يجلس أمجد خلف صندوق المحاسبة في مطعمٍ للوجبات الجاهزة، يتحدث مع الزبائن ويأخذ منهم الأموال، ثم يردُّ على الهاتف، ويدوّن ما يطلبه المتصل مع العنوان، وكلما سنحت له الفرصة يسترق النظر إلى كتابٍ مفتوحٍ وضعه على قدميه. أمجد في السنة الثالثة في كلية الاقتصاد، يعمل مساءً في هذا المطعم ليعيل نفسه وأسرته، وهو على هذه الحال منذ دخوله إلى الجامعة قبل ثلاثة أعوام. يقول أمجد: «لست الوحيد الذي يعمل إلى جانب الدراسة، فمعظم زملائي من الشباب والبنات يعملون في مهن مختلفة إلى جانب دراستهم الجامعية، حتى يتمكنوا من إكمال تعليمهم. وقد يستمر هذا العمل بعد التخرج، لأنه ليس من السهل إيجاد عملٍ يتناسب مع الشهادة التي حصلت عليها بمدخولٍ يغنيك عن العمل الإضافي».
لكن قبل أن نصل إلى مرحلة التخرج من الجامعة والصعوبات التي تعترض الخريجين، كيف هو واقع التعليم العالي في سوريا اليوم؟ وتحديداً الجامعات الحكومية؟
التعليم العالي بعد عقدٍ من الحرب
في الخامس عشر من نيسان (أبريل) 2021، عُقدت ورشة عمل على الإنترنت بعنوان «التعليم العالي في سوريا بعد عقد من الحرب»، بتنظيمٍ من برنامج EDU-Syria الممول من الاتحاد الأوروبي والهيئة الألمانية للتبادل العلمي (DAAD). وقال المشاركون فيها من الأكاديميين والخبراء: «إن الجامعات السورية تواجه عدداً لا يحصى من التحديات؛ بما فيها البنى التحتية المتهالكة، والمناهج القديمة، والأساتذة غير المؤهلين، بالإضافة إلى غياب موارد البحث والحرية الأكاديمية، وانعدام الأمن ونقص التمويل والتبادل الدولي». لعلّ هذا يلخص معظم التحديات والمشاكل التي تواجهها الجامعات السورية، الحكومية منها والخاصة.
يؤكد الكلام السابق سليمان موصلي، أستاذ التمويل في الجامعة العربية الدولية في درعا: «سبّبت الحرب الكثير من التحديات في الجامعات الحكومية والخاصة. يشمل ذلك الرقمنة الضعيفة للبنية التحتية، وتدني جودة التعليم، وأساليب التدريس القديمة، ونقص المهارات الرقمية، وهجرة العقول من أعضاء هيئة التدريس بسبب الدخل المنخفض وعدم الاستقرار وضعف التمويل. وأجبر الوضع المتدهور العديد من الطلاب على محاولة اللحاق بالركب والتعلّم بأنفسهم بالاعتماد على المصادر المفتوحة والدورات التدريبية المجانية عبر الإنترنت». من جانبها، تحدثت سلام سعيد، المحاضرة في الاقتصاد والعلوم الاجتماعية في جامعة كارلشروه في ألمانيا، عن أهمية التعليم العالي في جهود بناء السلام والمصالحة. وقالت: «لا يكمُن هدف التعليم العالي في توفير المهارات المهنية أو إجراء البحوث فحسب، بل في السماح للطلاب بأن يكونوا ناقدين ومبدعين وقادرين على التفكير خارج الصندوق. كما يساعد التعليم العالي على إبعاد الشباب عن المشاركة في النزاع المسلح ويسمح لهم بتبادل قيم السلام والديمقراطية والتضامن. ومع ذلك، يجب أن تكون الجامعات مستقلة تماماً، وهو شرطٌ يصعب تطبيقه في المجتمعات الأبوية والسياقات السياسية القمعية». وبدورها، تحدثت ناهد غزول، أستاذة اللسانيات المساعدة في جامعة باريس-نانتير بشكلٍ موسع عن الوضع المتردي للتعليم في إدلب وشمال سوريا.
يمكن أيضاً إضافة الظروف السياسية والأمنية التي شهدتها الجامعات وعمليات التهديد والمطاردة والاعتقال التي طالت الكثيرين من الطلاب والكوادر التدريسية بداية الثورة السورية، والتي أدت إما إلى توقفهم عن الدراسة أو خروجهم من البلاد، وهو ما سنأتي على تفصيله لاحقاً.
تصنيف الجامعات السورية
يشهد التعليم العالي في سوريا تراجعاً كبيراً في السنوات الأخيرة، ويظهر ذلك بوضوح في التصنيف العالمي للجامعات والمعاهد السورية الحكومية والخاصة من خلال موقع التصنيف العالمي ويب ماتركس (webometrics). ويُصدر الموقع تصنيف الجامعات مرتين في كل عام، إذ يقوم بجمع المعلومات في الأسابيع الأولى من الشهرين الأول والسابع من كل عام، ثم يقوم بنشرها في نهاية هذين الشهرين. ويعتمد الموقع في تصنيفه لترتيب الجامعات على مؤشرات تُستخرج من المواقع الإلكترونية، وعلى جودة التدريس ونتائج البحوث والمكانة الدولية للجامعة ومدى التواصل مع المجتمع والاستجابة لأهم معايير ومتطلبات البحث العلمي، بما في ذلك التواصل مع مختلف القطاعات. وبحسب الموقع، فقد احتلت جامعة دمشق المرتبة 3628 عالمياً والمرتبة الأولى في سوريا، وجاءت جامعة تشرين في محافظة اللاذقية في المرتبة الثانية سوريّاً والمرتبة 4119 عالمياً، واحتلت جامعة حلب المرتبة 4936 عالمياً والثالثة محلياً، أما المرتبة الرابعة على مستوى سوريا فكانت من نصيب المعهد العالي للعلوم التطبيقية والتكنولوجيا بدمشق، وحلّ في المرتبة 4999 عالمياً. والمرتبة السادسة سورياً كانت لجامعة البعث في حمص، التي جاءت في المرتبة 5358 عالمياً. فيما جاءت جامعة حماة في المركز الثاني عشر محلياً و 8480 عالمياً. والمرتبة الحادية عشرة على مستوى سوريا كانت للجامعة الافتراضية السورية التي ورد تصنيفها عالمياً حسب الموقع بالمرتبة 7989. أما جامعة الفرات بدير الزور فجاءت في المرتبة عشرين، وجامعة طرطوس في المرتبة الرابعة عشرة، والمعهد العالي لإدارة الأعمال بدمشق في المرتبة الثانية والعشرين. أما بقية المراكز على مستوى سورية فكانت للجامعات الخاصة.
وقد تباينت ردود الأفعال على هذا التصنيف على المستوى الرسمي في سورية، حيث نشرت صحيفة الوطن الموالية مقالاً حول نتائج التصنيف الصادرة مطلع العام جاء فيه: «حسب التصنيف الجديد خاب التوقع السابق للتعليم العالي بتحسن التصنيف بالنسبة لجامعة دمشق إلى دون الـ3 آلاف نقطة (وفقاً لتصريح المعاونة السابقة للوزير)، فيما يبقى طموح الوزارة بدخول سورية في دائرة الـ2000 نقطة بالتصنيفات القادمة». وتضيف الصحيفة: «كشفت معلومات وزارة التعليم العالي عن اتخاذ إجراءات جديدة لتحسين التصنيف، مع وجود دراسة لدعم النشر الخارجي بالنسبة للأساتذة والباحثين على أن تتكفل الجامعة بنصف أو كامل تكاليف النشر الخارجي». وتواصلت الصحيفة مع مدير مركز القياس والتقويم في الوزارة عصام خوري، الذي قال: «كنا نتوقع تحسناً كبيراً يطرأ على تصنيف جامعة دمشق، لكن الجامعات الأخرى تسير أيضاً بخطى حثيثة»، مشيراً إلى وجود صعوبات راهنة على صعيد الدخول إلى الموقع وواقع الإنترنت إضافة إلى تكاليف النشر الخارجي الكبيرة والتي تتراوح بين 200 و800 دولار. ولفتت الصحيفة إلى بيانٍ أصدرته جامعة دمشق، وحصلت على نسخةٍ منه، تدافع من خلاله عن تراجع تصنيفها عالمياً عن التصنيف السابق بالقول: «إن التصنيف الذي صدر في الشهر السابع من 2021 يعتمد معياراً لم يؤخذ به في تصنيف الشهر الأول التجريبي لعام 2022 كما جرت العادة، وإن الجامعة لم تتراجع، بل تم استخدام معايير جديدة في التصنيف تختلف عن المعايير السابقة ونسب جديدة غير المعتمدة سابقاً». ونوهت الجامعة بـ«الجهود المبذولة لرفع مستواها في التصنيفات العالمية والعمل على حضورها عالمياً من خلال اتفاقيات دولية تم تفعيلها داخلياً وخارجياً، إضافة لاتفاقيات وُقعت مع دول أوروبية ومؤتمرات علمية على مستوى عال من التنسيق الدولي والمحلي». ورغم جميع هذه التصريحات فقد تراجع تصنيف الجامعات السورية جميعها وفق آخر الأرقام التي نشرها موقع ويب ماتريكس.
وتعقيباً على ذلك يقول أستاذ جامعي للجمهورية.نت (فضل عدم ذكر اسمه): «لا يمكن أن نلقي بكامل اللوم على الوزارة أو الجامعات، لأن الوضع صعب للغاية. لم يعد التعليم أولوية لدى الدولة كما كان منذ سنوات. اليوم باتت الأولوية للقمة عيش المواطن، والتي تعجز الدولة عن تأمينها. تخيل أنه في عام 2010 كانت مخصصات التعليم في موازنة الدولة العامة 35.4 مليار ليرة سورية، كانت وقتها تعادل نحو 778 مليون دولار بحسب سعر الصرف الذي كان يتراوح وقتها بين 46 و50 ليرة للدولار الواحد، أما في هذا العام 2022 فإن الموازنة العامة كاملةً 13.325 مليار ليرة سورية فقط (5.3 مليار دولار بموجب أسعار الصرف عند إعلان الموازنة)، يذهب نصفها للبنود المعيشية. ثم إن هناك بعض القرارات المثيرة للجدل تصدرها وزارة التعليم العالي سنوياً، وتأخذ حيزاً من الاهتمام على حساب الاهتمام بالمشاريع والأبحاث العلمية التي ترفع سمعة التعليم، لذلك لا أعتقد بأنه سيكون هناك تحسن ملموس في واقع التعليم محلياً أو على صعيد التصنيف العالمي في المدى المنظور».
في المقابل أصدرت الجامعة الافتراضية السورية (وهي جامعة حكومية) بياناً مطولاً عن تصنيف الجامعات السورية، وخاصةً الجامعة الافتراضية تحت عنوان «رسالة الجامعة إلى طلابها: عن تصنيف الجامعات السورية ما بين الواقع والمأمول»، وقد بدأته بالقول: «لا بد من التنويه أن هذا التصنيف لا يُعتد به على مستوى العالم؛ كونه منقوصٌ يعتمد على 4 مؤشرات فقط». وختمته بقولها: «في المحصلة، سيبقى الوضع الحالي على ثباته بالنسبة لمواقع الجامعات السورية الحكومية والجامعة الافتراضية السورية، والتقدم التدريجي النسبي للجامعات الخاصة ضمن الفضاء الخاص بسورية، مع بقاء موقعنا العالمي في تصنيف webometrics متأخراً وخروجنا من التصنيفات الأهم، وهو أمر لا يمكن كسره وتجاوزه والانطلاق به نحو جامعات مصنفة بمستويات متقدمة دون إحداث تعديلات جوهرية على آلية عمل منظومة التعليم العالي بأكملها. عندها -وبعد تحقيقنا لخروقات مهمة- يمكن الكلام عن مدى تأثير مفاعيل الحصار السياسي والاقتصادي والتقاني والعلمي، فغيرنا من الدول كإيران وكوبا تمكنوا من خلال تطوير إمكاناتهم الذاتية من تحقيق خروقات أكاديمية مهمة رغم كل ما عانوه من حصار جائر».
هيكلية الجامعات الحكومية اليوم
يوجد في سورية 8 جامعات حكومية: جامعة دمشق، هي كبرى الجامعات القائمة وأقدمها وهي الجامعة الأم التي ترجع نشأتها الأولى إلى مستهل القرن العشرين، وتتوزع كلياتها ومعاهدها بين دمشق العاصمة بشكل رئيسي وريفها، ولها ثلاثة فروع في محافظات أخرى (درعا والسويداء والقنيطرة). جامعة حلب، ثاني الجامعات السورية من حيث القدم، حيث أحدثت كلية الهندسة في حلب عام 1946 وكانت تتبع للجامعة السورية بدمشق، قبل أن تشكل هذه الكلية النواة الأساسية لجامعة حلب عند إحداثها عام 1958، ومركزها الرئيسي مدينة حلب وكانت تتبع لها بعض الكليات في فرعها بمدينة إدلب قبل أن تخرج المدينة عن سيطرة النظام. جامعة تشرين تقع في مدينة اللاذقية، أحدثت عام 1971 وعرفت باسم جامعة اللاذقية وكانت تحتوي على ثلاث كليات فقط؛ كلية الآداب والعلوم الإنسانية، وكلية العلوم، وكلية الزراعة، وقد تم تغيير اسم الجامعة لاحقاً إلى جامعة تشرين عام 1975، وباتت تضم العديد من الكليات في مدينة اللاذقية، وكان لها فرع في مدينة طرطوس قبل أن يتحول لاحقاً إلى جامعة مستقلة. جامعة البعث، تقع في مدينة حمص، تأسست عام 1979، وتنتشر كلياتها في مدينة حمص، ولها فرعٌ في مدينة تدمر، وفرعٌ آخر كان في مدينة حماة أصبح فيما بعد جامعةً مستقلة. جامعة الفرات، أُنشئت بالقانون رقم 33 لعام 2006 في المنطقة الشرقية (دير الزور، الحسكة، الرقة)، مقرها مدينة دير الزور، ولها فرعٌ في مدينة الحسكة تتوقف فيه الدراسة بين حينٍ وآخر نتيجة الخلافات التي تشهدها المنطقة بين قوات النظام وقوات سورية الديمقراطية، أو كما حدث في شباط (فبراير) الماضي بعد اشتباكاتٍ بين قوات سوريا الديمقراطية ومقاتلين من تنظيم الدولة أعقبت هروب بعض عناصر الأخير من سجن الصناعة على أطراف المدينة، ولجامعة الفرات فرعٌ آخر في مدينة الرقة توقفَ التدريس فيه منذ عام 2013 بعد خروج قوات النظام من المدينة. أما جامعة حماه، فبعد أن كان فيها عدد من الكليات تتبع لجامعة البعث، باتت جامعةً مستقلةً منذ 2014، وتضم عدداً من الكليات في حماة المدينة، وكليتين في مدينة السلمية وواحدة في مدينة مصياف. جامعة طرطوس، أحدث الجامعات السورية، كانت هي الأخرى تضم عدداً من الكليات وتتبع لجامعة تشرين في اللاذقية، قبل أن تصبح جامعةً بحد ذاتها عام 2015.
وأخيراً، الجامعة الافتراضية السورية، التي تعرف عن نفسها بالقول: «في إضافةٍ جديدةٍ من نوعها في سوريا، تم افتتاح الجامعة الافتراضية السورية باحتفال رسمي في 2 سبتمبر سنة 2002. تأسست الجامعة الافتراضية السورية، التي كانت السباقة إلى اعتماد التعليم الافتراضي في الشرق الأوسط، بقرار من وزارة التعليم العالي السورية، والتي تهدف إلى توفير تعليم من مستوى عالمي للطلبة السوريين في بلدهم، يشمل كافة القطاعات المهنية المتوفرة حالياً». وتشمل برامج الجامعة الافتراضية: الدرجة الجامعية الأولى (سنتان)، الإجازة الجامعية (أربع سنوات)، الإجازة في الهندسة (خمس سنوات)، الماجستير والدراسات العليا (سنتان)، برامج الدكتوراه، برامج مشتركة مع جامعات أجنبية. ويضاف إلى الجامعات السابقة أربعة معاهد عليا تتبع لوزارة التعليم العالي مباشرة، اثنان في دمشق وواحد في ريفها وآخر في حمص، بالإضافة للمعاهد التقانية في دمشق وحمص وحلب واللاذقية ودير الزور، عدا عن المعاهد التي تتبع لوزارات أخرى غير وزارة التعليم العالي.
ولم يكن قرار تأسيس جامعتي حماة وطرطوس لدواعٍ علمية بحتة بالنسبة للنظام، بل كان قراراً سياسياً وأمنياً، وجاء على خلفية الأحداث التي شهدتها سوريا منذ عام 2011، وخاصةً ما حصل في حلب وجامعتها التي تعتبر من أقدم وأهم الجامعات في سورية، حيث كان هناك تخوف كبير من خروج المدينة بالكامل عن سيطرة النظام، كما حدث في إدلب والرقة، فعمد إلى سياسة التوسّع الجامعي نحو المناطق الأكثر خضوعاً لسيطرته. ويؤكد ذلك حجم الانتقادات بالنسبة لجامعة طرطوس خاصة، بسبب قلّة الكوادر التعليمية وضعف البنية التحتيّة، فغالبية الأبنية عبارة عن مدارس قديمة تنازلت عنها وزارة التربية لصالح وزارة التعليم العالي ريثما يتم بناء مقار جامعية حقيقية، وهذا ما أكدته صحيفة الوطن الموالية في حديث مطول عن تأخر أعمال البناء في جامعة طرطوس، والتي يبدو أنها لن ترى النور قريباً. وتقول الصحيفة إن الأرض المقرر أن تقام عليها جامعة طرطوس تم استملاكها عام 2007، ورغم أن النظام أعلن عن افتتاح جامعة طرطوس عام 2015 إلا أن أعمال البناء بدأت قبل 4 سنوات ورقياً، لكن على الأرض ليس هناك أي أعمال منجزة رغم مليارات الليرات التي رُصدت لها.
لا يستطيع حسان أن يخفي الصدمة التي أصابته عندما تم قبوله في كلية الاقتصاد في طرطوس وذهب إلى هناك فوجد أن الكلية عبارة عن مدرسة تم تحويلها إلى كلية. يقول: «حلمت طوال حياتي بالدخول إلى الجامعة. عندما كنت في الثانوية العامة رحت أراقب طلاب الجامعات وأنتظر اليوم الذي سأصبح فيه طالباً جامعياً، لكن ليس بهذا الشكل الذي شاهدته في طرطوس. معظم الكليات عبارة عن مدارس، وفوق ذلك لا يوجد مدينة جامعية في طرطوس، وهي مشكلة حقيقية للقادمين من محافظاتٍ أخرى أو لأبناء الأرياف الذين يعانون للتنقل من وإلى الجامعة».
صعوبات يعيشها طلاب التعليم العالي
لا يُعتبر الظرف الذي يكمل فيه أمجد دراسته الجامعية مثالياً لطالبٍ جامعي، لكنه رغم ذلك محظوظٌ مع بقية زملائه الذين يعملون، لأنهم مازالوا يتابعون دراستهم، في حين أن هناك الآلاف ممن توقفت دراستهم الجامعية بسبب الوضع الاقتصادي المتردي لذويهم. وبات الكثير من الطلاب يفضلون الالتحاق بالكليات النظرية التي لا تتطلب الالتزام بنسب دوام معينة، بينما يفضل آخرون الالتحاق بمعاهد متوسطة مدة الدراسة فيها سنتان فقط بدلاً من أربع أو خمس أو ست سنوات في الكليات (إلا إذا أعاق ذلك المخاوف من الخدمة الإلزامية). ويعاني الطلاب بشكل عام من ارتفاع تكاليف الدراسة، من رسم التسجيل إلى شراء الكتب وملخصات المواد والقرطاسية، يضاف إليها الكثير من المعدات واللوازم باهظة الثمن في الكليات العملية، عدا عن تكاليف النقل، خاصةً لأبناء الأرياف أو للتنقّل بين المحافظات، لكن المعاناة تكون أكبر بالنسبة للذين يدرسون في محافظات أخرى ممن يضطرون للسكن بعيداً عن ذويهم، بكل ما يترتب على ذلك من مصاريف إضافية. وتقدر احتياجات الطالب البعيد عن محافظته بنحو 200 ألف ليرة سورية في الشهر الواحد بحسب الطلاب والطالبات اللذين تحدّثنا إليهم، رغم أن الراتب الشهري للموظف الحكومي يبلغ نحو 100 ألف ليرة تقريباً. ليس هذه هو معدل المصروف في كل الأوقات طبعاً، لأن ميسون القادمة من دير عطية إلى دمشق اضطرت إلى استئجار بيت في منطقة المزة جبل بمبلغ 400 ألف ليرة شهرياً: «بحثت كثيراً حتى وجدت هذا البيت بإيجار ‘معقول’ مقارنةً بالارتفاع الكبير في إيجارات المنازل، ورغم ذلك فهو منزل متواضع فيه بعض الأثاث. سأتقاسم السكن والإيجار مع زميلتي، ولولا أن أخي يعمل في الخليج ويتكفل بمصروفي لما استطعت إكمال دراستي». وفي السياق ذاته، فإن حسين، الموظف الحكومي والذي يملك عملاً آخر بعد وظيفته، يقيم في دمشق وابنه الأكبر يدرس في جامعة حمص. يقول حسين: «والله العظيم رح أشحد. ابني مستأجر بيت بحمص، وببعتله من هون كل شي أكل وشرب، غير مصاريف الجامعة، ولسا عندي إخواته هون بالمدارس. ماعم لحق، المشكلة ابني بيدرس هندسة، يعني حتى شغل ما فيه يشتغل. جاي عبالي انقله عالشام على أي فرع تاني أحسن من هالبهدلة». وجواباً على سؤالنا لماذا لا يقيم ابنه في المدينة الجامعية؟ أجاب حسين: «أعوذ بالله. بخليه يترك الجامعة ولا يسكن بالمدينة الجامعية. غير إنه مافي نظافة، ما في جو دراسة حتى». ولا تعتبر المدن الجامعية في مختلف المحافظات خياراً جيداً للسكن بالنسبة للطلاب نظراً للوضع المتردي فيها، إذ تفتقر لكل مقومات الحياة من ماء وكهرباء ونظافة، لكن الظروف الاقتصادية الصعبة تجبر بعض الطلاب على السكن فيها بسبب ارتفاع الإيجارات خارجها.
جاءت رزان من دير الزور إلى دمشق مع والدتها بعد قبولها في السنة التحضيرية للكليات الطبية، وبعد معاناة لعدة أيام حصلت على سريرٍ في إحدى الغرف بالمدينة الجامعية. تقول رزان: «الغرفة فيها 13 فتاة معظمهن لسن طالبات جامعة، عرفت فيما بعد أنهن يدفعن رشاوى لمشرفة الوحدة التي تعطيهن إيصالات تسجيلٍ مزورة لاستخدامها في الدخول والخروج من المدينة، فيما تتغاضى هي عن تواجدهن داخل الغرف بدلاً من سكنهن في بيوت مستأجرة خارج المدينة بمئات الآلاف. الجو غير ملائم أبداً للدراسة، خاصةً لطالبة كلية طبية تحتاج الكثير من الوقت في الدراسة». وتحدثت صحيفة الوطن الموالية في أكثر من مناسبة عن المدينة الجامعية في دمشق، فمرةً وصفتها بالسكن البائس و8 أشخاص بالغرفة، ومرة تحدثت عن ضبط مخدرات بين الطلاب و«تصرفات لا أخلاقية في حدائقها».
لا يقتصر هذا الوضع على المدينة الجامعية في دمشق، فالحال مشابه في بقية المحافظات، ففي المدينة الجامعية في حلب مثلاً، عثر قبل فترة قريبة على جثة طالب جامعي متوفى داخل غرفته في الوحدة التاسعة عشرة، وهو طالب كفيف يدرس في قسم اللغة العربية في السنة الأولى، عُثر عليه مشنوقاً، ولم يذكر إعلام النظام إذا ما كان الطالب قد انتحر أم قتل على يد أشخاصٍ آخرين. ولكي يزيد النظام الأمر تعقيداً على طلاب الجامعات خارج محافظاتهم، داخل المدينة الجامعية وخارجها، لاحقهم في سعر ربطات الخبز التي يشترونها، حيث رفع سعرها من 200 ليرة إلى 1250 ليرة، أي لأكثر من ستة أضعاف.
كل هذه المصاريف تدفع عدداً من الطلاب لترك مقاعد الدراسة أو البحث عن عملٍ يساعدهم على إكمال دراستهم، ويتجه الكثيرون منهم للعمل في المطاعم والمحلات وبيع الخضار والفواكه أو أعمال البناء أو تنظيف أو حراسة مستودعاتٍ ومصانع، وذلك للتمكّن من تسديد مصاريف دراستهم.
قبل نحو عام كنت أعيد ترميم بيتي، كان من بين العاملين رجلٌ يعمل في الكهرباء ومعه 3 شبان يساعدونه، لفت نظري تهذيب وهدوء هؤلاء الشبان، فسألت الرجل عنهم، فأجاب: «هم طلاب في الجامعة، أحدهم يدرس الأدب العربي والآخر في قسم الجغرافيا والثالث في كلية علم الاجتماع، وهنالك طلاب آخرون يعملون معي. في أحد المشاريع التي أعمل فيها يوجد نحو 15 شاب من طلاب الجامعات». وجواباً على سؤالي عن سبب تفضيله العمل مع طلاب الجامعات، أجاب: «كنت في السنة الثانية في كلية الهندسة الكهربائية عندما توفي والدي، وبسبب ضيق الحال تركت الجامعة وسافرت إلى لبنان للعمل. كان ذلك منذ سنوات طويلة، لكني إلى اليوم ما زلت أشعر بالمرارة، خاصةً عندما أعمل في المشاريع التي يشرف عليها مهندسو كهرباء. يحزّ في نفسي أنه كان من الممكن أن أكون مهندساً مثلهم، لذلك أحرص حتى اليوم على مساعدة أي طالب جامعي يريد أن يكمل دراسته ويحتاج إلى عملٍ ليعينه». سألته عن أجورهم، فقال إنه يعطي كل واحد منهم 15 ألف ليرة يومياً، وهو لا يُلزمهم بدوامٍ يومي، فمن يجد نفسه قادراً على العمل في أي يوم فإنه يستقبله دون تردد.
ترك العمل إلى جانب الدراسة أثراً سلبياً على نتائج الكثيرين من الطلاب، وأدى إلى تراجع مستوى تحصيلهم العلمي، لكن يبقى ذلك بالنسبة لهم أفضل من ترك الدراسة نهائياً. تقول مرام، وهي طالبة في السنة الثانية بكلية التربية: «بعض المحاضرات يحضرها 4 أو 5 طلاب فقط. بعض الأساتذة لا يعنيهم الموضوع، فيعطون محاضراتهم كمل لو أن القاعة كاملة العدد، في حين ينزعج آخرون من قلة العدد، فيغادرون القاعة مباشرةً ويطلبون منا الحصول على المحاضرة مطبوعةً من المكتبة. لكن إذا أردت معرفة العدد الحقيقي للطلاب، عليك زيارة الكلية في فترة الامتحانات، لتشاهد آلاف الطلاب يتقدمون للامتحانات معتمدين على محاضراتٍ جاهزة يشترونها من المكتبات، دون أن ترى أحدهم طوال العام». بدوره، يؤكد أحمد، الطالب في كلية الإعلام، أن مستواه في السنة الثالثة تراجع كثيراً بالمقارنة مع السنتين الأولى والثانية، بعد أن بدأ بالعمل بعد التحاق أخته الأصغر بالجامعة، وذلك بالرغم من أن والده الموظف يعمل في البناء بعد وظيفته، إلا أن المصروف أكبر من قدرة الأب وحده على تحمله.
ولا تقتصر متاعب الطلاب على الوضع الاقتصادي، فهناك الكثير من الأمور التي تعكر صفو حياتهم الجامعية، فقد اضطر عدد كبير من الطلاب إلى ترك جامعاتهم والانتقال إلى جامعات أخرى نتيجة اشتداد المعارك وصعوبات التنقل، كما حدث في إدلب والرقة ودير الزور ودرعا، وقصف النظام لبعضها كما حدث في جامعة حلب التي طالها قصفٌ جوي أودى بحياة العشرات من الطلاب، ما سبب عبئاً كبيراً على بقية الجامعات وبناها التحتية، وشكل ضغطاً على الصفوف التي اكتظت بالطلاب. ويشتكي الطالب نضال من كثرة الأعداد في كليةالعلوم بجامعة دمشق: «ربما لم يشعر الطلاب في الكليات النظرية بكثرة الأعداد، أما نحن في الكليات العلمية فإننا نعاني كثيراً، خاصةً في الدروس التي تحتاج إلى التطبيق العملي في المخابر. الكثير من الطلاب يبقون في الممرات لأنه ليس هناك متسعٌ في المخبر، وأغلب الأوقات لا نعلم عما يحدث في الداخل سوى أن هناك تجارب يتم القيام بها». ومع هذه البنى التحتية المتهالكة لا بد من الإشارة إلى أن قرابة 600 ألف طالب تقدموا لامتحانات الفصل الثاني في الجامعات السورية هذا العام، بينهم 200 ألف طالب في جامعة دمشق لوحدها.
متاعب أخرى يعيشها طلاب الجامعات السورية، من بينها المناهج المتّبعة، التي يصفها مَن تحدّثنا معهم بأنها «خارج الزمن وبعيدة عن العصر». وتعتبر المناهج التعليمية في سورية قديمة، ولم يطرأ عليها أي تعديل حقيقي منذ سنوات، ويرجع أكاديميون السبب إلى القيود الموضوعة على منح الموافقات لتأليف المناهج الجديدة وتدني أجور التأليف، إضافةً إلى عدم توافر المراجع الأجنبية وغلاء سعرها. وينعكس هذا على الطلاب بعد تخرجهم، حيث يجدون أنفسهم منفصلين عن سوق العمل نتيجة عدم الارتباط بين ما يتعلمونه في الجامعة ومتطلبات سوق العمل. يقول الأستاذ عماد، المعيد في كلية الهندسة المدنية بجامعة دمشق: «منذ عشرات السنين والمناهج على حالها. هل يعقل أن يدرس طالب الهندسة أو أي طالب في الكليات العلمية معظم المواد بشكل نظري؟ هل يعقل أن تكون علامة المادة من 100 وتكون علامة العملي فيها 30 والنظري 70؟ أنا كمعيد أدرس القسم العملي، بينما يُدرّس الأستاذ الحاصل على الدكتوراه القسم النظري، وهو عبارة عن دروس يحفظها الطالب حفظاً دون أن تقدم له أي فائدة عملية، وهذا ما يكتشفه الطلاب بعد التخرج. معظم الخريجين يتّبعون دوراتٍ خاصة لتعلّم البرامج والتقنيات التي تفيدهم في عملهم بعد التخرج، لأن هذه البرامج لا تدرس في الجامعة».
ورغم أن المئات من طلاب الجامعات عانوا خلال سنوات الثورة والحرب من الملاحقات والاعتقالات من قبل الأجهزة الأمنية حتى داخل الحرم الجامعي، إلا أن الجامعة تعتبر بالنسبة للطلاب الذكور ملجأً آمناً يقيهم من التجنيد الإلزامي ولو لفترة مؤقتة، حيث تشكل الخدمة العسكرية كابوساً يؤرق حياة الشباب السوري منذ سنوات طويلة، وتفاقمَ هذا الكابوس خلال سنوات الحرب. ولذا يضطر بعض الطلاب للرسوب في الجامعة لأكثر من سنة، خاصةً في السنة الأخيرة، ليحافظوا على أوراق تأجيلهم من الخدمة الإلزامية. وقد تنبّه نظام الأسد إلى ذلك فأصدر قراراً منع فيه الراسبين لعامين متتاليين من الحصول على تأجيل من الخدمة العسكرية.
وفي هذا السياق، يحاول رائد الاستفادةَ من السنوات الممكنة في الجامعة ليحافظ على تأجيله من الخدمة الإلزامية: «أنا في السنة الرابعة بكلية الآداب قسم اللغة الإنكليزية، تبقت لي مادتان لأتخرج، ولذا أقدم فيهما الامتحان وأتقصد الرسوب منذ عامين للحفاظ على تأجيل الخدمة الإلزامية. أحاول الاستفادة من كل الفرص الممكنة أملاً بفرصة سفر خارج البلاد فور تخرجي».
بالتوازي مع الصعوبات التي يعانيها الطلاب، تواجه الجامعات ذاتها مشكلات في مجالات عدة؛ أبرزها نقص الكوادر التعليمية بعد هجرة المئات من أعضاء الهيئات التدريسية إلى خارج البلاد، فمنهم من هرب بسبب الملاحقات الأمنية، ومنهم من هرب بسبب طلبه لأداء الخدمة الإلزامية، ومنهم من خرج باحثاً عن مستقبلٍ أفضل نتيجة الظروف المعيشية الصعبة في ظل الانخفاض الكبير بالأجور والرواتب، قاصدين مختلف دول العالم، وخصوصاً بلدان الإيفاد التي أكملوا دراساتهم العليا فيها قبل الثورة، لأن معظم الذين انتهى إيفادهم خلال السنوات اللاحقة لم يعودوا، وتُقدّر وزارة التعليم العالي نسبتهم بأكثر من 80 بالمئة.
ولسد الفراغ الحاصل في الهيئات التدريسية، عمدت إدارات الجامعات إلى تكليف أساتذة بتدريس مقرراتٍ ليست من اختصاصهم، وتوظيف معيدين أو طلبة ماجستير عوضاً عن حملة شهادة الدكتوراه، ما أدى إلى إنقاص السوية العلمية وانحدارها، وتدني مستوى التعليم. وفي محاولةٍ من النظام للحد من هجرة الكوادر الجامعية، أصدر مجلس التعليم العالي عام 2017 قراراً يفرض على طلاب الدراسات العليا الحصول على موافقة الأستاذ المشرف وعميد الكلية لتقديمها لإدارة الهجرة والجوازات للحصول على إذن سفر، إلى جانب موافقة شعبة التجنيد بالنسبة للذكور. ويلجأ الكثير من الطلاب بعد تخرجهم للدراسات العليا، بغرض التأجيل من الخدمة الإلزامية ريثما يتنسنّى لهم الحصول على فرصةٍ للسفر، لكن هذا القرار وقف عائقاً في وجوههم، إلا القليل منهم ممن استطاعوا تدبّر أمورهم، كما فعل إيهاب بعد تخرجه من كلية الآداب، إذ انتظر طويلاً حتى استطاع أن يحجز له مقعداً في دبلوم التأهيل التربوي، وبمجرد أن حصل على التأجيل من الخدمة الإلزامية سافر إلى مصر، وهو الآن يعمل مع أقربائه في أحد المطاعم، واضعاً شهادته العلمية في صندوقٍ يضمّ ما ذكرياتٍ أخرى حملها من بلده.
وتشهد الجامعات السورية نقصاً واضحاً في أعداد المقبولين ضمن مفاضلاتها للدراسات العليا، بحيث أصبح يُقبل حتى 5 طلاب لكل ماجستير كأقصى حد، وذلك لأسباب قالت وزارة التعليم العالي لصحيفة الوطن الموالية أنها «تعود للنقص بعدد الأساتذة وأعضاء الهيئة التدريسية وظروف الأزمة وواقع الإمكانيات والبنى التحتية في الجامعات وفي كل قسم بالكلية المعنية».
ولا يتوقف النقص عند الكادر التدريسي، بل يتعداه إلى الموظفين في الجامعات، فقد ذكرت صحيفة الوطن أن «مشكلةً حقيقةً تتجدّد كل فصلٍ امتحاني، وترتبط بنقص الكوادر والموظفين في الجامعات، ما يسبب الضغط على طلبة الدراسات العليا بالاعتماد عليهم في المراقبات الامتحانية، كما يلقي النقص بتأثيراته الواضحة على الطلاب ليشكل تأخراً واضحاً في إصدار النتائج والوثائق والمصدقات الجامعية، دون ابتكار أي حل جديد من التعليم العالي». ويشتكي الطلاب من هذا الواقع المتردي، فتقول يارا من كلية الآداب: «أعداد الطلاب كبيرة جداً. منذ سنوات كانت الكلية تعتمد النظام الامتحاني المؤتمت في الكثير من المواد، حيث يتم تصحيح الأوراق الامتحانية على الحاسوب، ودون تدخلٍ من أي أحد، وبأسرع وقت. اليوم، ورغم أن أعداد الطلاب تضاعفت وعدد الموظفين قل كثيراً عن السابق، ألغت الكلية العمل بالنظام المؤتمت الحديث وعادت إلى النظام الكتابي وتصحيح الأوراق من قبل الدكتور أو المعيد يدوياً. تخيّل أن يبدأ العام الدراسي الجديد وأنت تنتظر نتائج العام السابق، ولا تعلم إذا كنت قد انتقلت إلى السنة التالية أم بقيت في السنة ذاتها. هذا واقعٌ نعيشه وليس مجرد افتراض».
كانت هذه المشاكل محور الحديث في تقرير أجرته منظمة بريطانية تعرف باسم مجلس الأكاديميين المعرضين للخطر، كجزء من برنامجها الخاص بسوريا، وشارك فيه باحثون في جامعة كامبريدج وأكاديميون سوريون في المنفى. وأُعد التقرير على مدى 12 شهراً بين عامي 2017 و2018 وتم نشره عام 2019. ونقل موقع بي بي سي عن هذا التقرير المعنون الجامعات السورية: معاناة من نزيف العقول وتحجر المناهج وقلة الموارد: «أضعف تدميرُ المنشآت وانتهاكات حقوق الإنسان وجمود المناهج وعسكرة الحرم الجامعي قطاعَ التعليم». وقد تحدث فريق العمل على التقرير إلى 19 أكاديمياً سورياً يعيشون في المنفى، فضلاً عن 117 من أعضاء هيئة التدريس، وطلاب في 11 جامعة داخل سوريا؛ 8 منها في مناطق سيطرة النظام، و3 في مناطق أخرى خارج سيطرته.
تعاون أكاديمي ومنح إيرانية
تحضُر إيران في كثير من مناحي الحياة في سوريا، لا سيما التعليم العالي، ففي نهاية العام الماضي قالت وزارة التعليم العالي السورية إنه بحضور بسام إبراهيم، وزير التعليم العالي، وقّع رئيس جامعة دمشق محمد يسار عابدين ومدير المركز الأكاديمي للتربية والثقافة والبحوث الإيراني حميد رضا طيبي، اتفاقَ تعاونٍ نصَّ على «تبادل قاعدة البيانات العلمية والإنجازات البحثية والمشاركة في إنشاء حاضنة للأعمال وحديقة للعلوم والتكنولوجيا في جامعة دمشق». ويهدف الاتفاق إلى تعزيز التعاون في مجال تبادل الكتب والمطبوعات والمواد العلمية والنشرات والدوريات والاستفادة من المكتبات الإلكترونية وتنظيم المؤتمرات والندوات العلمية والثقافية المشتركة. وفي السياق ذاته، وقّعت جامعة دمشق مذكرة تفاهمٍ في مجال الأبحاث والدراسات العليا مع جامعة مالك الأشتر الإيرانية، خصوصاً في مجال الصناعات والعلوم التقنية والميكانيك والروبوتِك وعلوم الكومبيوتر. وكشف وزير التعليم العالي والبحث العلمي بسام إبراهيم عن «160 منحة دراسية مقدمة من الجانب الإيراني»، وذلك «ترجمةً للبرنامج التنفيذي الذي تم توقيعه في طهران للتعاون العلمي والثقافي والبحثي مع وزارة العلوم والبحوث والتكنولوجيا الإيرانية». ويوجد في سوريا فروعٌ لست جامعات إيرانية، تعمل ضمن سياسة طهران الساعية لمزيد من التغلغل في قطاع التعليم الحكومي في سوريا.
في الختام، يذكرنا أستاذٌ في جامعة دمشق بأن «القطاع التعليمي هو أول قطاع تصيبه آثار الحرب، وآخر قطاعٍ يتعافى».