تتكلمين دائماً عن تشكيل تكتلات سياسية للنساء. ولكن هل أنتِ ضد النضال البعيد عن البرلمانات والذي يستقطب عدداً كبيراً من النساء، كمجموعات البيئة والحركة المناهضة للطاقة النووية؟
أجل، ولكن كل امرأة حرّة أن تفعل ما تريد طبعاً، ولا شكّ أن لهكذا تجارب قيمة تعليمية. ولكن بالنسبة لي، فهي ردة فعل هروبية، ويؤسفني أنها تستنفد جزءاً كبيراً من الطاقة النسائية. تفكيري لا يختلف عما قالته كلٍ من أليتا ياكوب أليتا ياكوب (1854-1929): أول طبيبة هولندية، وإحدى أبرز رائدات الموجة النسوية الأولى التي ناضلت من أجل الحصول على حق الانتخاب للنساء في بداية القرن العشرين [المترجمة]. وفرجينيا وولف بخصوص النساء اللواتي ينضالنَ من أجل السلام: طالما أنكِ لم تغيري شيئاً في وضعكِ، وطالما أن النساء لا يملكنَ سلطة حقيقية، فإن كل هذا عبارة عن طاقة مُهدرة.
وينسحب ذلك أيضاً على الأحزاب السياسية نفسها. كم كان لافتاً ما حصل مؤخراً مع النساء الحمراوات النساء الحمراوات: منظمة نسوية تابعة لحزب العمل الهولندي، وتطمح إلى تحرير المرأة والرجل ومشاركتهما في المجتمع على قدم المساواة [المترجمة]. في مؤتمر حزب العمل الهولندي، والذي يُذكّرنا بما حصل مع نساء حزب العمال الديمقراطي الاجتماعي بعد الحرب العالمية الأولى. لقد اعترضنَ على تصويت الرجال لصالح قرض التعبئة العسكرية. واحتجاجاً على ذلك رفضنَ تناول الطعام مع الرجال، ونِمن ليلاً في الردهة التي تُعلّق فيها المعاطف. خلال ستة وستين عاماً، لم تتقدم النساء الاشتراكيات مِليمتراً واحداً بخصوص السلام. لو أنهنّ استثمرنَ منذ ذلك الحين طاقة رابطة النساء لصالح قضايا النساء، لاستطعنا اليومَ أن نفعل شيئاً من أجل السلام. في الحزب، وفي البرلمان، وفي مجلس الوزراء.
هل تقولين إن على النساء ألا يحاولنَ اتخاذ مواقف جماعية بخصوص السلام والأمن أو الطاقة النووية؟
بالضبط. ينبغي استخدام المنظمات النسائية داخل الحزب السياسي من أجل تحسين وضع المرأة فقط. أما الاحتجاج على الطاقة النووية، فيحصل ضمن الحزب، في اجتماعات الفروع والمناطق. لأن هناك رجال يشتغلون على هذه الملفات كذلك.
تقولين إن على النساء تشكيل تكتلات، وإلا لن يتغير شيء في العلاقة بين الرجال والنساء، ولن يتحقق أي تغيير مجتمعي. ولكن ألا يهمّنا أي إيديولوجية سياسية سنبني عليها تكتلاتنا؟ أقصد القول: أليست النسوية مرتبطة بالاشتراكية بطريقة يصعب فصلهما عن بعضهما؟
بودي أن أخلّص الحركة النسوية من هذا الاعتقاد. إذ أن مناهضة اضطهاد النساء ليست حكراً على الاشتراكيين، بل مهمة جميع الأحزاب الديمقراطية. بالنسبة لي، النسوي هو الشخص الذي يعترف بالظلم البنيوي الواقع على النساء بسبب جنسهنّ، ويعمل على إزالته. الحركة النسائية اليسارية تحتفظ بمصطلح «النسوية» لنفسها، وينبغي ألا تفعل ذلك بعد الآن. في رأيي، يمكن للنسوية أن ترتبط بجميع الإيديولوجيات السياسية والأحزاب، فيما عدا أقصى اليمين. وكذلك قد يستعصي الأمر على الحزب الشيوعي الهولندي، طالما أنهم لم يُلغوا «المركزية الديمقراطية» بعد.
أحياناً أحلم أن لدي أربع حيوات لأتمكن من الانتساب إلى جميع الأحزاب السياسية المهمة في هولندا، وأفكر من خلال نقاط انطلاقهم كيف ينبغي الشغل على تغيير وضع المرأة. انظري إلى الكلمات الأساسية في سياسات الأحزاب السياسية. الكلمة الأساسية بالنسبة للحزب الليبرالي هي الحرية، ولحزب الديمقراطيين 66 هي العقلانية، ولحزب العمل هي المساواة، وللحزب المسيحي هي العدالة. من خلال هذه الكلمات أستطيع نشر النسوية في كل مكان. لو تطرّفنا في وصف الليبرالية، سنقول إنها تنطلق من الفرد، بينما تنطلق الاشتراكية من العلاقة بين الجماعات في المجتمع. وهكذا سنتمكن من صياغة منطق رائع عبر التساؤل: ما الخطأ في معاملة المرأة كفرد؟ الجواب هو أنها لا تُعامل كفرد، وإنما كعضوة في النوع، وبالتحديد ذلك النوع الذي ينبغي أن يصبح أماً وربة منزل. وطبعاً هذا غير مقبول من منظور الليبرالية. هذه هي طريقة واحدة لإقناع الحزب الليبرالي أن الأمور منظمة بشكل غبي.
أجل، ولكن من أجل أن تمنحي المرأة فرصةً كفرد، سوف تحتاجين إلى تدخل كبير من قبل الحكومة. على سبيل المثال: القيام بالمهام المنزلية بشكل جماعي، أو فرض إعادة تقسيم العمل داخل المنزل وخارجه. ألا ينفر الليبراليون من التدخل الحكومي؟
هذا سوء فهم شائع. ألا تُفرض التدخلات الحكومية في كل مكان؟ خذي تنظيم الضرائب على سبيل المثال، والتأمين الاجتماعي، وقانون العمالة الذي ينطلق من ثماني ساعات عمل في اليوم! كل هذه الأمور مفروضة من فوق، وكلها ضد المرأة، بغض النظر عما إذا كانت ناتجة عن تحالف بين الحزب الليبرالي والحزب المسيحي، أو عن تحالف بين الحزب المسيحي والحزب الاشتراكي. لذلك لا يهمني إلى أي حزب تنتسب المرأة، ما يهمني هو هل هي نسوية؟ لدينا نسويات ليبراليات ونسويات اشتراكيات، وينبغي أن نلتقي فيما بيننا في النسوية. هذا هو الأهم في آخر المطاف.
هل أفهم أنه ليست لديكِ توقعات خاصة من الحزب الذي ننتمي كلانا إليه؛ حزب العمل؟
أنا متضامنة مع الاشتراكية، وليس بالضرورة مع حزب العمل. يهمني ما يحققه الحزب من الاشتراكية، وما إذا كان يحاول أن يدافع عن المهمّشين من خلال تغيير البنى الاجتماعية. ينبغي ألا نكفّ عن تحليل من هم المهمّشون، وهذا ما لم يحصل في السنوات الخمسة والعشرين الأخيرة. الرجال في حزب العمل ليسوا اشتراكيين، بل مناضلين طبقيين ينتمون إلى الطبقات العليا، ويحتاحون كي يحافظوا على موقعهم في السلطة أن يهتموا بقضايا الرجال في الطبقات الدنيا. أحاول أحياناً أن أثير اهتمام الشباب الصغار بحزبنا، ولكنهم يقولون إنه مليء بذوي الأنوات المتضخمة.
هل تعتقدين أن الرجال في حزب العمل أسوأ من الرجال في الأحزاب الأخرى؟
لا، ولكني حادّة في طرحي لأن رجال حزب العمل يدّعون أنهم اشتراكيون، أي أنهم مع القِسمة العادلة في جميع مجالات الحياة. حسناً، إذا أرادوا أن نقيسهم بهذه المسطرة… ينبغي على نساء الأحزاب الأخرى مراقبة ما إذا كان سلوك الرجال هناك يتوافق مع ادّعاءاتهم.
أعتقد أن ما أسميه بالاشتراكية القديمة، أو النضالية الطبقية، لا تعبأ سوى باللامساواة الاقتصاد-اجتماعية، وهذا ما لم يعد ملهماً حالياً. وقد تناولتِ التحليلات الاشتراكية الأولى في منتصف القرن الماضي الفئتين العالقتين في حلقة مفرغة: العمال والنساء. أما الحركة الاشتراكية القديمة بين 1870-1970، فركزت على فئة واحدة: العمّال الرجال. وقد تحقق الكثير من أجلهم، وبقيت النساء في الحلقة المفرغة. فبما أنهنّ مسؤولات عن العناية بالجيل القادم، بقينَ يعانينَ كمجموعة من العجز المجتمعي الكبير: ليس لديهنّ وقت، ولا معرفة، ولا مال، ولا تجربة مجتمعية.
في حوالي عام 1970، ومع صعود الحركة النسوية، كانت نقطة البداية لما أسمّيه بالاشتراكية الجديدة. غير أن هذه الاشتراكية الجديدة تتجاوز النسوية، فهي نظام جديد للقِسمة العادلة. يمكنني ذكر عدة أمور بخصوصها، ولكن الأهم هو أنه لم يتمّ التخلص من أفضل ما في الاشتراكية القديمة، بل تمّ البناء عليه. هذا يعني أن على الجميع أن يتخلوا عن جزء من دخلهم قبل أن يأتي دور ذوي الدخل المتدني. لحسن الحظ أن هذا سيستمر في الاشتراكية الجديدة.
الفرق هو أن الاشتراكية الجديدة تملك حساسية أكبر للعدالة. صحيح أن الشعار الاشتراكي القديم «توزيع المعرفة والدخل والسلطة» يضع الرجال على المحكّ، ولكنه يترك جزءاً كبيراً من الظلم تحت الطاولة، لأن لا أحد يأخذ المجال الخاص بعين الاعتبار. فالنساء يتحملنَ الجزء الأكبر من أعباء المجال الخاص، ليس فقط العمل غير المأجور، ولكن كذلك الاهتمام بالآخرين والعناية بهم. في حال كان طموحنا أن نؤسس المنظومة البشرية بطريقة عادلة، ينبغي ألا نحلّل الامتيازات فقط، بل العجز الذي تعاني منه المجموعات البشرية أيضاً. الفرق الكبير بين الرجال والنساء هو أن معظم النساء يَخدمنَ (أي أنهنّ يعتنينَ بالآخرين)، ومعظم الرجال يُخدَمون. حتى أن الرجال ذوي المناصب المرموقة يملكون خادمتين، واحدة للمنزل، والأخرى للعمل. جميع الأعمال المتواضعة هي من نصيب النساء، لذلك ليس لديهنّ مجال للحركة أو وقت فراغ.
ينبغي على الاشتراكية أن تسأل نفسها: من هم العالقون في الحلقة المفرغة؟ وكيف ينتقل الظلم من جيل إلى جيل؟ بالنسبة للاشتراكيين القدامى كان العمال هم الملاحقون بالفقر، والآن صارت النساء هن اللواتي ينقلنَ العجز من جيل إلى جيل.
والفرق الثاني هو أن التفكير عاد يدور حول المساواة مجدداً، وصرنا نفصل بين اللامساواة الاقتصاد-اجتماعية واللامساواة عبر الانتماء لأقلية لقد شرحت يوكه سميت في عدة مقالات لماذا تنتمي النساء في رأيها إلى أقلية اجتماعية، ومن بينها مقالة أين النساء العبقريات؟ التي سبق أن نُشرت على موقع الجمهورية [المترجمة]. . لا يمكننا مكافحة النوعين بالطريقة ذاتها. فحين يصبح جان المقيم في حي الجوردان جرّاحاً، لن ينتبه أحد إلى أنه ينتمي إلى الطبقة العاملة. لذلك لن تستفيد الطبقة العاملة شيئاً حين يتسلّم جان منصباً عالياً. المستفيد هو جان، لا أكثر ولا أقل. ولكن حين تصبح امرأة أو شخص أسود جراحاً/ة، سيكون ذلك ملحوظاً للجميع. لذلك من المهم للنساء والسود أن يصل بعض أفراد جماعتهم مناصبَ عالية، وأن يكون عددهم كبيراً. لأن أعضاء الأقليات ملاحقون بوصمة سلبية، ويُعتبرون غير كفوئين، وأغبياء بعض الشيء. ولن تتغير هذه النظرة إلا بعد أن يتقلّد كثيرٌ من النساء والسود مناصب عالية ومرموقة. هذه هي سياسة المساواة التي ينبغي تنفيذها لصالح الأقليات.
ليست الاشتراكية الجديدة مسألة تخصّ النساء فقط، فالرجال بأمسّ الحاجة إليها أيضاً. رابطة الرجال في حزب العمل الهولندي مريضة، والتواصل فيما بينهم يحدده حق الأقوى. لذلك أعتقد أن النساء هنّ اللواتي سيحملنَ شعلةَ الاشتراكية الجديدة، لأنهنّ يحاولن دائماً التقليص من حق الأقوى.
النسويات منشغلات حالياً بتطوير نماذج للتواصل البشري، مما قد يمنح الاشتراكية الحافز الأخلاقي الجديد الذي تحتاجه، ويجعل الناس يقولون: لقد آمنّا. ففي النهاية، هدف النسوية هو إعادة تقسيم السلطة، ليس لأن طعم السُلطة لذيذ، بل لأن السلطة تحدد كيف يُنظر إلى الواقع من قبل أصحابها والضحايا على حدٍ سواء. لذلك ينبغي عليكِ كنسوية أن تقومي بأمرين:
1-مكافحة التصوّر الأبوي للواقع؛
2-بناء التكتلات السياسية.
وقد قامت الموجة النسوية الأولى بمكافحة التصوّر الأبوي للواقع، ولكن بما أنها قصّرت بتشكيل التكتلات السياسية، خسِرنا زبدة تجاربها، وينبغي علينا الآن أن نعيد التفكير بكل شيء. ياله من أمر مرهِق! ما كان من الممكن أن يكون بدهياً، يتوجب على النساء أن يفكرنَ فيه الآن لسنوات. حتى أن كُتُبَ الموجة النسوية الأولى ليست موجودةً في مكتبة الجامعة، لم يفكر أحدٌ بأهمية الاحتفاظ بها، ولكنهم احتفظوا بكتب الاشتراكية القديمة، لأنهم بنوا مؤسسات سلطة.
سأعطي مثالاً عن التصوّر الأبوي للواقع، وكيف تشتغل تلك الآلية. إذا قرأتِ اليومَ؛ أي في بداية الثمانينات، بعض الدراسات العلمية حول قضايا تحرر النساء، ستجدين أنه نادراً ما يتمّ نسب الأفكار الواردة فيها إلى النساء اللواتي ابتكرنها، بل تُحال إلى شخص مجهول، فتظهر كما لو أنها نابعةٌ عن «الحركة» ككل، أو تُنسب إلى الرجال. ما السبب؟ لأن المشتغلات في مجال معين لا يتجرّأن أن يقتبسن عن النسويات، خشية أن يُتهمنَ بأنهنّ غير علميات، لأن كلامهنّ سيُنسب إلى إحدى الإناث البلهاوات. لذلك يفضّلن أن يقتبسنَ عن رجل يعتمد على عمل النسويات. هكذا يُقبل كلامهنّ بشكل أفضل، لأنه مسنود إلى رجلٍ عاقل. النسويات اللواتي يقمنَ بالاقتباس لأول مرة، يدركن أن الكلام لم يقله هؤلاء الرجال، ولكن بما أن النساء لا يُذكرنَ في الهوامش، سوف تضيع المعلومة في الجيل القادم. وهكذا تبقى النساء غير مرئيات، مما يساعد على تكريس سمعة الغباء لديهنّ: حتى ولو كان الأمر يخصّ النسوية، فإن الرجال هم من يقومون بالعمل العقلي! ويؤكد هذا بدوره على بدهية تقلّد الرجال للمناصبِ العالية.
في رأيي، ينبغي على النسويات الكشف عن هذه الآلية عبر إضافة الهوامش والتوضيح فيها أن أول من عبّر عن الفكرة هي السيدة (س) في عام 1969، وقد نقل السيد (ع) تلك الفكرة إلى المنابر العلمية في عام 1974. يبدو لي أن على الدراسات النسوية أن تبادر بذلك على الفور، لأننا ما زلنا حتى الآن قادرات أن نعرف من هنّ صاحبات الأفكار. غير أن هذه المعلومات ستختفي بعد عشر سنوات. نحتاج إلى رسم خط نسْب الأفكار، وإذا فعلنا ذلك بجرعة تهكمية، نكون قد سخِرنا من الأبوية.
أما بالنسبة لبناء التكتلات السياسية، فهي مرتبطة أيضاً بتصوّر الواقع. إننا نعلم أن مصلحة الأبوية تستدعي سياسية «فرق تسد» بين النساء. وقد لمسنا ذلك جيداً في المجال الخاص، حيث دارت صراعات بين الزوجة والعشيقة الكارهتين لبعضهما بعضاً. واليوم صارت معظم النساء يعينَ أنهنّ ضحايا هذا النوع من التنافس. ولكن ثمة مجالاً آخر ما زالت الـ«فرق تسد» تعيث فيه، دون أن تنتبه النساء إلى أن الأبوية تلعب لعبتها كالعادة، وأقصد هنا مجال السياسة. ففي السياسة يرتعد الرجال خوفاً من شيء واحد: التضامن بين النساء. لذلك يتوجهون إلى المرأة الفرد، ويقولون لها: أنتِ على الأقل لستِ سخيفة، أو: أنتِ على الأقل ذكية، أو: أنتِ على الأقل قادرة على فعل شيء، أو: أنتِ على الأقل متمكنة من المجال الذي تشتغلين فيه. وكل هذا يعني أنكِ صالحة، بينما الأخريات لا يصلحنَ لشيء، فهلا بقيتِ معنا؟ هذا ما يفعلونه حيال المرأة كفرد، ولكن أيضاً حيال النساء كمجموعة. ثمة كليشيه شائع مفاده أن المرأة الذكية والقادرة على التفكير بشكلٍ مستقل، لا بدّ أن تكون مؤمنة بالمبادئ الليبرالية، أو الاشتراكية، أو المسيحية، وبعد ذلك تأتي رغباتها النسائية الصغيرة. والحقيقة هي العكس تماماً، حيث تظهر الفروق الكبيرة في المصالح والأفكار حول مستقبلِ المجتمع بين الرجال والنساء. هناك نجد الخط الفاصل الكبير.
ما يدور حالياً بين النساء والرجال، هو بالضبط ما جرى بين البرجوازية والبروليتاريا في القرن الماضي. كان على البرجوازية أن تتخلى عن بعضِ سلطتها، ويحصل العمال على سلطة أكبر، لأن تقسيم السلطة لم يكن عادلاً. وقد ناضل العمال عبر تشكيل التكتلات السياسية: أسّسوا حركة النقابات، وأسّسوا الحزب الديمقراطي الاجتماعي. طبعاً لم ترغب البرجوازية بالتخلي عن امتيازاتها، تماماً كما هو حال الرجال اليوم. لذلك أعتقد أن الرجال اليساريين نادرون، لأن محكّ اليسارية هو إلى أي درجة يبقى المرء مستعداً للقِسمة العادلة حين يضطر للتخلي عن شيء. هناك كثير من الرجال ممن يطالبون بالعدالة عن بعد – في العالم الثالث – ولكن لا يزيدون على نصف بالمئة من العدالة في عقر دارهم، لأنهم سوف يضطرون للتخلي عن بعض الامتيازات. بمعنى آخر: امرأة نسوية منتسبة إلى الحزب المسيحي هي أكثر يسارية من تسعة وتسعين بالمئة من الرجال في حزب العمل. هي لا تطالب بالقسمة العادلة في الاقتصاد العالمي فحسب، ولكن أيضاً بالقسمة العادلة في المنزل.
منذ صعود الحركة النسوية، لم يقُم رجل يساري واحد في منصب عالٍ بوضع أي سياسات تساعد على تحرير المرأة. بل على العكس، الرجال «اليساريون» – فيما عدا بعض الاستثناءات – فعلوا كل ما بوسعهم لمقاطعة تلك السياسات. انظري إلى حزب العمل: الرجال اليساريون رفضوا أن يشتغلوا على خطط من أجل تحقيق يوم عملٍ بخمس ساعات، بل شرعوا يتذمرون فحسب. ما يجب فعله كنساء هو إدراك ضرورة إعادة تقسيم السلطة، والمال، وأنواع المعرفة، والعمل المأجور وغير المأجور، وأوقات الفراغ، وأنواع الإحساس بالمسؤولية، والمناصب العالية، وواجب العناية، لصالح النساء.
ولكن كيف نحقق كل ذلك؟
من خلال التركيز على ما أسميه بالثلاثة الكبريات: 1- إعادة تقسيم العمل المأجور وغير المأجور، 2- إعادة تقسيم السلطة، 3- السعي إلى تساوي عدد النساء والرجال في جميع المِهن، أي إلغاء العنصرية في سوق العمل.
إذا فعلنا ذلك، سوف نكون وضعنا أساسات جديدة للمجتمع، وحققنا تقسيماً عادلاً للحرية والمساواة. فيتحمل الرجال مسؤولياتهم في المجال الخاص، وتستقل النساء اقتصادياً، ويتمكنَّ أخيراً من مشاركة المسؤولية في القضايا العامة. وهكذا تغدو ديمقراطيةُ الرجال ديمقراطيةَ الإنسان.
وهل يمكن أن يحصل ذلك ضمن الأحزاب السياسية الحالية؟
يجب أن ننتبه ألا نقوم بالأخطاء ذاتها التي قام بها العمال العقائديون منذ مئة عام. حيث اعتقدوا أنهم قادرون على حلّ مشاكلهم مع أصحاب العمل العقائديين، لأن الدين أهم من تقسيم السلطة لصالح العمال. وقد استغرق الأمر طويلاً حتى تجاوزوا هذا الأمر.
سوف تحتاج النساء إلى وقت طويل كذلك، إلا أنه بمقدورنا الدفع في ذلك الاتجاه شيئاً فشياً. على السياسيات أن يعينَ أن القواسم المشتركة مع النساء في الأحزاب الأخرى أكبر منها مع الرجال في حزبهنّ. ويتحقق هذا من خلال عدة خطوات؛ والأولى هي اتخاذ مسافة داخلية من الرجال في حزبك، والاقتراب نفسياً من النساء في الأحزاب الأخرى. لو كانت ثمة صداقة بين المفكرات النسويات في البرلمان، لو اشتغلنا على ذلك فعلاً في الحركة النسوية، لما انتهى موضوع قانون الإجهاض بتلك الطريقة. يا ليتهنّ تجاهلنَ التفريق بين يسار ويمين! في رأيي، لا يمكننا إعادة توزيع السلطة لصالح النساء إن لم يكن لدينا، إلى جانب الأحزاب السياسية الحالية، حزبٌ للنساء. هذه الفكرة غير محبذة، لأنها تعني أننا سنسلك طريقاً وعراً.
كيف وصلتِ إلى تلك القناعة؟
حين بدأنا منذ منذ ثلاثة عشر عاماً، كنا نرى أن شروط التحرر تتلاءم مع إيديولوجية المجتمع الهولندي، وظننا أن الأحزاب السياسية الحالية سوف تتبناها بعد فترةٍ من الصدّ والردّ. ولكن مع الوقت تبدّى لنا أن تلك الشروط تتعلق بأسس المجتمع، وأن المشتغلين في حقل السياسة لا يطمحون إلى تغييرها. حين نوازن الأمور، سنجد أنهم تبنوا الشعارات فقط، وتركوا التحليلات جانباً. يبدو أننا كنا متفائلات أكثر من اللزوم حين شرعنا مباشرةً بالعمل ضمن الأحزاب السياسية. لقد تخطينا مرحلة تأسيس حزبٍ خاص بنا. انظري، حين تمّ تأسيس حزب العمال الديمقراطي الاجتماعي [في 1894]، كان هناك في الأحزاب السياسية الأخرى أشخاصٌ مقتنعون بضرورة سنّ قوانين عمل والالتزام بثماني ساعات عمل في اليوم. لقد فهِم ترولسترا ورفاقه أنه لن يحصل شيء إن لم يستلم حزب معين زمام المبادرة ويسحب معه الآخرين شيئاً فشيئاً. ليس عبثاً أني استنتجتُ أننا نحتاج إلى تأسيس حزب نسوي. الأمر الحاسم بالنسبة لي هو أن أكثر الرجال ذكاءً في حزب العمل ما زالوا يرفضون فكرة أن النسوية ليست مجرد حركة مناصرة، وإنما نضال ضد الظلم.
ألم يكن رئيس وزرائنا دين آول واضحاً حين قال إن «الحركة النسوية هي أكثر تعبير مستدام عن الرغبة في التغيير، (…) وأكثر قوة دمقرطة مستدامة»؟
هذا نفاق! حزب العمل لم ينضبط حتى بمعاييره الخاصة التي تنصّ على ضرورة مشاركة النساء في البرلمان بنسبة خمس وعشرين بالمئة. سبع نساء فقط من أصل أربعة وأربعين مقعداً! أليس الأحرى بدين آول أن يقول في الوقت المناسب: لن أقود الحزب في الانتخابات بهذه الطريقة! لطالما لفتني في هذا النوع من العبارات أنها لا تزيد عن رفع القبعة والتنهد أثناء تقديم أطيب الأمنيات. ولكن الكُرة تبقى في ملعبنا، ويجب أن نحلّ كل شيء بأنفسنا. يبدو أن الرجال الاشتراكيين لا يشعرون بواجبهم حيال النساء.
حسناً، نحتاج إذن إلى حزبٍ نسوي لا يشهد فقط، بل يتجرأ على الطموح إلى السلطة. لا يمكننا تحقيق ذلك فوراً، لأن النتيجة ستكون مبادرة معزولة ولا تملك أرضية خصبة في الواقع السياسي. الظروف في هولندا مواتية من الناحية التقنية: لدينا تعددية حزبية ولا توجد عتبة انتخابية. إذا بدأنا اليوم، فعلى الأغلب أننا سنحتاج من عشرة أعوام إلى خمسة عشر عاماً ويُذكر أن السياسة الهولندية لم تعرف حزباً خاصاً بالنساء حتى يومنا هذا [المترجمة]، لأننا إن لم نطرح القضية بشكل متين، فلن نحصل على عشرين مقعداً، وهو ما نحتاجه.
كيف تتصورين الأمر؟
الشرط الأول هو أن تستمر المنظمات النسائية السياسية بعملها المضني لمساعدة أكبر عدد ممكن من النساء للوصول إلى الأجسام السياسية. حالما يصل عدد معين إلى مجلس الدولة والمحافظات والبرلمان، يتمّ تشكيل كتلة نسائية. ومهمة تلك الكتلة هي الفصل بين قضايا النساء والقضايا الأخرى، ومحاولة الوصول إلى توافق حول النقاط المطروحة أو التي يرغبنَ بطرحها. لدينا سوابق مضيئة بهذا الخصوص، وأذكر على سبيل المثال ما حصل في الخمسينات من توافق بين نساء جميع الأحزاب على تقديم مُلتمَس عدم إقالة النساء المتزوجات من العمل.
أما النقاط التي لا تمسّ قضية المرأة، فينبغي تحييدها عاطفياً. أي أن نتفق فيما بيننا: لدينا آراء مختلفة بهذا الخصوص، لأنكِ انتُخبتِ في لائحة حزب العمل، وانتخبتُ أنا في لائحة الحزب الليبرالي. وإذا حصل أن اختلفنا أثناء الاجتماعات، فسنحافظ على تقديرنا المتبادل، ولن نتبع نموذج التقريظ المشهور في عالم الرجال. وإذا تعطلت المشاورات حول النقاط النسوية، فهذا مؤسف، ولكن جميع النساء يبقينَ داخل السفينة. فعلى الأقل سوف يتعرفنَ على حجج بعضهنّ بعضاً، ويتصرفنَ وفق قناعاتهنّ. وحالما يتوافقن على نقطة معينة (وسيحصل هذا أكثر من المتوقع)، يتوجهنَ إلى كتل أحزابهن البرلمانية قائلات: هذا موقف الكتلة النسائية، وفي رأينا أنها تتوافق مع رؤية حزبنا، ولذلك سوف نصوّت بهذه الطريقة. هل تشاركوننا يا شباب؟ في البداية ستسير الأمور نوعاً ما، ولكن حالما يلاحظون أن النساء بدأن يُحرِزن تقدماً ما كان ممكناً لولا هذه الطريقة، سوف يندلع الإرهاب في عالم الرجال. حسناً، هذا سيدفع النساء إلى مزيد من التضامن. وإحدى الطرق التي سيتبعها الرجال هي استقطاب نساء غير نسويات ويعتقدن أنهنّ متحررات لأنهن يكسبنَ قوتهنّ بعرق الجبين.
وماذا سيكون موقفنا حينها؟
لا تنسي أن الوضع تغير في السنوات العشرة الأخيرة. أذكر أن الناس كانوا يعتبرونني مجنونة جراء تأكيدي على ضرورة وضع سياسات للتحرر (عادة لا أقلق إلا بعد مضي ثلاث سنوات دون إقناع أي شخص بفكرتي)، ولذلك كانت النساء في ذلك الوقت يحصدن التصفيق في بلد الرجال كلما نادينَ بأن كل ما نقوله هراء. الأمور ليست بهذا السوء الآن، فالنساء صرنَ يفضّلنَ السكوت، وإن لم تهاجميهنّ شخصياً، فيمكن أن تكسبيهنّ لصفكِ شيئاً فشيئاً. من الضروري أن تقوم المنظمات النسائية التابعة للأحزاب السياسية بما تقوم به النساء الحمراوات: صياغة برنامج نسائي يذهب أبعد من برنامج الحزب الانتخابي بقليل (أي أنه يبقى معتدلاً)، وتقديمه إلى المرشحات مع السؤال: هل ستشتغلنِ على ذلك؟ وهل ستشاركننا في الكتلة النسائية؟ وفي حال وافقت المرأة، سوف ندعمها أكثر. وطبعاً نتجنب نشوء أي منافسة بين «النسويات» والمرشحات الأخريات.
من المهم أن ننتبه ألا تقف الكتلة النسائية في صفِّ حزبٍ معين على طول الخط، أو أن تتم السيطرة عليها من قبل نساء منتميات لحزب واحد. ينبغي التفكير بكيفية التوزيع، وهذا ممكن بالعموم، لأن المواقف الصديقة للمرأة والمعادية لها ستكون كل مرة في حزب آخر. الحزب المسيحي هو الحليف الأفضل في أمور النفقة، والحزب الليبرالي في فردنة الضرائب والتأمينات الاجتماعية، وحزب العمل في تخفيض ساعات العمل. لذلك سيكون لدينا دائماً نساء يعتذرن أن لديهنّ أولويات أخرى: تخفيض ساعات العمل هو الأهم، النفقة هي الأهم، المساواة في الحصول على راتب البطالة هي الأهم. أليس محض الجنون أن يحصل اليافعون المتخرجون لتوّهم من المدارس على منحة مالية، وألا تحصل النساء اللواتي اتبعن تعليماً في سنٍّ متأخرة على شيء؟
هل تطمحين أن تقوم الكتلة النسائية بمبادرات خاصة بها؟
أجل. الأمر الذي يمكن أن تقوم به الكتلة البرلمانية النسائية، وهو ما كان ينبغي على حزب العمل أن يفعله منذ زمن (هذا دليل آخر على أن الرجال اليساريين لا يفيدونك بشيء)، هو تقديم مقترح لقانون يحدّد أن يكون نصف ممثلي الشعب من النساء. بهذه الطريقة نحقق أخيراً حق الاقتراع السلبي. ذلك الحق موجود على الورق فقط، ولكن يجب تفعيله أيضاً.
ولكن أليس من الصعب أن نجد حالياً عدداً كافياً من المرشّحات؟
أعلم ذلك، ولكن المشكلة لها حل. يمكننا إضافة بند بأننا نطمح إلى الوصول إلى نسبة الخمسين بالمئة خلال اثني عشر عاماً على سبيل المثال. وفي الانتخابات التي تجري خلال تلك الفترة سوف نستعمل نسباً وسطية. حين يعلم الحزب السياسي، الذي يملك كتلة برلمانية كبيرة، أن نصف الكتلة ستكون من النساء بعد اثني عشر عاماً، سيرى أن من مصلحته أن يشتغل بجدية على تهيئة تلك الكوادر، بدلاً من رمي السياسيات الجديدات في عمق التجربة مباشرة. لدينا مئات من النساء اللواتي يتمتعن بالقدرات الكافية، بل أكثر بكثير من الخمسة وسبعين مقعداً التي سوف نحتاجها لتنفيذ ذلك القانون في عام 1997. الفرق هو أن لا مصلحة للأحزاب السياسية حالياً في تشجيع النساء وتحضيرهن للعضوية في البرلمان.
ولكن لماذا تتوقعين أن السياسيين الرجال سوف يصوّتون على هكذا مقترح قانوني؟
لن يفعلوا ذلك الآن، حتى لو كان نتيجة منطقية لأفكارهم التنويرية حول الديقراطية والمساواة في المواطنة. ينبغي إجبارهم على اتخاذ ذلك الموقف، فمن الناحية الإيديولوجية لا يوجد أي مفر للأحزاب التقدمية والحزب الليبرالي.
ولكن حتى الآن نادراً ما وُجد أي عامل (سابق) في البرلمان؟
لم يعد الأمر ضرورياً بالنسبة للعمال، لأن بمقدورهم ممارسة التأثير غير المباشر عبر النقابات. ولكن النساء ليس لديهنّ ذلك، فحركة النقابات مرتبطة بالعمل المأجور. لذلك النساء مضطرات أن يعتمدن على السلطة المباشرة، أي على النساء في البرلمان ومجلس الوزراء.
كتل برلمانية نسائية، وتحسين قانون الانتخاب، ولكن ماذا بعد ذلك؟
المرحلة التالية هي تأسيس حزب نسوي (من ناحيتي، لا مانع من انتساب الرجال إليه). يجب أن يحصل ذلك قبل الانتخابات بفترة طويلة. هذا يعني أنه باستطاعتنا أن نكتب منذ الآن برنامجاً حزبياً مفصلاً ومعقولاً وقابلاً للتنفيذ، على شرط أن نحصر أنفسنا بقضايا النساء. المتوقع أن ستين إلى سبعين بالمئة من النساء الناخبات سوف يتقبلن هكذا برنامج، لأننا بتنا نعرف قناعات النساء حول التحرر. لا تكمن المشكلة إذن في مطالب النساء، وإنما في إمكانية التوصل إلى توافق مع الأحزاب السياسية الأخرى.
لقد تعلّمنا من تاريخ السياسة البرلمانية الديمقراطية في هولندا أن الجماعة التي تتحد من أجل تحقيق أمر في مجال سياسي هام تستطيع أن تتوصل أثناء النقاش إلى توافقات بخصوص القضايا الأخرى. وإذا تبدّى الأمر صعباً جداً، فيمكن تعيين لجنة يجتمع فيها الموافقون والمعارضون، أو يتمّ التهرب عن طريق الغموض أو «المسائل الحرة». في الحقيقة هذا ما حصل في بدايات حزب العمال الاجتماعي الديمقراطي، فقد كان لديهم برنامج متخصص بمطالب العمال فقط. ولكنهم أضافوا إليه مواقف أخرى بعدما توسعت كتلتهم البرلمانية.
وكمثال حديث لدينا حزب الديمقراطيين 66 الذي يهدف بشكل أساسي إلى دمقرطة نظام الدولة. أما مواقفهم السياسية الأخرى، فقد نشأت عبر النقاشات الداخلية، والنظر كيف تفكر أكثرية الحزب بخصوص مسألة معينة. الكلام وإحصاء الأصوات، وبعدئذٍ اتخاذ قرار يحاول تلبية الأقلية قدر الإمكان. بهذه الطريقة استطاع حزب الديمقراطيين 66 أن يجد لنفسه مكاناً في منظومتنا السياسية. وعلى فكرة، معظم أحزابنا السياسية الكبيرة هي عبارة عن توافقات بين رؤى سياسية مختلفة. انظري إلى الاختلافات البينية داخل الحزب المسيحي، وإلى الحزب الليبرالي الذي يجمع بين المحافظين والليبراليين على حدٍ سواء. أما حزب العمل فهو بوتقة حقيقية، حيث «اخترق» الساحةَ السياسية بعد ضمّه تحت جناحه كلٍ من حزب العمال الاجتماعي الديمقراطي، ورابطة التحرر الديمقراطية، واتحاد المسيحيين الديمقراطي، وآخرون ينتمون لأجواء الحركة الشعبية الهولندية.
أحزابنا الكبيرة عبارة عن أحزاب عقلية إذن، أي أن الفلسفة السياسية تُستخدم بغرض رسم الخط العام للمجموعة، الذي سيُحافظ بدوره على الاستمرارية وتوحيد الفعل. لذلك لا ينبغي أن يكون الحزب النسوي عنصراً غريباً ضمن العلاقات الحزبية، حتى لو جاء السياسيون الرجال ليقنعونا بذلك. هل يصحّ أن يكون تأميم البنوك، أو تخفيض ضرائب الشركات، أو تعاليم الكنيسة، مصدراً لتوحيد القوى السياسية، ولا يحق لحقوق المرأة أن تقوم بذلك الدور؟ كفى هراءً، لا يوجد أي سبب يمنع النساء المتفقات على أمر جوهري كإعادة تقسيم العمل المأجور وغير المأجور من أن يتفِقن كذلك على استصلاح بحيرة الميركرفارد أو تركيب الصواريخ النووية.
نحتاج إلى السيطرة على النفس بكل تأكيد، ولكن ها نحن قادرات على التعامل مع أطفالنا الصغار. كل ما هنالك أننا سنوسّع إحساسنا بالمسؤولية من المجال الخاص إلى المجال السياسي. من المهمّ أن يتمّ تأسيس حزب النساء من قِبل نسويات لديهنّ تجربة سياسية، لأننا بحاجة إلى تنظيم متين وآلية سلسة تدرك أن لا مفرّ من التوافقات. أتوقع أن تأتي الخيارات السياسية العامة لحزب النساء على يسار الوسط، وهذا ما يسميه علماء السياسة بالفجوة في سوق الناخبين، أي أنها المنطقة التي تفشل الأحزاب السياسية عادةً بالاحتفاظ بناخبيها.
إذا صار لدينا حزب للنساء، فكيف ترينَ إلى دور المنظمات السياسية النسائية؟
هي إحدى الأعمدة الثلاثة لبناء السلطة، وحالياً العماد الوحيد الذي نملكه. ولكن حتى لو بنينا العمادين الآخرين (الكتلة البرلمانية النسائية، وحزب النساء)، فسنبقى بأمسّ الحاجة إليها. المنظمات السياسية النسائية ينبغي أن تكون بمثابة ورشات العمل للراغبات بالشغل على قضايا النساء من خلال منظور اشتراكي، أو ديمقراطي، أو ديمقراطي مسيحي، أو ليبرالي. وأنا سعيدة جداً أن النساء بدأن بالتعاون، فاليوم قرأتُ في الجريدة أن رئيسات المنظمات السياسية التابعة لبعض الأحزاب قد تقدمنَ بلائحة مطالب مشتركة إلى المشرف على تشكيل الحكومة. بالنسبة لي، إن 15 حزيران 1981 هو يوم تاريخي، لأننا اتخذنا فيه الخطوة الأولى نحو التضامن الفعّال بين النساء.
ينبغي أن ينشأ تعاون جيد بين المنظمات النسائية والكتل البرلمانية النسائية والحزب النسائي، أي أن تجتمع حول الطاولة للتنسيق فيما بينها حول الاختصاصات. كما ينبغي تجنب نشوء الانقسامات في جميع الأحوال. افترضي أن بعض النساء اتّخذن قرار الانسحاب من حزب العمل والانضمام إلى حزب النساء، وقتئذٍ يجب ألا يترافق ذلك بالانشقاقات. دعوا حزب العمل يغضب، على شرط أن يبقى التواصل مع النساء الحمراوات مبنياً على التضامن والتقدير المتبادل.
ألا تقتربين من «غسيل ملوّن» تمّ تأسيس دار نشر «غسيل ملوّن» في عام 1973، حيث قامت بطبع كتبها الأولى يدوياً وتوزيعها شخصياً. وقد كانت الرائدة النسوية أنيا مولينبيلت إحدى النسويات اللواتي بدأن مشوارهن الكتابي ضمن هذه المجموعة. تبنّت «غسيل ملوّن» طرحاً نسوياً راديكالياً بخصوص مشاركة الرجال في الحراك، والتعاون مع الدوائر الرسمية، والنسوية الممولة، وتزايد تطبيب النسوية. من هذه الناحية، تُعتبر «غسيل ملوّن» ضمير الموجة النسوية الثانية في هولندا [المترجمة]. بنفوركِ من الأحزاب السياسية الحالية؟
هناك تقارب من ناحية التحليل -حيث أن اضطهاد النساء أكبر بعشر مرات مما نظن حالياً-، ولكن ليس من الناحية الاستراتيجية. أو بالأحرى: «غسيل ملوّن» ليس لديهنّ أي استراتيجية أو حلول. كل ما يدعينَ إليه هو عدم المشاركة والانسحاب من حزب العمل. ولكننا نتخلى بذلك عن السلطة القليلة التي نملكها، حتى أننا لن نكون قادرات على مكافحة الكوارث، كمعارضة إلغاء النفقة و تراجع الضمانات الاجتماعية. وهذا على عكس حزب النساء الذي يقدم بديلاً لليائسات من التلاعب المستمر بمصالحهنّ. كما أن وجوده يقوّي المنظمات النسائية التابعة للأحزاب السياسية، ويدعم مساوماتهنّ مع رجال أحزابهنّ: إذا لم تستمعوا إلينا، سوف نخسر كثيراً من الأعضاء/الأصوات لصالح حزب النساء.
ربما نحتاج إلى تغيير الأنظمة الداخلية للأحزاب، بحيث يصبح الانتساب إلى أكثر من حزب سياسي ممكناً. أرى ذلك مقبولاً جداً من الناحية الأخلاقية، فالحزب السياسي وسيلة، وليس هدفاً بحد ذاته. إذا كنتُ أعمل لصالح حزب النساء، فهذا لأن حزب العمل الذي أنتمي إليه لا يأخذ القِسمة العادلة على محمل الجد.