لم تمر أحداث أنقرة، التي حصلت في شهر آب (أغسطس) العام الماضي، مرور الكرام كغيرها من الحوادث العنيفة التي حصلت سابقاً بين سوريين وأتراك، بل إنها فتحت الأبواب أمام سلسلةٍ من القرارات المتتالية بحق اللاجئين السوريين، وشدّدت الخناق عليهم بما انعكس سلباً على حياتهم اليومية. ففي صيف العام 2021 شهد حي آلتنداغ في العاصمة التركية توتراً كبيراً على خلفية مقتل المواطن التركي أميرهان يالتشين على يد سوريين. وبسبب التواجد الكثيف للأجانب في هذا الحي، وعلى رأسهم السوريين، فقد كانت تبعات الحادثة شديدة العنف، وشملت عمليات اعتداءٍ جماعي على السوريين وممتلكاتهم.

بعد أيامٍ قليلة من تلك الحادثة، اتخذت السلطات التركية جملةً من القرارات، كان أبرزها إيقاف منح بطاقات الحماية المؤقتة (الكيملك) في ولاية أنقرة، وذلك اعتباراً من الثاني من أيلول (سبتمبر) 2021، على أن يتبع ذلك إرسال اللاجئين السوريين الموجودين في العاصمة، والمُسجَّلين في ولاياتٍ أخرى، إلى مدن تسجيلهم، وترحيل الذين ليس لديهم أي وضع حمايةٍ أو تصريح إقامةٍ إلى سوريا بشكلٍ مباشر.

أول نواقيس الخطر

ليس ذلك فحسب، بل إن أحداث أنقرة دفعت الحكومة التركية الى إطلاق مشروع «التخفيف المكاني»، والذي يهدف الى تخفيض تواجد الأجانب، وعلى رأسهم السوريين، في بعض الولايات والأحياء التركية، إذ يعيش قرابة 5.4 مليون أجنبي في تركيا، منهم 3.7 مليون سوري بحسب الإحصاءات الرسمية التركية. صحيفة حرييت التركية التي نشرت تفاصيل المشروع في شباط (فبراير) الماضي، أشارت الى أن وزارة الداخلية التركية ستعمل على تنفيذه لتحقيق شرطين أساسيين، هما: عدم السماح بأن يصبح للسوريين تجمعاتٌ في حيٍّ أو منطقة، وعدم السماح للأجانب بأن تزيد نسبتهم على 25 بالمئة من سكان أي حيّ في المدن التركية.

أما المناطق التي تجاوزت فيها نسبة الأجانب 25 بالمئة فعلياً، فسيتم معها اتخاذ خطوتين: الأولى هي إغلاق التسجيل في 800 حيٍّ تابعين إلى 52 ولاية، ومن ضمنها الولايات التي يتركز فيها السوريون، وعددها 16 ولاية هي أنقرة، أنطاليا، بورصة، أيدن، تشاناكالي، دوزجي، أدرنة، هاتاي، إسطنبول، إزمير، كيركلاريلي، كوجالي، موغلا، سكاريا، تكيرداغ،  يالوفا. وفي إسطنبول، تم إغلاق التسجيل في منطقتي الفاتح وإسنيورت على وجه الخصوص. في الخطوة الثانية، سيتم نقل السوريين الموجودين في الأماكن ذات الكثافة السكانية العالية إلى مناطق وولايات أخرى بشكلٍ وصفته الخطة بـ«الطوعي».

وبالفعل، قامت وزارة الداخلية التركية بتطبيق مشروع التخفيف المكاني على حي آلتنداغ في أنقرة، والذي تجاوزت فيه نسبة الأجانب 25 بالمئة. وذكرت صحيفة جمهورييت التركية أن 4.514 لاجىءٍ سوري نُقلوا على «أساسٍ طوعي» من حي آلتنداغ إلى أماكن سكن أخرى، وتم إغلاق 177 محلٍ تجاري تعود لسوريين. وأشارت الصحيفة إلى أن وزارة الداخلية اختارت حي آلتنداغ كمنطقةٍ تجريبية لتطبيق المشروع، على أن يُطبّق لاحقاً في جميع أنحاء البلاد.

وقد أثار قرار الداخلية التركية مخاوف لدى اللاجئين السوريين من أن يُصار إلى نقلهم من بيوتهم نحو مناطق أخرى، كما حصل مع سوريين كانوا يقطنون حي آلتنداغ. ولكن من خلال تواصل الجمهورية.نت مع عددٍ من المصادر والصحفيين في ولاياتٍ تركيةٍ مختلفة، أكدوا أنه لم تحصل حتى الآن أي عمليات نقل لعوائل كاملة من أحياء مكتظة بالسوريين إلى أحياء أقل اكتظاظاً، وما حصل هو منع قيدِ أي سوريين جدد في تلك الأحياء، إضافةً إلى بعض عمليات الترحيل الفردية نحو الداخل السوري، والتي طالت عدداً من الشبان قالت السلطات التركية إنهم لا يمتلكون أوراقاً ثبوتية أو يقيمون في غير ولاياتهم الأصلية، أو رُحّلوا نتيجة قيامهم بخروقاتٍ أمنية.

تشعر هديل بيدو من قاطني حي الفاتح في إسطنبول بالقلق من القرارات التي تستهدف السوريين في تركيا، وتركز على أكثر النقاط التي تؤرقها: «يشهد حي الفاتح تواجداً كثيفاً للسوريين، لذا نخشى أن يتم إخراج السوريين من الحي كما حصل في أنقرة، خاصةً أني قرأت أن الداخلية التركية تخطط لإخراج اللاجئين من الأحياء التي تتجاوز فيها نسبة تواجدهم 25 بالمئة». وتضيف هديل للجمهورية.نت: «لو صدر قرارٌ بخروجنا من الحي سيكون الأمر كارثياً علينا، فإيجار منزلنا حالياً مقبولٌ بعض الشيء لأنه بموجب عقدٍ قديم، لكن إذا خرجنا لن نستطيع العثور على منزلٍ بسعرٍ مناسب، فأسعار الإيجارات تتراوح اليوم بين 5 و6 آلاف ليرة تركية، وهناك بيوتٌ يصل إيجارها إلى 10 آلاف ليرة، فكيف نتحمل هكذا مبلغ؟ علماً أن راتب زوجي الشهري لا يتجاوز 5 آلاف ليرة؟».

ويرى محمود خورشيد، الصحفي المختص في الشأن التركي، أنّ إطلاق الحكومة التركية لمشروع تخفيف تواجد السوريين ضمن المدن التركية «جاء نتيجة ضغوطاتٍ من المعارضة التركية التي استغلت ورقة اللاجئين لكسب الحاضنة الشعبية، وبالتالي وجدت الحكومة نفسها تحت ضغطٍ قد يؤثر على وضعها في الانتخابات الرئاسية منتصف العام القادم، لذا بدأت بفرض سلسلةٍ من القيود على اللاجئين، ما يعني أن هذا المشروع كان بمثابة جرس إنذارٍ يشي بتغيّر سياسة تركيا تجاه اللاجئين».

وأضاف خورشيد المقيم في إسطنبول، والحاصل على الجنسية التركية، للجمهورية.نت: «سعت الداخلية التركية للقيام ببعض الإجراءات الأخرى لضمان تطبيق مشروع التخفيف المكاني، وعلى رأسها تكثيف دورات ‘اندماج السوريين مع الحياة المجتمعية’، والتعامل مع المشكلات الأمنية بشكلٍ حازم».

وتواصلت الجمهورية.نت مع أكثر من عشرين لاجئاً سورياً مقيماً في إسطنبول، بالإضافة إلى رصد الكثير من تعليقات السوريين والسوريات على مواقع التواصل الاجتماعي، وتبيّن أن جميع من وصلتهم رسائل لحضور دورة الإندماج يقيمون في أحياء تشهد تواجداً كثيفاً للسوريين، كالفاتح وبغجلار وإسنيورت وسلطان بيلي، ما يدل على تركيز الحكومة التركية على خلق الإندماج بين اللاجئين والأتراك في الأماكن المكتظة بالأجانب، ويبدو أن الدافع إلى ذلك هو تجنّب أي صداماتٍ مستقبلية في هذه المناطق بين الطرفين.

من جهته، وجّه مركز أبحاث الهجرة في تركيا (متين جوراباتر) انتقاداتٍ كثيرةً للحكومة التركية، بعدما أصدرت قراراً ينص على تخفيف تجمعات الأجانب، معتبراً أن اللاجئين السوريين سوف يواجهون مشاكل اقتصادية واجتماعية كبيرة بعد صدور هذا القرار. وأشار المركز الى أن السوريين الذين غادروا حي آلتنداغ في أنقرة إلى أحياء أخرى، واجهوا صعوباتٍ كثيرةً جداً بخصوص العثور على منزلٍ أو عمل، كما أن هذا القرار سيكون عقبةً كبيرةً أمام السوريين الذين يعملون في المعامل والمصانع ويسكنون بالقرب منها.

توزيع خاطئ للاجئين

نشرت المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، في العاشر من نيسان (أبريل) الماضي، خريطةً جديدةً تُظهر توزّع اللاجئين السوريين على الولايات التركية، وذلك بحسب آخر تحديثٍ أجرته المنظمة الأممية. ووفقاً للخريطة التي نقلتها وسائل إعلام تركية، فإنّ كلاً من إسطنبول وهاتاي وأنقرة وغازي عنتاب وشانلي أورفة من بين الولايات التي يقيم فيها معظم السوريين، حيث يبلغ عددهم في كلّ منها أكثر من 300 ألف شخص، بينما تستضيف كلٌّ من قونية وإزمير ومرسين وأضنة وبورصة وكلس ما بين 100إلى 300 ألف سوري.

أما بالنسبة للولايات الأقل استقطاباً للاجئين السوريين، بحسب المفوضية، فكانت ماردين وكهرمان مرعش وكوجه إيلي وقيصري من بين المدن متوسطة الاستضافة، حيث يُقيم في كل منها ما بين 50 إلى 100 ألف سوري، في حين تستضيف كل من ولايات ديار بكر وإيلازيغ ومَلاطية وأديامان وموغلا ومانيسا وسكاريا ما بين 10-50 ألف سوري.

ويُشكّل اللاجئون السوريون في تركيا نسبة 4.45 بالمئة من مجمل عدد السكان، إذ يبلغ عددهم 3.762 مليون، يعيش نحو 1.414 مليون منهم في المناطق الحدودية مثل غازي عنتاب وهاتاي وأورفا وكلس، لكن إسطنبول هي الولاية المفضّلة لدى السوريين، حيث يعيش فيها أكثر من 525 ألفاً. ويرى الصحفي محمود خورشيد أن «تطبيق خطة إعادة توزيع اللاجئين اليوم يعتبر أمراً معقداً للغاية، فكيف لك أن تطلب من لاجئٍ استقرَّ في منطقةٍ ما منذ خمس إلى عشر سنوات، وتأقلم فيها وأسَّسَ عملاً ضمنها، أن يذهب إلى منطقةٍ أخرى ويؤسس فيها حياةً جديدةً من الصفر. هذا أمرٌ صعبٌ جداً، ويُوحي بأن خطة التخفيف المكاني تعتبر في حدّ ذاتها آليةَ دفعٍ غير مباشرة للاجئين نحو العودة القسرية».

منع قيد الأجانب يشتّت السوريين

أصدرت الداخلية التركية بموجب مشروع التخفيف المكاني أوامرها إلى إدارة الهجرة بمنع الأجانب الحاملين لكل أنواع الإقامات، والسوريين المسجلين في البلاد تحت الحماية المؤقتة، من قيد نفوسهم في المناطق التي يزيد فيها عدد الأجانب عن 25 بالمئة من إجمالي السكان. ولم تقدّم دائرة الهجرة أو النفوس أي تفاصيل معلنة ومباشرة بخصوص المناطق التي لا يحق للسوريين الإقامة فيها، ما أدخل السوريين في حالة من الإرباك والتعقيد.

عبد الرحمن لقموش لاجئٌ سوري يقيم في غازي عنتاب، وكان أحد المتضررين من قرار منع تقييد أجانب جدد: «عثرتُ على عملٍ جديد مؤخراً، لذا استأجرتُ منزلاً قريباً من مكان العمل، وحين ذهبت لتثبيت عقد الإيجار في إدارة النفوس رفضَ الموظف تقييد عنواني الجديد، وأخبرني أن هذا الحي يُمنع تقييد أجانب جدد فيه».

يضيف لقموش: «كانت صدمةً بالنسبة لي، فبعد أن دفعتُ مبلغاً قدره 15 ألف ليرة تركية (قرابة ألف دولار أميركي) كرسوم الإيجار والتأمين والكومسيون وتكاليف نقل الأثاث، أصبحتُ مضطراً للانتقال إلى منزلٍ جديد في حيٍّ آخر، وهذا يعني أني سأقيم في مكانٍ بعيدٍ عن عملي، عدا عن المشقة الكبيرة في البحث عن منزل آخر والتكاليف التي سأدفعها مجدداً من أجل الاستئجار ونقل الأثاث».

واجه أبو إياد لطوف، اللاجئ السوري في مدينة أنطاكية، المشكلة نفسها، لذلك دعا إلى «ضرورة وجود آلية تساعد السوريين على معرفة الأحياء التي لا يستطيعون تثبيت نفوسهم فيها، كي لا يقعوا في نفس المطب؛ بأن يستأجروا منزلاً ويدفعوا تكاليفه، ومن ثم يتفاجؤون بعدم إمكانية تثبيت عناوينهم في دائرة النفوس التي يتبع لها المنزل».

كما عبّر منذر عبيد، المقيم في الفاتح بإسطنبول، عن استيائه من منع تقييد سوريين جدد في الحي: «وصل أهلي إلى اسطنبول قبل شهر بموجب فيزا من بيروت، ولكني لم أستطع استئجار منزلٍ لهم قريباً مني، وذلك بسبب قرار منع تقييد سوريين جدد في حي الفاتح». اضطر عبيد للبحث عن منزلٍ في منطقةٍ أخرى. ويعلق على ذلك: «كانت مشكلةً كبيرةً بالنسبة لنا، فإسطنبول مدينةٌ كبيرة والمسافات بين الأحياء طويلة، وبالتالي لم أعد أستطيع رؤية أهلي سوى مرة أو مرتين في الشهر».

معضلة تثبيت العناوين

بدأت الحكومة التركية في تموز (يوليو) 2019 التضييق بشكلٍ كبير على السوريين، فأصدرت قراراً بضرورة تثبيت عناوين السكن، وبدأت بحملاتٍ على البيوت للتأكد من صحة العناوين ومدى تواجد أصحابها ضمن نفس العنوان. ولم يقتصر الأمر على ذلك، بل أطلقت الداخلية التركية حملةً واسعةً في الطرقات لتفتيش هويات الأجانب، ولا سيما في ولاية إسطنبول، وقامت بترحيل كل شخصٍ يقيم في ولاية غير ولايته، ولكنّ قسماً منهم لم يُرحَّل إلى الولاية التي قُيّدت فيها إقامته، وإنما إلى سوريا بشكلٍ مباشر.

وتسبّب القرار في حينه بحالة قلقٍ وإرباكٍ للسوريين، ونظراً لخشية بعض السوريين المقيمين في ولاياتٍ غير ولاياتهم من أن يتمّ ترحيلهم الى سوريا، قرروا ترك أعمالهم وبيوتهم والعودة على نحوٍ فوري إلى ولاياتهم. يروي لنا مصطفى قدور، اللاجئ السوري المقيم في إسطنبول، ما حصل معه في 2019: «جئت الى تركيا عام 2014، وقررت الإقامة في ولاية هاتاي كونها الأقرب إلى سوريا، لكنّ ضعف سوق العمل فيها دفعني للانتقال إلى ولاية إسطنبول، وبالفعل تحسّن عملي كثيراً، إذ بدأتُ العمل في مجال الديكورات، لكن حين بدأت حملة التشديد على السوريين منتصف 2019، اضطررت لترك عملي والعودة إلى هاتاي».

يضيف قدور: «كانت عودتي إلى هاتاي مع عائلتي بمثابة الكارثة، فقد خسرتُ عملي، إضافةً إلى مصاريف الانتقال واستئجار منزلٍ جديد، كما أنّ أبنائي تركوا مدارسهم التي اعتادوا عليها في إسطنبول. ونظراً لعدم قدرتي وعائلتي على التأقلم مع الحياة في أنطاكية، اتفقت مع سمسار ليستخرج لي إذن عمل مقابل 5 آلاف ليرة تركية، وعدتُ بموجبه إلى إسطنبول من جديد». ونوّه قدور إلى أنّ انتقاله إلى هاتاي خوفاً من الترحيل، ومن ثم العودة إلى إسطنبول، كلّفه 30 ألف ليرة خلال ثلاثة أشهر، فضلاً عن خسارته لكثيرٍ من زبائنه خلال الفترة التي ترك فيها إسطنبول».

تكرّرت مطالب الحكومة التركية بوجوب تثبيت الأجانب لعناوينهم في تشرين الأول (أكتوبر) 2020 ونهاية العام 2021 وفي شباط وآذار من العام الحالي، بالترافق مع حملات على البيوت في مختلف الولايات التركية للتأكد من صحة عناوين الأجانب المُسجلة في النفوس. وطالبت مديرية دائرة الهجرة التركية اللاجئين السوريين من حاملي بطاقة الحماية المؤقتة بتحديث بياناتهم، ودعتْ المتخلّفين عن تحديث عنوان إقامتهم، أو الذين لم يكونوا موجودين في المنزل خلال زيارة الشرطة للتحقق من صحة العنوان، إلى حجز موعدٍ من الموقع الرسمي للوزارة على الإنترنت، وتحديث بياناتهم في أسرع وقت.

وقد صرّح وزير الداخلية التركي سليمان صويلو في لقاءٍ تلفزيوني في آذار (مارس) الماضي، أن 80 بالمئة من اللاجئين يعيشون في العناوين التي حدّدوها، وأن الحملة مستمرة حتى الوصول إلى معدل 90 بالمئة، مضيفاً أن ما بين 120 إلى 130 ألف لاجئٍ سوري لم يتم العثور عليهم في عناوينهم خلال الحملة التي انطلقت في بداية العام الحالي.

منعتْ الزياراتُ المحتملة والمفاجئة للشرطة التركية أم ياسين ربوع، المقيمة في منطقة إسنلر بإسطنبول، من الخروج من بيتها خشيةَ أن يأتي الموظفون فلا يجدوا أحداً. ولسوء حظها، اضطرّت في إحدى المرات الذهاب للتسوق، وحين عادت أخبرتها جارتها بأن الموظفين جاؤوا إلى المنزل فلم يجدوا أحداً. تتابع أم ياسين: «وصلت رسالةٌ إلى هاتفي وهاتف زوجي بأنه تمّ تجميد الكمليك، وعلينا خلال مدة شهر واحد تحديث بياناتنا حتى لا يُصار إلى إبطاله، لكنّ أقرب مواعيد الحجز الممكنة في إدارة الهجرة في بيازيد كانت بعد ثلاثة أشهر، وهذا أشبه بالمهمة المستحيلة، ما سبّب لنا حالة رعبٍ كبيرة، ومازلنا ننتظر الموعد رغم انتهاء المهلة المُحدّدة، ولا نعلم كيف سيكون مصيرنا».

كذلك كان الحاج أبو رياض (67 عاماً) المقيم في مرسين أحد المتضررين من قرار تثبيت العناوين. يقول: «ذهبتُ الأسبوع الماضي إلى المستوصف الموجود في منطقتي للعلاج، لكن الطبيب أخبرني أنه تم تعليق الكمليك الخاص بي بسبب عدم تثبيت عنواني، وبالتالي لا أستطيع الاستفادةَ من الخدمات الطبية المجانية، وهذا سبّب لي إزعاجاً كبيراً، فأنا أعاني من الربو المزمن وبحاجة لمعايناتٍ دورية وأدوية مستمرة. مع تجميد الكمليك سأضطر لشراء الأدوية وإجراء المعاينات المأجورة، ووضعي المادي سيٌّء جداً، ولستُ قادراً على تحمل هذه التكاليف الباهظة».

واجه آلاف السوريين المشكلة نفسها، إذ وصلتهم رسائل من مديرية الهجرة التركية باللغتين العربية والتركية، مضمونها: «تمّ إلغاء تسجيل الكمليك الخاص بك، حيث تم تحديده في تحقيق العنوان الذي أجرته الشرطة، التي تأكدت أنك لم تكن تعيش في العنوان الذي أعلنته، وأنك لم تقدم معلومات عنوانك الحالي خلال الفترة المحددة. إذا تقدّمتَ بطلب إلى إدارة الهجرة حيث تمّ تسجيلك في محافظتك، فسيتم تحديث معلومات عنوانك وسيتم تنشيط تسجيل الحماية المؤقتة مرة أخرى».

بالحديث مع  المنسّق العام لـ طاولة الحلول مهدي داود، وهي تجمّع سوري يضم أفراد ومؤسسات تُعنى بحل مشاكل السوريين عبر التواصل مع الجهات الرسمية التركية، قال إنّ تثبيت العناوين «حقُّ لأي دولة، وواجبُ على الأشخاص القاطنين على أراضيها، سواءً المواطنين أو اللاجئين، فمن حق الدولة معرفة عناوين السكان من أجل الوصول إليهم في حال ارتكابهم أي خرق أمني، أو لإيصال أي بلاغات أو دعاوى لهم، أو إعطائهم ملاحظات أو مساعدات. علماً أن المواطنين الأتراك ملزمون أيضاً بالتبليغ عن مكان سكنهم، وإلا فهناك غرامة مادية في حال عدم التبليغ عن العنوان الجديد خلال ثلاثة أسابيع».

ولكن رغم أن معرفة عناوين السكن إجراء قانوني اعتيادي تتبعه السلطات عادةً لحماية الأمن وإدارة الشؤون الخدمية، كما ذكر مهدي داود، لكن المشكلة في كيفية تطبيق هذا الإجراء من قبل السلطات التركية، إذ إن قدوم موظفي الهجرة والأمن التركي بشكلٍ مفاجئ دون إعطاء موعدٍ مسبق، أدى لإرباك السوريين وأسر حريتهم، كما ورد في شهادات عدد ممن التقيناهم.

ترحيل طوعي بنكهة قسرية

تداول ناشطون سوريون في نهاية كانون الثاني (يناير) الماضي تسجيلاً مصوّراً يُظهر عدداً من الشبان السوريين يحملون أوراقهم الثبوتية في تركيا، ويحتجّون على قرار ترحيلهم من الأراضي التركية، واصفين القرار بـ«القسري».

https://www.youtube.com/watch?v=iI6rAWZBrkE

يقول أحد الأشخاص المُرحلين (فضّل عدم ذكر اسمه): «أوقفتني دورية أمن خلال مروري في ميدان إسنيورت بإسطنبول، وطلبت مني الكمليك، فأعطيتهم وثيقةً حصلتُ عليها حين سُجلتُ في مركز إدارة الهجرة، وهي ورقةٌ تمهّد لاحقاً للحصول على الكمليك، لكن الشرطة قالت لي إن هذه الورقة لا تصلح، ونقلوني إلى أقرب مخفر، حيث بقيت 24 ساعة».

يضيف المصدر ذاته للجمهورية.نت: «استفسرتُ هناك عن الإجراءات التي ستُتخذ بحقي، فأخبرني أحد عناصر الأمن أنهم سيقومون بتسوية أوراقي الثبوتية، وفي اليوم التالي جرى نقلي إلى مركز الاحتجاز بولاية توزلا. جلست هناك ليومٍ أيضاً، وبعدها تم نقلي مع مجموعة من الشبان الى ولاية كلس، ومن ثم نُقلنا إلى معبر أونجو بينار، حيث أجبرونا على البصم والتوقيع على أوراقٍ مكتوب عليها ‘ترحيل طوعي’، رغم أننا أخبرناهم أنه ليس لدينا مكانٌ نأوي إليه في سوريا، ولكن دون جدوى. أناشدُ السلطات التركية بضرورة إعادتنا إلى تركيا فوراً».

تحاصر القرارات التركية المتتالية اللاجئين السوريين، وتجعل بعضهم يفكر بالعودة غير الآمنة إلى سوريا أو الهجرة إلى أوروبا. يقول اللاجئ السوري أبو راتب درويش: «نسمع كل فترة عن قراراتٍ جديدة تزيد من الضغط علينا، عدا عن الغلاء الكبير الذي يزداد في تركيا يوماً بعد يوم بينما مستوى الدخل لا يتحسن، وهذا جعلني أفكر جدياً بالعودة إلى سوريا في ظل صعوبة السفر الى أوروبا التي باتت حلم آلاف اللاجئين في تركيا».

لماذا كل هذه القرارات؟

مع تتابع القرارات تركية المتعلقة باللاجئين السوريين خلال السنوات الماضية، وازدياد وتيرتها خلال الشهور الأخيرة، تحوّلت سياسة الباب المفتوح التي انتهجتها تركيا منذ بداية الثورة السورية إلى سياسةٍ تتّسم بالتضييق وإغلاق الأبواب. وكانت بداية مسلسل التضييق مطلع العام 2016، حين فرضت تركيا تأشيرة دخول على السوريين الراغبين بعبور الحدود نحوها، وفي ذات العام طالبت اللاجئين باستخراج إذن سفر للتنقل ضمن الولايات التركية.

في الأشهر الماضية، وفضلاً عن قرارات وزارة الداخلية وعمليات الترحيل العشوائية، برزت دعواتٌ من مسؤولين أتراك في السلطة والمعارضة بوجوب إعادة السوريين الى بلادهم. كما قررت السلطات إلغاء إجازات العيد، وذلك رغم دخول حوالي 3 آلاف شخص إلى سوريا قبل صدور القرار، وذلك وسط مخاوف من عدم سماح تركيا لهم بالعودة من سوريا.

وطال التضييق حاملي الإقامات السياحية أيضاً، إذ قال غوكتشا أوك، وهو المدير العام للاندماج والتواصل في رئاسة الهجرة التركية، إن الإقامة السياحية ستعطى للقادمين إلى تركيا لأول مرة لمدة 90 يوماً فقط، بدلاً من عام أو عامين. ولفت المسؤول التركي إلى أنه «لا بدّ لمقدّمي طلب الإقامة تقديم أسباب ومبررات حقيقية، يوضحون من خلالها أسباب قدومهم إلى تركيا والغرض من زيارتها أو الإقامة فيها»، موضحاً أن سبب إيقاف قيود بعض الإقامات السياحية «يرجع إلى العدد الكبير الذي حصل عليها، فضلاً عن بعض المخالفات من ناحية استيفاء الشروط».

أما آخر المستجدات وأخطرها، فكان إعلان الرئيس التركي رجب طيب أردوغان مطلع الشهر الحالي عن تحضير أنقرة لمشروعٍ «يتيح إعادة مليون لاجئ سوري ‘طوعياً’ إلى 13 منطقة في الشمال السوري». وسبق تصريحات أردوغان بأيام إعلانُ صحيفة Türkiye المقرّبة من الحزب الحاكم عن «نيّة الحكومة التركية إعادة قرابة 1.5 مليون لاجئٍ سوري إلى بلادهم خلال مدة زمنية حددتها الحكومة بين 15-20 شهراً».

من جانبها، قابلت المعارضة التركية الخطة الحكومية لإعادة اللاجئين السوريين بمشروع خطةٍ مماثلة، أعلن عنها رئيس حزب الشعب الجمهوري التركي المعارض كمال كليتشدار أوغلو في حال نجاحه في الإنتخابات الرئاسية القادمة، وتتضمن التوصل إلى اتفاق سلام مع رئيس النظام السوري بشار الأسد، ومن ثم إعادة اللاجئين إلى سوريا.

وسط كل تلك التوجهات الحكومية والتطورات السياسية والاجتماعية والاقتصادية والأمنية المتلاحقة، التي تضيّق على السوريين من جهة، وتدعوهم للرحيل من جهةٍ أخرى، تزداد التساؤلات حول سبب توالي صدور تلك القرارات في هذا الوقت وخلال مدة قصيرة. وفي هذا السياق، يرى مهدي داود أن «تركيا مقبلة على انتخابات رئاسية حاسمة للحزب الحاكم، لذلك حاولت المعارضة الضغط على الحكومة بملف اللاجئين، وتحويله إلى ملف وطني أو أمن قومي، أو حتى عبر خطاب الكراهية والتركيز على أنّ وجود السوريين يضر بالشعب التركي، وهو ما دفع الحزب الحاكم لاتخاذ عدة قرارات لتنظيم وجود السوريين في تركيا».

بدوره، يرى مدير تجمع المحامين السوريين في تركيا غزوان قرنفل أن تغيّر السياسة التركية تجاه اللاجئين السوريين جاء نتيجة عاملين أساسيين: «الأول هو رغبة الحكومة في الحد من قدرة المعارضة التركية على استثمار ملف اللاجئين في الصراع الانتخابي المقبل وتوجيه هذا الملف لمصلحتها، وهو ما تمثّل في سلسلة القرارات التي صدرت مؤخراً. أما العامل الثاني فيرتبط بعملية إعادة تموضع للسياسة الخارجية التركية، تأخذ بالاعتبار أن المحيط العربي والإقليمي يعمل على إدماج الأسد عربياً وإقليمياً تمهيداً لإعادة تعويمه دولياً، وتركيا لا تريد أن تكون خارج هذا السياق».

وأشار قرنفل إلى أن «الحكومة التركية تتحدث عن عودة طوعية قانونية، لكنها تفرض على الأرض عودةً قسرية»، مُرجِّحاً أن تتابع تركيا عمليات الترحيل بعد الانتخابات «بحيث لا يبقى على أراضيها أكثر من نصف مليون سوري» بحسب رأيه، وهو ما لم تُشر إليه أية تصريحات رسمية حتى الآن على الأقل.

عينٌ على الصحافة التركية

تفاوتت طرق تعاطي الإعلام التركي مع قضية اللاجئين السوريين بين التحريض عليهم  والدعوة لترحيلهم، أو التشديد على أن عودتهم غير واردةٍ حالياً في ظل عدم استقرار الأوضاع الأمنية في سوريا.

ونشرت صحيفة Türkiye مقالاً في الخامس من الشهر الجاري تحت عنوان «خطة الفوضى في طور التنفيذ: تشكلتْ اللعبة الجديدة عن طريق اللاجئين»، تحدثت فيه عن وجود خطة جديدة تتضمن تخصيص مبلغ 60 مليون دولار لتنفيذها، وتعتمد على استغلال موجة العداء والاستفزاز ضد اللاجئين السوريين، وإثارة الفوضى في البلاد بهدف دفع الحكومة إلى الاستقالة.

ولفتت الصحيفة الى أن «جهاتٍ مدعومة من دول خارجية سوف تعمل على إشعال انتفاضة شعبية، خاصةً في المناطق المكتظة باللاجئين، إلى جانب الدعوة لتنفيذ عصيان مدني ومقاطعة مؤسسات الدولة التركية وعدم دفع الفواتير وحرق المنتجات الزراعية وإغلاق الطرق وإغلاق قطاع الخدمات في الجنوب الشرقي».

ونقلت الصحيفة عن مصادر أمنية بأنّ «الاستعدادات للتحريض ضد اللاجئين بدأ العمل عليها منذ أكثر من عامين، وتم تأجيل تنفيذها المفترض في العام الماضي إلى صيف العام الحالي».

وكتب موقع Teyit تقريراً تحت عنوان «النازحون السوريون: هل العودة ممكنة؟»، أشار فيه إلى أن المعارضة تزعم أنها ستستطيع إعادة السوريين، لكنّ الظروف في سوريا بعيدةٌ عن تلبية متطلبات القانون الدولي. وأضاف الموقع أن المادة 33 من اتفاقية جنيف لعام 1951، والتي تعتبر تركيا طرفاً فيها، تؤكد أنه لا يمكن إعادة اللاجئين قسراً إلى مكانٍ تكون فيه حياتهم مهددة.

وتحت عنوان «العودة الطوعية سوف تكون هكذا: تأمين مسكن وعمل»، نقلت صحيفة يني شفق تعليقاً، نَسَبته لأحد السوريين العائدين من تركيا إلى مدينة الباب بريف حلب، على تصريحات أردوغان حول إعادة مليون سوري إلى الشمال: «أعيش في بيئةٍ آمنة مع عائلتي على أرضي. أطفالي يذهبون إلى المدرسة. مع المشروع المزمع تنفيذه، قد يعود 2 إلى 3 مليون سوري إلى بلدهم، وليس مليون سوري فقط. هذا المشروع سيُنهي حنين الشعب السوري إلى الوطن».

كما أوردت الصحيفة ذاتها، تحت عنوان «عاجل.. عاجل.. قرار يخص السوريين من المحكمة الدستورية سوف يزعج السلطة الحاكمة»، أن عدداً من اللاجئين السوريين «قدّموا الشهر الماضي التماساتٍ فردية ضد قرارات ترحيلهم، قائلين: ‘هناك حربٌ في بلادنا، إذا تم ترحيلنا سنتعرض إلى سوء المعاملة’، لكن المحكمة الدستورية ردّت على ذلك قائلةً: ‘لا يوجد دليلٌ ملموسٌ على أنهم سيتعرضون لسوء المعاملة في حال عادوا إلى بلادهم’».

في مقال نشره موقع Aydinlik، وهو موقعٌ تابعٌ لحزب الوطن التركي المعارض، جاء في عنوانه «الأوضاع جاهزة في سوريا لعودة مشرفة وطوعية». وزعم الموقع أن «الأسد انتصر في الحرب، وأصدر 11 عفواً في 11 عاماً، وأن قرار العفو الأخير يختلف عن القرارات السابقة، ويشمل حتى المشاركين في الأعمال الإرهابية». واعتبر الموقع المعارض أنه «في حال وجود اتفاق بين أنقرة ودمشق، فإن عودة السوريين ستكون أسهل بكثير»، موضحاً أن تركيا «تحتاج لتحديد من أيّ المناطق أتى طالبو اللجوء السوريين والاتصال بحكومة النظام لإعادتهم إلى الأماكن الخالية من الإرهاب».

كما نشرت صحيفة حرييت تقريراً بعنوان «عودة السوريين واستطلاعات الرأي»، قال كاتبه إنّ حي إسنيورت في إسطنبول هو «أحد أهم المناطق التي يعيش فيها معظم السوريين، وحتى لو تعرّض سوريٌّ لحادثٍ مروري، فإن السوريين يجتمعون جميعاً في وقتٍ واحد. إذا تشاجر سوريٌّ فسيأتي 10 أو 15 شخصاً في الحال، بينما يشعر الأتراك هناك بالوحدة». وطالب كاتب المقال، عند بدء تنفيذ مشروع العودة الطوعية لمليون سوري، بأن «يبدأ أولاً بإعادة السوريين من إسنيورت والفاتح في إسطنبول، ومن حي آلتنداغ في أنقرة».

أما استطلاع الرأي الذي يتحدث عنه التقرير، فقد أجرته شركة أوبتيمار للأبحاث، سألت فيه المواطنين الأتراك، ووفق خيارات غريبة يطرحها مصممو الاستبيان، عن «شعورهم عندما يشاهدون السوريين في الشارع». وجاءت النتائج على النحو الآتي: 21 بالمئة من المشاركين في الاستطلاع قالوا إنهم يشعرون بالكراهية عند مقابلة شخصٍ سوري، و17.3 بالمئة يشعرون بالإيذاء، و11.2 بالمئة بالغضب، و6.6 بالمئة بالقسوة، و6.2 بالمئة بالقهر، و4.4 بالمئة بالشفقة، بينما 33 بالمئة من المواطنين الأتراك لا يشعرون بأيّ شيء، تماماً مثلما يحدث عند مقابلة أي شخص.

تأجيج خطاب الكراهية

تشهد تركيا مؤخراً موجةً متصاعدةً من العنصرية ضد اللاجئين السوريين، لا سيما مع دأب بعض أحزاب المعارضة على السعي إلى تحقيق مكاسب سياسية من هذا الملف. وكان رئيس حزب النصر أوميت أوزداغ أحد أبرز السياسيين المسؤولين عن تعزيز خطاب الكراهية ضد اللاجئين السوريين، إذ يستغل كل ظهورٍ إعلامي لتشويه صورتهم والدعوة إلى ترحيلهم.

كما موّل أوزداغ فيلماً قصيراً بعنوان الغزو الصامت، تقوم أحداثه على أنّه في الثالث من أيار (مايو) 2043 ستكون إسطنبول في حالة خراب، وأن السوريين في تركيا سوف يسيطرون على كل شيء، ويطاردون الأتراك الذين يرونهم في الشارع، أما رئيس ولاية إسطنبول السوري، فسيصبح رئيساً لتركيا في الانتخابات الرئاسية.

https://www.youtube.com/watch?v=EpPo5vjC2bE

وأعلنت مديرية الأمن التركية في بيانٍ لها أن الفيلم يحتوي الكثير من المعلومات المضللة عن اللاجئين السوريين، ويحرّض عليهم، كما قامت وزارة الداخلية التركية وتجمّع المحامين الأتراك برفع دعوى قضائية ضد أوميت أوزداغ بسبب نشره أخباراً مضللةً للرأي العام، خاصةً في ما يخص اللاجئين السوريين في الآونة الأخيرة، كما صدر قرارٌ باستبعاد الحزب الذي يترأسه من الانتخابات الرئاسية القادمة.

وفي مشهدٍ يعكس حالة الرفض الشعبي المتصاعد لوجود اللاجئين السوريين في تركيا، قامت صحفيةٌ تركية بجولةٍ ميدانيةٍ عرضت فيها لبعض الأتراك مقطع فيديو من مجزرة التضامن بدمشق، والتي يظهر فيها عناصر النظام وهم يقتلون 41 سورياً بدمٍ بارد. ورغم المشاهد المؤلمة في الفيديو وصدمة الأتراك من فظاعتها، إلا أن معظمهم أجابوا حين سألتهم المراسلة بعد عرض الفيديو عن رأيهم بقضية اللاجئين السوريين في تركيا بأنه يجب ترحيلهم.

https://www.youtube.com/watch?v=HcHOhr1doJw

وفي هذا الإطار، تعبّر اللاجئة هديل بيدو عن استيائها من زيادة درجة الكراهية تجاه السوريين في إسطنبول: «تُعرف الكثيرات من السوريات من خلال طريقة لباسهن أو كيفية وضعهنّ للحجاب، لذا نتعرضُ لكثيرٍ من التنمّر والسخرية من قبل بعض الأتراك في الطريق أو في وسائل النقل والدوائر الرسمية، ومن أكثر العبارات التي أسمعُها مؤخراً ‘أوف ياااا.. يابنجي’، تعبيراً عن التذمر من الأجانب».

بات اللاجئون السوريون في تركيا اليوم أشبه بورقةٍ في مهب الريح، وأداةً لتحقيق المكاسب داخلياً وخارجياً، فمنذ عام 2016 ساومت الحكومةُ التركية الاتحادَ الأوروبي على ملف اللاجئين، وذلك بألّا تسمح لهم بالعبور إلى أوروبا مقابل رفع التأشيرة الأوروبية عن المواطنين الأتراك ومنح الأموال لأنقرة. واليوم انتقل السوريون إلى ورقةٍ بيد الأحزاب التركية المنافسة على الرئاسة والبرلمان. وبين هذا وذاك، يعيش اللاجئون ضغطاً نفسياً كبيراً، وتخوفاً من مستقبلٍ مجهولٍ لا يحمل أي نوعٍ من الاستقرار.