عادت محافظة السويداء إلى قلب الأحداث يوم السادس والعشرين من شهر تموز الماضي، عندما سيطرت مجموعات أهلية مسلّحة بقيادة «حركة رجال الكرامة» على المقر العسكري لحركة الفجر وأسرت عدداً من عناصرها. والفجر مجموعة مسلّحة معروفة بارتباطها بالأمن العسكري التابع للنظام، يحمل عناصرها بطاقات أمنية تضمن لهم حرية الحركة، ويقودها راجي فلحوط الذي كان يسعى إلى تنصيب نفسه حاكماً عسكرياً على منطقة الجبل. وقد أعادت الصور والمشاهد التي انتشرت على وسائل التواصل الاجتماعي إلى الأذهان مشاهد من العامين 2011 و2012، عندما كانت مقرات أمنية تابعة للنظام تسقط في يد مجموعات محلية مسلّحة مناهضة للنظام، بعد أن كانت هذه المقرات منطلقاً للخوف والترهيب والتنكيل، وهي الأفعال نفسها التي كان يقوم بها راجي فلحوط وجماعته خلال السنوات الماضية.

ولكن كيف صعدَ راجي فلحوط، إلى هذه المكانة الأمنية في المحافظة الحدودية، التي تسكنها أقلية لها زعامات دينية عديدة وتحكمها اعتبارات عائلية وعشائرية، وكيف انتهت قصة راجي فلحوط وحركة الفجر بهذه الطريقة الخاطفة، ولماذا الآن؟

يحاول هذا المقال أن يعيد رواية القصة التي تتقاطع فيها ثلاثة محاور: المحور الأول هو شخصية راجي فلحوط، أو أبو فجر كما يلقّب نفسه، وانتقاله بين جهات متناقضة مغطياً مسيرته بخطابات عن حبّه للطائفة الدرزية التي ينتمي لها، والمحور الثاني هو مدينة شهبا أكبر مدن القسم الشمالي للمحافظة والتي كانت الشرارة التي فجرت نهاية أبو فجر، والمحور الثالث هو تنافس الأجهزة الأمنية في السويداء الذي يشكل المحرك الأساسي للوضع الأمني في الجبل.

راجي فلحوط الثائر

ينحدر راجي فلحوط من قرية عتيل الواقعة شمال مدينة السويداء على الطريق الدولي الواصل بينها وبين دمشق، وقد عاد إلى قريته قادماً من من الإمارات عام 2012، ساعياً إلى إنشاء معمل للحجر. لم يكمل راجي عامه الأول بعد العودة حتى بدأت التحركات المناهضة النظام تثير اهتمامه، لكنه لم يشارك في الاحتجاجات السلمية التي كان يقوم بها ناشطون في السويداء، بل كان يرى أن العمل المسلح هو الطريق الوحيد للخلاص من النظام على ما يبدو. كان رأيه ذاك يتقاطع مع آراء كثيرين في شتى الأراضي السورية الملتهبة وقتها، وذلك نتيجة فشل الكفاح السلمي بسبب العنف غير محدود للنظام.

مع بداية تأسيس حركة رجال الكرامة في العام 2013، وجدَ راجي فلحوط طريقه إلى قرية المزرعة، وكان من ضمن الوفود العديدة التي بدأت تحج هناك إلى مضافة الشيخ وحيد البلعوس، مؤسِّس الحركة. بحسب زوّارٍ لمضافة الشيخ ممّن شهدوا تلك المرحلة وكانوا على اطّلاع بالنقاشات التي تدور في المضافة، فإن راجي عثرَ في تلك المضافة على شيئ قريب ممّا كان يفكر فيه، وبالمحددات الثلاثة التي أطلقها الشيخ البلعوس آنذاك وهي حماية الأرض والعرض والدين.

جاءت هذه المحددات الثلاث الصلبة بعيدةً عن «ميوعة وسيولة السياسة» وفق التوصيفات التي كانت شائعة في أوساط المؤيدين لتوجهات الحركة، فهي كانت تختلف عمّا كان يتداوله ناشطون سلميون آنذاك من عقد اجتماعات سرية بعيداً عن عيون الأمن للتداول في الأحداث السياسية أو التخطيط للخروج في مظاهرات، وحتى عن محاولات إنشاء تجمعات سياسية تعكس الطموحات الديمقراطية للعام 2011. بحسب المقربين من رجال الشيخ أبو فهد الذين تحدّثتُ إليهم، لم تكن شخصية فلحوط ووجهة نظره تقبل مثل هذه الأفكار، بل كان يرى أنه يجب مواجهة النظام بالسلاح، ويجب التعامل مع الآخرين من غير الدروز، سواء كانوا موالين للنظام أو معارضين له، على أنهم خصوم محتملون يجب الحذر منهم، وأنه يجب أن تكون لأهالي محافظة السويداء كلمة الفصل في كل الأمور التي تخص محافظتهم.

بدأ راجي بالتقرب أكثر من الشيخ أبو فهد البلعوس، وأصبح واحداً من رجاله حتى قبل أن تسمى مجموعته بحركة «رجال الكرامة». لم تأخذ هذه الحركة موقع المعارض الجذري للنظام ولا المؤيد له، بل حاولت كسر الثنائية الضدية بين مؤيد ومعارض في محافظة السويداء بأخذ موقف الحياد من الطرفين المتحاربين في سوريا، ومحاولة منع جر السويداء إلى أي من الفريقين، والهدف هو حماية الدروز من أي خطر. لاقت أفكار الشيخ وحيد البلعوس، المُحدَّدة بحماية الأرض والعرض والدين كما قلنا، قبولاً عند راجي وأصبحت منظاراً يرى من خلاله الأحداث التي تحصل.

شكَّلَ راجي فلحوط ومعه عددٌ من الأفراد شريانَ الشباب في الحركة، وكان يساهم في عمليات احتجاز ضباط وعناصر النظام التي تقوم بها الحركة لمبادلتهم بأشخاص يعتقلهم النظام لأسباب تتعلق بالخدمة الألزامية. بدأت تتكون شخصية راجي فلحوط القيادية بالتدريج، وتتطابق مع توجهات عدد كبير من جيل الشباب في الحركة، والتي كانت راديكالية من حيث الرغبة في قطع جميع العلاقات مع النظام والدعوة لطرد عناصره وضباطه من المحافظة، إضافة إلى قطع العلاقة مع مشايخ العقل باعتبارهم ممثلين للسلطة، وذلك في مقابل جيل المشايخ الذي يميل إلى الاستقرار، وضبط التحرك ضد النظام وفق المحددات التي أطلقها الشيخ أبو فهد، وهي منع سوق أبناء السويداء إلى الجيش بالقوة وحماية حدود الجبل من أي هجوم بغض النظر عن هوية المهاجمين.

أثبت راجي كفاءته في عمليات الاختطاف وسائر العمليات المسلّحة التي نفذّتها الحركة، وبدأ الحضور المُكثَّف في مضافة الشيخ البلعوس والتقارب مع نجله ليث يعطي ثماره، وذلك عبر تشكيل تيار داخل الحركة يضغط نحو الحلول الثورية في مواجهة جيل المشايخ الذي يستلم زمام الأمور ويعطي شرعية دينية للحركة داخل المجتمع الدرزي.

بعد اغتيال الشيخ البلعوس وعدد من قيادات الحركة علي يد النظام في أيلول (سبتمبر) 2015، وبحسب المصادر نفسها المقرّبة من الحركة، بدأت الحركة تعاني من الانقسامات الداخلية غير المعلنة، وذلك بين تيار المشايخ وتيار الشباب الذين كان بينهم راجي. كان الشباب يصفون القادة الجدد بالانهزامية، وبأنهم مخترقون أمنياً، وذلك لعدم أخذهم موقفاً جذرياً من النظام بعد اغتيال الشيخ المؤسِّس.

في بداية العام 2018، وبالتحالف بين تيار الشباب في الحركة وعدد من المجموعات الأهلية المسلّحة الأخرى في المحافظة، تم تشكيل فصيل الشريان الواحد بقيادة ليث البلعوس نجل الشيخ وحيد، ولذي سيعطي شرعية دينية لهذا الفصيل. في البيان التأسيسي لحركة الشريان الواحد، يظهر راجي فلحوط مُهدِّداً بقصف فرع الأمن العسكري في المحافظة في حال قام النظام بأي تصعيد، فيما كانت العلاقة مقطوعة تماماً بين مجموعة الشريان الواحد وحركة رجال الكرامة التي استلم قيادتها الشيخ يحيى الحجار.

لم يستطع الفصيل إقناع المجتمع المحلي في السويداء باحتضانه، وفشل في إيجاد تمويل لنشاطاته. تفكًّكً الشريان الواحد إلى مجموعات، وانكفأ راجي فلحوط إلى قريته مع مجموعته التي أطلق عليها اسم «عتيل الكرامة» باحثاً عن تمويل، وبدأ بعمليات تهريب أسلحة إلى المحافظة منذ ذلك الوقت بحسب ما يقوله كثيرون من أبناء قريته ومحطيها.

شهبا: مثلث برمودا

تقع قرية عتيل حيث عاد راجي فلحوط على مقربة من مدينة شهبا، إلى الجنوب منها. وكانت شهبا قد أخذت مكاناً متقدماً في الاحتجاجات السلمية، إذ احتمى فيها الناشطون وراء أبرز العائلات في المدينة وهي آل الطويل وآل الخطيب، العائلتان اللتان تشكلان ثقلاً اجتماعياً واقتصادياً في الجبل.

استطاعت شهبا، بهذه التركيبية العائلية المتماسكة، حماية نفسها من التعسّف الأمني، ونجح الناشطون فيها منذ العام 2011 بالخروج في عدد من المظاهرات السلمية، التي كانت تفشل في كثير من قرى وبلدات المحافظة الأخرى بسبب عدم وجود حاضنة عائلية تكسر السيطرة الأمنية التي يفرضها النظام.

هكذا أصبحت شهبا تشكّل مساحة مهمة للمعارضين للنظام في محافظة السويداء، ومع ظهور السلاح والمجموعات الأهلية المسلحة في المحافظة لاحقاً، ظهرت مجموعات مسلحة عديدة في محيط شهبا وراحت ترتكب على مرّ السنين أعمال خطف وسطو تزعزع الأمن والاستقرار في المدينة. تعمل كثيرٌ من تلك المجموعات برعاية ودعم من الأمن العسكري التابع للنظام ويحمل عناصرها بطاقات أمنية، ويعتقد كثيرون من أبناء شهبا الذين تحدثتُ إليهم أن النظام تعمّدَ إيجاد فراغ أمني في شهبا من خلال التواصل مع هذه المجموعات في محيط المدينة، بهدف توجيه رسالة للأهالي أن أي تصعيد ضد النظام سيكون مصيركم الفلتان الأمني.

تحولت شهبا ومحيطها بفعل تلك المجموعات إلى ثقب أسود يلتهم كثيرين ممّن يزورون السويداء، عن طريق أعمال الخطف والتنكيل التي تقوم بها هذه المجموعات، التي تؤمّن تمويلاً ذاتياً من خلال تجارة المخدرات التي يتم نقلها إلى مهرّبين من البدو المستقرين على الأطراف الجنوبية لمحافظة السويداء، والذين يقومون بدورهم بنقلها إلى الأردن ومن ثم دول الخليج. وقد اشتبك حرس الحدود الأردني أكثر من مرة مع مجموعات البدو تلك، وأبدى ملك الأردن انزعاجه من عمليات تهريب المخدرات والسلاح التي تقوم بها «ميليشات لها علاقة بإيران» عبر حدود بلده مع سوريا.

أدّى نشاط هذه الشبكات إلى تحويل مدينة شهبا من رمز لمعارضة للنظام داخل السويداء إلى مثلث برمودا، بحسب تعبير ناشطين في السويداء، بسبب عمليات الخطف والسلب. ويبدو أن الأمن العسكري استطاع فعلاً نسج شبكة من مجموعات مسلّحة في شهبا ومحيطها، وكان رأس تلك الشبكة راجي فلحوط في قرية عتيل.

الأمن العسكري وأمن الدولة

لا يمكن فحص أي مشهد داخل السويداء دون النظر إلى الدور الروسي والإيراني في الجنوب، وذلك عبر أدواتهما المحلية في المنطقة. وتختلف المقاربة الروسية عن المقاربة الإيرانية لملفّ بالسويداء، إذ في حين ترعى إيران عبر الأمن العسكري عصابات مسلحة تحمل بطاقات أمنية صادرة عنه، يسعى الروس إلى إقامة علاقات مع الزعماء التقليديين في الجبل وأبرزهم الأمير يحيى عامر والأمير لؤي الأطرش.

وقد كان التركيز الروسي منصباً مؤخراً على تهدئة جبهة القريا في الجنوب الغربي للمحافظة، التي اشتعلت لسنوات مع الفيلق الخامس المدعوم روسياً في درعا. كما عملت روسيا على رعاية المصالحات بخصوص عودة البدو الذين نزحوا خارج السويداء، ودفعت أمن الدولة للقيام بالعديد من التسويات بهدف إقناع شباب السويداء بالذهاب للخدمة الإلزامية، ولم يتجاوز عدد الذين اقتنعوا بالمصالحات التي يديرها أمن الدولة مئة شخص بحسب مصادر من محافظة السويداء.

في أيلول (سبتمبر) من العام الماضي، تم إيقاف راجي فلحوط على حاجز تابع لأمن الدولة عند القطفية في ريف دمشق، وذلك أثناء عودته من الساحل، ثم تم إطلاق سراحه بعدما حاصرت مجموعته فرع أمن الدولة في مدينة السويداء.

بعدها في تشرين الثاني (نوفمبر) من العام الماضي أيضاً، وصل نمير مخلوف كمحافظ للسويداء بدعم من أمن الدولة، وقد جاء بشخصية المسؤول القوي الذي يريد استعادة هيبة القانون في السويداء، وعمل على نشر تعزيزات أمنية على عدد من مفارق الطرق في السويداء، إضافة إلى تعزيز القوى الأمنية في مشفى السويداء، وإطلاق حملات لمكافحة الأكشاك التي تقوم ببيع المحروقات المهربة. لكن المحافظ الجديد لم يستطع الحد من نشاط عصابات الخطف التي يديرها الأمن العسكري، وبعد أقل من ثلاثة أشهر على وصوله اندلعت احتجاجات مطلبية في السويداء رافقتها مجموعات مسلحة لحمايتها. في ذلك الوقت، استطاع أمن الدولة استمالة عدد من هذه المجموعات أبرزها مجموعة قرية أم الزيتون القريبة من مدينة شهبا.

لم يستطع مخلوف، ومن خلفه أمن الدولة، ضبط الفلتان الأمني في السويداء، واصطدم بشبكة معقدة من العصابات التي يُشغّلها الأمن العسكري، ثم صدر مرسوم رئاسي بنقل مخلوف وتعيين محافظ جديد. وصل المحافظ الجديد إلى السويداء في 15 من تموز (يوليو) الماضي، وهو الشهر الذي شهد بداية تصاعد التوتر بين أهالي شهبا وحركة الفجر. دخل المحافظ الجديد سالكاً طرقاً فرعية، بعدما قطع راجي فلحوط طريق دمشق السويداء بسبب خلافه مع عائلات أهالي شهبا.

الصعود إلى الذروة

في العام 2020، قتلت إحدى هذه المجموعات المسلّحة في شهبا شابين من آل الطويل أكبر العائلات في شهبا، وقد استطاعت عائلة الطويل حشد عائلات المدينة وسحب الغطاء الاجتماعي عن كل متورط بالعمل مع تلك العصابات وسعت إلى تقييد التسلّح في شهبا، وأجبرت أفراد تلك المجموعات من الخروج من المدينة كرد فعل على مقتل الشابين.

لم يكن أمام هذه المجموعات التي طُردت من مدينة شهبا سوى الالتجاء إلى راجي فلحوط، الذي بدأ يعمل على مشروعه الشخصي، والذي بدا واضحاً أنه يهدف إلى أن يصبح لاعباً أساسياً في أي حدث في الجبل.

في الشهر الرابع من العام نفسه 2020، عملَ فلحوط على توسيع الفصيل الذي كان يتزعمه باسم «بيرق عتيل الكرامة» وأسَّسَ حركة الفجر التي حملت اسم ابنه. كان للحركة ثلاث أدوار: إثبات نفسها كقوة عسكرية تفرض الأمر الواقع وجاهزة للصدام مع خصومها، وإبراز القائد أبو فجر الإنساني الذي يساعد الفقراء ويساهم في تغطية علاج المرضى، فيما كان الدور الثالث هو الإشراف على شبكات المخدرات ونقلها من القسم الشمالي لمحافظة السويداء باتجاه الجنوب إلى الحدود الأردنية، وشرقاً وصولاً إلى بادية السويداء الممتدة إلى العراق.

بعد نحو عام بدأت العراقيل تظهر في وجه فصيل راجي فلحوط، حيث بدأ قطع طريق شبكات المخدرات من قبل حزب اللواء السوري الذي تم تأسيسه في تموز من العام الماضي، والذي أعلن عن توجهاته بمكافحة ما أسماه النفوذ الايراني في السويداء. تركَّزَ ثقل حزب اللواء، الذي تتهمه أوساط في السويداء بأنه يتلقى تمويلاً أميركياً، في ذراعه العسكري الذي حمل اسم «قوة مكافحة الارهاب»، والذي تمركز في المنطقة الشرقية في الجبل المحاذية للبادية التي تصل السويداء بكل من العراق والأردن.

استطاع فلحوط حسم الصراع بينه وبين «قوة مكافحة الإرهاب» في شهر حزيران (يونيو) الماضي، وذلك بعملية مشتركة مع مليشيا الدفاع الوطني أدت إلى مقتل سامر الحكيم قائد قوة مكافحة الارهاب وتشتت عناصرها.

المشهد الأخير

بعد القضاء على قيادات قوة مكافحة الإرهاب، أصبح الانتماء للقوة تهمة جاهزة يمكن لراجي فلحوط خطف واعتقال أي من معارضيه على أساسها. ثم بدأ بالتخطيط لإقامة مركز عسكري متقدّم له على تلة محاذية لمدينة شهبا تدعى تلة المسيح، وبذلك يستطيع السيطرة على القسم الشمالي من محافظة السويداء، بما في ذلك شهبا التي كانت طردت عصابات تابعة للأمن العسكري من داخلها قبل نحو عامين كما أشرنا أعلاه.

لم توافق عائلات شهبا الأساسية على السماح لراجي بالتمدد أو بإنشاء مقره على التلة، فبدأ بالضغط على آل الطويل بخطف أحد أبناء مشايخهم بتهمة انتمائه لقوة مكافحة الإرهاب. رفضت العائلة الانصياع لمطالب فلحوط، الذي بدأ يلاحق آل الطويل ويقوم بخطف أفراد منهم. ردت العائلة بالالتجاء إلى عائلات المدينة الأخرى، وتحالفت مع آل الخطيب ذوي النفوذ الديني والكتلة الاقتصادية الأكبر في المدينة. أقفلت المتاجر أبوابها، وقطع الأهالي الطريق.

خلال الأعوام التي نشطَ فيها، وخلال كل المراحل والتحولات التي مرّ بها منذ انضمامه للشيخ وحيد البلعوس وصولاً إلى تحوّله ذراعاً للأمن العسكري، راكم راجي فلحوط كثيراً من العداوات والخصومات، بداية من رفيق دربه ليث البلعوس نجل مؤسس حركة رجال الكرامة الذي يتهم الأمن العسكري وإيران بقتل والده، والذي أسَّس فصيل «رجال الشيخ أبو فهد»، مروراً بقوة مكافحة الإرهاب التي قتل قائدها ويلاحق أفرادها، وصولاً الى العائلات التي تضررت من أعمال السلب والخطف التي يقوم بها. يضاف إلى ذلك موقف حركة رجال الكرامة التي تعتبر أن حركة الفجر مصدر قلق وعدم استقرار في الجبل، وهي وجهة النظر هذه كانت تنقلها الحركة في اللقاءات الدينية والاجتماعية وحتى في اتصالاتها مع مسؤولي النظام. وفوق كل ذلك، يحضر انزعاج المملكة الأردنية ومن خلفها دول الخليج من إغراقهم بالمخدرات عبر شبكات التهريب التي يشكل فيها راجي فلحوط حلقتها الأكبر في السويداء، ثم جاء التقارب الخليجي الروسي نتيجة الحرب الأوكرانية، ورغبة روسيا في عرقلة شبكات تهريب المخدرات تلك تلبية للرغبات الأردنية والخليجية، التي تلاقت مع رغبة شعبية بتجفيف شبكات المخدرات المارة باتجاه السويداء وعبر السويداء.

تلاقت كلّ هذه العوامل لترسم المشهد الأخير.

قبيل الهجوم على مقرات راجي فلحوط بيوم واحد، اجتمع آل الطويل وسائر العائلات في مدينة شهبا في دار الأمير يحيى عامر الذي يمتلك علاقات مع الجانب الروسي ومع ضباط في أمن الدولة، وقرروا الهجوم على مقر راجي فلحوط. وبحسب مصادر خاصة من مدينة شهبا، فإن التنسيق حصل بين ضباط من أمن الدولة وحركة رجال الكرامة لقيادة الهجوم، على اعتبارها الحركة الأكثر انضباطاً والأكثر حظوة شعبية بين سائر الفصائل الأخرى، في حين حصلت الحركة على ضمانات من ضباط أمن الدولة بأن النظام لن يستغلّ الهجوم لفرض أي أجندات تهدف إلى تطويع السويداء. ساندَ هذا الهجوم فصيل «رجال الشيخ أبو فهد» بقيادة ليث البلعوس، كما تحرّك فصيل أم الزيتون المدعوم من قبل أمن الدولة المشار إليه أعلاه، لتكون تلك نهاية حركة الفجر.

في بلد مثل سوريا، تتواجد فيه جيوش لأربع دول وتخترقه المخابرات، من الصعب أن يحدث أي تغيير مهما بدا محلياً دون ظروف على صعيد علاقات القوى الدولية المؤثرة ببعضها بعضاً، وقد تزامنت الظروف هذه المرة مع تذمر المجتمع المحلي في السويداء من العصابات التي يديرها الأمن العسكري، لتكون هذه مناسبة للتخلص من أحد أبرز هذه العصابات وتوجيه ضربة قوية لشبكات تهريب المخدرات. وبحسب تقرير نشره تجمع أحرار حوران، فإن الأردن أحبط خلال العام الماضي 361 عملية تهريب للمخدرات، ولكن خلال شهر تموز الذي شهد إنهاء جماعة فلحوط في أواخره، تراجع العدد إلى الصفر.إلى الآن لم يُعرف مصير راجي فلحوط ، لكن مشاهد جثث عناصر حركة الفجر التي يستفيق عليها أهالي السويداء وقد تمت تصفية أصحابها، تؤكد أن حركة راجي فلحوط أصبحت من الماضي، دون أن نعرف ما إذا كانت بقية العصابات الأقلّ شأناً التابعة للأمن العسكري ستصبح من الماضي أيضاً، لكن فصيل «بيرق الفهد» أكبر هذه المجموعات أعلن عن تسليم سلاحه الثقيل، ووضع نفسه تحت مراقبة المرجعيات الدينية والأهلية لمراقبة نشاطه، فيما زار وفد روسي مضافة الشيخ البلعوس، الذي أعلن نجله ليث أن أي تواجد لأذرع أيران وحزب الله سيكون هدفاً له منذ الآن، ما يشير إلى الأحداث تسير نحو اجتثاث العصابات التابعة للأمن العسكري من السويداء بتنسيق روسي.