وارث نادي الشرق، واجهةٌ تجاريةٌ تحت الطلب، و«ضحيةٌ سيئة الحظ» لأحدِ ظهورين يتيمين لنفوذ التيار المشيخي في عهد بشار الأسد. رئيس الهلال الأحمر، ووزير خارجية لدى بشار الأسد بعد الظهر؛ بعد الكوارث أيضاً. يغازل الأوروبيين لرفع العقوبات: «نحنا منحبكن ونحنا منريدكم»، ويطلب المساعدة علناً من الولايات المتحدة لإحراجها. الرئيس السابق لنادي الوحدة، صهر راتب الشلاح وابن توفيق حبوباتي، مَحصُولٌ شَامِيٌّ مئة بالمئة، المهندس ولعيّب الكشتبان العريق خالد بيك حبوباتي.

ولد حبوباتي عام 1957. كان والده وقتها لا يزال يمتلك نفوذاً ليس بالقليل ضمن مجتمع النخب الاقتصادية والسياسية في سوريا، مطعمه؛ نادي الشرق في ساحة النجمة بحي الشعلان كان أحد نوادي النخبة في البلاد، وقد استقبل ناديه في دمشق أو فندقه في بلودان اجتماعات لكبار السياسيين والعسكريين السوريين. ستجد له صوراً مع الجميع في أرشيف تلك الفترة، يقف غالباً على طرف المشهد، ويتهمه سامي جمعة في مذكراته بترتيب بعض تفاصيل لقاءٍ غير مؤكد جرى بين حسني الزعيم ووزير الخارجية الإسرائيلي موشي شرتوك، وذلك بالتعاون مع نسيبه المقدم إبراهيم الحسيني.

ضمن تلك الأجواء ولد خالد حبوباتي، إلا أنّ عالَمَ والده سرعان ما تغير بشكل كبير بعد عام 1963. وعلى الرغم من تعرض أعمال العائلة للنكسة الأكبر عام 1977 إثر قرار إغلاق كل كازينوهات القمار في سوريا بما في ذلك كازينوهات والده الثلاثة، إلا أنّ الابن الذي ورث عن والده إدارة نادي الشرق أظهر تأقلماً أكثر من غيره في تلك البيئة. وفي التسعينات، عندما أقنع محمد مخلوف صهره حافظ الأسد باستثمار سلطتهم السياسية في القطاع الخاص، كانت لحظة الانفراج بالنسبة لصاحب مطعم وشركة سياحية، فقد عادت الروح إلى نادي الشرق الذي أصبح المطعم المفضل لرامي مخلوف.

قاده حظه العاثر ليتم استخدام اسمه واسم والده في محاولة افتتاح كازينو في مطار دمشق عام 2010، مشروعٌ قادَه فعلياً بتكليف من بشار الأسد الفنانُ التشكيلي ياسر محمود (هو من صمم صورة حافظ الأسد في بانوراما أتوستراد حرستا بتكليف من باسل الأسد). قوبل مشروع الكازينو بغضبٍ من قبل قادة أمنيين تقليديين مُبعَدين امتلكوا نفوذاً واسعاً فيما مضى من بينهم محمد ناصيف، والذين كانوا سعداء وربما مُساعِدين في الحملة التي قادها مشايخ دمشقيون على رأسهم البوطي لإنهاء مشروع الكازينو الذي أُغلِق فعلاً بالشمع الأحمر، إذ كان الربيع العربي قد بدأ ولم يكن النظام يتحمل ترف مواجهة الحركة المشيخية التي اتحدت رغم انقساماتها في تلك الحملة.

دفع خالد حبوباتي الثمن الأكبر لتلك المحاولة الفاشلة، فقد تمّ استخدام اسمه كمسؤول عن هذا المشروع باعتباره استعادةً لرخصة والده القديمة في امتلاك وإدارة نادٍ للقمار. اختفى من المشهد العام لسنوات، لكنّ الرجل ظهر مرة أخرى في العام 2016 عندما قرر النظام أنّه لم يعد يحتمل الحيادية المصطنعة، التي كان رئيس منظمة الهلال الأحمر السورية رجل الأعمال عبد الرحمن العطّار يحاول تقديمها للعالم. هكذا أصبحَ حبوباتي رئيساً للمنظمة، وبينما يصف المتطوعون والعاملون الأكثر قدماً عبد الرحمن العطار على كوارثه بـ«ابن الهلال»، فإن خالد حبوباتي أتاهُم من خارج الدائرة التقليدية لترؤس هذه المنظمة التي قاربت الثمانين عاماً من عمرها.

وكان منصب رئيس المنظمة مخصصاً لشخصيات اجتماعية بارزة ساهمت في أعمال منظمة الهلال الأحمر التي تعتبر وفق ميثاقها الداخلي منظمّةً مستقلة، إلّا أن هناك دوراً للحكومة السورية التي تضم وزير دولة بمنصب وزير شؤون الهلال الأحمر، كممثل عن الدولة السورية في الجمعية العامة للدول الأعضاء في حركة الهلال والصليب الأحمر. وبينما كانت المنظمة قبل عام 2011 تلعب دوراً ينوس بين تنفيذ الخدمات العامة المناطة بها وفق تعليمات النظام السوري أو بما تقتضيه المصلحة العامة، فإنّ هذا الأمر لم يعد مقبولاً على ما يبدو لحظة استقالة عبد الرحمن العطار من رئاسة المنظمة، وهي استقالة يشير إليها عارفون ضمن الهلال الأحمر بالإقالة. أتى خالد حبوباتي من خارج هذه المعادلة تماماً، تغييرٌ لم يكن مريحاً للكثير من المتطوعين والعاملين في الهلال.

وعلى الرغم من أنّ دخوله عالم المنظمات الإنسانية، بعد أن باع نادي الشرق، لم يشكل انقلاباً على السياسة المعلنة من قيادة المنظمة والتي تقوم على تنفيذ تعليمات النظام بشكل كامل، إلّا أنّ الخجل من وقاحة نظام الأسد الذي أبداه العطار لم يعد مقبولاً، ليأتي خالد حبوباتي ويقوم بتغيير غالبية الفريق الإداري، ويعيّن إدارة جديدة من العوالم التي خَبِرَها لمجتمع العلاقات العميقة بين عالم الأعمال والأمن في سوريا.

بدأت شاحنات الهلال تنقل المساعدات بشكل مباشر إلى مستودعات الفرقة الرابعة والأجهزة الأمنية. وَفَّرَت وقاحة الرجل بعض الديزل على سيارات الأمن والجيش، وتحولت المنظمة التي تضخمت كثيراً بفضل الدعم الذي تلقته مالياً وسياسياً من اللجنة الدولية للصليب الأحمر الدولي إلى تنفيعة كبيرة لأبناء الضباط والمسؤولين. وفي حين كان حبوباتي يتفاخر خلال مؤتمرٍ صحفي مشترك مع الأمم المتحدة بأنّ منظمته قد قدمت أكبر استجابة إنسانية في تاريخ المنظمات الوطنية للهلال والصليب الأحمر في العالم، فإنّ مهجري الغوطة كانوا يتعرضون للاعتقال من مراكز الإيواء التي وُضعوا فيها بعد تهجيرهم من بلداتهم عام 2018،  والتي شارك الهلال الأحمر في إدارتها.

أصبح خالد حبوباتي الواجهة الدعائية الأبرز للنظام السوري بعد كارثة الزلزال الذي ضرب تركيا وسوريا، وكانت أولى مطالبه في المؤتمر الصحفي الذي عقده بعد يومٍ من حدوث الزلزال هي رفع العقوبات عن سوريا «خاصةً بعد كارثة إنسانية سببها الطبيعة». خصصت صفحات وسائل التواصل الاجتماعي التابعة لمنظمة الهلال الأحمر مساحات كبيرة لتغطية استقبال خالد حبوباتي لطائرات المساعدات الإنسانية الدولية وتحديداً الأوروبية في مطار دمشق، لكنّ إصراره على الطلب برفع العقوبات لم يتوقف.

يشاهد المتضررون من الزلزال في مناطق سيطرة النظام طائرات المساعدات تهبط في مطار دمشق، لكن شيئاً لم يصل ولم يشهدوا تغييراً ملحوظاً في أوضاعهم، ما ينقل غضبهم إلى متطوعي المنظمة التي يتهمونها بسرقة مساعداتهم. هذا ليس ذنب المتطوعين بالتأكيد، وربما هذا ليس ذنب خالد حبوباتي وحده، لقد جرى ماءٌ كثيرٌ إلى أن وصلنا إلى هنا، لكنّ سترة الهلال الأحمر اليوم في سوريا لم تعد تمتلك ذاك البريق الذي حملته يوماً.