ها قد مرّ شهرٌ على الزلزال المدّمر الذي ضرب تركيا وسوريا، وأنهى حياة عشرات الآلاف وشرّد الملايين. انتقلت دورة الأخبار اليومية في العالم إلى مواضيع أخرى، والكثيرون أشاحوا بنظرهم أو عادوا إلى مطحنة انشغالاتهم وأعبائهم الخاصة مُجبَرين.
لكن التحديات الإنسانية التي يواجهها المتضررون من الزلزال، والحياة الصعبة التي يعيشها الملايين في سوريا ودول جوارها قبل الزلزال أصلاً، أكبر بكثير من أن يتحول انتباه السوريين المنتشرين في العالم عنها. الأرقام الهائلة التي تُوردها المنظمات الدولية عن الخسائر قد تبدو عصية على الفهم، لكننا جميعاً نعرف أسماءً ووجوهاً وقصصاً حقيقية وراء هذه الأرقام. الإيواء، الصحة، المياه، الأطفال، ليست مجرد «ملفات» في تقارير طويلة بالنسبة لنا، بل هي تفاصيلٌ ملموسة نعيشها في دوائرنا الصغيرة أو الكبيرة وعبر رسائلَ واتصالاتٍ تعرض المساعدة أو تطلبها.
من المستحيل أن يتمكن السوريون وحدهم من تلبية كل الاحتياجات. ما من بلدٍ في العالم مرّت عليه ويلات كتلك التي مرّت على سوريا واستطاع النهوض دون مساندة دولية. كذلك من المستحيل عزل التحديات الإنسانية عن الواقع السياسي، فأصل البلاء أن النظام القائم على أمر السوريين منذ خمسين عاماً يحتقر المُساءلة والمحاسبة والتداول، ويعتاش على النهب والترهيب وإلغاء الفعل الجماعي المستقل أياً كان. واليوم، تُضاف إلى هذا النظام قوى أمر واقع داخلية وخارجية، تقوم هي الأخرى على ترهيب السوريين ونهب مُقدراتهم.
مع ذلك، لا يمكن لمساءلة المنظمات الدولية وطلب المساعدة الخارجية أن يحلّا محلّ التعاضد السوري-السوري، ولا يجب أن تتعارض جهود كشف نهب المساعدات واستغلالها سياسياً، مع استمرار الجهود الاجتماعية المستقلة لتقديم العون الحقيقي وطويل الأمد لجميع المتضررين من الزلزال، في كل مناطق سوريا كما في تركيا.
لقد سعى آلاف السوريين والسوريات في الداخل والشتات لمدّ يد العون لمواطنيهم ومواطناتهم في المناطق المنكوبة، فأثبتوا أنه، رغم كل شيء، ما زالت هناك طاقةٌ كبرى للعمل من أجل تلبية احتياجات أهل البلد وصون كرامتهم. على هذه الطاقة الآن أن تتجاوز منطق الفزعة الذي تتوقّف فيه حياة كثيرين أياماً وأسابيع عديدة لتلبية الطارئ قبل أن يعودوا لمشاغلهم، وصولاً إلى إنشاء استراتيجيةٍ طويلة الأمد وموثوقة للتعاضد الاجتماعي التكافلي، يموّلها القادرون والقادرات بجزءٍ صغيرٍ من دخلهم ووقتهم. الشتات السوري، بشكلٍ خاص، مدعوٌ لإطلاق عملية تفكير وتخطيط بهذا الصدد.
سوريا بحاجة ماراثون طويل من التعاضد السوري-السوري، تماماً كما تحتاج وتستحق مساندة العالم، وتماماً كما تحتاج وتستحق أن تتحرر من الوحوش الحاكمين لها.