لن يحقق الحكم الذي صدر في محكمة بلدة كوبلنز الألمانية بإدانة العقيد السابق للمخابرات السورية أنور رسلان لارتكابه جرائم ضد الإنسانية، العدالة لجميع السوريين، ولكنه مع ذلك يعد إنجازاً بالغ الأهمية.
هذا يوم اعتقدنا أننا لن نراه قط، أنا وآلاف الناجين من أمثالي، ممن اعتُقلوا ظلماً واستُجوبوا وعُذبوا بوحشية في فرع الخطيب الأمني في دمشق، الذي ترأسه أنور رسلان بين عامي 2011 و2012. خلال الفترة التي كان فيها رسلان مسؤولاً عن الفرع، تعرض أكثر من 4000 شخص للتعذيب، ويُعتقد أن 58 شخصاً على الأقل لقوا حتفهم نتيجةً لذلك.
اعتُقلتُ مرتين: الأولى عام 2011، ثم مرة ثانية في عام 2012، بعد مداهمة المركز السوري للإعلام وحرية التعبير، حيث كنت أنشط. ونُقلِت في اعتقالي الأول إلى فرع الخطيب الأمني، المعروف على نطاق واسع باسم الفرع 251 للاستجواب، حيث احتُجزِت سراً وتعرضت للضرب والتعذيب.
في سوريا، كنا نحلم بأن نرى ولو واحداً من مجرمي النظام يحاكمُ على جرائمه.
وفي حين أن أنور رسلان هو مجرد واحد من مئات عناصر أجهزة الأمن والاستخبارات التابعة لبشار الأسد، المسؤولين عن التعذيب الذي ترعاه الدولة، وعن الفظائع الأخرى التي لا تحصى والتي ارتُكبت على مدار السنوات العشر والنصف الماضية، فإن إدانته الفردية تحمل معنىً أوسع بكثير من شخصه. إنها لائحة اتهام قانونية دامغة للنظام السوري ككل.
بموجب القانون الدولي، يتم تعريف الجرائم ضد الإنسانية على أنها هجوم منهجي وواسع النطاق ضد السكان المدنيين. وتوفر هذه الإدانة الفردية دليلاً ملموساً على الفظائع التي ارتكبها النظام على نطاق واسع.
ويمثل هذا تذكيراً مهماً لأي دولة تفكر في إعادة العلاقات مع الأسد أو إجبار اللاجئين على العودة إلى سوريا بما يمكن للنظام السوري أن يقوم بفعله.
ومع ذلك، لا يزال جزءٌ مني مكسور القلب. إذ يصعبُ الترحيب بأخبار كهذه، وعشرات الآلاف من الأشخاص الأقل حظاً مني ما يزالون مختفين قسرياً ومعتقلين سراً في سجون الأسد المرعبة. فالعدالة لهم لا تلوح في الأفق.
لا شيء يمكن أن يصف رعب الإخفاء القسري في سوريا بشكل دقيق. يطلق ضباط المخابرات السورية اسم «الإخفاء وراء الشمس» على هذه العملية. وتعني العبارة العيش في الظلام، والنفي من الحياة. الإخفاء وراء الشمس حياةٌ أشبه بالموت.
بعد الحبس عدة أيام في مكان مظلم وضيق، يختلط الليل والنهار على المرء، ويفقد النور والظلام معناهما. ويبدو الأمر كما لو أنك لم تعد موجوداً على الإطلاق. تنسى التفاصيل الصغيرة للحياة، وكيف تبدو الأشجار أو ما هي رائحة الزهور.
بعد إطلاق سراحي عام 2015، هربت من سوريا بسبب الإرهاب الذي تعرضت له على أيدي ضباط الأمن والمخابرات، بمن فيهم أنور رسلان. غادرت سوريا لخشيتي من الأسر مجدداً، ولم أرغب بأن تعاني عائلتي غموضَ مآلي، في تساؤلٍ أبدي: هل هو ميت أم حي؟ أهم يعذبونه في هذه اللحظة؟ هل جثته معلقةٌ بحبل المشنقة في مكان ما؟
ربما كنت سأتمكن من مسامحة جرائم أنور رسلان ضدي لو أظهر ذرةً من الندم. لكنني شعرتُ في المحكمة أنه كان متغطرساً، ورأيتُ نظرة ازدراء في عينيه. يثابر أنور رسلان حتى اليوم في إنكاره ممارسة تعذيبٍ ممنهج في فرع الخطيب، على الرغم من الأدلة الدامغة على عكس ذلك.
لن تتحقق العدالة الحقّة لسوريا والسوريين إلا بمحاسبة بشار الأسد وأفراد قواته الأمنية وجميع أمراء الحرب وأعضاء الجماعات المسلحة في سوريا المسؤولين عن جرائم الحرب.
لم أكن متأكداً من الدور الذي ستلعبه شهادتي في السعي لتحقيق العدالة حين قررت أن أدلي بها في هذه المحاكمة. لكني أعلم أنني سأغتنم أي فرصة مستقبلية للمشاركة في مثل هذه التجربة. لا يسعنا إلا أن نأمل أن تشجّعَ كل محاكمةٍ مثل هذه على المزيد من الملاحقات القضائية لمجرمي الحرب السوريين، وأن تقرّبنا خطوةً أخرى من مستقبلٍ مختلف لسوريا.
لقد أتيحت لي فرصة رؤية الجاني يواجه المحاكمة، وهي فرصةٌ حُرم منها الكثير من السوريين بقسوة. ولا يسعني إلا أن آمل أن يمهد هذا الحكمُ الطريقَ لتحقيق عدالةٍ أوسع لجميع السوريين.