هل انتهيت من كتابك الأول وتود نشره؟ هل تعرف كيف يتم ذلك؟
خلال السنوات الماضية سمعت أسئلة كثيرة عن عملية النشر؛ كيف يتقدم الكاتب إلى أحد الناشرين؟ وكيف يستطيع تحديد أفضلهم؟ إلخ. لم أنتبه إلى أهمية تلك الأسئلة في البداية، إلى أن فوجئت بأسئلة المشتركين في إحدى ورش الكتابة التي دُعيت إليها، كنت أظن أني سأتكلم عن الكتابة فحسب، لكن انتهى الأمر بي للكلام عن النشر بشكل أساسي. كانت الأسئلة متنوعة، لكن دار معظمها حول فكرة واحدة: من أفضل ناشر في مصر؟
عملية الكتابة تختلف تماماً عن عملية النشر، لا يوجد ارتباط كبير بين الاثنتين سوى أن الثانية تالية للأولى، ولا يمكن أن تبدأ خطوات الثانية قبل أن تنهي الأولى، وربما تلك هي أول نصيحة.
1- كن متأكداً تماماً من أن كتابك قد أصبح كاملاً
أيًاً كان كتابك، تأكد من أنك قد قرأته عدة مرات، وأنك راضٍ تماماً عنه. تأكد من أنك لن تعدل أي شيء في الكتاب؛ لن تضيف فصولاً أو فقرات، ولن تحذف جملاً زائدة أو مشاهد غير ذات صلة بالحكاية نفسها. تأكد من أن الكتاب بلا أخطاء نحوية أو إملائية، طبعاً ليس من المطلوب أن ترسل كتابك إلى مدقق لغوي، لكن على الأقل احرص على سلامة اللغة حسب معرفتك بها.
2- انشر أجزاء من كتابك في أحد المواقع الصحفية أو الأدبية
النشر على الإنترنت أسهل كثيراً من النشر الورقي، مع ذلك يشير إلى أن عملك جيد إلى درجة تتيح اطلاع الناشر الورقي عليه. هناك مواقع كثيرة تنشر نصوصاً أدبية، اختر أشهر المواقع في بلدك وأرسل لمحرر الموقع ما ترى أنه مميز ومناسب للنشر.
انشر فصلاً من كتابك أو روايتك، والأهم من ذلك، انشر عدة قصائد من ديوانك، أو قصتين من مجموعتك القصصية. الناشرون يفضلون الروايات الآن، فقط لأن القراء يحبون قراءة الروايات الآن. وهذا يجعل نشر القصص القصيرة ودواوين الشعر ورقيًا أصعب بكثير من نشر الروايات. في كل الأحوال، لا تنشر أبداً كتابك كاملاً على الانترنت، حينها سيفقد الناشر الورقي أي اهتمام به.
3- ضع قائمة بدور النشر المناسبة لنشر كتابك
بالطبع ليست كل دور النشر الموجودة في البلاد العربية مناسبة لكل الكُتَّاب. مثلاً، من المتوقع ألا يعطي ناشر إماراتي الأولوية لكتاب يتناول شؤون خاصة بمصر ويفتقر إلى البعد العالمي/الإنساني العام، والعكس صحيح إلى درجة كبيرة. من الأفضل أن تضع على رأس القائمة دور النشر الموجودة في بلدك.
لا يمكنك أن تقدم روايتك إلى ناشر يهتم بالكتب الجامعية، على الأغلب سيعتذر عن نشرها، وإن نشرها فلن يستطيع إيصالها إلى قارئها المتوقع. اهتم بمعرفة ما ينشره الناشر من كتب، اعرف تصنيف كتابك واختر الناشرين المهتمين بهذا التصنيف.
تجنب الناشرين المهتمين بتصنيفات محددة؛ من ينشر روايات مترجمة فحسب، من ينشر روايات كلاسيكية فحسب، من ينشر كتباً فلسفية فحسب. هذا يشير إلى أن الناشر مشهور بتصنيفات معينة من الكتب، ولا يستطيع نشر «وتحرير وتسويق وتوزيع» كتب غيرها.
وعلى العكس، اختر الناشرين المهتمين بالتنوع، هذا يعني أن الناشر لا يضع لنفسه قيوداً ويستطيع نشر «مرة أخرى، تحرير وتسويق وتوزيع» أي كتاب.
دور النشر الصغيرة أو الناشئة هي الأفضل بالنسبة لك، سيهتم الناشر بك وبكتابك لسببين عمليين؛ لأنه يريد أن ينشر أكبر عدد ممكن من الكتب، ولأنه يحتاج إلى أن يحقق من كل منها مبيعات عالية. العيب الأساسي عند الدور الناشئة هو قلة الخبرة، وهو ما يسبب عادة أخطاء لن تكون مدمرة أو قاتلة لك ككاتب أو لكتابك، وبما أنك أيضاً كاتب ناشئ فلا يوجد مانع من المغامرة.
4- اكتب مختصراً لكتابك
لا يزيد عن صفحة واحدة. صف الشخصيات والأحداث، أو لخص فصول كتابك غير الروائي. احرص على أن يكون صوتك شديد الوضوح في الملخص، وعلى أن توصل إلى قارئ الملخص كل ما ورد في كتابك. هذه ليست مهمة سهلة أبداً، أنا لا أستطيع كتابة ملخص لأي من رواياتي، وربما عليك الاستعانة بكاتب صديق لكتابة هذا الملخص.
5- اكتب سيرة مختصرة لك
يمكنك أن تكتفي أولاً بذكر اسمك وعام ميلادك. معلومات مثل طولك ووزنك ومسقط رأسك والشهادات التي حصلت عليها لن تكون مفيدة أبداً، بل قد تشير إلى أنك ثرثار أو مغرور. بعد ذلك اكتب ما يميزك ككاتب فحسب، اكتب ما يشير إلى أنك مبدع «مثلاً: خبرتك السابقة في عزف الكمان. ورشة الكتابة التي شاركت فيها العام الماضي. قصتك القصيرة التي نشرتها في موقع ختم السلطان».
6- اكتب رسالة إلى الناشر
مكونة من فقرتين أو ثلاث بحد أقصى، صف كتابك في أربعة أو خمس جمل «أقل بكثير من الملخص»، تكلم عن نفسك في مثلها «أقل بكثير من سيرتك الذاتية المختصرة»، واكتب لِم اخترت هذا الناشر بالذات «ارجع إلى رقم 2 أعلاه». أثناء كتابة رسالتك يجب أن تنتبه إلى نبرتك وإلى الرسائل المتضمنة فيها التي قد توصلها – مخطئاً أو عامداً – إلى الناشر.
لا تكن متعالياً! جملة مثل: «كل صحابي قروا الرواية وعجبتهم»، أو مثل: «دي أحسن رواية أنا كتبتها» تشير بوضوح إلى أنك تريد إبهار الناشر، وهو أمر لا يهتم الناشر به، بل يهتم برأيه الشخصي بعد قراءة كتابك، أو ربما تشير إلى تعاليك أو غرورك، لن يلتفت الناشر إليك إن كنت كذلك. صناعة النشر تعتمد بشكل أساسي على الشراكة بين الناشر والمؤلف، ولا أحد يريد أن يشارك شخصًا مغروراً.
لا تتملق الناشر! جملة مثل: «أنت ناشر – أو كاتب أو شاعر أو محرر – كبير، لا تبخل برأيك»، أو مثل: «فخور بأن أنشر الكتاب مع داركم الموقرة المحترمة الكبيرة» لن تؤدي إلى أي نتائج إيجابية، الناشر يفهم تماماً أنك تحاول نشر كتابك، وهو يريد أيضاً أن ينشر كتباً ليبيعها ويحقق أرباحاً، وهو يعلم تماماً أن التملق لن يحقق له – أو لك – أي مكسب.
لا تكن عاطفياً! لا تخبر الناشر أن أم سيادتك على فراش الموت وأنها تنتظر كتابك بفارغ الصبر، أو أنك أرسلت الكتاب إلى عشرات الناشرين وكل منهم رفضه. معلومات مثل هذه تشير بوضوح إلى شعورك بضعف نصك وعدم ملاءمته للنشر، بمعنى آخر، أنت بذلك تطلب من الناشر ألا ينشر كتابك.
لا تطلب من الناشر تحديد موعد النشر! أنت لا تعلم أي شيء عن دورة العمل في دار النشر تلك أو غيرها، قد يستغرق الأمر عامًا كاملًا حتى يكون الكتاب متاحًا في المكتبات. لن يقبل أي ناشر تدخلك في صميم عمله.
لا تسأل الناشر عن ما ينشره! جملة مثل: «بتنشروا روايات رومنسية؟» تشير بوضوح إلى أنك لا تعرف ما الذي يهتم به هذا الناشر، وربما تشير إلى أنك لم تقرأ أيًا من كتبه من قبل «ارجع إلى رقم 2 أعلاه».
لا تسأل الناشر عن طريقة اختياره لما ينشره! عبارة مثل: “عندكوا لجنة قراءة؟” أو مثل: «بتنشروا لصحابكوا وبس؟» تشير بوضوح إلى أنك تتهم الناشر بالمحاباة، أو بتفضيل كتاب عن آخر. عزيزي، هذه ليست تهمة، الناشر فعلًا يفضل الكتاب الجيد على الكتاب السيئ، ويفضل من يعرفه من الكُتَّاب على من لا يعرفه، وهو الوحيد الذي يحق له اختيار ما ينشره بالطريقة التي يفضلها.
احرص على أن تكون دقيقاً وواضحاً ومختصِراً، وبالتأكيد احرص على خلو رسالتك للناشر وسيرتك المختصرة من الأخطاء النحوية والإملائية.
احرص على أن تكون رسالتك بالفصحى السلسة، لا تضع على كتفيك عباءة أبي العلاء المعري، ولا تخاطب ناشرك المتوقع بلهجتك المحلية.
7- أرسل الرسالة والمختصر والسيرة والكتاب نفسه إلى قائمة الناشرين
طبعاً عن طريق الإيميل، ضع رسالتك في متن الإيميل، وأرفق ملفات المختصر والسيرة والكتاب نفسه بالرسالة. لا تتصل تليفونياً، لا ترسل شيئًا بالبريد، نحن في العام 2022.
لا ترسل رسالتك عبر فيسبوك ماسنجر، أو واتساب، أو انستجرام، رسالتك وما معها من ملفات أكبر وأطول وأعقد من أن يهتم بها الناشر إن وصلته بأي طريقة أخرى غير الإيميل.
أرسل رسالتك إلى كل ناشر على حدة، لا تنتظر رد أحدهم بالسلب قبل أن ترسل إلى من يليه في القائمة، لا تسألني ما الحل إن رد عليك أكثر من ناشر واحد، لن يحدث هذا إلا نادراً جداً.
قد يصلك رد سريع من أحد الناشرين يحوي تلك الجملة: «هل أرسلت كتابك هذا إلى ناشرين آخرين؟». لا يوجد أي سبب لهذا السؤال، ما أفهمه من سؤال كهذا أن الناشر يسلبك حقك في إرسال كتابك إلى من تريد، يفعل ذلك حتى قبل أن يقبل نشر كتابك. من خبرتي العملية، أؤكد لك أن هذا الناشر سيسلبك حقك إن قبل نشر الكتاب. أنصحك بأن تقول له الحقيقة، ولا تضع آمالًا كثيرة عليه.
قد يصلك رد من أحد الناشرين يطلب منك أن تدفع مقابلًا ماديًا لنشر كتابك، بصدق، هذا ليس أفضل خيار لك، من الأفضل طبعاً أن تتعاقد مع ناشر يملك الموارد الكافية لينشر كتابك، لكن قد يكون هذا خياراً معقولاً إن كان كتابك تجريبياً إلى درجة كبيرة، أو عن موضوع شديد التخصص، أو لا يُتوقع أن يبيع الكثير من النسخ لأي سبب.
8- اصبر صبراً جميلاً
انتبه يا عزيزي، أؤكد لك أن الناشر يقرأ مئات الرسائل سنوياً، كلها تعرض عليه نشر كتاب أو رواية أو ديوان ما. أؤكد لك أنه كره مهنته بسبب ما يقرأه من مخطوطات لا تستحق أن تُكتب أصلاً. أؤكد لك أنه قد قرأ مئات الرسائل المغرورة أو المتملقة أو الوقحة أو المبتزة عاطفياً، أو خليط منها معاً. أؤكد لك أن الناشر الذي لا يزال يقبل بأن يقرأ رسالة من كاتب لا يعرفه هو بطل حقيقي. لكل ما سبق لا تتوقع أن يرد الجميع على رسالتك، لا تتوقع أن يهتم بك كل من أرسلت إليهم. لا يعني عدم الرد أي إهانة لشخصك، بل هناك سببان لهذا؛ أن الناشر يرى أن كتابك لا يناسبه، وأنه لا يجد الوقت الكافي ليعتذر لمئات الكتاب الذين يرسلون إليه كتباً كل سنة.
قد تصلك رسالة اعتذار عن عدم النشر مرفقة بسبب ما، وقد لا تجد السبب منطقياً أو له أي صلة بك، لا تغضب، أرسل شكراً قصيراً للناشر وانتظر رد غيره.
إن لم يرد عليك الجميع خلال ست شهور فعليك أن تختار مجموعة أخرى من الناشرين لترسل إليهم كتابك. وسع دائرة اختيارك وربما ستجد فرصة في الدائرة الأوسع.
لا ترد رداً غاضباً أو قبيحاً أو يحمل شتيمة، لا ترد رداً يشير إلى أنك كاتب مهم وسوف تصير أهم في المستقبل، لا تخبر الناشر بأن خسر الكثير باعتذاره، لا تقل أبدًا: «أحسن». كل هذه الردود تشير بوضوح إلى طبيعتك وشخصيتك، ولا تسيء للناشر بل تسيء إليك وحدك، وتضع وصمة سلبية على اسمك ككاتب لست بحاجة إليها أبداً. الاعتذار لا يعني أنك كاتب سيء، الاعتذار لا يعني وضع حكم نقدي ما على عملك، بل ببساطة يعني أن عملك غير مناسب للناشر الآن.
أما إن رد عليك أحدهم بالموافقة فبادره بالشكر واسأله عن الخطوة التالية.