلك من أجل الاستجابة للتبعات المتوسطة والطويلة الأجل للزلازل في شمال غرب سوريا، ولتعزيز قدرات المساعدة في كل من شمال شرق وشمال غرب البلاد.

4- على نظام المساعدات الإنسانية أن يتبّنى مقاربةً محليةً تُخصّصُ المزيد من الموارد للمنظمات غير الحكومية والمجتمعات السورية في الشمال الغربي، لزيادة قدرتها وتأثيرها في الاستجابة لحالات الطوارئ.

5- نَحثُّ الاتحاد الأوروبي والدول المانحة على ضمان توزيع المساعدات بقدرٍ كافٍ من الشفافية على المناطق الأكثر تضرراً من الزلزال، وهو ما يفشل عادةً في إطار مقاربة كامل سوريا.

6- يجب أن تُعالِجَ آلية توزيع المساعدات عواقب الزلازل، من حيث إعادة تأهيل الأضرار التي لحقت بالمرافق العامة الرئيسية، والصعوبات الاقتصادية، ودعم مقاومة المجتمعات المتضررة. يجب أن تضمن الآلية المحاسبة أمام السكان المتضررين وتنمية القدرات المحلية.

7- يجب أن تعمل آليات توزيع المساعدات في المناطق التي لا تخضع لسيطرة الدولة، مثل المناطق غير الخاضعة لسيطرة الحكومة في شمال غرب سوريا. يمكن القيام بذلك من خلال التعاون مع المنظمات الإنسانية ومنظمات المجتمع المدني السورية، بما في ذلك الهيئات الإنسانية التي تقوم بأدوار شبه حكومية لها تركيزٌ تقني.

8- دعم إنشاء آلية للعمل عبر الحدود من أجل المفقودين والأسر المفككة والأطفال غير المصحوبين من ذويهم، والعمل مع السلطات التركية لدعم الأشخاص على جانبي الحدود للكشف عن مصير أحبائهم، وضمان جمع شمل الأسر. علاوةً على ذلك، يجب ضمان جميع حقوق اللاجئين السوريين في تركيا، بما في ذلك وضعهم القانوني وحريتهم في التنقل.

نتائج المؤتمر الاستثنائي

تعهّد المانحون الدوليون في مؤتمر بروكسل، الذي شاركت في أعماله أكثر من 60 دولة فضلاً عن هيئات أوروبية ومنظمات أممية، بتقديم قرابة سبعة مليارات يورو لمساعدة سكان تركيا وسوريا المتضررين من زلزال السادس من شباط، بواقع  أكثر من 6 مليارات يورو كمِنَح وقروض لتركيا، و950 مليون يورو كمِنَح حرص معظم المشاركين في المؤتمر على القول إنها لـ «الشعب السوري». وكانت المفوضية الأوروبية أكبرَ المانحين من خلال تعهدها بتقديم مليار يورو لمساعدة تركيا في إعادة الإعمار، و108 ملايين يورو (قرابة 115 مليون دولار) كمساعدات إنسانية لسوريا. وتمثل المنح المقدمة من المفوضية الأوروبية والدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي وبنك الاستثمار الأوروبي والبنك الأوروبي للإنشاء والتعمير، أكثر من 50 بالمئة من إجمالي التعهدات بالمنح، بقيمة 3.6 مليار يورو. وفي نهاية هذا التقرير تفصيلٌ بالمبالغ التي تعهدت بها أبرز الدول المانحة في المؤتمر.

تطلعات المجتمع المدني السوري من المؤتمر

وجَّهنا في الجمهورية.نت مجموعةً من الأسئلة إلى لبنى القنواتي، نائبة المديرة التنفيذية لمنظمة النساء الآن للتنمية، بشأن مؤتمر بروكسل الاستثنائي، وأعدنا طرح الأسئلة ذاتها على رائد الصالح، مدير منظمة الدفاع المدني (الخوذ البيضاء):

ما هي الأولويات التي يجب أن يَحشد السوريون-ات لأجل تلبية تمويلها أمام مؤتمر المانحين المقبل؟

لبنى القنواتي: أهم الأولويات أن يكون هذا التمويل إضافياً ومرناً وطويل المدى، وأن لا يؤثر على حصة سوريا من التمويل المخصّص لها، خصوصاً في شمال غربي البلاد، حيث التمويل شحيحٌ أصلاً ويقلُّ عاماً بعد عام. نحشد أيضاً لأن يكون هناك مخصّصات إضافية لمعالجة الضرر المضاعف بسبب هشاشة الوضع، والإنهاك الذي تعاني منه هذه المنطقة بفعل سنوات عديدة من هجمات النظام وروسيا والمعارك التي شهدتها. كما يجب أن يَأخذ التمويل بعين الاعتبار التعافي المبكر. يخضع شمال غرب سوريا لتسييس التمويل، الذي يُستخدَم ورقةً بيد بعض الأطراف، ما يؤدي إلى حرمان المدنيين المتضررين المباشرين والمباشرات من الاستفادة، وهو ما رأيناه بوضوح بعد الزلزال من تسييس المساعدات وتأخرها، مما أثّر على حياة الناس بشكل مباشر.

من الأولويات أيضاً أن لا يمرّ تمويل شمال غربي سوريا عبر النظام السوري، فما فعلته الأمم المتحدة بعد الزلزال كان كارثياً على المنطقة، وأرى وجوب تفعيل معابر أخرى ليتم استخدامها لاستقبال المساعدات، مثل معبر اليعربية (سيمالكا)، والتنسيق مع الحكومة التركية لتأمين تعافي المنطقة، إذ إن أضرار الكارثة تنعكس على كل القطاعات. لم نُعاين حتى الآن سوى النتائج المباشرة، ولم تتضح لنا آثار الزلزال على التعليم ووصول الفتيات إلى المدارس ووصول النساء لمراكز الصحة، حتى إن الخدمات المتعلّقة بالولادات والصحة الإنجابية تضرّرت، وبالتالي ليس من الكافي الاقتصار على الدعم المخصّص، بل هناك حاجة لتقديم الدعم الإضافي.

رائد الصالح: الأولوية الأهم يجب أن تكون زيادة التمويل لمشاريع التنمية المحلية المستدامة للمجتمعات. فالاستجابة الطارئة والسلال الإغاثية لن تدوم للأبد. ما نحتاجه لتحقيق استدامة طويلة الأمد هو بناء القدرات وخلق فرص عمل إضافية، وهذا يعزّز القدرة الذاتية على تأمين الاحتياجات ويساهم بشكل فاعل وتدريجي في تخفيض الاحتياجات مستقبلاً.

هل حصلت جهود تنسيقية بين مؤسسات وهيئات سورية من أجل تنظيم قائمة مطالب موحّدة؟

لبنى القنواتي: نحن كنا جزءاً من عدة مجموعات لصياغة عدة مطالب، لكن المطالب ليست موحدة بحكم أن القطاعات والانتهاكات والآثار الناتجة لا يمكن حصرها في مجال واحد. هناك أوراقٌ تم العمل عليها حول التمييز وتسييس المساعدات، وهناك أوراقٌ أخرى عن التمييز ضد السوريين والسوريات في تركيا، وهناك أوراقٌ عن سرقة المساعدات والتمييز ضد المهمشين في شمال غربي سوريا. كل مجموعة تهتم باختصاص معين حاولت الاتفاق على مطالب باتجاه الفئة التي تخدمها، وهناك صياغة تطالب بالحرص على عدم التطبيع مع نظام الأسد، وعلى منعه من استغلال الكارثة. إلى حد الآن، يبذل المجتمع المدني جهوداً للمناصرة وحشد الجهود رغم خسارته الفادحة بسبب الكارثة.

رائد الصالح: نعم. ويوجد اجتماعات مستمرة بين المؤسسات السورية لتنسيق الجهود وتحضير قائمة احتياجات حقيقية، وتمّ تجهيز ورقة ويتم التوقيع عليها ليتم مناقشتها مع مؤتمر المانحين.

هل هناك برأيك مجال للتنسيق مع المانحين ومع الطرف التركي من أجل إفراد بند لدعم اللاجئين السوريين في تركيا؟

لبنى القنواتي: التنسيق مع الطرف التركي مهم بالنسبة للسوريين اللاجئين في تركيا، وكذلك لإدخال المساعدات إلى شمال غرب سوريا، ولكن التنسيق لا يجب أن يكون فقط لإرضائه كي لا يمسك ورقة اللاجئين السوريين في تركيا، التي يتم استخدامها مراراً وتكراراً حتى لا يعبروا من تركيا إلى أوروبا. يجب أن يكون التنسيق مُلزِماً للأتراك باتباع معايير وقوانين واضحة تحمي السوريين-ات في تركيا. في أحد الأوراق التي عملت عليها المنظمات السورية، تم التركيز على التمييز الذي حصل بحق السوريين في تركيا، وعلى مدى انتشار خطاب الكراهية وكراهية الأجانب. على الدولة التركية أن تكون مراقبةً لهذه الأمور، وأن تضبُط الأفراد والمؤسسات، فالكارثة تتطلب الرقابة من الدولة لحماية السوريين من التمييز.

رائد الصالح: من خلال النقاشات الدائرة، أعتقد سيكون هناك بندٌ لدعم السوريين المتضررين بالزلزال.

هل جرت استشارة جهات سوريّة خلال فترة التحضير للمؤتمر؟

لبنى القنواتي: لم تُستشَر جهات سورية على حد علمي، أما الجهات الدولية التي كنا نجتمع معها، فقد كنا حريصين على القول لها بوجوب تمثيلنا كمجتمع مدني في المؤتمر، وأن يكون لنا صوت، خاصةً في شمال غربي سوريا، لا سيّما مع غياب أي ممثل لهذه المنطقة. بإمكان المجتمع المدني أن يقوم بهذا الدور، وكنا نضغط من أجل ذلك، ولكنّ هذه الاجتماعات لم تُقابَل بوعود أو استجابة. فعلياً لم يكن هناك استشارات، ولكن كان هناك فعاليات جانبية تضغط من أجل تقديم توصيات للمؤتمر.

رائد الصالح: اللقاءات والاستشارات لم تتوقف وكان هناك عدة لقاءات للخوذ البيضاء مع دول، بما فيها السويد التي تنظم المؤتمر كونها رئيسة الاتحاد الأوروبي، ومع منظمات مجتمع مدني في أوروبا ومع منظمات سورية، وحدثت بعض اللقاءات مع المؤسسات السياسية وكان هناك نقاش موسّع قبل عقد المؤتمر.

كيف ترى-ين السجال حول دعوة الهلال الأحمر السوري للمشاركة في المؤتمر؟ وما هو منظورك لكيفية تمثيل المناطق الخاضعة لسيطرة النظام السوري واحتياجاتها؟

لبنى القنواتي: الهلال الأحمر السوري متوّرطٌ بجرائم حرب وفساد، وكان له يد في الكثير من الانتهاكات، كما أنه طرف غير حيادي في المشهد السوري. تمثيل المناطق الخاضعة للنظام لن يتم عبر الهلال الأحمر ولا أي جهة سورية أخرى تابعة للنظام، وأي وفد سيشارك كممثل عن النظام لن يكون مهتماً بمطالب الشعب الحقيقية، فمنذ بداية الزلزال كانت هذه الجهات تسعى للضغط باتجاه مطالب سياسية تخدم أجهزة الدولة المتورطة بجرائم ضد الشعب السوري. ربما بإمكان المنظمات الدولية العاملة في مناطق النظام نقل احتياجات الناس هناك، مثل الأمم المتحدة ومكاتبها، وبإمكانهم أن يُمنَحوا هذا التمثيل دون أن يعطُوا مساحةً لتمثيل النظام. وعلى الأقل ربما باستطاعة هذه الجهات أن تحاول الحياد، طالما أن النظام بحد ذاته منتفع منها ومن وجودها.

رائد الصالح: بعدما رأينا استجابة الهلال الأحمر السوري وغيره من المنظمات، والنظام السوري، للمناطق المنكوبة جراء الزلزال في مناطق سيطرة النظام السوري، تولّد هذا الجدل: مَن يمثل احتياجات المدنيين في المنطقة التي يسيطر عليها النظام؟ هذا الجدل مطروح، وأرى أن السوريين بحاجة لآلية شفافة لإيصال المساعدات في مناطق سيطرة النظام السوري، تضمن وصول المساعدات للمحتاجين الحقيقيين، خاصةً أن السوريين يعانون من هذه المشكلة في تلك المناطق منذ فترة طويلة.

هل هناك مطالب محددة ذات بعد جندري مرتبطة بالمتضرّرات النساء من الزلزال وتبعاته؟

لبنى القنواتي: نعم. أن تكون الاستجابة حساسةً للنوع الاجتماعي، لأن احتياجات الناس مختلفة، كما أن احتياجات النساء مختلفة عن احتياجات الأطفال وذوات الإعاقة، وحتى أن احتياجات كبيرات السن مختلفة عن احتياجات كبار السن. نحن بحاجة هذا النوع من الحساسية، وأن تكون النساء شريكات في التخطيط وفاعلات، وأن تكون المنظمات التي تقودها النساء فاعلة على صعيد التخطيط واتخاذ القرار في آليات توزيع التمويل وفي عمليات التصميم، ذلك أنهن كنّ على الصعيد المحلي في الصفوف الأولى للاستجابة. نحن أيضاً بحاجة لمرونة في التمويل بما يراعي احتياجات النساء الخاصة، والتي عادةً ما تُغفَل في عمليات الاستجابة. نحتاج أيضاً لتقديم دعم نقدي مساعِد، لأن هناك أموراً لا توضع عادةً في السلال الإغاثية بما يسمح للنساء بتدبّر أمورهنّ. نحتاج كذلك إلى برامج دعم نفسي لوقاية المستجيبات اللواتي زادت عليهن الأعباء أثناء الكارثة، ونحتاج سياسات حماية صارمة ترافق كل عمليات الاستجابة، وذلك لحماية النساء من العنف الجنسي والتحرش. ونريد أن تضم فرق الاستجابة النساءَ بما يراعي حساسية السياق وحساسية مجتمعنا، لأنه ليس دائماً بوسع السيدة أن تُخبِرَ رجلاً عن احتياجاتها.

بعد ختام المؤتمر وتقديم الدول والمؤسسات المشاركة لتعهّداتها، كيف يعلّق الدفاع المدني على المخرجات؟

رائد الصالح: يجب أن ينصبَّ التوجه الأهم للمانحين الآن على ضمان وصول المساعدات لمستحقيها، وهو ما لا يمكن أن يحدث إلا من خلال مراقبة صارمة وشفافة. وهذه الآلية يجب أن تضمن إيصال المساعدات في مناطق سيطرة النظام السوري للمحتاجين، دون أي تسييس أو استغلال لهذه المساعدات.

الأمر الثاني أنه يجب أن يكون هناك زيادة في تمويل مشاريع التنمية المحلية المستدامة للمجتمعات. خلال السنوات الماضية، كانت الاستجابة الإنسانية تركز على تلبية احتياجات الناس الأساسية للبقاء، مثل الغذاء والمأوى، وليس مساعدتهم على عيش حياة أكثر كرامة عبر بناء اقتصادات المجتمعات المحلية. إن بناء القدرات وخلق فرص عمل إضافية أمرٌ مهمٌّ لتحقيق الاستدامة في التعافي، وهذا يساعد على القدرة الذاتية في تأمين الاحتياجات ويساهم بشكل فاعل وتدريجي في تخفيض الاحتياجات مستقبلاً.

نقاشات المجتمع المدني السوري قبيل مؤتمر بروكسل الاستثنائي

عقدت منظمات مجتمع مدني سورية تعمل خارج مناطق سيطرة النظام أربع جلسات لتحديد الأولويات الحالية في شمال غربي سوريا بعد الزلزال، والتوصيات التي يمكن تقديمها لرئاسة المؤتمر، وتراوح الحضور في الجلسات الأربع بين 20 إلى 40 منظمة، وشمل جهاتٍ وأفراداً عاملين في القطاعات الإنسانية والحقوقية والتنموية والسياسية. لم يكن لدى الأطراف الحاضرة اللهجة والمطالب نفسها، وذلك بسبب اختلاف تخصصاتها ووجود وجوهٍ وزوايا متعددة للكارثة. وخرجت عن هذه الجلسات مجموعة التوصيات التي ذكرناها في السطور السابقة.

يقول محمد كتّوب، الخبير في المناصرة للقضايا الإنسانية وحقوق الإنسان في الشأن السوري، إن الأولويات خلال الجلسات تركّزت بشكلٍ أولي جداً على دعم الاستجابة الطارئة لتستعيد المنظمات والمؤسسات المحلية إمكانياتها على تعويض القدرات الهائلة التي تفوق مواردها، والتي خصصتها للاستجابة للزلزال، ووضعِ قدر أكبر من الموارد بيد المؤسسات المحلية، بما في ذلك رفد المجتمعات المحلية بخبرات وقدرات لكي تستطيع التعامل بشكلٍ مباشر مع الكوارث.

ويضيف كتّوب أن النقاشات شدّدت على ضرورة أن يكون الوصول الإنساني غير مقيدٍ بموافقة مجلس الأمن أو أي جهة أخرى، وضرورة وجود شفافية كاملة وخطط واضحة من الأمم المتحدة، ومساءلة الجهات المسؤولة عن التقصير بخصوص الاستجابة متوسطة المدى، ودعم برامج التعافي المبكر للمجتمعات المتضررة، بما يشمل رفع سوية الخدمات وتعويض البنية التحتية والمأوى المتضرر، وإيجاد آليات عمل مباشر مع المؤسسات المحلية.

وعن دعوة الهلال الأحمر السوري إلى المؤتمر، والتي لم يتبين فعلياً إذا كانت جدية أم لا، يعتبر كتّوب أن هناك الكثير من الإشكاليات حول عمل هذه المنظمة، وأنه توجد الكثير من الانتقادات لعملها ولتمثيلها مصالح النظام، ولـ «عملها كذراع ’إنساني‘ لنظام دكتاتوري، بدل أن تكون يداً إنسانية في منطقة تحت سيطرة سلطة وحشية كالنظام السوري. المشكلة الأساسية في تمثيل مناطق النظام في أي مؤتمرات عن الاستجابة في سوريا هي أن المجموعات التطوعية المحلية الصغيرة، التي تتحمل في الغالب عبء العمل، واقعة تحت وطأة رقابة أمنية شديدة، ولا يُسمح لها بأن تمثّل سوريا في مؤتمراتٍ كهذه، وأي جهة ستمثّل مناطق النظام ينبغي لها المرور عبر الكثير من الفلاتر الأمنية، وهذا يجعل تمثيل هذه المناطق معقداً».

أبرز التعهدات التي قدّمتها الدول خلال مداخلات ممثليها في المؤتمر

الدولةالتعهد
ألمانيا130 مليون يورو لتركيا، و238 مليون لسوريا تُقدم من خلال الأمم المتحدة والمنظمات المحلية.
هولندا10 ملايين لتركيا، و49 مليون لدعم المناطق التركية التي تستضيف سوريين.
الولايات المتحدة الأميركية50 مليون دولار إضافية كمساعدات عاجلة للمتضررين في سوريا وتركيا.
فرنسا12 مليون يورو، إضافة إلى 26 مليون سابقة للشعبين، و150 مليون لإعادة الإعمار في تركيا.
كوريا50 مليون يورو لتركيا ومليون واحد لسوريا.
بريطانياقدَّمنا 43 مليون جنيه إسترليني، ودعمنا الدفاع المدني (الخوذات البيض) بـ 4.3 مليون.
سويسرا8.5 مليون فرنك سويسري لتركيا وسوريا.
النرويج10 ملايين يورو بالإضافة إلى عشرين سابقة.
ألبانيامليون يورو لتركيا.
أذربيجانقدمنا 45 مليون دولار لتركيا، وسنقدم لها 100 مليون دولار إضافية.
كرواتياقدّمنا 5 ملايين يورو، ونتعهد بتقديم 3.5 ملايين إضافية.
بولنداقدمنا 9 ملايين لتركيا كمساعدات عينية، وسنقدم 3 ملايين كمساعدات عينية لسوريا.
سلوفاكيا300 ألف يورو.
ليختنشتاين400 ألف فرنك سويسري للشعبين التركي والسوري.
قبرص500 ألف يورو بالتساوي بين تركيا وسوريا.
إيرلندا3.5 مليون يورو للتعافي المبكر، و6.5 مليون لسوريا.
هنغاريامليون دولار للمساهمة في ترميم كنائس في اللاذقية وحلب.
الدنماركقدمنا 25 مليون يورو لتركيا وسوريا على شكل مساعدات مالية وعينية.
بلجيكاخصصنا سبعة ملايين يورو لسوريا خلال العام 2023، منها مليونان اليوم.
التشيكقدمنا مليون يورو لتركيا وسوريا.
اليونان5 ملايين يورو لسوريا وتركيا.
لوكسمبورغمليون يورو، وتخصيص 500 ألف يورو لصندوق سوريا العابر للحدود.
إيطاليا13 مليون يورو لسوريا، يشمل بعضها الهلال الأحمر، و4 ملايين لتركيا.
رومانيا600 ألف للشعبين التركي والسوري، و700 ألف لدعم جهود التعافي المبكر في سوريا.
فنلندا12 مليون لتركيا وسوريا.
سلوفينياقدمنا 1.3 مليون يورو، وسنقدّم نصف مليون لليونيسيف في تركيا ولصندوق المرأة في سوريا.
إسبانيا4.4 مليون يورو مناصفةً بين تركيا وسوريا.
إستونيا50 ألف يورو لسوريا.
السعوديةقدمت الدولة والمواطنون 150 مليون دولار أميركي، ونعمل على إنشاء 3000 مسكن مؤقت في كل من سوريا وتركيا، ومشاريع غذائية وصحية وإيوائية بكلفة 73.3 مليون دولار.
قطرقدّمنا 93 مليون دولار أميركي، وندعم مشاريع في تركيا وسوريا بـ59 مليون دولار.