يشارف الأسبوع الأول على الزلزال المدمّر الذي ضرب تركيا وسوريا على نهايته، وما تزال أعدادٌ مجهولةٌ قد تصل إلى الآلاف تحت الأنقاض، في حين أنّ مئات الآلاف من المشردين ما يزالون في العراء، وهنالك آلاف الوحدات السكنية المُدمّرة، وأعداد الضحايا المسجلين رسمياً في سوريا وتركيا قد تجاوزت 34 ألفاً. كما أن الهزات الارتدادية لم تتوقف حتى الآن، وقد بلغ عددها 2412 هزة بحسب إدارة الكوارث والطوارئ التركية، كان أعنفها هذا المساء بقوة 4.7 على مقياس ريختر، وضربت ولاية كهرمان مرعش بحسب ما سجلته بيانات مرصد الزلازل التركي، مما أدى إلى توقفٍ مؤقتٍ لأعمال الإنقاذ قرب مبانٍ متداعية.

وقد بلغت حصيلة ضحايا الزلزال في المناطق الخارجة عن سيطرة النظام  شمال غربي سوريا أكثر من 2167 بحسب آخر الأرقام التي نشرها الدفاع المدني، وهي تتضمن أعداد مَن تمكنت فرق الإنقاذ التابعة له الوصول إليهم. من جهتها، أعلنت وزارة الصحة التابعة للنظام عن ارتفاع أعداد ضحايا الزلزال في حلب وحماة واللاذقية إلى 1414. وبذلك يصل العدد الإجمالي للضحايا في عموم سوريا إلى 3581، وهي حصيلةٌ غير نهائية. أما في تركيا، فقد أعلنت إدارة الطوارئ التركية (آفاد) عن ارتفاع أعداد ضحايا الزلزال في وسط وجنوب البلاد إلى 29605.

الأمم المتحدة تسعى إلى «تصحيح الفشل»

في تغريدةٍ على تويتر، قال مارتن غريفيث، وكيل الأمين العام للأمم المتحدة ومنسق الإغاثة في حالات الطوارئ، إن المنظمة خذلت السكان في الشمال السوري: «… إنهم على حق في شعورهم بالتخلي عنهم. ملتزمون بتصحيح فشلنا في شمال غربي سوريا بأسرع ما يمكن». بالفعل، لم تقدّم الأمم المتحدة شيئاً يُذكر للمنكوبين السوريين طوال ستة أيام، متذرعةً تارةً بأحوال الطرق والمناخ، وتارةً بأضيق تفسيراتٍ ممكنةٍ للقرارات والقوانين الناظمة لعملها، ومتقاعسةً عن التحرك العاجل حتى عبر الطرق والقنوات المتاحة. ويوم أمس، تم رفع أعلام الأمم المتحدة مقلوبةً في مناطق نكبها الزلزال في الشمال السوري احتجاجاً على الفشل الكارثي لأكبر منظمةٍ معنية في العالم.

وبعد تأخيرٍ قارب الأسبوع، بدأت الأمم المتحدة إدخالَ مساعداتٍ مخصصة للاحتياجات الناجمة عن الزلزال من معبر باب الهوى إلى مناطق الشمال السوري الخارجة عن سيطرة النظام، ملتزمةً رغم هول الكارثة بالقرار الذي يمنعها من استخدام معابر أخرى، ومتأخرةً جداً بذرائع من بينها سوء حالة الطرق. وهي، للمفارقة، حالة الطرق نفسها التي لم تمنع منذ اليوم الثالث للكارثة إدخال جثامين السوريين والسوريات الذين قضوا في تركيا، ونفسها التي لم تمنع شاحناتٍ أممية من الدخول في اليوم الرابع للكارثة، تبيّنَ لاحقاً أنها لم تكن في سياق الاستجابة للكارثة أصلاً، بل كانت شحنةً دوريةً مقررة سلفاً قبل الزلزال.

الجمهورية.نت بالتعاون مع موقع فوكس حلب. تصوير نور الشامي

عبر الخطوط وعبر الحدود

بعد أن سمحت حكومة النظام السوري للأمم المتحدة بنقل المساعدات الأممية إلى مناطق الشمال الخارجة عن سيطرتها عبر خطوط التماس، أعلن مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية في الأمم المتحدة يوم أمس تأجيل إدخال قافلةٍ كان مقرراً خروجها من حلب إلى سرمدا عبر معبر سراقب، لتنقل صحيفة الوطن شبه الرسمية صباح اليوم عن مصادر في المكتب إلغاء هذه العملية كلياً.

كانت الأمم المتحدة قد أشارت على استحياء في بيان التأجيل إلى أن سببه كان «الظروف اللوجستية لدى الطرف الآخر»، لكنها لم تعلن حتى الآن رسمياً سبب الإلغاء التام، الذي بات واضحاً أن سببه رفض هيئة تحرير الشام، وهي سلطة الأمر الواقع في إدلب، إدخال المساعدات الأممية من أي معبرٍ غير معبر باب الهوى مع تركيا، وهو ما يشرحه تصريح صادر عن هيئة محلية تابعة لها يقول إنه لا معابر بين إدلب ومناطق سيطرة النظام.

وفي ساعةٍ متأخرةٍ من مساء اليوم الأحد، صدرت تصريحاتٌ عن «إدارة الشؤون السياسية» التابع لهيئة تحرير الشام تقول فيها إنها «حتى اللحظة لم تتلقَّّ من الأمم المتحدة خطةً واضحةً لإنقاذ المدنيين في  شمال غرب سوريا»، وأن تحرير الشام «تحمّل الأمم المتحدة مسؤولية ‘تسييس’ الاستجابة الطارئة الموجهة إلى المدنيين في المناطق المحررة، من خلال تصريحاتها ودعواتها وإصرارها على المهمات الإنسانية من خلال مناطق النظام السوري المجرم» بحسب ما ورد في بيان الهيئة.

واتهمت تحرير الشام النظام السوري ومؤسسات الأمم المتحدة بالتواطؤ، قائلةً: «يحرص النظام السوري المجرم على الاستفادة من المساعدات الموجهة لمنكوبي الزلزال، وتتواطأ معه في ذلك مؤسسات ‘إنسانية’ دولية كبرى، ولذلك فنحن نؤكد رفضنا اقتطاع النظام السوري المجرم أي حصة من حجم المساعدات الموجهة إلى شمال غرب سوريا». في حين لم يصدر حتى الآن أية تصريحات من الأمم المتحدة أو النظام السوري للرد على مزاعم هيئة تحرير الشام.

أية بدائل لدى الأمم المتحدة؟

أمام تعنّت سلطات الأمر الواقع في سوريا، وإذا كان مفهوماً أن الأمم المتحدة ليس لديها ذراعٌ تنفيذي مستقلّ تستطيع من خلاله إجبار هذه السلطات أياً كانت على أي شيء، فإن لدى الأمم المتحدة بديلاً متاحاً في هذه الحالة هو معبر باب الهوى بموجب آلية عبر الحدود، ما يجعلها غير مضطرةٍ لنقل المساعدات من مناطق سيطرة النظام عبر الخطوط. وفضلاً عن ذلك، لم تقدّم الأمم المتحدة أصلاً مساعدة تُذكر في مناطق سيطرة النظام نفسها، فيما تُواصل سلوكها المديد المشين نفسه: الخضوع لسلطات الأمر الواقع وضغوطها حتى عندما يكون لديها وسائل للعمل رغم هذه الضغوط، وغياب الشفافية وعدم جرأة الناطقين باسمها على قول الحقائق وتحميل المسؤوليات لأصحابها.

بدأت القصة كلّها أصلاً من الخضوع مراراً للابتزاز الروسي في ملفّ المساعدات الأممية للمناطق الخارجة عن سيطرة النظام، والقبول بمنطق الحدّ من إدخال المساعدات إلى تلك المناطق مباشرةً عبر الحدود، وهي قصةٌ لا يبدو أنها ستنتهي قريباً رغم الحديث الظرفي عن «تصحيح الفشل».

بموازاة ذلك، وفي وقتٍ متأخر من مساء اليوم، قال الرئيس التنفيذي للجنة الإنقاذ الدولية إن 15 مليون شخص في جميع أنحاء سوريا بحاجة لمساعدات إنسانية، مشيراً إلى أن اللجنة «تقدم المساعدات عبر تركيا بسبب عدم وصولها من دمشق إلى شمال غربي سوريا»، دون تعليقٍ يوضح الأسباب. وتعليقاً على الموضوع، قال المبعوث الأممي إلى سوريا غير بيدرسون «إن الحاجة قائمةٌ لاستخدام جميع الطرق لإيصال المساعدات إلى المناطق المنكوبة عبر خطوط التماس الداخلية أو عبر الحدود».

بدورها، قالت المتحدثة باسم مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين رولا أمين للجزيرة إن هناك نحو 6.8 ملايين سوري يعيشون خارج منازلهم. وأكدت أن معبر باب الهوى «غير كافٍ للإيفاء باحتياجات السوريين، وأن الوضع على الأرض معقدٌ سياسياً وأمنياً وتنظيمياً».

أما بخصوص المساعدات القادمة إلى مناطق سيطرة الحكومة المؤقتة المدعومة من تركيا في شمال غربي سوريا عبر مناطق سيطرة قوات سوريا الديمقراطية، فقد أصدرت الحكومة المؤقتة التابعة للائتلاف السوري المعارض، أخيراً، قراراً يسمح بما أسمته «دخول مساعداتٍ من الأهالي والعشائر في الحسكة والرقة ودير الزور»، وذلك بعد أيامٍ من التعنّت ورفض إدخال صهاريج محروقاتٍ كانت فرق الإنقاذ في أمسّ الحاجة إليها أثناء عملها. وقد سبق ذلك بيانٌ مصور من أهالي الرقة يطالب بالسماح بإدخال مساعدات أهالي المدينة إلى المناطق المنكوبة في سوريا، جاء فيه أن هذه المساعدات ليست تابعةً لأي جهةٍ سياسية.

لصوص البناء والبيوت

يتصاعد الغضب الشعبي في تركيا نتيجة انكشاف مستويات الفساد والتلاعب بشروط السلامة العمرانية، وذلك مع حجم الدمار في أحياء سكنية مبنية حديثاً في مناطق الجنوب التركي، ومع ملاحظات متكررة بشأن أبنيةٍ سقطت وأخرى إلى جوارها لم تسقط رغم تقارب أعوام البناء.

وطالت حملة اعتقالاتٍ نفّذتها الشرطة التركية عدداً من كبار متعهدي البناء والمهندسين، بلغ عددهم أكثر من مئة شخص بحسب وكالة الأناضول، بعضهم أُلقي القبض عليه خلال محاولته الهرب خارج البلد. فيما أمرت وزارة العدل التركية بإنشاء «وحداتٍ للتحقيق في جرائم الزلزال» في الولايات التي ضربتها الكارثة.

وفي كلٍّ من تركيا وسوريا، هناك نوعٌ آخرٌ من اللصوص، فقد نشرت السلطات التركية صوراً لمواطنين أتراك قالت إنهم استغلوا الظرف الراهن للسطو على ممتلكات المتضررين من الزلزال في المناطق المنكوبة. وفي حلب، وعلى وقع الهزات الارتدادية أو الشائعات التي تنتشر بخصوصها في المدينة، يخرج الأهالي من بيوتهم إلى الأماكن المفتوحة غير المحاطة بالأبنية، فيعود بعضهم إلى بيته ليجده مسروقاً. بعض الأهالي الذين تحدثوا إلى الجمهورية.نت من المدينة قالوا «إن مجموعاتٍ من الدفاع الوطني والجيش تشارك بشكلٍ أساسي في عمليات السرقة، وأحياناً بعد أن تأمر هي نفسها أهالي الأحياء بإخلائها ‘لوجود تحذيراتٍ من حصول هزاتٍ ارتدادية’».

جنديرس وحارم الأكثر تضرراً شمالي سوريا

كان الزلزال في مدينتي جنديرس وحارم شديد الكارثية، وأودى فيهما بحياة أكبر عددٍ من الضحايا في مناطق شمال غربي سوريا الخارجة عن سيطرة النظام، ففي جنديرس أحصت فرق الدفاع المدني 513 ضحية حتى الآن، وأحصت في حارم 360. تهدّمت مئات المباني بالكامل، وآلاف المباني الأخرى في المدينتين لم تعد تصلح للسكن بوضعها الحالي، وبعضها مرشحٌ للهدم بالكامل. تسبّب هذا بنزوح آلاف الأسر إلى الخيام، أو إلى العراء ريثما تتوفر الخيام.  

الجمهورية.نت بالتعاون مع موقع فوكس حلب. تصوير نور الشامي