بحلول مساء اليوم الرابع بعد الزلزال الكارثي الذي ضرب سوريا وتركيا، لا تزال أعدادٌ مجهولةٌ من سكان الدولتين عالقين تحت ركام بيوتهم، بينما تواصل فرق الإنقاذ جهودها لاستخراج أكبر عددٍ ممكن من الضحايا الذين ما يزالون على قيد الحياة، إلا أن فرص النجاة تتجه للتضاؤل بالنسبة لكثيرين لم تتمكن فرق الإنقاذ من الوصول إليهم حتى الآن، ما ينذر بأن الحصيلة النهائية للكارثة ستتجاوز حتى أكثر التوقعات الأولى تشاؤماً.
وقد أعلن الدفاع المدني السوري، بموجب أرقام غير نهائية، عن ارتفاع حصيلة ضحايا الزلزال في المناطق التي يعمل فيها شمال غربي سوريا إلى أكثر من 1970، مشيراً إلى أن ظروف الإنقاذ باتت أكثر صعوبةً بعد مرور ما يزيد على 83 ساعة على الزلزال العنيف الذي ضرب المنطقة. من جهتها، أعلنت وزارة الصحة التابعة للنظام السوري عن وصول حصيلة الضحايا إلى 1347 في محافظات حلب واللاذقية وحماة وطرطوس، مشيرةً هي الأخرى إلى أنّ هذه الحصيلة غير نهائية. ليصل بذلك إجمالي عدد الضحايا في مختلف المناطق السورية المنكوبة إلى 3317. وفي تركيا، أعلنت هيئة الطوارئ والإغاثة (آفاد) في آخر تحديثٍ للأرقام عن ارتفاع أعداد الضحايا إلى 17134، ولا يزال العدد مرشحاً للارتفاع. ووفق هذه الأرقام، تخطى عدد الضحايا الإجمالي في البلدين 20 ألف ضحية.
ظروف قاسية على الناجين
إلى ذلك، تتضاعف وطأة الظروف الإنسانية القاسية على الناجين من الزلزال، خصوصاً على الجانب السوري، في ظل انخفاض درجات الحرارة ونقص المواد الغذائية واضطرار عشرات الآلاف إلى ترك بيوتهم خوفاً من حدوث انهيارات جديدة في الأبنية نتيجة تضرّرها الجزئي أو بفعل هزّاتٍ ارتدادية جديدة. كما اضطر آلاف السكان إلى النزوح من مدن وأرياف عديدة في ريف إدلب، خصوصاً في جسر الشغور وسلقين، بعد ارتفاع منسوب نهر العاصي وتخوفاً من حدوث فيضان في مياه النهر، وذلك بحسب ما أفاد به الصحفي ياسر محمد في رسالةٍ صوتية أرسلها إلى الجمهورية.نت.
مشاهد النزوح نفسها تكرّرت في عفرين نتيجة مخاوف من تسرّب مياه سد ميدانكي، وذلك بعد انتشار أنباءٍ عن تصدّعاتٍ في بنيته.
تصريحات كسولة عن مساعدات أممية متأخرة
على الصعيد الدولي، قال الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، اليوم الخميس، إن مسؤول المساعدات بالمنظمة مارتن جريفيث سيزور غازي عنتاب في تركيا، وحلب ودمشق في سوريا، مطلع الأسبوع المقبل، لتقييم الاحتياجات والاطلاع على أفضل سبل تعزيز الدعم من جانب الأمم المتحدة. وأكد الأمين العام أن أول قافلة تابعة للأمم المتحدة «دخلت قبل ساعات إلى شمالي سوريا عبر باب الهوى»، غير أن الدفاع المدني السوري ومنظمات مدنية سورية أخرى نفوا أن تكون تصريحات الأمين العام صحيحة، مؤكدين أن المساعدات الأممية التي وصلت حتى الآن لا تشمل معداتٍ موجهة لفرق البحث والإنقاذ وانتشال العالقين تحت الأنقاض، وإنما هي مساعداتٌ دورية كانت قد توقفت منذ وقوع الزلزال واستؤنفت اليوم.
الدفاع المدني السوري: إمكانات ضعيفة لمهمّة كبرى
تعوّل الآن آلاف الأسر السورية في شمال غربي البلاد على جهود فرق الدفاع المدني السوري في إنقاذ ذويهم وأحبابهم من تحت ركام البيوت التي انهارت بفعل الزلزال، وتواصل هذه الفرق عمليات البحث والإنقاذ، ولكن بجهود محلية بالكامل. فعدا فريق من الاستشاريين المصريين الذين دخلوا إلى المنطقة يوم أمس دون معدات، لم تدخل أي فرق أجنبية للإنقاذ حتى الآن، كما غابت جميع أشكال الدعم والمساعدة التقنية واللوجستية، ليتُرك متطوعون قليلو العدد في مواجهة كارثةٍ تتطلب جهوداً دولية متضافرة، لا يقف إلى جانبهم سوى عوائل مكلومة تبحث عن أولادها ومتطوعين آخرين من بنات وأبناء البلد.
أمام كارثة بهذا الهول، ليس لدى الدفاع المدني السوري غير 2800 عنصر من الكوادر المدرّبة، يُضاف إليهم نحو 1000 متطوّعٍ وضعوا أنفسهم تحت تصرّف الدفاع المدني خلال الأيام القليلة الماضية. وهذا العدد، ذو المعدّات المحدودة والآليات القليلة، بعيدٌ جداً عن أن يكون كافياً للتدخل في 600 موقعٍ منكوب في اللحظة نفسها شمال غربي سوريا: «ليس لدى الخوذ البيضاء القدرة على التدخل إلا في 30 أو 40 موقع»، هذا ما يقوله نائب مدير المنظمة.
ومنذ تأسيس المنظمة عام 2014، اكتسب متطوعو الخوذ البيضاء خبرةً كبيرة في عمليات البحث عن الضحايا وإنقاذهم من تحت الأنقاض بعد سنوات من العمل في المناطق التي تقصفها مدفعية وطائرات النظام السوري وحلفائه. عدا الخبرة، كسب الدفاع المدني السوري عداءً شديداً من قِبل النظام وحليفه الروسي، لا سيما بعد قصف دوما بالسلاح الكيماوي عام 2018، إذ شنّت روسيا حملة شعواء لشيطنتهم في سياق عملها على إنكار المجزرة من أساسها لتبرئة النظام.
وقد عاد زخم هذه الحملات بقوة خلال الأيام الثلاثة الماضية، إذ تواظب حسابات موالية لروسيا والنظام على مواقع التواصل الاجتماعي على ترويج الأكاذيب حول كل المنظمات العاملة في المناطق الخارجة عن سيطرة النظام، ولا سيما «الخوذ البيضاء».
ومنذ فجر الاثنين، اشتكى الدفاع المدني السوري مراراً من غياب تواصل المنظمات الإنسانية الدولية معهم لتقييم الاحتياجات. وأمام هذا الإهمال الدولي الفظيع للمأساة في عموم سوريا، وفي مناطق سوريا الخارجة عن سيطرة النظام خاصّة، يعمل الدفاع المدني السوري بطاقته الممكنة بفضل جهود وتبرعات الشتات السوري، ومساهمات المتضامنين والمتضامنات مع الكارثة الكبرى الحاصلة.
وماذا يفعل النظام؟
منذ الساعات الأولى للزلزال المدمّر، انصبّت جهود حكومة النظام السوري حصرياً على شنّ حملة علاقات عامّة لكسر عزلتها وعزلة رئيسها دولياً، ولرفع العقوبات عنها، بدل السعي لجلب الغوث الدولي العاجل للسوريات والسوريين المنكوبين بالزلزال. ليس هذا أمرٌ لا يتوقعه السوريون من نظامٍ خبروه لعقود، لكن يبدو أن البيروقراطيات الباحثة عن «دولة سوريّة» تتعامل معها بعقلانية تُصرّ على تجاهله.
على عكس ما هو دارج في أي دولة في العالم عند حصول كارثة طبيعية فيها، لم تحرك حكومة «الدولة السورية» ساكناً على صعيد إعلان حالة الطوارئ الإنسانية، ولا وجّهت قطعات عسكرية نحو المناطق الأكثر تضرّراً للمشاركة في عمليات الإنقاذ. وفي حين أن البدهي هو إعلان حالة الحِداد العام على الضحايا، تفرّغت حسابات «رئاسة الدولة» على وسائل التواصل الاجتماعي، والإعلام الرسمي والموالي، للابتهاج المتواصل وتبشير متابعيها بسيل المكالمات والبرقيات التي تلقّاها بشار الأسد من ملوك ورؤساء مختلفين، ومن نقابات وفعاليات حزبية هنا وهناك.
وبدل إتاحة الفرصة للمبادرات الأهلية والمتطوّعين للعمل على إغاثة المتضرّرين، سادت التوجّهات الأمنية والتقييدية كما هو معتاد في سوريا، وصولاً إلى فرض وجود تصاريح أمنية للسماح بالعمل الإغاثي والطبّي والإعلامي. وقد راج اليوم مقطع فيديو للناشط الإغاثي معين علي، نشره على وسائل التواصل الاجتماعي للتعبير عن غضبه من التقييدات الأمنية المفروضة على عمل المتطوعين.
وبدل وضع «الانقسام السياسي» جانباً، والسعي لإنقاذ كل «مواطنيها» عملت حكومة «الدولة السورية» خلال الأيام الأخيرة بشكل دؤوب على تشويه سمعة المنظمات العاملة في المناطق الخارجة عن سيطرة النظام، وصرّحت أن وصول المساعدات إليهم عبر الحدود دون المرور بقبضتها إنما هو «انتهاك للسيادة الوطنية».