أن تترك مكانك وجذورك وكل ما أَلِفته وأَلِفَك، وتنتقل لتعيش غريباً في بلد جديد بلا علاقات ولا عمل. تعرف ناكيما شتيفلباور تماماً ماذا تعنيه الهجرة، وكيف يشعر المهاجر، فقد وُلدَتْ في بروكلِن في الولايات المتحدة الأميركية ثم هاجرت إلى كندا عام 2004، لتنتقل بعدها بعقد عمل إلى برلين. درست شتيفلباور تاريخ الشرق الأوسط وحصلت على شهادة الدكتوراه في جامعات النخبة في براون وهارفارد. رغم ذلك لم تتمكن من العثور على وظيفة جيدة الأجر، لذلك تحولت إلى عالم التكنولوجيا في منتصف التسعينيات، ما نقلها اجتماعياً ومادياً إلى مستوى آخر تماماً.
افتتانُها بالمهن التقنية كأداة لتحسين شروط الحياة جعلها تتطوع عند وصول أفواج اللاجئين عام 2015 إلى ألمانيا في إدارة مبادرة Refugees On Rails، المعنية بدعم المبرمجين اللاجئين ووصلهم مع شركات التقنية الألمانية في برلين. ورغم أن البرنامج موجه إلى جميع اللاجئين، تفاجأت شتيفلباور بأن الغالبية العظمى ممن تقدموا إلى البرنامج كانوا رجالاً. أربعون رجلاً وثلاث نساء فقط.
السوريّات في سوق العمل الألمانية
هناك كثيرٌ من الوظائف الشاغرة في سوق العمل التقنية الألمانية، وكثيراتٌ من السوريات على قوائم مركز البطالة. وفقاً لإحصاءات وكالة التوظيف الفيدرالية عام 2022، فإن النساء يشكلنَ 40 بالمئة من مجمل السوريين والسوريات في ألمانيا، لكن نسبتهنّ في سوق العمل من مجمل عدد السوريين فيه لا تتجاوز 15 بالمئة.
تُعَدُّ هذه النسبة قليلة جداً بالمقارنة مع الأجانب عموماً في ألمانيا، إذ بلغت نسبة التوظيف بين النساء الأجنبيات مقارنة بالرجال الأجانب 40 بالمئة في العام نفسه 2022. لكن إذا قارنا النسبّة مع المهاجرات من دول اللجوء عموماً، والتي تبلغ 18 بالمئة، فإن النسب تظهر تقارباً بين السوريين وغيرهم.
في مقابلة أجرتها الجمهورية.نت مع ليدفينا غونداكر، التي شاركت في دراسة أجراها معهد سوق العمل والبحث المهني IAB عن حضور اللاجئات في سوق العمل الألماني، توضح الباحثة الأسباب خلف أرقام الإحصائيات والمشاركة المنخفضة في سوق العمل بين السوريات.
من أهم الأسباب وفقاً لها أن معظم النساء السوريات في ألمانيا لاجئات وصلنَ إلى ألمانيا بعد عام 2015، أن معظم اللاجئات جِئنَ في سياق عائلي وكثيرات منهنّ يصلنَ عن طريق لمّ الشمل، أي أن مدة إقامتهن في ألمانيا قصيرة نسبياً بالمقارنة مع المهاجرين من جنسيات أخرى. وتثبت الأرقام أن معدلات البطالة عادة ما تكون مرتفعة بشكل خاص في السنوات الأولى من الإقامة.
تبين الإحصائيات أن أكثر من 75 بالمئة من اللاجئات عموماً لديهنّ أطفال في عمر الرعاية، وبالتالي هنّ مسؤولات بشكل خاص عن أطفالهنّ، مما يؤخر دخولهنّ إلى كورسات تعلّم اللغة وبالتالي دخولهنّ إلى سوق العمل. لا توجد إحصائية خاصة بالسوريات على هذا الصعيد، لكن المؤكد أن هذا عاملٌ أساسيٌ أيضاً بحسب الباحثة.
ومن ناحية ثانية، وبحسب ما ورد في الدراسة من إحصائيات، فإن المؤهلات والخبرات المهنية التي تحملها اللاجئات من بلاد الأصل من الصعب نقلها والاعتراف بها في ألمانيا. وهي غالباً ما تكون في المجالات التعليمية أو الصحية، التي تتطلب تعديلاً للشهادات ومهارات لغوية عالية مما يُصعّب الأمر على النساء. ذلك على عكس المهن التقنية التي يعتبر الدخول إليها أسهل نسبياً وأقل تعقيداً.
سوق التقنية في ألمانيا
على الرغم من صعوبة الوضع الاقتصادي في ألمانيا، والأزمات التي شهدها البلد نتيجة الحرب الروسية على أوكرانيا وفيروس كورونا، فإن دراسة عن سوق العمل لمتخصصي تكنولوجيا المعلومات، قدمتها الجمعية الرقمية Bitkom، تقول إن هناك ما يقارب 137000 وظيفة شاغرة في تكنولوجيا المعلومات في الشركات الألمانية في جميع القطاعات. أي بزيادة حتى عن عام 2019 قبل وباء الكورونا، حين وصل الرقم إلى 124000 وظيفة شاغرة.
شملت الدراسة 854 شركة تواجه نقصاً هيكلياً في العمال المهرة في سوق عمل تكنولوجيا المعلومات، ومن جميع القطاعات في ألمانيا. «وهذا النقص في المتخصصين سيزداد سوءاً بشكل كبير في السنوات القادمة» بحسب ما قاله أخيم بيرج رئيس جمعية بيتكوم في الدراسة، إذ أن «التغيير الديموغرافي الذي تشهده ألمانيا يعني أن شباباً أقلّ يدخلون إلى سوق العمل، وكباراً في السن أكثر يتركون وظائفهم ويذهبون إلى التقاعد، ما يُعَدُّ العقبة الرئيسية أمام التحوّل الرقمي». تُوصي الجمعية لاستدراك الأمر باستقطاب الكفاءات التقنية وتسهيل دخول المهاجرين إلى هذه المجالات، كما توصي بشكل خاص بالتوجه إلى النساء وتشجيعهنّ لدخول سوق العمل التقنية.
المهاجرات والمهن التقنية
بعد أن تفاجأت شتيفلباور أن غالبية المتقدمين إلى برنامج دعم المبرمجين كانوا من الرجال، رغم أهمية العمل بالنسبة للمرأة وخصوصاً في المجالات التقنية، عرفت أن عليها أن تقوم بتغيير جوهري في البرنامج بحيث يستقطب النساء. هكذا صمّمت برنامجاً آخراً أسمته «فراون لوب»، توجهت فيه بشكل مباشر إلى النساء، وحرصت أن تكون الكوادر في البرنامج من النساء من خلفيات وأعمار وجنسيات متعددة.
«لأن النساء لديهن تحديات واحتياجات مختلفة، يجب التوجه إليهنّ ببرامج تراعيهنّ، وأن يكون لديهنّ مرشدات ذوات وعي كافٍ بتحدياتهنّ» بحسب شتيفلباور. تم تصميم البرنامج بحيث يسدّ الثغرات التي لا توليها البرامج الأخرى اهتماماً، وبحيث يقدّمُ حلولاً للتحديات التي تواجه النساء. يقدّم البرنامج دورات مسائية تناسب المرأة العاملة والأم، كما يراعي أن يكون في مراكز آمنة وسهلة الوصول بالنسبة للنساء.
رغم حاجة النساء اللاجئات إلى العمل في ألمانيا، بل ورغبة كثيرات به، إلّا أن تواجدهنّ في سوق العمل متواضع جداً. وفقاً لمسح أجراه معهد سوق العمل والبحث المهني (IAB) عام 2017، فإن أكثر من 88 بالمئة من النساء اللواتي شملهن الاستطلاع من بلدان اللجوء الرئيسية، ومنها سوريا والعراق وإيران، ذكرن أنهنّ «ربما» أو «بالتأكيد» يرغبن بالعثور على وظيفة في ألمانيا. لكن نسبة الباحثات بشكل نشط عن عمل بحسب المسح نفسه لا تتعدى 10 بالمئة.
خلال تطوعها في «فراون لوب» لاحظت شتيفلباور أنه كثيراً ما يتم إقناع النساء المهاجرات أن عليهنّ أن يتعلمن اللغة الألمانية أولاً لأنها المفتاح لكل شيء، وأن دخول التقنية يتطلب معرفة كبيرة بالرياضيات، وأن ما فعلنه في بلادهنّ وخبراتهنّ السابقة ليست أموراً ذات قيمة حقاً، وأن عليهنّ أن يبدأن من الصفر: «لأن النساء لديهن نزعة إلى الكمال، يَعلقنَ في دائرة تطوير الذات ويحاولنَ دائماً تحسين أنفسهنّ، ولا يجرؤنَ على التقدّم للفرص المتاحة، مما يجعلها تذهب إلى الرجال الأقل كفاءة وأكثر جرأة».
لذلك يقدم البرنامج كورسات في لغات البرمجة وبرنامج إرشاد مهني، كما يعمل بشكل مكثف على النساء أنفسهنّ: «يمكننا أن نقول إن 60 بالمئة من الوقت في البرنامج مخصص لاكتساب المعرفة التقنية، والوقتُ المتبقي لمساعدة النساء على رفع سقف توقعاتهنّ واكتساب الجرأة على تقديم أنفسهن والتسويق لذواتهنّ»، توضح شتيفلباور للجمهورية.نت.
أرض صلبة
وصلت حنين العبد الله إلى ألمانيا عام 2014 بفيزا حصلت عليها عبر قبول جامعي لدراسة الماجستير من جامعة برلين التقنية: «خبروني كتار أني كامرأة ومحجبة وأجنبية مستحيل لاقي شغل، بس أنا ما كان عندي رفاهية أنو أسمع لمحيطي لأنو كنت مركزة أنو بدي اشتغل وقدم لزوجي على لم الشمل». لم يَطُل انتظارها أكثر من شهر بعد حصولها على تصريح العمل حتى حصلت على عملها الأول في مجال البرمجة في برلين باللغة الإنكليزية.
تعزو حنين السرعة القياسية التي وجدت فيها عملاً إلى كونها تعمل في مجال البرمجة: «لمّا كنت صغيرة كنت حبّ الأرقام وشاطرة بالرياضيات، فكان عندي بعد البكالوريا خيارين: إما الاقتصاد أو البرمجة». تقول حنين أن خيارها في دراسة البرمجة أثبت أنه الأصح، لأنها لو وصلت إلى ألمانيا بشهادة في الاقتصاد لكان عليها أن تنتظر لتعديل شهادتها وأن تحصل على شهادة عالية في اللغة الألمانية، مما يعني على الأقل ضعف الوقت.
ترى حنين البرمجة مهنة ممتازة للنساء، وبالأخص المهاجرات، لأن الطلب على هذه المهنة عالٍ ويتزايد باستمرار ولأن الدخول إليها أسهل من المهن الأخرى، عدا عن أنها لا تتطلب شهادات في اللغة ولا شهادات جامعية. والأهم من كل ذلك أن المهن التقنية من أكثر المهن التي تناسب المرأة الأم، بسبب إمكانية العمل من المنزل وفي أوقات عمل مرنة ومع دخل عالٍ نسبياً. رغم ذلك، لا تتجرأ إلا قليلات من النساء على دخول هذه المهن. ورغم حاجة ألمانيا الشديدة إلى المهرة في المهن التقنية، فإن جهود الدولة ما زالت متواضعة جداً في كسبهنّ في سوق العمل. حتى أن مراكز التشغيل والعمل في ألمانيا لا تقترح عادة على النساء المهاجرات تعلّم المهن التقنية أو الحصول على وظيفة فيها: «كتير معارف نساء حكولي أنو لما خبّروا موظفين الجوب سنتر أنو بدهون يفوتوا على مجال البرمجة، تم اعتبار كلامهم تهرّب من الشغل وحجة للبقاء في المنزل» تقول حنين للجمهورية.نت.
«نحن المهاجرات فقدنا أسرنا ومحيطنا وبالتالي البيئات الحاضنة لنا. وهاد بيخلينا بحاجة لأرض نوقّف عليها. لشي نستند عليه». بالنسبة لحنين كانت البرمجة هي هذه الأرض، لأن بوسعها أن تعمل فيها باللغة الإنكليزية، ومن أي مكان في العالم طالما أن لديها وصولاً للشبكة، ولذلك تطوعت في منظمة «فراون لوب» لتساعد النساء الأخريات على الوقوف على هذه الأرض.
التقنية للرجال
«هناك شعور منتشر واعتقاد مؤسف بين النساء أنفسهن وفي المجتمع أن البرمجة والتقنية هي مهنة للرجال»، تقول حنين التي كانت الطالبة الوحيدة الفتاة التي تخرجت من دفعتها في جامعة اليرموك في دمشق. كانت تعتقد أن ندرة تواجد النساء في المجالات التقنية له علاقة بكونها في الوطن العربي، لكن عندما وصلت إلى ألمانيا تفاجأت أن الأمر في ألمانيا ليس مختلفاً كثيراً، إذ تشكل العاملات في ألمانيا في مجال التقنية أقل من 17٪ من إجمالي العاملين بحسب أرقام رابطة صناعة الإنترنت eco. هذه النسبة أقل من 15 دولة أوروبية أخرى، بما في ذلك فرنسا والنرويج والسويد، ولكن أيضاً ليتوانيا ورومانيا وبلغاريا.
عملت الدكتورة ريجينا بور لسنوات عديدة كمستشارة في معهد الابتكار والتكنولوجيا، وألّفت كتاب «عوالم النساء وعوالم التقنية» عن مشاركة النساء في المهن التقنية. تقول بور للجمهورية.نت إن «حجم التحديات التي تواجهها النساء عند دخولهن بيئات المهن التقنية رهيب، سواء كان داخلياً من المرأة نفسها أو هيكلياً وبنيوياً من النظام ومن المجتمع».
«من المؤسف جداً أن مراكز البطالة والعمل، التي من شأنها أن تكون الأماكن الأولى التي تتوجه إليها النساء اللواتي تحتجنَ الإرشاد، لا تفكّر في إرشاد النساء إلى المهن التقنية» تقول بور، وهو أمرٌ مفهومٌ لها نسبياً، لأن من يعملون في هذه المراكز متأثرون أصلاً بثقافة المجتمع التي ترى أن المهن التقنية للرجال. وهي ترى أن على الدولة أن تنتبه لهذا الأمر، وأن تتوجه للكوادر العاملة في مراكز البطالة لتدريبهم بحيث يكونون مؤهلين لتقديم استشارات للنساء وتشجيعهنّ على الدخول إلى المجالات التقنية.
تضيف بور أن من المحزن النظر للمجالات التقنية والبرمجية على أنها مجالات للرجال، فتاريخياً أول من نشر خوارزمية لكود كانت امرأة (آدا لوفليس)، وعملياً فإن المجالات التقنية هذه بوسعها أن تؤمن للمرأة حياة اقتصادية رغيدة، وبالتالي فإنها ستكون حرة. ومن ناحية أخرى، يمكن في المجالات التقنية العمل من المنزل في أوقات مرنة، ما يجعل المهنة مناسبة للموازنة بين العمل والعائلة أكثر من مهن أخرى تُصنّف كمهن نسائية مثل التعليم والطبابة.
التوجه إلى النساء
ما زالت الدراسات حول اللاجئات في سوق العمل في ألمانيا قليلة جداً، وما زالت السياسات والشركات لا تولي هذه المجموعة اهتماماً، ولا تنظر إليها كطاقات محتملة في سوق العمل.
«لا أعرف كيف يمكن لبلد مثل ألمانيا أن يتحمل كلفة تجاهل هذه الشريحة الكبيرة، وأن لا يركز الجهود على التوجه إليهنّ بشكل مباشر واستقطابهنّ إلى سوق العمل التقني» تقول بور للجمهورية.نت. لكنها ترى أن ألمانيا لن تتحمل كلفة تجاهلهن على المدى الطويل، مما يدعوها إلى التفاؤل بشأن أن التغيير قادم لا محالة، ذلك أن من يتابع الشركات التقنية يرى أن هناك تحركاً في اتجاه التغيير.
«بالتأكيد لن يكون الأمر سهلاً، وبالتأكيد سيتطلب عملاً كثيراً وجهداً متواصلاً، ولكن كلفة عدم القيام به أعلى من كلفة الاستثمار فيه» تقول بور، وتضيف أن الاستثمار في النساء المهاجرات هو استثمار في جيل كامل قادم، إذ إن عمل المرأة له أثر تربوي مهم جداً على أطفالها. وقد أثبتت الدراسات بحسب بور أن الرجال يكونون أكثر تقبلاً لعمل شريكاتهنّ إذا كانت أمهاتهم عاملات، كما أن احتمال أن تبحث الفتاة عن عمل أكبر في حال كانت والدتها لديها عمل أو سبق وعملت. دور القدوة هنا مهم جداً تربوياً، ولا ينبغي إغفاله.
فتح الحقائب
وصلت سارة الكيلاني من سوريا نهاية عام 2015 وفي يدها شهادة في الأدب الإنكليزي. لم يكن خياراً متاحاً بالنسبة لها أن تعود لمقاعد الدراسة، فتركيزها الكامل كان منصبّاً على إيجاد عمل يُمكّنها من إعالة نفسها ومن التقديم لأهلها على برنامج لمّ الشَمل، الذي يشترط إثبات الحصول على دخلٍ كافٍ. تنقلت سارة بين الأعمال قليلة الأجر كرعاية الأطفال والعمل في الاستقبال في الفنادق: «انتقلت بهالكم سنة ببرلين أكثر من عشر مرات. حياتي كانت عبارة عن حلقة مستمرة من البحث عن عمل، البحث عن سكن. بعدين البحث عن عمل جديد، وعن سكن جديد». لكثرة اعتيادها التنقل، لم تعد تخرج أمتعتها من الحقائب لكي توفر على نفسها عناء حزمها مجدداً.
في عطلة نهاية السنة عام 2019، أي قبل أزمة كورونا تماماً، وفي حديث لها مع مجموعة مع صديقاتها، أخبرتها إحداهنّ أنها تعتزم زيارة عائلتها في عطلة الميلاد. شعرت سارة بشيء من الحزن لأن أحلامها بالنسبة للآخرين يوميات معاشة، بينما هي لا تستطيع أن تلتقي بأهلها. أخبرتها صديقتها عندما لمست حزنها أن بوسعها تَعلُّم البرمجة، وبالتالي ستتمكن من الوصول إلى وظائف مدفوعة بشكل أفضل، ويمكنها من ثمّ دعوة أهلها إلى ألمانيا. أرشدتها إلى منظمة «فراون لوب».
تم قبول سارة في البرنامج، ودخلت إلى الكورس لأول مرة: «لما شفت قواعد البيانات والجداول و sql حسّيت أنو شو هاد اللي عم ينحكى! خفت وحسّيت أنو الموضوع أكبر من قدرتي على فهمه والتعامل معه». رغم ذلك استمرت سارة في الحضور وفي التعلّم.
بعد إتمامها للكورسات بدأت سارة بالتقدّم لأعمال في المجال التقني كمُحللة بيانات. بعد العديد من رسائل الاعتذار والرفض، حصلت على أول قبول لها. رغم أن الراتب مُغرٍ إلا أن العقد كان مؤقتاً. كانت سارة تحتاج إلى عقد عمل دائم لكي تتمكن من الحصول على الإقامة الدائمة، ولكي تستطيع أن ترسل دعوة إلى أمها في سوريا للقدوم إلى ألمانيا.
خلال البرنامج كانت شتيفلباور تنصح الطالبات أن عليهنّ رفض العمل الذي لا يقابل توقعاتهنّ واحتياجاتهنّ. رفضت سارة العرض رغم أنها لم تكن متأكدة من إمكانية حصولها على عرض أفضل. رفضٌ يتلوه رفض، حتى تم قبولها في عمل كمحلّلة بيانات. قالت سارة ذلك مع ابتسامة كبيرة، مضيفة أن الدخول في المجال التقني ليس معقداً لكنه يتطلب التطوير الذاتي كل يوم، ويمنح شعوراً بالثقة بالنفس وإيماناً أكبر بأن الأيام القادمة ستحمل الأفضل.
قبل شهور تقدّمت سارة إلى برنامج لمّ الشمل لتدعو والدتها، التي كانت قد ودّعتها قبل سبع سنوات قبل رحلة البحر: «لما قدّمت أوراقي على البرنامج وحسبت الدخل الصافي طلع معي تماماً واحد يورو زيادة عن الدخل اللي لازمني لحتى أقدر قَدَّم».