يمكن لفاقدي السمع التغلب على بعض العقبات بوجود الرعاية والمستلزمات الطبية اللازمة، وهو ما ليس متوفراً في الشمال السورية بطبيعة الحال. حيث يواجه فاقدو السمع أو من لديهم درجات من ضعف السمع بسبب القصف العشوائي وصوت الانفجارات حالةً من الإهمال وغياب الرعاية، وهم ينقسمون بين مصابين بنقص سمع جزئي يمكن علاجه باستخدام سماعة طبية، وآخرين فقدوا سمعهم نهائياً وبحاجة لعملية زراعة حلزون. الأمر الأخير مستحيلٌ بالنسبة لسكان الشمال، فلا يوجد إمكانيات طبية وتقنية يمكنها أن تسهّل لهم العلاج، وفي حال وجدت تكون مكلفةً جداً. وحتى لو نُقِل فاقد السمع، مثل بعض الحالات المرضية الأخرى للعلاج في تركيا، فلن يجد العلاج متوفراً في المشافي العامة، وسيكون مكلفاً للغاية في المشافي الخاصة.

لا قدرة على امتلاك سماعة طبية

يعاني غالبية مرضى ضعف السمع في الشمال السوري من صعوبة تأمين سماعة طبية تساعدهم على سماع العالم المحيط والانخراط في المجتمع بسبب الفقر والحرب. ربيعة (20 عاماً) من ريف حلب الغربي، تعاني منذ ولادتها من ضعفٍ في السمع والنطق أيضاً. لم يكتشف أهلها مشكلتها حتى عمر سنة ونصف، عندما كان أخوها التوأم  يتحدث ويتفاعل مع العالم المحيط وهي صامتة. عُرضت ربيعة على طبيب مختص أخبرهم أنها بحاجة سماعة طبية، واستطاع الأهل حينها شراء السماعة لربيعة، وفي سن السادسة دخلت المدرسة، وتعلمت حتى الصف السادس الابتدائي، ثم توقفت بعد أن عانت من تنمّر زملائها عليها ومناداتها بالـ«طرشة»، إضافةً إلى عدم تفهّم المعلمين لحالتها.

تجلس ربيعة حالياً بين إخوتها، تفهمهم دون أن تسمع أصواتهم، وتتفاعل معهم بحركات اليد وإيماءات الرأس. بوفاة الأب لم يعد هناك معيلٌ للعائلة، ولا يمكنهم شراء سماعة طبية لربيعة. تقول أختها هبة: «الكثير من المنظمات وعدت بتقديم سماعة لأختي ولم يفعلوا».

لدى عمر مسطو (45 عاماً) من مدينة الأتارب بريف حلب الغربي المشكلة نفسها، فقد أصابته الحمى وهو طفلٌ صغير، ما أدى لفقدانه حاستي السمع والنطق. تقول زوجته: «لم يكن سهلاً التواصل معه بداية زواجنا، ولكن تدريجياً تعلمتُ لغة الإشارة فصرت أتواصل معه وأفهم ما يريد قوله».

وضع أبناء عمر مسطو لوالدهم سماعة طبية العام الماضي، وأصبح يسمع. كذلك علّمه مدرسٌ طريقة نطق الحروف فنطق بعض الكلمات، لكن بعد أن تعطلت السماعة لم يعد بإمكانه أن يسمع، و بدأ ينسى الكلمات القليلة التي تعلّمها. تخبرنا زوجته أن لا قدرة لأولاده على شراء سماعة جديدة له.

أما عمر عبد الرحيم (42 عاماً) من ريف حلب الغربي، والذي فقد سمعه عندما كان طفلاً صغيراً بسبب ارتفاع حرارته، فقد تعلّم مهنة تصليح الأدوات الكهربائية من أخيه الأكبر، ويتواصل مع أهله بلغة الإشارة ويتكفّل أخوه بالتفاهم مع الزبائن. وفي حال عدم تواجد أخيه، يحاول أن يقرأ شفاه الزبائن حتى يفهم ما يريدون قوله، وأحيانا يتواصل معهم بالإشارة محاولاً طلب ترك رسالةٍ لأخيه حتى يفهم ما يريدون إصلاحه. يقول الأخ: «عندما توفّرت السماعات الطبية الحديثة قمنا بشراء واحدةٍ لأخي، لكنه لم يتحمّل سماع الأصوات العالية، لذلك كان يُطفئ السماعة، وبقي على هذه الحالة حوالي سنة، ثم تركها». 

علاج بتكاليف عالية

أنجبت أم رغد من ريف حلب الغربي طفلتها في 2017، وبعد وصولها إلى منزلها القريب من المركز الثقافي استهدف الطيران الحربي المكان، وإثر ذلك فقدت الطفلة رغد سمعها منذ أول يومٍ ولدت فيه. عُرضت رغد بعد عام من الحادثة على طبيب مختص، فطلب تخطيط جذع دماغ. ظهر في التخطيط أن لديها ضعفاً بالسمع بنسبة 90 بالمئة في أذنها اليمنى، و100 بالمئة بالأذن اليسرى. وضع الأهل سماعةً طبيةً لرغد ساعدتها على السمع، وبعد تعطلها زاد الأمر سوءاً، فقد وصلت نسبة فقدان السمع في كلتا الأذنين إلى 100 بالمئة. بعد آخر مراجعةٍ للطبيب وضعت سماعاتٍ جديدة، لا تسمع من خلالهما إلا الصوت العالي، ومن دون أن تنطق أي كلمة حتى الآن.

وكان تخطيط السمع الأخير الذي أُجري لرغد في مشفى الحكمة بمدينة معرة مصرين شمال إدلب، فأخبرهم الطبيب أن الطفلة بحاجةٍ لعملية زراعة حلزون في كلتا أذنيها أو أنها لن تسمع، وهذه العملية ليست متوفرة في الشمال السوري، ومكلفة جداً بالنسبة لعائلة رغد في حال توفرها. تقول أم رغد: «أضع طفلتي في الروضة القريبة من المنزل مع أطفال سليمي السمع، حتى تندمج وتلعب معهم وتتعلم الكتابة، و كي لا تبقى منعزلة. نتعامل معها بلغة الإشارة، ونعاني من عصبيتها الدائمة لأنها تعبّر عن مشاعرها مع إخوتها والأطفال الآخرين باستخدام العنف».

السبب نفسه الذي أفقد رغد سمعها سلبَ من سلوى عبد الرحيم (46 عاماً) سمعها، وهي أم لخمسة أولاد، كانت تعاني من التهاب أذن وسطى متواصل. تعرّض الحي الذي تقطنه بريف حلب الغربي للقصف منذ سنتين، مما أدى لفقدانها السمع، وبسبب الفقر لم تتمكن من علاج أذنها أو تركيب سماعة طبية. تقول ابنتها:«لم تفقد أمي السمع فوراً بعد سماع صوت القصف، لكن في صباح اليوم التالي استيقظت والدم المتدفق من أذنيها يملأ الوسادة التي تنام عليها، وفقدتْ السمع تدريجياً». يحاول أولاد سلوى التواصل مع منظماتٍ طبية لتأمين سماعة لوالدتهم، لكن لا مجيب لهم حتى الآن.

يتشارك الطفل محمد (ثلاث سنوات) الحالة نفسها، إذ فقد السمع بسبب قصفٍ براجمات الصواريخ على منزله في قرية خان العسل على الأطراف الجنوبية الغربية لمدينة حلب، وذلك في آخر حملة للنظام السوري على المنطقة عام 2020. يقول والده: «كان محمد بعمر سنةٍ ونصف عندما قُصف منزلنا، ينطق بعض الكلمات ويتفاعل مع أحاديثنا، ولكن لأننا لم ننتبه لما يحدث معه إلا بعد أربعة شهور أُصيب بالتهابٍ في العصب السمعي». ويضيف أبو محمد أن طفله فقد حاسة السمع تدريجياً، لأنه عندما عرضه على الأطباء أخبروه بدايةً أن لديه التهاباً في الأذن الوسطى، وبعد خمسة أشهر خضع محمد لتخطيط سمعٍ تبين بنتيجته أنه لا يسمع. وضع محمد سماعة طبية خارجية اشتراها الأب وقتها بسعر 300 دولار أميركي، وبعد ستة أشهر لم يستفد منها، فنصحه الأطباء بأهمية زراعة حلزون وإلا سيبقى الطفل فاقداً للسمع.

تكلّف عملية زراعة حلزون في كلتا أذني محمد، بحسب والده، حوالي 25 ألف دولار أميركي. يقول الأب: «لا يوجد قدرة مالية لإجراء العملية، لذا حاولت التواصل مع منظمات طبية عاملة في الشمال السوري لمساعدتي، فلم أحصل على المساعدة لأن هذه المنظمات قالت إن الأمم المتحدة توقفت عن دعم مثل هكذا حالات». وبعد عجز والد الطفل محمد عن إيجاد علاجٍ لابنه في الداخل السوري، طلب إحالةً مرضيةً من معبر باب الهوى للخروج بطفله إلى تركيا، وبعد الخروج تفاجأ أن دعم هذه العملية من الدولة التركية توقف منذ سنةٍ ونصف تقريباً.

وتكلّف عملية زراعة الحلزون في المشافي التركية الخاصة ما يقارب 11 ألف دولار للأذن الواحدة، حسب والد الطفل محمد، والذي أضاف بأن الوضع المادي لا يساعد على تأمين هذا المبلغ. يقول الأب: «لولا سيطرة النظام على قريتنا لبعتُ جزءاً من الأرض التي أملكها وأجريت العملية لابني. أرى حياته تتدمر أمامي دون أن أستطيع فعل شيء». يوجّه والد الطفل محمد رسالته لمنظمات المجتمع المدني والمشافي لمساعدة ابنه بإجراء عملية زرع حلزون، سواءً بتقديم المبلغ للمشافي أو مساعدته على دفعه بالتقسيط».

زراعة الحلزون مستحيلة 

يحاول أهالي الأطفال الذين فقدوا سمعهم إجراء عملية زراعة حلزون لأولادهم، لكن المشافي في الشمال السوري لا يمكنها أن تجري مثل هذه العملية بسبب حاجتها لمواد ومعدات تقنية باهظة الثمن. الطفل محمد ياسين الحسن (8 سنوات)، من بلدة دركوش شمال غرب سوريا، فقدَ سمعه منذ ولادته بسبب عدم وجود حواضن في المشفى الذي ولد فيه. ويحتاج حالياً لإجراء عملية زراعة حلزون بأذنه حتى يسمع. يقول والده: «ولد محمد عام 2014، وبعد ولادته تأخر حتى بكى مايقارب دقيقة ونصف، وبعد 48 دقيقة أصابه مرض أبو صفار (اليرقان)، ثم أصابه انحلالٌ في الدم وارتفعت حرارته إلى 39 درجة».

نُقل الطفل بعدها إلى مشفى الرحمة في دركوش، لكن لا حواضن وقتها في المشفى، لذا نُقل مجدداً إلى مشفى أطمة، واستُبدل دمه هناك، وجرى تحويله إلى المشفى الأكاديمي بأنطاكيا التركية. بقي في الغواصة (حاضنة لحديثي الولادة المُصابين باليرقان) قرابة شهر، وأخبرهم الطبيب أنه من الممكن أن يخسر سمعه أو بصره، وفي عمر السنتين اكتشف الأهل أنه لا يسمع. قام الأب بإجراء عدة تخطيطات عصبية لسمع الطفل، ووضع له سماعةً طبية لمدة ستة أشهر، وحاول ما بوسعه لإنقاذ طفله، ثم طلب الأطباء وضع سماعتين للطفل مع قوالب سيليكون، لكن محمد لم يستجب، وهو يحتاج حالياً لإجراء عملية زراعة حلزون حتى يسمع. يقول والده: «أرسلتُ ابني إلى تركيا عندما كان يُسمح بالدخول والتسجيل على العمليات، وبقي هناك لسبعة شهور، وفي كل شهر يطلب الطبيب تخطيطاً عصبياً جديداً وتحاليل جديدة دون أن يستفيد».

ولم يضع الأب طفله في المدرسة بسبب عدم وجود مراكز متخصصة لاستقبال مَن هم في مثل حالته، وحتى لا يصاب بمرضٍ نفسي نتيجة تنمر زملائه عليه وسخريتهم منه. يتواصل الطفل مع أهله عن طريق الإشارة، وينتبه لحركة شفاههم ويفهم كلامهم. يقول والده بأسف: «لولا الحرب لكان هناك مستشفيات متخصصة فيها حواضن، ولكان طفلي يسمع ويعيش حياةً طبيعية».

رأي الطبيب

ينقسم فقدان السمع لعدة أنواع: فقدان سمع توصيلي يكون على مستوى الأذن الخارجية أو الوسطى، ويحدث بسبب انسداد مجرى السمع أو انثقاب غشاء الطبل أو تضرّر العظيمات السمعية، ويشيع لدى الأطفال نتيجة صعوبة المتابعة الطبية أو انعدامها في بعض المناطق؛ وهناك فقدان السمع الحسي العصبي، حيث يكون الضرر في العصب؛ وفقدان السمع المختلط، وفيه يكون الضرر في العصب والعظيمات السمعية نتيجة التعرّض للانفجارات، وكلما كان صوت الانفجار أخف تكون الأضرار أقل؛ وهناك نقص سمع مهني ناجم عن التعرض للآلات والمولدات ذات الصوت المرتفع، والتي زاد استخدامها خلال سنوات الحرب.

حدّثنا الطبيب مصطفى حاج سليمان، وهو اختصاصي أذن وأنف وحنجرة، عن مشاكل السمع الأكثر انتشاراً في سوريا خلال السنوات العشر الماضية: «الأكثر انتشاراً هو نقص السمع الرضّي الناجم عن الانفجارات التي تؤثر على الأذن بشكلٍ مباشر أو غير مباشر، وتداركه صعبٌ أحياناً، وأغلب المتعرّضين له مقاتلون على الجبهات أو أشخاص عاشوا في أماكن القصف، ولا يمكننا القول للمريض بانعدام الأمل في أن يسمع إلا بعد خضوعه لفحوصات وتخطيط سمع، وعندما يكون الضرر شديداً يظهر في التخطيط وجود نقص سمع عميق».

وعن علاقة فقدان السمع بفقدان النطق، يقول حاج سليمان: «هناك ارتباط وثيق، فتشكّل الكلمات عند الطفل منذ ولادته يتم من خلال السمع، إذ يؤدي ضعف السمع إلى حدوث اضطراب في منظومة النطق، لذلك هناك قاعدة تقول: ‘الطفل الذي لا يسمع مستحيل أن يتكلم’. وفي حال خضع المصاب للعلاج وأصبح يسمع، فسيواجه صعوبةً في الكلام. وعندما يحدث صممٌ عند الكبار لحدثٍ ما، يكون لديهم مخزونٌ لغوي، لذا لا يتأثر نطقهم ومقدرتهم على الكلام».

وتكون النسبة المثالية للسمع على المخططات حسب الحاج سليمان بين -10 إلى +25 ديسيبل، ويمكن تحديد الضعف أو الصمم بشكل نهائي من خلال تخطيط السمع الكهربائي أو تخطيط جذع الدماغ.

وعن عملية زراعة الحلزون وتكلفتها، قال الحاج سليمان: «هي أمل للأطفال الذين يعانون من الصمم؛ سواء صمم ولادي أو ناتج عن مرض معين، وحتى بالنسبة للكبار الذين تعرضوا لمرضٍ أدى لخراب الأقنية السمعية، وهذه العملية باهظة الثمن لأنها بحاجة لتقنيات متطورة ومواد لا تتوفر بسهولة».

عملية زراعة الحلزون تكون عبارةً عن أداة إلكترونية ذات دقة عالية يُستعاض بها عن الحلزون الذي يتم به السمع، توضع على عصب السمع في الأذن الداخلية، بالإضافة إلى قطعة خارجية على الجمجمة تعمل على البطارية، ومَن يخضع لهذه العملية لا يعود فوراً للسمع، فهو بحاجة لإعادة تأهيل ومتابعة من قبل اختصاصين في مجال النطق، وهي باهظة الثمن ولا يجريها أيُّ طبيبٍ في الشمال السوري، وفي حال وجودها تكون التكلفة حوالي 20 ألف دولار أمريكي، بحسب ما أخبرنا به الطبيب حاج سليمان.

وعن أضرار السماعة الطبية وفوائدها قال الحاج سليمان: «لا يوجد للسماعة أضرار، وإن وجدت تكون مرحلية مثل التهاب المجرى السمعي نتيجة وجود قطعة بلاستيك أو سيليكون ضمن مجرى السمع، وهي تساعد على السمع. يتراوح سعر السماعة من 150 دولار أميركي إلى 450 دولار، وأحيانا يصل سعرها إلى أعلى من هذا الرقم، بحسب تقنيتها وجودتها، وإذا ما كانت عاديةً أو ديجيتال، ولها درجات مختلفة ويعود وصفها للمريض حسب نسبة سمعه». 

وعن نسبة ارتفاع الصوت الذي يؤدي لفقدان السمع بشكلٍ جزئي أو كامل، هناك جدولٌ يعرض لنا الحد الأقصى لمستويات الضوضاء التي قد يتعرض لها الفرد في العمل دون واقي الأذن، و المدة الزمنية وفقا لإدارة الصحة والسلامة المهنية، وبحال زادت مدة التعرض عن المحدد في الجدول دون استخدام واقياتٍ للأذن، فمن الممكن أن يحدث ضررٌ في حاسة السمع على المدى الطويل، وذلك بحسب شدة الصوت، إضافةً إلى التعرض لأصوات عالية مفاجئة مثل الانفجارات التي تسبب ضرراً دائماً وفورياً للسمع نتيجة تضرّر غشاء الطبل والعظيمات السمعية وعصب السمع، وفي حالاتٍ أخرى، إذا استمرت الأذية على الأذن نتيجة التعرض المستمر للأصوات العالية يزداد نقص السمع.

وأخبرنا الحاج سليمان بضرورة انتباه الأهل على أطفالهم منذ الولادة، وذلك بعرضهم على طبيب مختص لتقييم سمع الطفل ومعالجته في حال كان هناك أي مرض قبل فوات الأوان، إضافةً إلى متابعة الطفل الذي يعاني التهاباتٍ في الأذن قبل تضرّر القنوات السمعية، وأيضا العناية الصحية من الأهل والانتباه من إدخال أجسام غريبة تضر الأذن و تسبب إصابات ردّية.

لم تقتصر نصائح الطبيب سليمان للصغار، ونبّه أيضاً إلى ضرورة تجنّب الكبار للأصوات العالية أو التعرض للضرب على الأذن أثناء المزاح مع الأصدقاء، وحذّر من إدخال أجسام صلبة إلى الأذن، حتى أعواد تنظيف الأذن لا تُستخدم بشكلٍ مبالغٍ فيه، ونبّه إلى ضرورة التخفيف من وضع السماعات، خاصةً أثناء تشغيل الموسيقى والتعرّض للأصوات العالية لوقتٍ طويل، لأنها تسبب أضراراً والتهاباتٍ في الأذن.

وفي حال تعرضت الأذن لأي نوع من الالتهابات، يجب زيارة الطبيب، خاصةً بالنسبة للعاملين قرب المولدات الكهربائية ذات الصوت العالي، و عليهم وضع واقي الأذن لحمايتها من الضرر، وفي حال تضرّرت يصاب المريض بنقص سمع مهني لا يمكن تداركه إلا ببعض المقويات وترك العمل، هذا عدا عن ضرورة تجنّب تناول أدوية دون وصفة طبية، خاصةً أدوية الجنتاميسين وأحياناً الأسبرين، لأنها تسبب أضراراً وطنيناً في الأذن.

مراكز تأهيلية وتعليمية

جميع المراكز المنتشرة في الشمال السوري عبارة عن مراكز خدمية لذوي الاحتياجات الخاصة، بعضها مجاني مدعوم من قبل منظمات المجتمع المدني وأخرى خاصة يدفع أهالي الأطفال رسوماً شهريةً للمركز مقابل العناية بالأطفال وتعليمهم وإتاحة فرصة اللعب مع أقرانهم، ولا يوجد إحصائية لعدد هذه المراكز.

ومن المراكز المنتشرة في الشمال السوري مركز نور الهدى حفار لذوي الاحتياجات الخاصة في بلدة الجينة – ناحية أبين سمعان في حلب. يوقّع المركز عقوداً مع منظماتٍ تقدم للمركز دعماً لوجيستياً ومالياً. يتعلم في المركز حوالي 30 طفل دون سن 15 عاماً، ممن يعانون من مشاكل السمع، ويتعلموا فيه لغة الإشارة. التقينا مدير المركز وسيم ستّوت، فقال: «نعمل على إخراج أطفال فاعلين ومنتجين يغادرون المركز وهم قادرون على أن يعلّموا غيرهم، وأيضاً يمكنهم العمل في مهنةٍ يتعلمونها أو أن يكملوا دراستهم بسهولة. ويعلّمهم كادرٌ فيه بعض المختصين، مثل المنشطين ومعلمي لغة الإشارة، ويخضع الأطفال في المركز لمعاينة طبية، كما تتواصل الإدارة مع المنظمات لتأمين سماعات للأطفال، ويكون التوزيع عادةً للأطفال الأقل سمعاً».

كما التقينا محمد عرفات، مسؤول التعليم الخاص والخدمات للأطفال ذوي الاحتياجات الخاصة التابع لمنظمة شبكة حراس الطفولة في مدينة إدلب. يقول: «يقدم مركزنا تربيةً خاصةً للأطفال بهدف تنمية مهاراتهم ودمجهم في المدارس، ولدينا سبعة أطفال يعانون من مشاكل سمعية، يعلّمهم كادرٌ مؤلف من أساتذة خريجي كلية التربية وخضعوا لتدريباتٍ في التربية الخاصة من أجل التعامل مع الأطفال ذوي الحاجات الخاصة. 

ويقدم المركز عدة خدمات، مثل تنمية مهارات حركية، واجتماعية، وتعليمية، من أجل دمج الأطفال في المدارس، ويُقبل الأطفال في المركز من عمر 5 وحتى 13 عاماً بعد إجراء تقييمٍ للطفل».

قدّم مركز حراس الطفولة، حسب عرفات، السماعات لطفلين، ويوجد طفل بحاجة لعملية زراعة حلزون ولا قدرة مالية للمركز على إجراء العملية، لأنها «تكلّف حوالي 15 ألف دولار أميركي». ويحوي المركز على ملفات للأطفال يكتبها مقدمو الرعاية، وهناك قسم ضمن شبكة حراس الطفولة يساعد على تأمين السماعات، لكنه حالياً متوقف عن تقديم الدعم الطبي بسبب ضعف الإمكانيات المالية في الشبكة، ويوفّر الفحص بمعايير ضعف السمع فقط، وذلك بحسب ما قاله عرفات للجمهورية.نت.

وهناك أيضا جمعية أملنا لذوي الاحتياجات الخاصة في مدينة أريحا. أخبرنا مدرّسٌ في المركز أن لديهم ما يقارب 30 طفلاً مقسّمين على ثلاث شعب؛ إحداها لمن يعانون من مشاكل في السمع، ويخضع الأطفال لفحصٍ طبي قبل دخولهم المركز. في حين يُقدّم أهالي الأطفال أجوراً رمزيةً لنقل أولادهم للمركز، وبدوام يومي لمدة أربع ساعات.

عمل المنظمات والفرق التطوعية 

يقتصر عمل المنظمات والفرق التطوعية في الشمال السوري بالنسبة لمرضى ضعف السمع فقط على تأمين فحص طبي ومساعدة بعض المرضى في شراء سماعات طبية ضمن ضوابط وشروط مختلفة تضعها كل منظمة. يقول أحمد عيسى، مدير القسم الطبي في فريق ملهم التطوعي، أن «سعر السماعات الطبية في الداخل السوري يتفاوت بين 100 و350 دولار أميركي، وذلك حسب نوع السماعة، وهذه المبالغ كبيرة بالنسبة للعائلات في الشمال، لذلك يقصد الناس منظمات المجتمع المدني لمساعدتهم في تأمين السماعة». 

وحسب العيسى: «هناك عدة منظمات لديها مشاريع لتأمين السماعات الطبية، لكن دائماً تكون الحاجة أكبر بكثير، وفي فريق ملهم لا تُقدم المساعدة إلا في حال كان لدى الفريق القدرة، وشريطة أن تتطابق الحالة مع معايير الفريق، وهي أن يكون المريض بحاجة ولا يمكنه تأمين مساعدة من أي جهة، إضافةً إلى وجود تخطيط سمع وإثبات شخصية. استطاع فريق ملهم منذ 2020 حتى الآن مساعدة حوالي 100 حالة في تأمين سماعات طبية».

وبالنسبة لعمليات زراعة الحلزون، يقول العيسى: «الوضع صعب، وهناك حالات كثيرة في الشمال السوري بحاجة عمليات زراعة، لكن حالياً لا قدرة لدى أي جهة على تحمّل تكاليف هذا النوع من العمليات التي تصل كلفتها إلى حوالي 12 ألف دولار أميركي، وفريق ملهم لم يستطع تأمين أي عملية حتى الآن». يضيف: «في السابق كانت الحكومة التركية، وبالتعاون مع الأمم المتحدة، تقدم المساعدة لإجراء عمليات الزراعة للأطفال حتى سن محددة، لكن حالياً توقف هذا النوع من الدعم».

ويتحدث لنا الطبيب حمزة (رفض ذكر اسمه الكامل)، وهو اختصاصي أذن وأنف وحنجرة من منظمة سامز العاملة في قطاع الصحة في الشمال السوري، عن سبب عدم وجود دعم حقيقي لحالات فقدان السمع لدى الأطفال. يقول: «هناك عدة أسباب؛ منها زيادة عدد الحالات، إذ يوجد من بين كل ألف ولادة ثلاث حالات بحاجة لمعالجة سمعية، ينخفض عددهم إلى واحد ونصف بالألف كل شهر ممن يبقون على قيد الحياة من الأطفال بعد شهرٍ من ولادتهم، وهم بحاجة علاج سمعي». وتزيد هذه النسبة مع الزمن حسب الطبيب حمزة، فمثلاً «بعد 50 سنة نجد ما يقارب 35 بالمئة من الناس، وربما أكثر، بحاجة دعم سمعي، وهو نفس ازدياد عدد من يرتدي نظارة طبية، ومن بحاجة سماعة سيكون عددهم أكبر».

ويكون علاج هذه الحالات، حسب الطبيب حمزة، بحاجة لأدوات وأجهزة، و«نجد أغلب الحالات بحاجة سماعة طبية، سعر العادية 100 دولار أميركي، أما الديجيتال فسعرها يبدأ من 300 دولار أميركي ويصل  حتى 1900 دولار، وأغلب المرضى بحاجة سماعتين، الأمر الذي يؤدي لابتعاد المنظمات والداعمين عن تقديم الدعم بسبب الأموال الكبيرة اللازمة، إضافةً إلى أن التخصص السمعي في الشمال السوري قليل؛ لأن أغلب العاملين بالمجال السمعي لديهم خبرة عمل فقط ولا يمتلكون شهادة متخصصة، ونجد أيضاً المانحين  والمتبرعين لا يعتبرون نقص السمع والسماعة من الأشياء المُنقذة للحياة، إنما شيء ثانوي مقابل الحالات المرضية الأخرى».

أما بالنسبة لزراعة الحلزون، يقول الطبيب حمزة: «كان سابقاً هناك دعم من المنظمات في تركيا، لكنه توقف منذ عام  2018، وحالياً هناك بعض المنظمات تنتقي بعض الحالات لمعالجتها في القطاع الخاص، وهذا نادراً ما يحدث، لأن عملية زراعة الحلزون تكلف في تركيا أجور عملية مع ثمن الجهاز 13 ألف دولار أميركي، هذا عدا عن تأهيل النطق ومصاريف المريض الذي ربما يبقى مدة شهرين أو أكثر في المشفى». ويضيف الطبيب: «لذلك نجد الكثير من المرضى يعودون دون أن يجدوا العلاج، ولكن حالياً هناك فكرة لدى منظمة سامز لتوطين عملية زراعة الحلزون في الداخل السوري، وهذا المشروع تحاول سامز العمل عليه من فحص حتى إجراء العمل الجراحي والبرمجة والمعايرة والتأهيل بعد العمليات».

وبالنسبة لتأمين السماعات لمرضى ضعف السمع، يقول الطبيب حمزة: «لا تقدم سامز الخدمات بالنسبة لتأمين السماعات للمرضى، لكن هناك منظمات في الداخل تدعم هذا الأمر، وتقدم أحياناً مبالغ نقدية للمرضى أو سماعات، ولدينا تعاون مع تلك المنظمات من خلال فرق الحماية الموجودة في منشآت سامز، التي تعمل تأمين سماعات للمريض، ويمكن تركيبها مجاناً أو بسعر مخفّض».

وبالنسبة للشروط التي يُقبل فيها المريض، فإن كل مريض لديه نقص سمع شديد أو متوسط أو عميق فهو بحاجة سماعة، ويتعلق الأمر بعدد السماعات التي بحوزة كل منظمة. ويوجد في منظمة سامز حالياً خدمة تخطيط السمع والمعوقات السمعية. يقول الطبيب حمزة: «نحاول تطوير خدمات السمع عبر مسح حالات الأطفال حديثي الولادة وصولاً إلى الأطفال الأكثر عمراً، وبعد المسح يمكن تطوير اختبارات السمع الكثيرة وتأهيل المريض بعد وضع السماعة أو زراعة الحلزون».

وعن سبب إهمال مرضى ضعف السمع وعدم تخصيص علاج كامل لهم، قال الطبيب حمزة: «الفجوة كبيرة ولا يمكن لأي منظمة بمفردها أن تغطي كافة الحالات، ولكن يمكن لسامز العمل على التأهيل مستقبلاً، وهذا الأمر بحاجة تكاتف عدة منظمات حتى يمكن تغطية علاج مرضى السمع مع تكاليف تأمين السماعات».

فاقدو السمع في المخيمات

من يعيش داخل خيمة يُحرم من أبسط حقوقه، وهي العيش في منزل، فكيف لمريض أن تستطيع عائلته توفير العلاج له، خاصةً لو كان العلاج مكلف مالياً بالنسبة للمهجرين في المخيمات. محمد حمصي الفيصل مدير مخيم خيارة في عفرين أخبرنا أن لديه 18 شخصاً فاقداً للسمع في المخيم، منهم عشرة أطفال فقدوا السمع بسبب حمى أصابتهم وقت الولادة، وثمانية كبار، سبعةٌ منهم أصابهم الصمم بالوراثة، وفرد واحد بسبب الحمى، وجميعهم تأقلموا مع وضعهم ويتواصلون بلغة الإشارة بعد أن فقدوا الأمل باقتناء سماعة والعلاج، أو حتى أن يتعلموا في مراكز تأهيلية تساعدهم على التعلّم.

عبد السلام اليوسف، مدير مخيم أهالي قرية التح في قرية باتنته – ناحية معرة مصرين في إدلب، أخبرنا أن لديه في المخيم عشر حالات لفاقدي السمع، ثلاثة منهم فقدوا سمعهم بسبب القصف وصوت الانفجارات، وشخص واحد بسبب إهمال التهاب الأذن، وستة أشخاص نتيجة عوامل وراثية، بعضهم يواظب على الفحص الدوري لدى الأطباء، وآخرون لا سماعات لديهم حتى الآن.

ولم تسجل إحصائيات رسمية حول عدد ضعاف السمع في الشمال السوري، لكن هناك ارتفاع في السنوات الماضية بسبب الحرب وصوت الانفجارات والقصف المستمر وزواج الأقارب ونقص الخدمات الطبية.