لا تزال أعداد الضحايا والمصابين نتيجة الزلزال الذي ضرب سوريا وتركيا، فجر اليوم الإثنين السادس من شباط (فبراير) 2023، مرشحةً للازدياد مع مرور الوقت وتمكّن فرق الطوارئ في البلدين من الوصول إلى مزيدٍ من المناطق المنكوبة والمتضررة. 

وبعد أن ضرب زلزالٌ أول بقوة 7.8 درجات على مقياس ريختر جنوب تركيا والشمال السوري من مركزه في كهرمان مرعش، وأدى إلى خسائر بشرية ودمار كبير، ضرب المنطقة زلزالٌ ثانٍ، بقوة 7.5 على مقياس ريختر، عند الساعة الواحدة والنصف تقريباً بتوقيت دمشق، ولم تتضح حتى الآن معلوماتٌ عن حجم الأضرار والخسائر التي تسبّب بها في الأرواح والمباني. 

وفي حصيلةٍ غير نهائية نُشرت عند الظهيرة، ارتفعت أعداد ضحايا الزلزال الأول إلى 830 ضحية في سوريا و1014 ضحية في تركيا، وذلك بحسب البيانات الرسمية، المتغيرة باستمرار، والصادرة عن هيئة إدارة الكوارث والطوارئ التركية وفرق الدفاع المدني في شمال سوريا وحكومة النظام السوري، بينها عدد يتراوح بين 337 إلى 404 ضحية في مناطق سيطرة النظام شمال وغرب البلاد، و371 ضحية في مدن وبلدات شمال غربي سوريا.

وكان الدفاع المدني السوري قد أعلن شمال غربي سوريا منطقةً منكوبةً بالكامل، ودعا جميع الجهات المحلية والقوى المدنية إلى استنفار كوادرها، كما ناشد جميع المنظمات الإنسانية الدولية للتدخل السريع لإغاثة المنكوبين وتلبية احتياجاتهم. وطالب، في بيان، المجتمع الدولي بتحمّل مسؤولياته في اتخاذ إجراءات طارئة تحول دون تفاقم الأوضاع الكارثية التي خلّفها الزلزال، وفي دعم إنقاذ المدنيين في سوريا والضغط على نظام الأسد وحليفه الروسي على نحوٍ يضمن عدم حدوث أي قصف في هذه المناطق. وفي حديثٍ لقناة الجزيرة، أشار مدير الدفاع المدني رائد الصالح إلى أنّ عمل فرق الإنقاذ المتواصل حتى الآن مهدّدٌ بنفاد المحروقات، مما قد يعيق تدخلها لانتشال العالقين تحت الأنقاض.

وتتواصل حتى الآن عمليات انتشال العالقين من تحت الأنقاض في جميع المحافظات السورية المتضررة من الزلزال، وسط مخاوف جدية من سقوط مزيد من المباني نتيجة تصدعها أو بفعل هزات ارتدادية جديدة محتملة. وفي هذا الإطار، نقلت عدسات الناشطين صوراً لسقوط مبانٍ سكنية في حي الكلاسة في حلب وفي مدينة الأتارب في ريف حلب الشمالي.

من جهته، أعلن الجيش التركي المناطقَ المتضررة من الزلزال منطقة طوارئ، وطالبت الحكومة التركية بمساعداتٍ دوليةٍ عاجلة. في حين نقلت وكالة الأناضول عن هيئة الطوارئ التركية تطميناتٍ بأنْ «لا خطر من موجات تسونامي في سواحل البلاد المطلة على البحر المتوسط». وقد بلغ عدد الهزات الارتدادية في تركيا وسوريا أكثر من 100 هزة بدرجات أكبر من 3 على مقياس ريختر، وذلك بحسب مراكز رصد الزلازل في تركيا.

إنّ ما جرى فجر اليوم في سوريا هائل وفظيع. سنحتاج أسابيع ريثما تتكشّف كامل معالم الكلفة البشرية والعمرانية والاقتصادية التي تكبّدها بلدٌ محطّم أصلاً. وحتى ذلك الحين، تعمل فرق الدفاع المدني والفرق الطبية على إنقاذ مَن يمكن إنقاذهم من تحت الأنقاض، وسط ضعفٍ شديدٍ في الإمكانات ونقصٍ في المعدّات الهندسية والطبية والمحروقات، وبالتزامن مع أحوال جويّة سيئة في عموم المنطقة. 

على القوى الدولية الفاعلة تشكيل آليةٍ إغاثيةٍ أممية خاصة لمواجهة تبعات الزلزال في سوريا، وتوجيه فرق إنقاذٍ ومشافي متنقّلة إلى مختلف المناطق المتضررة والمنكوبة. وعلى العالم الضغط على أصحاب القرار المتعلّق بالحدود السورية، ليُصار إلى تسهيل مرور المساعدات الإنسانية فوراً، بما يشمل فتح الحدود التركية السورية لإدخالها دون التقيّد بالاتفاق الدولي الراهن. وعلى الأطراف الفاعلة في سوريا وداعميها، عدم استغلال النكبة الإنسانية لأهداف عسكرية وميدانية، وأن تُرصد كل الجهود لتقديم التسهيلات لإنقاذ حيوات السوريات والسوريين في المناطق المنكوبة.

وعلى دول جوار سوريا تقديم مساعدات عاجلة لسوريا، وبدون تمييز بناءً على القوى المسيطرة في كل منطقة، إلى حين صياغة جهدٍ دولي إغاثي مشترك. كما أنه من واجب المنظمات والمؤسسات الأممية والدولية إعادة تفعيل البرامج الإغاثية المتوقفة نتيجة انقطاع التمويل عنها، والاستفادة من كوادرها على وجه السرعة. وعلى الشتات السوري، وعموم المتعاطفات والمتعاطفين مع المصاب السوري، التبرّع للمؤسسات الإنسانية الموثوقة العاملة على تقديم العون الطبي والدعم العاجل للعوائل التي تقبع اليوم دون مأوى، في ظلّ ظروفٍ مناخيةٍ قاسية، وبعد ما يزيد على عقد من صراعٍ دمويّ مزّق البلاد ودمّر بناها التحتية.