شهدَ العقدُ الماضي أكبر حالة لجوء جماعي عرفها العالم في العقود الأخيرة، ومن بين ملايين السوريين الذين غادروا البلد للنجاة من القمع والحرب والظروف الكارثية، وصلَ مئات الآلاف إلى القارة الأوروبية، وكان بينهم أشخاصٌ شكَّلَت أفعالهم سبباً في مأساة غيرهم، سواء كانوا جزءاً من آلة النظام الحربية والأمنية أو من جهات مسلّحة أخرى. إلا أنه ونتيجة اعتماد دول أوروبية عديدة لما يعرف بـ «الولاية القضائية العالمية» في الجرائم ضد الإنسانية وجرائم الحرب والتعذيب، صار بالإمكان ملاحقة المشتبه بهم بارتكاب هذا النوع من الجرائم في سوريا. وبالفعل، أصدر القضاء الألماني حكمين بالإدانة بحق كل من إياد الغريب وأنور رسلان، فيما تتواصل محاكمة علاء موسى في فرانكفورت. وفي فرنسا أيضاً بدأ مسار مشابه، لكن يبدو أنه الآن عرضةٌ للتعثر.

كان التحرك الفرنسي الأول بموجب الولاية القضائية العالمية بالنسبة للقضايا المتعلقة بالشأن السوري ضد الضابط المنشق سامي الكردي، الذي استُدعي للتحقيق في 19 حزيران (يونيو) 2018، لكنه خرج من الاستجواب بصفته شاهداً لا متّهماً. في كانون الأول (ديسمبر) 2018 خلص التحقيق إلى أن الكردي انشق عن قوات الأسد ليصبح ناطقاً باسم الجيش الحر، ولم يتورط في أيّ الأعمال التي اتّهم بها، ليصدر أخيراً قرارٌ في 25 كانون الثاني (يناير) 2021 بإغلاق القضية.

وفي كانون الثاني 2020 تم اعتقال مجدي نعمة (إسلام علوش)، الناطق السابق باسم جيش الإسلام، بعد وصوله إلى مدينة مرسيليا الفرنسية بهدف إكمال دراساته العليا، وجاء اعتقاله بموجب شكوى تقدَّمَ بها كل من المركز السوري للإعلام وحرية التعبير (SCM) والفيدرالية الدولية لحقوق الإنسان (FIDH) والرابطة الفرنسية لحقوق الإنسان (LDH) في حزيران (يونيو) 2019. ووجهت لنعمة اتهامات عديدة، أبرزها المشاركة في جرائم حرب وتعذيب وإخفاء ناشطين في منطقة الغوطة الشرقية، إضافة لاتهامه بتجنيد أطفال في صفوف الفصيل.

قبل مجدي نعمة، كان قد تم توقيف عبد الحميد شعبان العنصر السابق في جهاز أمن الدولة التابع للنظام السوري، غير أن النتيجة التي وصلت إليها قضيته تهدد بأن تصبح فرنساً ملاذاً آمناً لكثير من المجرمين السوريين، خاصة أن هناك أكثر من أربعين تحقيقاً مفتوحاً حالياً في فرنسا بشأن فظائع مرتكبة في سوريا، وهي تحقيقات لا تزال في عُهدة وزارة الداخلية الفرنسية ولم تصل بعد إلى القضاء، ولا شك أن كثيراً منها سيعتمد مصيره على إمكانية تطبيق مبدأ الولاية القضائية العالمية. في 25 كانون الأول (ديسمبر) 2021 تم توجيه تهمة التواطؤ في جرائم ضد الإنسانية وجرائم حرب لشخص فرنسي سوري، وتم اعتقاله للاشتباه بتزويده النظام السوري بمكونات لتصنيع أسلحة كيميائية استخدمت في سوريا عبر شركة الشحن التابعة له. غير أن هذه القضية لا تستند إلى مبدأ الولاية القضائية العالمية لأن المتهم فيها مواطن فرنسي، ما يعني أن لها مساراً مختلفاً عن بقية القضايا.

في مسار قضية شعبان

بتاريخ 15 شباط (فبراير) 2019 فتح المدعي العام في باريس تحقيقاً قضائياً ضد عبد الحميد شعبان بتهم ارتكاب أعمال تعذيب ووحشية وجرائم ضد الإنسانية في سوريا، والتواطؤ لاقتراف هذه الجرائم، وذلك ضمن الفترة الممتدة بين آذار (مارس) 2011 ونهاية آب (أغسطس) 2013. بنتيجة التحقيق، تم توجيه الاتهام رسمياً لشعبان بالتواطؤ في جرائم ضد الإنسانية، وعلى أساس ذلك تم إيداعه الحبس الاحتياطي.

طالب محامي الدفاع بالإفراج عن موكله بحجة عدم توافر الأدلة، كما أنه طعن بعدم اختصاص المحاكم الفرنسية بإجراء المحاكمة معتمداً على المادة (698-11) من قانون الإجراءات الجنائية الفرنسي، التي تتطلب أن تكون أفعال شعبان جرائمَ بموجب القانون السوري حتى يكون ممكناً تفعيل الولاية القضائية العالمية، وهو ما يعرف بشرط ازدواجية التجريم. وفي هذا السياق، تحدّثَ محامي الدفاع عن المرسوم التشريعي رقم 61 لعام 1950 في سوريا، زاعماً أنه يمنح عناصر أجهزة الأمن السورية حصانة من الملاحقة القضائية عن الجرائم التي يرتكبونها أثناء ممارسة وظائفهم، ما يعني بحسب تفسير المحامي أن أفعال شعبان التي ارتكبها أثناء عمله في المخابرات ليست مُجرّمةً في سوريا.

في 18 شباط (فبراير) 2021 ردّت غرفة التحقيق في محكمة الاستئناف الطعن بعدم الاختصاص، مؤكدة أن القضاء الفرنسي مختصّ بمحاكمة شعبان، معلّلة قرارها بأنه وعلى الرغم من عدم الإشارة صراحة إلى الجرائم ضد الإنسانية في قانون العقوبات السوري، إلا أن الأخير يجرّم القتل والأعمال البربرية وحجز الحرية التعسفي والتعذيب، وهذه الجرائم من العناصر المكونة للجرائم ضد الإنسانية.

لجأ محامي الدفاع إلى الطعن مجدداً في قرار محكمة الاستئناف، وتم رفع الأمر بالنتيجة إلى الغرفة الجنائية في محكمة النقض، التي أصدرت حكماً نهائياً في 24 تشرين الثاني (نوفمبر) 2021 مفاده أن القضاء الفرنسي ليس لديه الاختصاص للتحقيق مع شعبان ومقاضاته، بسبب افتقار القانون السوري لتعريفٍ بالجرائم ضد الإنسانية، حيث ترى محكمة النقض ضرورة الإشارة إليها صراحة في قانون العقوبات السوري، فيما لم تجد حاجةً لمناقشة باقي الأسباب المقدمة من محامي الدفاع.

شكَّلَ قرار محكمة النقض الفرنسية صدمة في أوساط المنظمات الحقوقية والمهتمين بالشأن القانوني، إذ عبّر كثيرون عن مخاوفهم من أن تصبح فرنسا ملجأ لمجرمي النظام السوري، كون قرار محكمة النقض يشكل سابقة قضائية يمكن البناء عليها، ليس في قضية شعبان فحسب، وإنما في كل القضايا ذات الحيثيات المشابهة. وفي مطلع كانون الأول (ديسمبر) الماضي وجهت عددٌ من المنظمات والجمعيات السورية والفرنسية والدولية رسالة بهذا الشأن إلى الرئيس الفرنسي، من بينها منظمة العفو الدولية والمركز السوري للإعلام وحرية التعبير وغيرها.

مناقشة في قراري الاستئناف والنقض

في الأصل، تشترط قوانين سائر الدول أن تكون الجريمة مرتكبة على أراضيها، أو أن يحمل الجاني أو الضحية جنسيتها، كي تكون محاكمها مختصة بالنظر في الجريمة. وتجري ملاحقة المجرمين عبر الحدود بموجب اتفاقيات وآليات للتعاون القضائي بين الدول، غير أن هذا يترك ثغرة كبيرة عندما تكون الدول نفسها راعية للجرائم كما في حالة جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية. ولمكافحة الإفلات من العقاب في هذا النوع من الجرائم، جاء مبدأ الولاية القضائية العالمية، الذي نصت عليه اتفاقيات جنيف لعام 1949 وأدمجته بعض الدول في قوانينها الوطنية، ليسمح لمحاكم الدول التي اعتمدته بالنظر في قضايا لا تتوافر فيها القواعد التقليدية للاختصاص القضائي، وذلك بموجب شروط خاصة تختلف من دولة إلى أخرى.

ينص النظام القانوني الفرنسي صراحة على ممارسة المحاكم الوطنية الفرنسية للولاية القضائية العالمية، وينظّم قانون الإجراءات الجنائية الفرنسي ذلك، حيث إن المادة (689-1) منه تنص على أنه: «في ظل الاتفاقيات الدولية المشار إليها أدناه، يجوز أن يُلاحق ويُحاكم أمام المحاكم الوطنية الفرنسية أي شخص موجود في فرنسا ومتورط بارتكاب بعض الجرائم الدولية المذكورة في هذه المادة، وذلك حتى في حال ارتكاب هذه الجرائم خارج أراضي الجمهورية الفرنسية». ويعني هذا أن ممارسة الولاية القضائية العالمية في فرنسا تخضع لشرطين: الأول أن يكون المشتبه به على الأراضي الفرنسية، والثاني أن تكون فرنسا ملتزمة، بموجب اتفاقية دولية، بملاحقة مرتكبي الجرائم المذكورة في المادة.

ميثاق روما لعام 1998 هي واحدة من الاتفاقيات التي وقّعت عليها فرنسا، والتي تستلزم تطبيق الولاية العالمية للقضاء الفرنسي. وتنص المادة (689-11) من قانون الإجراءات الجنائية الفرنسي في فقرتها الأولى على أنه يحق للقضاء الفرنسي ملاحقة الجرائم التي ارتكبت خارج الأراضي الفرنسية، والتي تندرج تحت إطار جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية الوارد ذكرها في ميثاق روما الأساسي. كما تنص على أن الشرط الوحيد المطلوب في حالة جريمة الإبادة الجماعية هو وجود المشتبه به على الأراضي الفرنسية، أما بالنسبة لبقية الجرائم ضد الإنسانية فتقول الفقرة الثانية من المادة نفسها إن القضاء الفرنسي يكون مختصاً «إذا كانت الأفعال مُعاقباً عليها في تشريعات الدولة التي ارتُكِبت فيها، أو إذا كانت هذه الدولة أو الدولة التي يحمل الشخص المشتبه به جنسيتها، طرفًا في الاتفاقية المذكورة أعلاه».

هذا هو مبدأ «التجريم المزدوج» الذي استخدمه محامي الدفاع عن عبد الحميد شعبان للطعن في اختصاص القضاء الفرنسي، والذي استندت إليه محكمة النقض في قرارها بعدم الاختصاص. ولكن بالعودة إلى قرار محكمة الاستئناف الذي أقرّ الاختصاص القضائي للمحاكم الفرنسية، خلافاً لقرار محكمة النقض الذي جاء بعده، فإن المحكمة برّرت قرارها بالتأكيد على أن الدستور والقانون في سوريا، وإن لم يذكر كلمة جرائم ضد الإنسانية صراحةً، إلا أنه يجرم الأفعال التي تشكل هذه الجرائم، وتحديداً: «السجن أو أي شكل آخر من أشكال الحرمان الشديد من الحرية الجسدية، بما يخالف الأحكام الأساسية للقانون الدولي، والتعذيب والاخفاء القسري». واعتبرت المحكمة بالنتيجة أن هذا كافٍ لتحقيق معيار ازدواجية التجريم الذي تشترطه المادة (689-11) المذكورة أعلاه.

ومن الأمثلة على تجريم هذه الأفعال في سوريا، نجد أن المادة 53 من الدستور السوري لعام 2012 تنص على أنه «لا يجوز تعذيب أحد جسدياً أو معنوياً أو معاملته معاملة مهينة ويحدد القانون عقاب من يفعل ذلك»، فيما تجرّم المادة 45 «كل اعتداء على الحرية الشخصية أو على حرمة الحياة الخاصة». كذلك تعاقب المادة 357 من قانون العقوبات السوري على ارتكاب الاعتقال التعسفي بالأشغال الشاقة المؤقتة، وتعاقب المادة 391 من القانون نفسه على ارتكاب أفعال التعذيب بالحبس من ثلاث أشهر إلى ثلاث سنوات. يضاف إلى ذلك أن الحكومة السورية صادقت على العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، وصادقت على اتفاقية مناهضة التعذيب وغيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة في العام 2004. ولَإِن كانت العقوبات المنصوص عليها في القانون السوري لجرائم التعذيب والاعتقال التعسفي لا تتناسب مع فداحة الجريمة، إلا أن هذا لا ينفي أن هذه الأفعال مُجرّمة بشكل صريح وواضح في القانون السوري، ممّا يستوفي فعلاً شرط التجريم المزدوج الذي تنص عليه الفقرة الثانية من المادة (689-11).

أما عن ادعاء الدفاع بأن القانون السوري يمنح حصانة للمخابرات السورية، فإنه ادّعاء لا مكان له من الصحة، ذلك أن المرسوم 61 الذي ذكره محامي الدفاع لا ينفي الصفة الجرمية عن أفعال التعذيب والقتل والحرمان من الحرية عندما يرتكبها عناصر المخابرات السورية أثناء أداء عملهم، بل إنه يعقّد بشدّة ملاحقتهم قضائياً حتى يكاد يجعلها مستحيلة، لكنها تبقى أفعالاً جرمية بموجب القانون السوري ويمكن نظرياً ملاحقتهم بشأنها.

جاء قرار محكمة النقض مخالفاً لقرار محكمة الاستئناف، وبالتالي لاغياً لمفاعيله. وقد علّلت محكمة النقض قرارها بضرورة الذكر الصريح لعبارة «جرائم ضد الانسانية» في القانون السوري كما أسلفنا. وبهذا تكون محكمة النقض الفرنسية قد ضيّقت بشدة من تفسيرها للفقرة الثانية من المادة (689-11) المذكورة أعلاه، ذلك أن نص الفقرة يشترط أن تكون «الأفعال معاقباً عليها في تشريعات الدولة التي ارتُكِبت فيها»، ولم يشترط أبداً أن تكون موصوفة حرفياً بأنها جرائم ضد الإنسانية، وهذا ما كانت قد بينته بوضوح محكمة الاستئناف على نحو يجعل قرار محكمة النقض سبباً للاستغراب.

إن الهدف الرئيسي من الولاية القضائية العالمية هي ملاحقة ومحاكمة المشتبه بارتكابهم جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية، في حال لم يكن ممكناً أن تتم محاكمتهم في بلدانهم أو المحكمة الجنائية الدولية. وهذا بالتحديد هو الحال في سوريا، حيث لا استقلالية للقضاء، فيما لا تستطيع المحكمة الجنائية الدولية ملاحقة مجرمي النظام السوري، إذ يتطلب ذلك أن تكون سوريا موقعةً على ميثاق روما وهو ما لم يحصل، أو يتطلب إحالة الملف عبر مجلس الأمن الدولي وهو ما يحول دونه الفيتو الصيني والروسي. وهكذا فإن تفسير محكمة النقض للمادة (689-11) يفرّغ مبدأ الولاية القضائية العالمية من معناه، ليس فقط بالنسبة للانتهاكات في سوريا وإنما في غيرها من الدول التي تعيش أوضاعاً مشابهة.

إذن هل ستتحول فرنسا إلى ملاذ آمن لمجرمي النظام السوري؟

قلنا أعلاه إن القانون الفرنسي يشترط لممارسة الولاية القضائية العالمية أن تكون فرنسا ملزمة بموجب اتفاقية دولية بملاحقة مرتكبي الجرائم، وليست فقط اتفاقية روما هي التي تستلزم إعمال الولاية القضائية العالمية في فرنسا، بل هنالك اتفاقيات أخرى منها اتفاقية مناهضة التعذيب لعام 1984، وهذا ما نصت عليه المادة (689-2) من قانون الإجراءات الجنائية الفرنسي: «أي شخص، خارج أراضي الجمهورية، مذنب بارتكاب أفعال توصف بأنها جريمة أو جنحة تشكل تعذيباً بالمعنى المقصود في المادة 1 من اتفاقية مناهضة التعذيب وغيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة، المعتمدة في نيويورك بتاريخ 10 كانون الأول (ديسمبر) 1984، يمكن ملاحقته ومحاكمته أمام المحاكم الفرنسية إذا تم العثور عليه في فرنسا». ويعني هذا أنه يحق للقضاء الفرنسي ملاحقة مرتكبي جرائم التعذيب كما تعرّفها هذه الاتفاقية، شريطة العثور عليهم على الأراضي الفرنسية ودون الحاجة إلى أي شروط أخرى كازدواجية التجريم أو غيرها، ودون الحاجة حتى لأن تكون دولة المشتبه به موقّعة على الاتفاقية. لذلك، يمكن أن تكون المادة (689-2) أساساً قانونياً لملاحقة مجرمي النظام السوري لارتكابهم جريمة التعذيب، وإن كانت لا تشمل كلّ السوريين المتورطين في هذه الجريمة باعتبار أن الاتفاقية المذكورة تتطلب أن يكون المشتبه به موظفاً أو ذا صفة رسمية أثناء اقترافه للجريمة، وهو ما لا يشمل مثلاً قضية مجدي نعمة (إسلام علوش).

كما هو الحال في قضية عبد الحميد شعبان، فقد طعن محامو الدفاع عن مجدي نعمة بعدم اختصاص القضاء الفرنسي، ويتم النظر في الطعن الآن أمام محكمة الاستئناف، التي ستصدر قرارها في 4 نيسان (أبريل) القادم في هذا الشأن. والأرجح أن مجدي نعمة ومحاميه يشعرون بالاطمئنان نتيجة قرار محكمة النقض الخاص بقضية شعبان.

لكن ثمة حلولاً أخرى، فضلاً عن اللجوء إلى المادة المشار إليها أعلاه بخصوص جرائم التعذيب التي يرتكبها موظفون حكوميون، كي لا تصير فرنسا ملاذاً آمناً لمجرمي الحرب السوريين وغيرهم من أبناء البلدان التي تعيش أوضاعاً مشابهة، من بينها تعديل نص المادة (689-11) بحيث يتم إلغاء شرط ازدواجية التجريم (ينبغي أن يكون ذلك بأثر رجعي كي يمكن تطبيقه على الجرائم التي ارتكبت في سوريا خلال السنوات الماضية)، أو صدور قرار جديد عن محكمة النقض الفرنسية يعيد تفسير المادة (689-11) بالطريقة نفسها التي اعتمدتها محكمة الاستئناف في قضية شعبان، وهو ما يبدو أن هناك مساعيَ جدية لإنجازه، من بينها مساعٍ تقوم بها جهات حكومية فرنسية من خلال وزارتي الخارجية والعدل.

مؤخراً، قدّمت الحكومة الفرنسية مشروع قانون يجيز إقرار اتفاقية التعاون القضائي بين حكومة الجمهورية الفرنسية ومنظمة الأمم المتحدة مُمثَّلةً بالآلية الدولية المحايدة والمستقلة بخصوص سوريا (IIIM). وقد اعتمدت الجمعية العامة الفرنسية مشروع القانون، وتتم دراسته الآن من قبل مجلس الشيوخ. وتتيح الاتفاقية للجهات القضائية الفرنسية أن تشارك ما لديها من معلومات بشأن الجرائم ضد الإنسانية المرتكبة في سوريا مع الآلية الدولية، وهو ما لا يتيحه القانون الفرنسي حالياً. لا تأثير لهذا المشروع على القضايا المرفوعة في فرنسا، لكن وزارتي الخارجية والعدل أصدرتا بياناً مشتركاً في التاسع من شباط (فبراير) الجاري، أعلنتا فيه عن مشروع القانون المذكور أعلاه، وتحدثتا بمناسبة ذلك عن قرار محكمة النقض بما يشير إلى وجود مساعي لإعادة النظر فيه، ويؤكد أن الوزارتين غير راضيتين عن مضمونه: « قد يُعاد النظر في هذا القرار من جديد، لذا ستتابع الوزارتان (الداخلية والعدل) عن كثب القرارات القضائية المقبلة التي ستُتخذ. وتُعرب الوزارتان عن استعدادهما، بناءً على مضمون هذه القرارات، لتحديد التدابير على وجه السرعة، بما فيها التدابير التشريعية التي ينبغي اتخاذها من أجل تمكين فرنسا من مواصلة العمل بعزم، في إطار التزامها الثابت بمكافحة إفلات مرتكبي الجرائم الدولية من العقاب».