هنا في دمشق، تتكرر في أحاديث الناس عبارتا: «الشعب يصرف على الدولة» و«باعوا البلد». وهؤلاء الناس من فقراء البلد الذين صاروا يشكلون 90 بالمئة تقريباً من عدد سكانه، ويواجهون صعوبات شديدة في تأمين مستلزمات حياتهم في ظل قلة فرص العمل وعدم تناسب الأجور مع أسعار السلع الأساسية، في حين يتربع تأمين مأوى كريم على رأس أولوياتهم، وذلك بعد الازدياد الكبير في عدد ساكني العاصمة، نتيجة نزوح مئات الآلاف إليها من مختلف المناطق السورية المدمرة أو من أحياء دمشق التي شهدت عمليات عسكرية خلال السنوات الماضية.
«في دولة بتعيش بس على الضرايب؟ والله هي أول مرة بسمع فيها بحياتي. يعني إذا ما معكم مصاري تدفعوا للعالم رواتبها بتشلحونا مصارينا!» ألقى أمامي هذه الكلمات الغاضبة رجلٌ كبير السن يقف أمام مبنى محافظة دمشق. «شو المشكلة يا عم؟» همست في أذنه، فأجاب متحسراً: «جئت لتجديد عقد الإيجار، فقالوا لي قد ارتفعت الضرائب. منذ عشر سنوات نكتب في العقد مبلغ إيجار رمزي وأدفع مبلغاً قليلاً من المال كضرائب عند تثبيت العقد. ولكن تغيرت الأمور هذا العام، قالوا لي إن إيجار هذا المنزل 150 ألف ليرة، ودفعت إلى هذه اللحظة 60 ألف ليرة. صاحب المنزل قال لي إن الرسوم على نفقتي، وإذا لم يعجبني الأمر فعلي ترك المنزل». يعيش المُسن أبو أحمد في بيوت مستأجرة منذ نزوحه من مدينة عربين قبل تسع سنوات، وعندما أراد العودة إلى بيته ومدينته اكتشف أن إصلاح بيته المتضرر جراء إصابته بقذائف مدفعية يعادل كلفة شراء بيت جديد، وهو ما لا يقدر عليه.
القوانين في خدمة خزينة الدولة
الضرائب العقارية المفروضة على أبو أحمد باتت حديث الناس خلال الأشهر الأخيرة، فلم يترك نظام الأسد باباً لجباية الأموال من الناس إلا وفتحه. ومع ارتفاع الأسعار والضرائب والرسوم التي تفرضها الحكومة، اضطر الكثيرون إلى بيع عقاراتهم إما للهجرة خارج البلاد أو لتأمين الطعام والشراب واللباس. عمليات البيع لا تعني الخلاص من الضرائب والرسوم، فقد أصدر النظام في 29 آذار (مارس) القانون رقم 15 لعام 2021، القاضي بتنظيم «استيفاء ضريبة البيوع العقارية، والتي يتم تحديدها بمعدل من القيمة الرائجة للمتر المربع، واستناداً إلى الوصف المالي للعقار».
ومع صدور هذا القانون، سارع وزير المالية في حكومة النظام كنان ياغي للحديث عن فوائده والأموال الكثيرة التي ستجنيها الدولة، حيث قال: «يهدف قانون البيوع العقارية الجديد إلى تحقيق العدالة بين المُكلفين ومعالجة التهرب الضريبي في مجال بيع وشراء وتأجير العقارات، والذي يؤدي الى فوات المنفعة والإيرادات على الخزينة العامة للدولة». وذهب في نفس الاتجاه مدير عام هيئة الضرائب والرسوم منذر ونوس بقوله: «يركز القانون على نقطتين أساسيتين: هما العدالة الضريبية والحد من التهرب الضريبي».
ولم تمض سوى أيام قليلة حتى أصدر النظام القانون رقم 17 للعام 2021، وذلك في 22 نيسان (أبريل)، بهدف «تحقيق العدالة في تحصيل الرسوم العقارية استناداً إلى الأسعار الرائجة للعقارات وتطوير الخدمات العقارية وتقديمها إلكترونياً» حسب وصف وكالة الأنباء الرسمية- سانا. وبموجب القانون الجديد يتم تعديل رسوم الخدمات العقارية لتواكب القيم الحالية للعقارات، لاسيما أن الرسوم القديمة مضى على وضعها سنوات طويلة، وأصبحت هناك فجوة بين أسعار العقارات في حينها وأسعار العقارات اليوم.
وتزامن القانونان مع قرار لمجلس الوزراء رقم (28 م و) في 30 من آذار (مارس) الماضي، الذي يوجب دفع مبلغ 5 ملايين ليرة عبر القنوات المصرفية في عمليات بيع العقارات السكنية والتجارية والمركبات، ودفع مبلغ لا يقل عن مليون ليرة سورية عبر القنوات المصرفية لعمليات بيع وشراء الأراضي. وأشار القرار إلى وجوب تجميد مبلغ 500 ألف ليرة سورية في الحسابات المستخدمة لعمليات البيوع المتعلقة بالعقارات السكنية والتجارية والأراضي والمركبات لمدة ثلاثة أشهر على الأقل.
الغاية الرئيسية من هذه القوانين هي جباية الأموال بشتى الطرق، حيث من المفترض أن يكون قطاع العقارات مزدهراً في الأيام القادمة، وذلك بعد تراجع العمليات العسكرية ومحاولة الناس الاستقرار من جديد. هذه القوانين والقرارات هي في ظاهرها حق مشروع للحكومة بتقاضي الضرائب عن عمليات البيع والشراء والإيجارات بأسعارها الراهنة، لأن القوانين السابقة قديمة جداً وتقدير الأسعار فيها بعيد جداً عن الواقع الحالي، ولكنها أيضاً لا تتناسب مع أحوال السوريين الاقتصادية المتدهورة. كما أن النظام يدرك أن هذا القطاع نشط كثيراً في السنوات الأخيرة نتيجة توجه الكثير من السوريين إلى العمل به وتراجع الكتلة العمرانية في البلد وعمليات النزوح التي تقتضي شراء مساكن جديدة في حال توفر الأموال، فضلاً عن استعمال العقارات كخزان يحمي الأموال من فقدان قيمتها بفعل تدهور أسعار صرف الليرة وتجريم حيازة القطع الأجنبي، فسعى النظام إلى حجز حصة من هذه المداخيل والأرباح.
كثرة المعروض وقلة المشترين
أما نتيجة هذه القوانين، فكانت ركوداً حاداً في سوق العقارات. توجهنا إلى مكتب عقاري في منطقة المزة يديره رجل يطلق عليه الناس «شيخ الجبل»، وذلك بسبب علاقاته المتشعبة بين مختلف أنحاء ومناطق المزة، انطلاقاً من المزة أوتوستراد ووصولاً إلى أعلى الجبل، مزة 86، خزان، مدرسة، فيلات غربية وشرقية. سألناه عن حال السوق بعد هذه القوانين، فأجاب: «هناك شيء غير مفهوم يحدث في هذا البلد. انظر بعينك (مقلباً أوراق عدد من الدفاتر الموجودة أمامه). هذه كلها بيوت معروضة للبيع، ولكن لا أحد يشتري. المنطق يقول إنه مع كثرة البيوت المعروضة للبيع وتوقف حركة سوق العقار بشكل شبه تام ستتجه الأسعار للانخفاض، لكن ما يحدث هو العكس. اليوم صار الحديث عن أسعار البيوت بالمليارات في بعض مناطق دمشق شيئاً عادياً».
سألناه عن سبب ارتفاع الأسعار رغم الجمود، ففكر قليلاً ثم أجاب: «افتتح والدي هذا المكتب قبل 60 عاماً، وأنا أمضيت حياتي فيه. لم نعش حالاً مثل ما هو عليه السوق اليوم. هناك خوف وقلق وعدم استقرار، وهذا أصعب من ارتفاع الأسعار. بعد القرارات التي صدرت مؤخراً لم يعد هناك أمان. خلال السنوات الماضية، ورغم تآكل قيمة الليرة السورية، كانت عمليات البيع والإيجار تتم بالدولار الأميركي وتدفع الأموال بما يقابل قيمة الدولار بالليرة السورية. في هذا المكتب عقدت الكثير من الصفقات وكنت شاهداً عليها، ولكن قرار البيوع العقارية الصادر بداية العام الحالي وإلزامية الإيداع في المصرف عقد الأمر. تشعر اليوم أن هناك من يريد أن يقاسمك رزقك، وأن يعرف ماذا تملك. هذه القوانين هي السبب الرئيسي في انعدام الثقة وتوقف حركة البيع والشراء».
لماذا يرغب كل هؤلاء الأشخاص ببيع منازلهم؟ سألناه، فكان رده: «الأسباب متعددة، وعلى رأسها السفر. الجميع يرغب بمغادرة البلاد بعد انقطاع الأمل في تحسن الظروف المعيشية. الأمر يشمل المقتدرين مالياً وأصحاب البيوت الفاخرة. عندي في هذه الدفاتر بيوت من كل مناطق المزة، من الطابو الأخضر (سند الملكية) إلى كاتب العدل، وحكم المحكمة، وصولاً إلى العشوائيات التي يتم بيعها على أساس وجود ساعة الكهرباء أو عداد المياه. الجميع يريد أن يبيع بيته». أليس من المفترض أن تنخفض الأسعار إذا كان كل هؤلاء مضطرين للبيع؟ يجيب صاحب المكتب العقاري: «بالمنطق نعم، لكن في الواقع لا. الجميع يرغب في الحصول على أعلى سعر ممكن، سواء من يريد أن يسافر، وذلك بهدف تأمين تكاليف السفر الكبيرة، أو من يرغب بالانتقال إلى مكان آخر، بحيث يتمكن من إيجاد بديل بسعر مشابه. حتى المضطر إلى البيع من أجل تأمين متطلبات الحياة يريد سعراً يبقيه في وضع جيد مادياً لفترة أطول».
وهل هناك من يشتري؟ «نعم، ولكن المشترين قليلون جداً. في العشوائيات العدد أكبر لأن الأسعار أقل بكثير ويمكن لمن يدخر بعض المال أن يشتري. بعض المال يعني 40 أو 50 مليون لبيوت كانت تباع قبل عام تقريباً بنصف هذا المبلغ. أما في المزة، على الأوتوستراد أو في منطقة الفيلات، فبالتأكيد ليس هناك أناس عاديون يملكون ملياراً أو مليارىن أو أكثر لشراء منزل، أو كما هو الحال في بعض البيوت في ترّاسات مشروع دمر، والتي وصل سعرها إلى 7 مليارات. أصبح مبلغ مليار عادياً في أسعار البيوت في معظم مناطق دمشق، والمشترون هم التجار وأصحاب الأموال الكثيرة الذين صاروا يخشون من حيازة العملات الأجنبية، أو من المغتربين الذين يملكون فرص الشراء بسبب انخفاض قيمة الليرة وفرق التصريف بالنسبة للعملات الأجنبية. ولا ننسى أن عمليات البناء متوقفة تقريباً حتى في المناطق العشوائية بسبب ارتفاع أسعار مواد البناء، وخاصة الأسمنت والحديد. هذا الأمر يلعب دوراً إضافياً في ارتفاع الأسعار».
وكانت صحيفة الوطن الموالية قد سلطت الضوء على ارتفاع أسعار العقارات قبل نحو شهر ونصف. وذكرت في تقريرها أن سعر طن الحديد وصل إلى حدود 3.4 مليون، وسعر المتر المكعب من البيتون المجبول إلى 180 ألف ليرة. إضافة إلى أن تكلفة إكساء المتر المربع من العقار أصبحت تعادل تكلفة بنائه؛ أي إنه إذا كان سعر البيت 50 مليون ليرة بدون إكساء، فإنه يحتاج إلى 50 مليون أخرى من أجل إكسائه. من جانبه، نفى وزير الصناعة في حكومة النظام أن يكون ارتفاع أسعار الأسمنت هو الأساس في ارتفاع أسعار العقارات، معللاً ذلك بأن هذه المادة ليست الوحيدة التي تتكون منها العقارات!
وبالعودة لحديثنا مع صاحب محل العقارات أبو حسن، وفي معرض سؤالنا عن الإيجارات وإذا ما كنت تشهد جموداً مشابهاً لعمليات البيع والشراء، أجاب: «بالتأكيد لا. حركة الإيجارات لا يمكن أن تتوقف، لأن هناك آلاف الأسر المهجرة في دمشق من مختلف المناطق منذ العام 2011. عاد القليل منهم إلى مناطقهم ومدنهم، لكن الغالبية العظمى مازالوا يعيشون في دمشق وبعض مناطق ريف دمشق. هؤلاء الناس هم الأكثر تضرراً مما يحدث، لأن شراء منزل أصبح بالنسبة لهم حلماً صعب التحقق، ولأن أسعار الإيجارات تشهداً ارتفاعاً حاداً منذ بداية العام. الحد الأدنى المطلوب لاستئجار بيت متواضع في دمشق هو 150 ألف ليرة شهرياً، ووصل الإيجار الشهري لبعض البيوت إلى أكثر من مليون ليرة. معظم أصحاب البيوت يطلبون إيجاراً مسبقاً لستة أشهر أو سنة، علاوةً على أن المستأجر هو الذي يدفع الضريبة الجديدة على الإيجار».
العودة إلى البيوت
التقينا ببعض الأشخاص الذين عادوا إلى منازلهم في مخيمي اليرموك وفلسطين وبعض الأماكن المدمرة في حي التضامن المحاذي. قالوا للجمهورية.نت إنهم عادوا إلى منازلهم وسكنوا فيها رغم عدم تخديمها بالماء والكهرباء، علاوةً على أن قسم من هذه المنازل دون أبواب ونوافذ، معللين ذلك بأن «سنوات طويلة من التنقل في بيوت الإيجار قد أرهقتهم». وتحت نفس الظروف التقينا بعوائل عادت لتعيش في بيوت بظروف مشابهة مع إيجار يصل إلى 150 أو 200 ألف ليرة سورية شهرياً. ورغم أن هذه المبالغ لا تتجاوز 50 دولار أميركي، إلا أنها تعادل ثلاثة أو أربعة أضعاف الحد الأدنى للأجور في سوريا قبل الزيادة الأخيرة قبل أيام.
وكان النظام السوري قد سمح مؤخراً لأهالي مخيمي اليرموك وفلسطين بالعودة إلى منازلهم بعد ترميم البنى التحتية، وذلك بعد مناشدات عديدة من الأهالي والمنظمات الدولية ومنظمة التحرير الفلسطينية، التي تعهدت بدفع تكاليف إعادة ترميم البنى التحتية في المخيمين. ولكن على من يرغب بالعودة الحصول على موافقة أمنية أولى لرؤية بيته، وموافقة ثانية لترحيل الردم وآثار الدمار، وموافقة ثالثة لإعادة ترميمه. قابلت الجمهورية.نت عدداً من الأشخاص من أهالي مخيم اليرموك يشتكون من حجم الدمار الذي لحق بمنازلهم، ومنهم أبو ناصر، الذي كان يتقاسم بناءً من عدة طوابق مع إخوته الذين هاجروا مع عائلاتهم خارج سورية ليبقى وحيداً مع عائلته. يقول أبو ناصر إنه حصل على الموافقات الأمنية لترحيل الدمار الذي لحق بالبناء، مضيفاً: «كان البناء يتألف من أربعة طوابق تهدم منها ثلاثة بفعل القصف، وبقي الطابق الأرضي فقط. تفاوضت مع ورشة لنقل الأنقاض من البناء إلى الشارع المحاذي فقط، فطلبوا 4 مليون ليرة سورية، وبعد مفاوضات طويلة وافقوا على تخفيض المبلغ إلى مليونين. وتواصلت مع إخوتي في الخارج لإرسال المبلغ لأني لا أملك منه ليرة واحدة، فأنا أسكن في بيت مستأجر في صحنايا بمبلغ 200 ألف شهرياً منذ سنوات. بعد ترحيل الأنقاض سأعود للعيش في منزلي الأصلي مهما كان حاله».
استنجد أبو ناصر بإخوته لدفع المبلغ، لكن أبو أحمد الذي يملك بناءً من أربعة طوابق تهدم منها طابقان، ليس له من يعينه على دفع مبلغ مماثل، فقرر أن يعتمد على نفسه وعلى أبنائه الثلاثة. أبو أحمد رجل متقاعد تجاوز الستين، وأبناؤه الثلاثة يعملون طوال الأسبوع، لذا يذهب الأربعة منذ ساعات فجر يوم الجمعة لإزالة الأنقاض بأيديهم، ويبقون حتى غياب الشمس.
أثناء حديثنا مع الناس تلفت الأنظار سيارات كبيرة محملة بالأنقاض والردم وهي تخرج من المخيم. سألنا أهالي الحي إلى أين يذهبون بهذه الأتربة، فأجابوا بأنها تذهب إلى المعامل لفرزها وإعادة تدويرها كي يعاد استخدامها مرة ثانية. قد يبدو ذلك عادياً وروتينياً، ولكن الأمر في سورية مختلف، فتجارة الردم وعمليات ترحيل الأنقاض وفرزها لإعادة تدويرها، تشكّل أهمّ الأعمال التي يتناوب عليها عشرات المقاولين المقربين من عائلة الأسد، بل إن معارك عسكرية عنيفة قد تندلع أحيانا بين الشبيحة للظفر بالأنقاض، وهو ما حدث في منطقة القابون عندما أدخل محمد حمشو ورشاته لهدم الأبنية وترحيل الأنقاض منها، فقامت ورشات تتبع لرياض شاليش، ابن عمة بشار الأسد والمدير المُزمن لمؤسسة الإسكان العسكرية، بطردها وأخذ مكانها.
سوق العقارات لغسيل الأموال
ومع حجم الانتقادات الكبير والجدل الواسع الذي أثارته قرارات النظام، عمد عبر وزارة ماليته إلى إصدار نشرات وتقارير ليس بوسعنا التأكد من صحتها، كان آخرها تقرير صادر في 18 تشرين الثاني (نوفمبر) يتحدث فيه عن عدد البيوع العقارية المنفذة لدى مديريات المالية بالمحافظات، منذ بدء نفاذ القانون رقم 15 ولغاية تاريخ نشر التقرير، وذلك بما يزيد على 110 آلاف عملية بيع عقارية. وجاء في التقرير أيضاً أن القيمة الرائجة للبيوع العقارية خلال الفترة المذكورة بلغت ما يزيد على 4500 مليار ليرة سورية، بمعدل وسطي يومي للبيوع المنفذة يصل إلى 1905 عملية، وبوسطي قيمي يومي يقدر بنحو 51 مليار ليرة سورية. وأشار التقرير إلى أن عدد عقود الإيجار المنفذة لدى مديريات المالية، منذ الثالث من أيار (مايو) الماضي ولغاية 23 أيلول (سبتمبر)، بلغ أكثر من 100 ألف عقد إيجار، وبوسطي يومي يبلغ 915.4 عقود إيجار منفذة في آخر أسبوع شمله التقرير. وعمل النظام على إصدار هذه التقارير بشكل مستمر منذ صدور القانون 15 ليثبت أن عمليات البيع والشراء والإيجار مستمرة وفي حالة ازدياد دائم، وأن القوانين التي أصدرها كانت محقة ومدروسة.
من جانب آخر، اعتبر وزير المالية في حكومة النظام كنان ياغي سوق العقارات ملاذاً لغسيل الأموال وواجهة لاقتصاد الظل، واصفاً الأموال الموظفة فيه بأنها «في معظمها مجهولة أو مشبوهة المصدر». وأضاف بأن قانون البيوع سيكون «المحور المؤسس لسوق عقارية منظمة ومتوازنة». وجاءت الردود المستنكرة لتصريحات الوزير من داخل حلقات النظام، حيث قالت وزيرة الاقتصاد السابقة في حكومة النظام لمياء عاصي إن القانون «يرفع من أسعار العقارات ويعيق عملية إعادة الإعمار».
وبموجب القانون الجديد تشكلت لجان مختصة بتقدير «السعر الرائج للعقارات»، تقوم بتخمين قيمة العقارات، ونشأت مهنة جديدة هي المقيم العقاري، حيث حصل 400 شخص على ترخيص لمزاولة هذا العمل، بينهم مدراء وأساتذة جامعيون، بحسب وصف صحيفة الوطن.
ويتأثر اليوم بالركود في سوق العقارات آلاف الأسر التي يعتاش أفرادها منه، حيث يقدر عدد المهن التي تشتغل بالعقارات ما بين 80 إلى 90 مهنة. ونشرت صحيفة البعث التابعة للنظام تقريراً مطولاً يتحدث عن تضرر آلاف الأسر، «تحديداً البسطاء»، الذين يعملون بشكل يومي لكسب لقمة عيشهم. بإمكاننا اليوم أن نشاهد الكثير من هؤلاء العمال في شوارع دمشق يفترشون الطرقات والأرصفة في أماكن متعددة بانتظار فرصة عمل، ونعاين أيضاً تذمر أصحاب العقارات المتهدمة من الأسعار «المرتفعة» التي يطلبها هؤلاء العمال. المفارقة الأكبر هي أن رجال أعمال النظام الحاصلين مجاناً على ردم الأبنية المدمرة لا يرحلونها إلا بعد أن يجمعها أصحاب البيوت في نقاط معينة، وينفقون الملايين على عمليات ترحيل بيوتهم ليستفيد منها لصوص ساهموا في تمويل دمارها وباركوه.