يحمل السوريون جواز سفر هو الأعلى ثمناً على مستوى العالم، غير أنه يتذيل قائمة جوازات السفر بحسب عدد الدول التي يحق لحامل الجواز السفر إليها دون فيزا. ويتطلب الحصول على الجواز السوري مجموعةً من الشروط بالنسبة للمقيمين في سوريا؛ منها الحصول على موافقة أمنية وموافقة شعبة التجنيد للذكور وموافقة الجهة الوظيفية بالنسبة للموظفين. يزيد على هذه الشروط رهبة الدخول إلى فرع الهجرة والجوازات التابع لوزارة الداخلية، وبالتالي التعامل مع العسكر وعناصر الأمن، حيث يمكن اعتقال أي متقدم-ة للحصول على الجواز في حال كانوا مطلوبين لأحد الفروع الأمنية. يختلف الأمر قليلاً عند استصدار جواز السفر عبر إحدى القنصليات السورية في الخارج، حيث التعامل مع موظفين مدنيين، كما لا يعير النظام اهتماماً إلى كون المتقدمين لتجديد جوازات سفرهم مطلوبين أم لا؛ وهو ما صدر بشكل رسمي عام 2015 بقرار من وزير الخارجية السابق وليد المعلم، كما أن حرمان عشرات آلاف السوريين من الحصول على جواز سفر أو تجديده يضع النظام وشرعيته أمام دول العالم على المحك. بدوره، عزّز النظام السوري استفادته المالية من خلال رفع رسوم تجديد الجوازات؛ بحيث يتحصل على مبالغ طائلة بالقطع الأجنبي من ملايين السوريين الذين يتوزعون أنحاء العالم بشكل لم يسبق له مثيل في تاريخ البلد.
وتنقسم آلية منح الجوازات السورية إلى قسمين: جواز السفر العادي وفق نظام الدور وجواز السفر المستعجل. ولا فرق بين نوعي جواز السفر سوى في مدة انتظار الحصول عليه، وهي من حيث المبدأ ثلاثة إلى أربعة أسابيع وفق نظام الدور، وخلال يوم أو يومين بالنسبة للجواز المستعجل. غير أن المدة المطلوبة فعلياً في الوقت الراهن تتجاوز هذه الآجال بكثير. وتبلغ رسوم استصدار جواز السفر أو تجديده للمقيمين داخل سوريا 14.200 ليرة سورية للجواز العادي (3.72 دولار أميركي وفق سعر الصرف في السوق السوداء صباح اليوم)، و32.200 ليرة للجواز المستعجل (8.41 دولار أميركي). في حين يُحدد الرسم القنصلي عند منح أو تجديد الجواز أو وثيقة السفر للسوريين ومن في حكمهم المتواجدين خارج سوريا بشكل فوري ومستعجل بمبلغ 800 دولار أميركي، كما يحدد الرسم القنصلي ضمن نظام الدور بمبلغ 300 دولار أميركي. يضاف إلى الرسوم المستوفاة من السوريين المقيمين خارج البلاد مبلغ 25 دولار أميركي كرسم تسجيل قنصلي يُدفع لمرة وحدة.
وتشهد فروع الهجرة والجوازات في جميع المحافظات السورية، كما هو الحال في معظم القنصليات السورية حول العالم حالياً، أزمة هي الأولى من نوعها في تجديد جوازات السفر، حيث صارت تتطلب أوقاتاً أطول لنوعي التقدم للحصول على الجواز؛ العادي والمستعجل. وفي حين يتطلب الحصول على الجواز المستعجل مدةً تزيد على شهر، فلا يمكن التكهن بالمدة اللازمة للحصول على الجواز العادي، وهي تزيد على أربعة أشهر في أحسن الأحوال. وقد بدأت هذه الأزمة فعلياً منذ شهر تموز (يوليو) 2021 وحتى اليوم، حيث بلغ عدد الجوازات العالقة التي تمت طباعتها من تاريخ 1/7/2021 وحتى 22/12/2021، وبحسب تعميم صادر عن إدارة الهجرة والجوازات في 24 كانون الثاني (يناير) من العام الجاري، 75.246 جواز سفر، في حين تمت طباعة 486 ألف جواز سفر داخل سوريا منذ تاريخ 1/7/2021 ولغاية 20/2/2022، و86 ألف جواز عن طريق القنصليات خارج سوريا، وفق ما قاله خالد حديد، مدير إدارة الهجرة والجوازات بوزارة الداخلية، في حوار على تلفزيون النظام الرسمي نهاية شهر شباط (فبراير) الفائت. وذكر حديد أنه «بسبب الطاقة الإنتاجية التي تعمل بها إدارة الهجرة والجوازات، فقد منحت الأولوية لاستخراج جواز سفر فوري للمقيمين خارج البلاد والحالات الإنسانية والطلاب والموظفين الموفدين».
ورغم أن فروع الهجرة والجوازات داخل البلاد والقنصليات في الخارج لا تلزم المُراجعين بالعودة إلى المحافظة أو الدولة الأجنبية التي يقيمون فيها لاستصدار الجواز، إلا أن مواقع وزارتي الخارجية والداخلية التابعَتين للنظام «ترجو المراجعين» بالتوجه إلى الجهة المانحة للجوازات في المنطقة التي يتبعون لها. ولا يمكن التقدم للحصول على الجواز داخل سوريا إلا بعد حجز موعد على منصة أطلقتها وزارة الداخلية لهذا الغرض، وذلك اعتباراً من 17 تشرين الثاني (نوفمبر) من العام الفائت. ويشتكي معظم المُعلقين على صفحة وزارة الداخلية في موقع فيسبوك من عدم تمكنهم من حجز موعد عبر المنصة رغم مئات المحاولات التي قاموا بها. وبالفعل قمنا أثناء إعداد هذا التقرير، وعلى مدى عشرة أيام، بمحاولات كثيرة لحجز موعد عبر المنصة في فرعي الهجرة والجوازات بدمشق وحلب، دون أن يتسنى لنا النجاح. ومنذ إطلاق المنصة أصبح هناك سوق سمسرة كبير في جميع المحافظات السورية للحصول على دور التقدم لجواز السفر، وذلك في ظل استحالة الحصول على موعد بشكل إلكتروني، ليصل المبلغ الذي يُدفع للسماسرة إلى أكثر من مئتي ألف ليرة سورية عن الموعد الواحد، وهو ما لم تنكره وزارة الداخلية، فقد ذكر مدير إدارة الهجرة والجوازات أن «موظفين في إدارته وفروعها في المحافظات متورطون مع السماسرة، ومن بينهم ضباط»، مشيراً إلى «تقديم رئيس فرع هجرة مع عدد من العناصر إلى القضاء عن طريق إدارة الأمن الجنائي، ونقل عدد من الضباط خارج مرتّبات الهجرة والجوازات، وتقديم نحو 23 عنصراً من الشرطة وصفّ الضباط من مرتّبات فروع الهجرة والجوازات إلى القضاء عن طريق إدارة الأمن الجنائي، ونقلهم إلى وحدات غير عاملة ولا يوجد فيها احتكاك مع الإخوة المواطنين» بحسب أقواله.
من جهته، قال عبد الرحمن عبد الرحمن، مدير إدارة المعلوماتية والاتصالات في وزارة الداخلية، إن مشاكل التسجيل عبر المنصة الإلكترونية «تتعلق بالطاقة الاستيعابية والإنتاجية لفروع الهجرة والجوازات في عموم المحافظات، كما أن بعض الثغرات في برنامج المنصة أدت إلى تحديد عدد معيّن من طلبات الدور، تصل إلى 2400 طلب يومياً، في حين أنه خلال الثواني الأولى من فتح المنصة في الصباح تتلقى أكثر من عشرة آلاف طلب للحصول على دور من أجل استخراج الجواز، وهو ما يؤدي إلى أخطاء تجعل المنصة لا تعمل». بالطبع لا يمكن اعتبار تحديد الطلبات بـ2400 طلب، بغض النظر عن دقة كلام عبد الرحمن، عبارة عن «ثغرة»، وإنما هو الرقم المحدد من قبل وزارة الداخلية أثناء برمجة المنصة، ويمكن تغييره من الناحية التقنية خلال وقت قصير جداً. كذلك من غير المنطقي أن تفترض الوزارة أن منح 2400 دور يومي للحصول على جواز السفر سيكون كافياً في بلد يقطنه حالياً قرابة 20 مليون إنسان.
ولا يتطلب تجديد جواز السفر عبر البعثات الدبلوماسية للنظام، عدا في تركيا ومصر بشكل أساسي، التسجيل لحجز دور في القنصليات، وإنما يتم ذلك بشكل مباشر خلال ساعات الدوام التي تحددها القنصليات. وكانت مهلة الانتظار في مصر بعد حجز الدور على منصة السفارة لا تتجاوز أسبوعاً واحداً، في حين أن المنصة ظلت مغلقةً منذ شهر أيلول (سبتمبر) من العام الماضي وحتى الشهر الأول من عام 2022 الجاري، ثم أُعيد افتتاحها ففقط للراغبين بتجديد جواز السفر بشكل مستعجل. ومن خلال الحديث إلى سوريين مقيمين في مصر ذكروا للجمهورية.نت أن حجز المواعيد لم يكن يمر عبر سماسرة قبل بداية أزمة التأخير في تموز (يوليو) الماضي، كما أن التأخير الذي يحصل حالياً في تجديد جوازات السفر يؤدي إلى التأخر في تجديد الإقامة في مصر، وهو ما يعني دفع غرامات مالية للسلطات المصرية، مشيرين إلى أن بعض الأشخاص حبستهم الشرطة المصرية من يومين إلى ثلاثة أيام لعدم تجديد إقاماتهم بسبب جوازات السفر العالقة في السفارة منذ أشهر. أما في تركيا، فمند سنوات هناك سوق نشطة جداً للسماسرة من أجل الحصول على موعد في القنصلية بإسطنبول، حيث تشترط القنصلية مراسلتها عبر البريد الإلكتروني لترد بموعد التقدم لتجديد الجواز، في حين يمكن تسريع هذا الدور عبر مكاتب سمسرة مختصة بهذا الأمر، وعلى علاقة مباشرة بموظفي القنصلية.
أمثلة عن التأخير في بلدان عديدة
لم تكن البعثات الدبلوماسية السورية، حتى شهر نيسان (أبريل) من العام 2017، تستبدل جواز السفر عند تجديده للمرة الأولى، بل تكتفي بوضع لصاقة ورقية على الصفحة الثالثة منه لتمديد صلاحية استعمال الجواز. وكان سبب تغيير الآلية، وفق تصريحات ناجي النمير، المدير السابق لإدارة الهجرة والجوازات، هو «حصول عمليات تزوير للصاقة خارج سوريا، وتشديد بعض سلطات الهجرة في دول العالم على صحتها وعدم الاعتراف بها أحياناً، ما أدى لتأخير الكثير من السوريين في المطارات». ومما يزيد من الحاجة إلى طبع دفاتر جديدة هو منح جميع الذكور السوريين ممن لم يؤدوا الخدمة العسكرية الإلزامية جوازات سفر بصلاحية عامين ونصف فقط.
في السفارة الفرنسية بباريس، تقدم محمود عبد الفتاح (اسم مستعار) بطلب تجديد جواز سفره في منتصف شهر تموز (يوليو) من العام الماضي. يقول محمود: «لم يكن في السفارة حينها سوى مراجعين قلائل لمعاملات مختلفة أغلبها غير متصل بتجديد الجواز. أخبرني موظف السفارة أن هناك مشكلة في توريد دفاتر الجوازات من سوريا، كون مهمة السفارة تقتصر على عملية طباعة تفاصيل الجواز؛ لذا عليّ أن أنتظر لمدة شهرين بدل ثلاثة أسابيع، وحين يتم الانتهاء من الجواز ستتصل السفارة لإعلامي. كما طلب مني ألا أتصل بالسفارة للاستعلام عن الجواز في حال لم يتصلوا بي؛ لأنهم يتلقون يومياً عشرات الاتصالات».
يضيف محمود: «بعد أكثر من شهرين دون اتصال من السفارة، ذهبت إلى مقرها المؤقت في المركز الثقافي السوري بباريس للسؤال عن سبب التأخير وإمكانية أن يكون الجواز جاهزاً. أخبرني الموظف أن المشكلة لم تُحل وهم يحتاجون إلى شهرين آخرين لتجديد جوازي. وعند اعتراضي على التأخير بسبب عدم حملي لأي وثيقة سورية تثبت هويتي مما قد يضعني في مواقف محرجة، لا سيما أني مقيم في فرنسا كطالب، منحني الموظف وثيقة مترجمة للغة الفرنسية تثبت أن جوازي موجود في السفارة بغرض التجديد، وكان على هذه الوثيقة صورتي وختم السفارة مع نسخ مختومة من جواز منتهي الصلاحية. قبل عامين ونصف، عندما جددت جواز السفر في نفس المكان طلبتُ منحي الوثيقة المجانية ذاتها، إلا أن الموظف عينه رفض منحها لي، قائلاً إن السفارة لا تمنح هذا النوع من الوثائق». لم يحصل محمود عبد الفتاح على جواز سفره الجديد حتى نهاية شهر تشرين الثاني (نوفمبر) 2021، بعد تلقيه اتصالاً من السفارة.
أما في تركيا، ونتيجة وجود أعداد من السوريين أكثر من أي دولة أخرى حول العالم، فإن الضغط على القنصلية أكبر من الدول الأخرى، ويلاقي المتعاملون مع السفارة، علاوةً على التأخير، معاملةً سيئة. وتحتاج أعداد غير قليلة من السوريين المقيمين في تركيا إلى تجديد جواز السفر كونهم يحملون إقامات عمل أو سياحية، لا يمكن تجديدها إلا بوجود جواز سفر ساري المفعول. يقول طارق فائز (اسم مستعار) إنه في الشهر السابع من العام الماضي، وعند الموعد المفترض لتجديد إقامته السياحية في تركيا، حاول حجز موعد في القنصلية من أجل تجديد جواز سفره، فتفاجأ بأنّ المواعيد مغلقةٌ حتى عن طريق السماسرة الذين اعتاد كثير من السوريين حجز موعد في القنصلية السورية بإسطنبول عن طريقهم من أجل استخراج أوراق أو تجديد جوازات السفر، ذلك أنّ الموقع الخاص بالقنصلية -غالباً- لا يسمح بحجز المواعيد.
يضيف طارق: «بعد محاولات عديدة، قال لي السمسار إنّ استخراج جواز عن طريق القنصلية سيكلفني تكلفة الجواز السريع؛ أي 800 دولار أميركي، لكنّني سأضطر للانتظار لأشهر غير محددة وفق نظام الدور». ونظراً إلى الوقت الضيق المتاح أمام طارق لتجديد إقامته، راح يسأل عن طريقة لتجديده في الداخل السوري، ومن خلال التواصل مع أحد السماسرة طُلب منه دفع مبلغ 1500 دولار لتجديد الجواز في سوريا، شريطة وجود أحد أقاربه من الدرجة الأولى أو الثانية. يشرح طارق للجمهورية.نت: «لم يتمكن أقاربي من تجديد جواز سفري عن طريق فرع الهجرة الخاص بمحافظة الرقة، رغم المحاولات العديدة التي قاموا بها وعرضهم دفع رشاوي للموظفين، الذين قالوا بأنّ هناك نقصاً كبيراً في الدفاتر، وأن إمكانية التجديد محصورة بفرع الهجرة والجوازات في مدينة دمشق. بالفعل اضطررنا للجوء إلى سمسار في دمشق، وبدأت العملية التي استمرت منذ شهر تموز (يونيو) من العام الماضي ولم تنته حتى الشهر الأول من العام الحالي، حين وصلني الجواز الجديد، وقد بلغت كلفة تجديده الإجمالية أكثر من 1500 دولار أميركي».
ويشترط السماسرة على الراغبين بتجديد جوازات سفرهم في سوريا، وهم في الغالبية ممن يقيمون في دول الجوار السوري، بالإضافة إلى وجود قريب من الدرجة الأولى أو الثانية، مقطع فيديو لصاحب المعاملة عند مَعلم مشهور في البلد التي يقيمون فيها، وفيديو آخر لجواز السفر يمسك به صاحب-ة المعاملة مع تقليب صفحاته جميعاً، بحيث تظهر جميع الصفحات الموجودة في الجواز، وذلك بحسب ما أخبرنا به شخصان يقيمان في تركيا جددا جوازات سفرهم في الداخل السوري.
وقد لاحظ معظم الذين تحدثت إليهم الجمهورية.نت ممن حصلوا على جوازات سفر بعد شهر تشرين الأول (أكتوبر) من العام الماضي، بأن جوازات سفرهم الجديد أكثر رداءةً من القديمة، وبجودة طباعة متدنية. وفي بعض الحالات تكون الصفحة الأولى منه ملتصقةً بالغلاف.
وفضلاً عن اللجوء لتجديد جواز السفر في الداخل السوري، فإن بعض المقيمين في أوروبا يتوجهون إلى قنصليات في غير الدول التي يقيمون فيها لتجديد جوازاتهم، وذلك بعد الاستعلام من القاطنين في هذه الدول عن المدة التي يحتاجها تجديد الجواز ومقارنتها بالمدة المطلوبة في الدولة التي يقيمون فيها. ويحصل ذلك على وجه الخصوص في ألمانيا، حيث أعداد السوريين كبيرة، وغالبية اللاجئين الواصلين بعد منتصف العام 2016 حصلوا على الحماية المؤقتة، التي لا تخولهم الحصول على وثيقة سفر ألمانية، وتجبرهم على تجديد جوازات سفرهم السورية. تقول رندة الصالح إنها وزوجها توجهوا لتجديد جوازاتهم في سلطنة عُمان بسبب التأخير الذي يحصل في السفارة السورية ببرلين، وقد تقدموا بطلب التجديد إلكترونياً، وأرسلوا الجوازات القديمة وطلب التجديد عن طريق البريد. تتابع رندة: «أرسلنا الجوازات والأوراق في شهر كانون الثاني (ديسمبر) من العام الماضي، ولم نحصل على الجوازات الجديدة حتى الآن. أحد الأصدقاء أرسل أوراقه قبلنا بفترة قصيرة عبر البريد المُستعجل، واستلم جوازه الجديد في منتصف شهر شباط (فبراير) الماضي. أما نحن فأرسلنا أوراقنا من خلال البريد العادي، ولم تستلمه السفارة في مسقط إلا بعد 40 يوماً تقريباً، وما نزال بانتظار الجوازات الجديدة». ولدى سؤالها عن الطريقة التي علموا بها بأن السفارة في مسقط تنجز معاملة تجديد جواز السفر بشكل أسرع من السفارة في برلين، قالت إنهم «رأوا إعلاناً على باب السفارة السورية ببرلين، كما أن رابط التقديم على تجديد جواز السفر في عُمان كان موجوداً على موقع السفارة السورية في ألمانيا».
عدم التقيد بالرسوم المُعلنة
عند الدخول إلى موقعَي وزارة الداخلية أو الخارجية التابعَتين للنظام السوري، نجد أن رسوم تجديد جواز السفر غير المستعجل تبلغ 300 دولار أميركي أو ما يعادلها باليورو، في حين أن مواقع السفارات الموجودة في أوروبا تحدد الرسوم بـ250 يورو. ما يحصل فعلياً هو أن جميع السفارات تتقاضى 270 يورو. وكذلك الأمر بالنسبة لجواز السفر المستعجل المحددة رسومه بـ660 يورو، بينما تتقاضى السفارات 700 يورو. كما لا تقبل السفارات والقنصليات بأي وسيلة دفع غير الكاش، وهو ما يضع علامات استفهام حول الآلية التي يتم فيها نقل عشرات ملايين اليوروهات من السفارات في أوروبا إلى داخل سوريا.
وفي ظل غياب أي أرقام رسمية عن المبالغ التي يحصل عليها النظام السوري من عملية تجديد الجوازات في الخارج، فإننا لو فرضنا أن جميع الجوازات التي جددت بين شهري تموز (يوليو) 2021 وشباط (فبراير) 2022، البالغ عددها 86 ألف جواز سفر بحسب أرقام وزارة الداخلية، كانت وفق نظام الدور غير المستعجل، فإن المبلغ الذي حصّله النظام يزيد على 23 مليون يورو في الحدود الدنيا، رغم وجود آلاف جوازات السفر العالقة والمتأخرة، وهو ما يسمح لنا بتقدير المبلغ الإجمالي الذي يحصل عليه النظام السوري سنوياً من تجديد جوازات سفر السوريين المقيمين في الخارج بما لا يقل عن 100 مليون يورو، أي ما يزيد على 5 بالمئة من موازنة البلاد لعام 2022، وهو رقمٌ لا يمكن تخيل وجود مثله في أي دولة أخرى.
ويرى بعض من تحدثت إليهم الجمهورية.نت أن البعثات الدبلوماسية التابعة للنظام تعمد إلى تأخير منح الجوازات التي انتهت من تجديدها حتى تُجبر المضطرين إليها، وبسبب قرب انتهاء إقاماتهم في الدول الأجنبية أو اضطرارهم للسفر، على تحويل معاملة تجديد الجواز وفق نظام الدور إلى المستعجل، حتى يدفعوا 430 يورو إضافية. تقول سهى سلوم (اسم مستعار) إنها ذهبت في شهر شباط (فبراير) الفائت لمراجعة السفارة السورية ببرلين، على أمل الحصول على الجواز الجديد بعد مرور خمسة أشهر على تاريخ تقديم الطلب، فكان رد موظف السفارة بأن عليها الانتظار ثلاثة شهور إضافية على الأقل: «في هذه الأثناء كان لديَّ موعد مع مكتب الأجانب من أجل تجديد الإقامة، وبالطبع لم أحصل عليها، فهي مشروطة بوجود جواز سفر صالح» تضيف سهى.
وكون السفارات -عموماً- لا تجيب على الاتصالات المُستعلِمة عن صدور الجوازات، فإن الغالبية العظمى من المقيمين خارج سوريا يُضطرون للسفر إلى العواصم للاستعلام حضورياً، وكثيراً ما يأتي الرد سلبياً. تخبرنا سهى أنها لم تستغرب سوء المعاملة من قبل موظفي السفارة في برلين، رغم أنه مُستفزٌّ ويصل إلى حد الإذلال أحياناً، ولكن «القادمين من أنحاء ألمانيا المختلفة سيجدون أنفسهم ينتظرون لساعات في مكان ضيق وغير مزود بحمامات». ويصل الازدحام في بعض السفارات السورية حالياً، لا سيما في برلين وإسطنبول، إلى تشكل طوابير من المنتظرين تكاد تكون شبيهة بالطوابير أمام أفرع الهجرة والجوازات في الداخل السوري.
نوع المعاملة | الرسوم باليورو | الغرامة | المجموع | الرسوم التي تتقاضاها القنصليات باليورو |
جواز سفر وفق نظام الدور | 250 | – | 250 | 270 |
جواز سفر مستعجل | 660 | – | 660 | 700 |
جواز سفر بدل فاقد أو بدل تالف – وفق نظام الدور | 250 | 45 | 295 | 330 |
جواز سفر بدل فاقد أو بدل تالف – مستعجل | 660 | 45 | 705 | 750 |
أسباب التأخير في تجديد الجوازات
عزا مدير إدارة الهجرة والجوازات في لقائه مع التلفزيون السوري في 23 شباط (فبراير) الماضي أسباب التأخير الحاصل في تجديد الجوازات إلى «تأخر ورود المواد الخام الأساسية الداخلة في تصنيع جوازات السفر، وذلك بسبب العقوبات الاقتصادية المفروضة على سوريا والعوائق التي تَسبَّب بها انتشار فيروس كورونا». وبدوره اكتفى وزير الداخلية محمد الرحمون بالقول إن «التأخير يعود إلى أسباب فنية خارجة عن إرادة الوزارة»، دون الدخول في تفاصيل هذه الأسباب «الفنية». أما مواقع السفارات السورية في مختلف أنحاء العالم فلا تقدم أي تبرير، باستثناء موقع السفارة السورية في بلجيكا، الذي ذكر صراحةً أن المشكلة تكمن في «نقص في المادة الخام لإصدار جوازات السفر»، وأن السفارة اعتباراً من 24/2/2022 لم تعد تستقبل إلا طلبات التجديد وفق الدور المستعجل؛ أي مقابل 800 دولار أو ما يعادلها باليورو.
ويرى داني بعاج، الديبلوماسي السوري المنشق، في حديث مع الجمهورية.نت، أن الأزمة الحالية ليست بسبب النقص في المواد الخام، بل هي «مفتعلة من النظام بغية تحصيل مكاسب مادية لدفع الناس إلى تجديد جوازات سفرهم وفق نظام الدور المستعجل، أو ربط الناس به أكثر». وأشار بعاج إلى أنه لم يكن هناك مصدر وحيد لورق جوازات السفر، وعادةً ما يتم استيرادها مطبوعةً وجاهزةً لإضافة الأسماء والمعلومات. «لو أراد النظام حل هذه الأزمة بشكل جدي، كان بإمكانه إعطاء جوازات سفر بمُدد أعلى مقابل تقاضي مبالغ أكبر. أرى أن الأزمة غريبة لأن هناك قنصليات في مناطق مختلفة من العالم ما زالت تُصدر جوازات السفر حتى اللحظة» يضيف بعاج.
رغم عدم القدرة على تحديد الأسباب الحقيقية لأزمة جوازات السفر حالياً، إلا أنه يمكن التعليق على الأسباب التي يدعيها النظام من خلال النقاط التالية:
– جوازات السفر غير مشمولة بأي شكل من العقوبات المفروضة على النظام السوري، وعلى العكس من ذلك فإن النظام لم يكن ليفوت فرصة الاحتجاج أمام المؤسسات الأممية في حال كان ذلك صحيحاً، وهو لم يقم بذلك نهائياً؛ إذ إن حرمان سكان أي دولة من الحصول على جوازات سفر مخالف للمواثيق المتعلقة بحقوق الإنسان. قد يكون السبب هو فشل النظام من الناحية الإدارية في التعاقد مع الجهات الموردة لجوازات السفر، وهو ما يعكس حالة التردي الإداري والمؤسساتي التي وصل إليها.
– كان يمكن القبول بادعاء تأثير انتشار فيروس كورونا خلال الأشهر القليلة الأولى من الأزمة التي خلفها، ولكن سلاسل التوريد في جميع أنحاء العالم قد تجاوزت العقبات التي خلفها الفيروس منذ أكثر من سنة، وهو ما يعكس -مرة جديدة- الفشل الإداري لمؤسسات النظام في حال صحّ الادعاء بتأثير انتشار الفيروس على توريد ورق جوازات السفر، علماً أن قطاعات كثيرة من السلع الكمالية ما تزال تصل إلى سوريا حتى هذا اليوم، رغم العقوبات وأزمة انتشار فيروس كورونا.
– دفعَ التدهور المتزايد للوضع المعيشي في سوريا، وتوجه أعداد كبيرة جداً من الشباب السوريين إلى مغادرة البلاد لتجنب التجنيد الإلزامي، وازدياد عدد اللاجئين السوريين المضطرين إلى تجديد جوازات سفرهم، إلى زيادة الضغط على أفرع الهجرة والجوازات والقنصليات حول العالم، وهو ما دفعَ النظام إلى رفع رسوم استصدار وتجديد جوازات السفر إلى أرقام خيالية، مع تحديد معظمها بآجال قصيرة بغية ابتزازهم، وهذا سلوك عصابة أكثر من كونه سلوك دولة تقدم خدمات لمواطنيها. كما أن العجز عن تجديد جوازات السفر، مضافاً إلى العجز عن تأمين المحروقات والخبز وباقي المواد الأساسية للسوريين، وبشكل مستمر ومتواتر، لا يعكس سوى -مرة ثالثة- وصول النظام إلى مرحلة غير مسبوقة من الانهيار والتردي المؤسساتي.
بحسب تصريحات وزارة الداخلية، فإنها استلمت بتاريخ 15/10/2021 توريدات من جوازات السفر سمحت لها باستصدار أزيد من 670 ألف جواز سفر في الداخل والخارج، ثم عادت قبل أيام للقول إنها استلمت في 15/3/2022 توريدات جديدة لطباعة مزيد من الجوازات وزيادة الطاقة الإنتاجية بما يلبي الحاجة، دون أن يبدو أن ثمة حلاً قريباً وواضحاً يلوح في الأفق، أو ما يشير إلى عدم تكرار هذه الأزمة المستمرة في المستقبل.