مع بدء الأسبوع الثاني بعد الزلزال المدمّر، تستمر عمليات رفع الأنقاض وانتشال الجثامين في سوريا وتركيا، وتتواصل الحالات الاستثنائية المفرحة لإنقاذ أحياء رغم مرور كل هذا الوقت الطويل. في حين تتصاعد أعداد الضحايا تدريجياً، وتتضح الأبعاد الكارثية في البلدين أكثر فأكثر، بينما لا تزال عقبات إدخال المساعدات عبر الحدود وعبر الخطوط متواصلة حتى الآن.

وقد وصلت أعداد الضحايا في مناطق حلب وإدلب الخارجة عن سيطرة النظام 4427 ضحية، وذلك بحسب تحديثات قطاع الصحة في آلية الاستجابة الإنسانية لشمال غربي سوريا. أما في مناطق سيطرة النظام في محافظات حلب واللاذقية وحماة وطرطوس، فقد وصل العدد إلى 1414 ضحية بموجب أرقام وزارة الصحة التابعة للنظام. وفي تركيا، أحصت إدارة الطوارئ والكوارث  31643 ضحية وفق آخر الأرقام التي أعلنت عنها، كما سجلت الإدارة حتى الآن 2724 هزةً ارتدادية أعقبت الزلزال الأول فجر الإثنين الماضي. 

ونشرت اليوم آلية الاستجابة الإنسانية لشمال غربي سوريا أداةً تحصي فيها أعداد الضحايا والجرحى والمباني المتهدّمة في هذه المناطق الخارجة عن سيطرة النظام، وتقوم الأداة على جمع ومكاملة البيانات الموجودة لدى الفرق الإنقاذية والطبية التي عملت على توثيق الضحايا وانتشال الجثامين وتقديم الرعاية الطبية. وقد كشفت الأداة عن أن أعداد الضحايا والمصابين تزيد بكثير عن أرقام الدفاع المدني، كون الأخير يوثّق الضحايا والجرحى الذي ينتشل جثامينهم أو يقوم بإنقاذهم عبر فرقه. وتبيّنُ الأداة أن الرقم الفعلي لعدد الضحايا شمال غربي سوريا قد وصل إلى قرابة 4427، بالإضافة إلى 8551 إصابة.  

وكانت مدينة سلقين بريف إدلب واحدةً من أكثر المدن المنكوبة في شمال غربي سوريا، فقد أحصت آلية الاستجابة الإنسانية لشمال غربي سوريا 515 ضحيةً في المدينة، كما تمكنت فرق الإنقاذ والمستشفيات من إنقاذ وتقديم الرعاية الطبية لنحو 1700 شخصاً نجوا من الزلزال. على أن هذه الأرقام ليست نهائيةً حتى الآن، إذ لا تزال عمليات التوثيق وانتشال الضحايا مستمرة.
وتشير الإحصائيات الأولية، الصادرة عن الدفاع المدني وآلية الاستجابة، إلى وجود 50 مبنىً مدمراً بالكامل في مدينة سلقين، ونحو 300 مبنىً متضرر بشكل جزئي. ولم تقف حدود النكبة عند هذا الحد، فقد أدى ارتفاع منسوب مياه نهر العاصي بفعل فتح السدود المشيّدة عليه خوفاً من انهيارها عقب الزلزال إلى انهيار سدٍّ ترابيٍّ مقامٍ على أحد أفرع النهر في قرية التلول بريف سلقين، متسبّباً بنزوحٍ جماعيٍّ من القرية وغرق الشوارع وعددٍ من البيوت والأراضي الزراعية وتلفٍ في المحاصيل. وقد نشرت الجمهورية اليوم مجموعة من الصور تُظهر آثار الزلزال والفيضان في كل من سلقين وقرية التلول من تصوير نبيهة الطه.

جانب من الدمار في سلقين (نبيهة الطه- الجمهورية)

عقبات أمام الاستجابة الطارئة

وبينما تتحسن شروط الاستجابة لتلبية احتياجات المشردين بفعل الزلزال في تركيا، لا تزال الاستجابة العالمية في سوريا بطيئة. وبدل أن يتم اتخاذ إجراءاتٍ سريعة كان يمكن أن تساهم في إنقاذ الأرواح لو أنها اتُّخذت مبكراً، يجتمع أعضاء مجلس الأمن متأخرين أسبوعاً كاملاً في مشاوراتٍ مغلقة للبحث في الاستجابة الأممية لمتطلبات ما بعد الزلزال. وتتحدث أنباء إعلامية عن أن المشاورات بشأن سوريا ستشمل مسائل العقوبات والمعابر، لكنّ خذلان المنكوبين في سوريا ليس أممياً فقط، بل تساهم فيه سلطات الأمر الواقع كلها، التي تمزج في أدائها بين التقصير الفادح في الاستجابة وبين عرقلة وإبطاء أعمال الإغاثة دفاعاً عن سيطرتها ومصالحها الصغيرة.

بدوره، أطلق المدير العام لمنظمة الصحة العالمية خلال زيارته إلى حلب نداءً لجمع 43 مليون دولار من أجل دعم جهود الاستجابة في سوريا وتركيا، وذلك قبيل لقائه بشار الأسد في دمشق. كما وصل وكيل الأمين العام للأمم المتحدة للشؤون الإنسانية ومنسق الإغاثة في حالات الطوارئ مارتن غريفيث إلى دمشق والتقى بدوره أيضاً بشار الأسد، وذلك بعد زيارةٍ إلى حلب. ويحصل هذا بالتزامن مع لقاءٍ عقده المبعوث الأممي الخاص إلى سوريا غير بيدرسن مع وزير خارجية النظام  فيصل المقداد صباح اليوم، حيث طالب الأخير المبعوثَ الأممي بـ«ضرورة عدم تسييس الشأن الإنساني واحترام سيادة سوريا وسلامة أراضيها».

ونتيجة الخلافات بين قوى الأمر الواقع، تكرّر تعطيل وصول المساعدات للمنكوبين عبر خطوط التماس، وواصل كل طرف تحميل الطرف الآخر مسؤولية التعطيل. بينما لم تقدم الأمم المتحدة معطياتٍ واضحة حول الأمر. وكانت هيئة تحرير الشام اتهمت الأخيرة «بالتواطؤ مع النظام وعدم تقديم خطة واضحة للاستجابة الإنسانية» شمال غربي سوريا. 

وتمكنت قافلةٌ إغاثية من أهالي الشرق السوري للمنكوبين في أرياف حلب وإدلب من الدخول إلى شمال غربي سوريا عبر معبر أم جلود الفاصل بين مناطق سيطرة قوات سوريا الديمقراطية والجيش الوطني المدعوم تركياً بعد تناقل أنباء عن تعطيل دخول القافلة لساعات. في حين لا تزال قافلةٌ إغاثية وجهتها قوات سوريا الديمقراطية إلى حي الشيخ مقصود في مدينة حلب عالقةً منذ يومين على معبر التايهة الذي يفصل مناطق سيطرة الأخيرة عن مناطق سيطرة النظام بريف حلب.

«حداد رسمي» من الدفاع المدني وبيان من روابط ميثاق الحقيقة والعدالة

أعلن الدفاع المدني السوري على حساباته على وسائل التواصل الاجتماعي «حداداً رسمياً» لمدة سبعة أيام اعتباراً من اليوم الاثنين، مشيراً إلى تنكيس الأعلام في كافة المراكز والنقاط. كما أعلنت «الخوذات البيض» السادس من شباط (فبراير) يوم حِداد وطني من كلّ عام لتخليد ذكرى ضحايا الزلزال. وإذ يكون إعلان الحِداد الرسمي عادةً من صلاحيات الحكومات ومسؤولياتها، إلا أن تشظّي الجغرافيا السورية ما بين نظام لم يوجّه رأسه أيّ خطابٍ رسمي للسوريين، عداك عن عدم إعلانه الحِداد؛ وبين سلطات أمر واقع قدّمت نماذج متعددة من استعدادها للسفاهة، ومن وضع اعتباراتها ومشاحناتها أمام أي حسٍ بالمسؤولية أمام هول الأوضاع القصوى للسوريين، جعل إعلان الحِداد شأناً مهملاً. بفضل عمله الدؤوب خلال السنوات الماضية، وخصوصاً خلال الأيام الأخيرة، اكتسب الدفاع المدني السوري شرعيّة إبداء خطوة رمزية كهذه، تضاف إلى خطابه الوطني والكريم خلال المؤتمر الصحفي الذي عُقد في سرمدا قبل أيام. لكن يبقى أن رمزية إعلان الحِداد «الرمزي»، وغياب اعتبارها لدى مختلف البُنى السياسية القائمة، مثال آخر يُضاف إلى قائمة الأزمة السياسية العميقة في سوريا. 

من جهتها، أصدرت مجموعة روابط ميثاق الحقيقة والعدالة، التي تضم عوائل ضحايا التعذيب والتغييب القسري في سوريا، بياناً قالت فيه «إننا فقدنا عائلاتٍ كاملة كُنّا نأمل نجاتها لولا فشل كل الأطراف الدولية والأممية في الاستجابة لأزمة الزلزال، ولولا سعي النظام السوري إلى استغلال مأساتنا لتعويم نفسه ومسارعته إلى تقييد أعمال الإغاثة والإنقاذ وتسييسها والاتجار بها». وأعربت الروابط عن صدمتها جراء تلكؤ المجتمع الدولي وانتهازية الأطراف المحلية، إلا أنها دعت ألا تحرف هذه العوامل الأنظارَ عن الحاجة المُلحة لاستجابة طارئة تتناسب مع حجم الكارثة. 

الزيارات مفتوحة نحو سوريا لحاملي الكيملك

أعلنت إدارتا معبر تل أبيض وباب الهوى الحدوديين مع تركيا في شمالي سوريا، اليوم الإثنين، فتح باب الإجازات أمام السوريين المقيمين في الولايات المنكوبة جنوبي تركيا. وقالت إدارة معبر تل أبيض بريف الرقة إنّه يمكن للسوريين الحاصلين على بطاقة الحماية المؤقتة (الكملك) من الولايات المتضرّرة من الزلزال في تركيا، التوجّه مباشرةً إلى المعبر من دون الحاجة إلى الحصول على إذن سفر.

وشدّدت على أنّ مدة الإجازة يجب ألا تقل عن ثلاثة أشهر ولا تزيد عن ستة أشهر، مشيرةً إلى أنّه «لا يمكن لصاحب الإجازة العودة قبل مضي ثلاثة أشهر، وفي حال تأخّره بعد مضي ستة أشهر ستُلغى بطاقة الحماية المؤقتة (الكيملك)».

السويداء تتضامن مع المدن المنكوبة

في السويداء، جنوب سوريا، واستمراراً للوقفات الاحتجاجية التي ينظمها ناشطون مدنيون كل إثنين في ما يسمونه «الإثنين المقدس» للوقفات الاحتجاجية الصامتة في المدينة، عبّرت لافتاتُ اليوم عن تضامنها مع المناطق المنكوبة بالزلزال وعن وحدة الألم والمعاناة في سوريا.

«هنا السويداء، هنا سوريا الجريحة والألم واحد». هذا كان عنوان الوقفة الاحتجاجية صباح اليوم، إذ رفع الناشطات والناشطون لافتات تضامن مع إدلب وحلب واللاذقية وجبلة وجنديرس وعموم المناطق المتضررة في سوريا وتركيا على حدٍّ سواء، كما أعلنوا الزلزال «مكملاً لما بدأته البراميل والقنابل الفراغية من تدميرٍ لسوريا»، ورفض المشاركون في الوقف تسييس المساعدات الانسانية، كما أعلنوا الحداد وأدانوا النظام السوري لعدم إعلانه.

من أنطاكيا إلى أنقرة

بعد أيام عصيبة جداً في أنطاكيا، تمكّنت الزميلة أمل السلامات من مغادرة المدينة المنكوبة باتجاه العاصمة التركيّة أنقرة، وأرسلت للجمهورية تسجيلاً صوتياً يروي جوانب من تلك الرحلة، وما تمكّنت من معاينته من أوضاع خلالها.