مقدمة: بعد ظهر يوم الأحد، 12 كانون الثاني (يناير) 1986
يختلط الصوت بموسيقى لولي ومانويل، وباكو دي لوسيا، وكامارون، وجميعهم من مغني الفلامنكو. باكيةً أواجه الإحباط من محاولتي البدء في الكتابة، أشعر بقلق أنني لن أجد الكلمات لأقول ما يجب علي قوله، والخوف من أنني أفقد مع كل يوم القدرة على إيصال ما أريد قوله من خلال الكتابة. أعلم أنني لا أستطيع الاستماع إلى هذه الموسيقى والكتابة في نفس الوقت.
سوف تغلبني الموسيقى، وتحملني إلى عالم من الخطاب العاطفي الذي يتجاوز الكلمات. إنه غناء مليء بالتوتر والشدة، وبطريقته الخاصة يشكل نوعاً من الموسيقى النضالية: في هذا العام الجديد أشعر أنه من الضروري أن تعترف الناشطات النسويات بأولوية وأهمية النضال في العمل السياسي على المستوى الفردي والجماعي. الالتزام الراديكالي في النضال السياسي يحمل في طياته الاستعداد لقبول المسؤولية لتوظيف الصراع بطريقة بناءة، كوسيلة لتعزيز فهمنا لبعضنا البعض وإثرائه، كدليلٍ يوجّه ويشكّل معالم تضامننا السياسي.
داخل الحركة النسوية، لا يزال الصراع العنصري بين النساء البيض والنساء الملونات مجالاً من ضمن مجالات النضال. غالباً ما تكون هذه الصراعات مسيطرةً إلى درجة أنها تجعلنا نشعر باليأس من إمكانية أن نعيش ونعمل معاً في مساحات اجتماعية غير ملوثة بسياسات الهيمنة. وبما أن طاقتنا معرضة لأن تضمحل وأن يتضاءل الأمل، فمن الضروري جداً لنا، نحن الناشطات النسويات، تجديد التزامنا بالنضال السياسي وتعزيز تضامننا. هذا يعني أنه علينا أن نعمل بجهد أكبر لمواجهة العنصرية والصراعات التي تسببها، مع الاقتناع بأن النضال المستمر المستدام سيفضي إلى أجندة سياسية نسوية تحررية.
يعتبر كتاب النظرية النسوية: من الهامش إلى المركز تعبيراً عن محاولة الناشطات النسويات المهتمات لصياغة نظرية تحررية أكثر شمولاً، تتحدى الهيمنة عوض إدامتها. وإلى حدٍّ ما، شكلت العنصرية محوراً من محاور هذا الكتاب.
على عكس كتابي الأول ألستُ امرأة: النساء والنسوية، الذي تم قبوله للنشر في وقتٍ اعتقدتْ فيه النساء ذوات البشرة البيضاء أن «العرق» موضوعٌ يقبل المناقشة النسوية. ويظهر كتاب من الهامش إلى المركز في وقت تتصرف فيه العديد من النساء ذوات البشرة البيضاء كما لو أنه ليست هناك حاجة إلى أن تلعب النساء ذوات البشرة الملونة دوراً مركزياً في صنع النظرية السياسية النسوية. ورغم أن الكتاب يشير إلى أعمال عدد قليل من الأصوات المميزة (أي الأصوات التي يختارون الاستماع إليها، على سبيل المثال أودري لورد وباربرا سميث)، يتم تجاهل الكتابة النظرية للنساء ذوات البشرة الملونة الأقل شهرة أو غير المعروفات، وخاصة حين لا تعبّر أعمالهن عن الإيديولوجيا السائدة. في فصول دراسات المرأة في جميع أنحاء الولايات المتحدة، غالباً ما يتم تجاهل الكتابات النسوية النظرية للنساء الملونات، ويتم الاهتمام بدلاً من ذلك بالأعمال الأدبية الخيالية أو كتابة السيرة الذاتية الاعترافية. ومن اللافت أن كتاب النظرية النسوية: من الهامش إلى المركز لم يحظَ سوى بمراجعات قليلة (أعرف اثنتين فقط). ورغم افتقار الكتاب للاعتراف الكامل أو النقد أو مناقشة الأصوات المُكرسة داخل الدوائر النسوية، أتلقى ردود فعل إيجابية من القراء. ليس في نيتي التشكي، فأنا على المستوى الشخصي مسرورة بالكتاب، والحقيقة أن المبيعات ثابتة. هذا لا يخفي عني حقيقة أن العنصرية تعمل جنباً إلى جنب مع نظام النجومية (والذي يضمن أن أعمال بعض الأفراد ستحظى باهتمام واسع النطاق بينما سيتم تجاهل أعمال أخرى) وتؤثر على الاستجابة للكتاب.
حقيقةُ أنني أنحدر من الطبقة العاملة السوداء الموجودة في الجنوب، والتي تعتبر طبقة محافظة سياسياً، يدفعني أحياناً للشعور بالرهبة من الظروف التي تمكنني من المناداة بالسياسة الراديكالية والتأكيد عليها. لا أصدق أنني كتبت كتابين نسويين. لقد جلبني الحظ للعيش في الشمال، إلى نيو هافن- كونيتيكت، حيث أدرّس في مجال الدراسات الإفريقية-الأميركية واللغة الإنجليزية في جامعة ييل، وهي أول وظيفة لي كمدرسة بدوام كامل. بالنسبة لي، التدريس عمل سياسي، والفصول الدراسية هي مساحة للعمل السياسي الراديكالي. قد لا يكون من المهنية جعل الجامعة موقعاً لتعليم الوعي النقدي والتسييس، كما أن ذلك أمر صعب عملياً، وقد يتسبب بخسارتنا لعملنا.
أعتبر أنني متأصلة في السياسة الراديكالية التي تقوم على الاعتقاد بأن سياسات الهيمنة، كما تظهر في الاضطهاد الإمبريالي والرأسمالي والعنصري والتمييز على أساس الجنس، يجب تحديها وتغييرها حتى يظهر نظام اجتماعي جديد. في بعض الأحيان أعرّف عن نفسي بوصفي اشتراكية، وفي بعض الأحيان أشعر بخيبة أمل وأعبر عن شكوكي بشأن الاشتراكية في الولايات المتحدة، ولا سيما الاشتراكية النسوية أو السياسة الاشتراكية التي يبدو أنها متجذرة في إطار راسخ للخطاب الأكاديمي الذي لا يستهدف الحركة السياسية الجماهيرية أو التغيير الاجتماعي. ركزت الكثير من الكتابات النسوية الاشتراكية على النقد النسوي الاشتراكي، وهذا بدلاً من تخيل نظرية راديكالية تحررية للاشتراكية من شأنها أن تعالج بشكل مناسب أنظمة الهيمنة المتشابكة؛ مثل التمييز بناءً على الجنس، والعنصرية والقمع الطبقي والإمبريالية وما إلى ذلك. هذه هي الأجندة التي يجب على النسويات الاشتراكيات، وجميع النسويات الملتزمات بالتغيير الثوري، معالجتها في نهاية المطاف.
الأختية: التضامن السياسي بين النساء
الضحية الرئيسية للتمييز بناءً على الجنس هن النساء. وكما هو الحال مع أشكال الاضطهاد الجماعي الأخرى، يُعزّز التمييز بناءً على الجنس ويُستدام من خلال البنية المؤسساتية والاجتماعية، ومن قبل الأفراد المسيطرين، أو المستغلين والمضطهدين للآخرين، ومن قبل الضحايا أنفسهن، اللواتي تم تكوينهن اجتماعياً بطرق تدفعهن للتواطؤ مع الوضع الراهن. كما تروج إيديولوجيا تفوّق الذكور على النساء الاعتقاد السائد بأنْ لا قيمة لنا، ولا يمكننا الحصول على أي اعتبار إلا من خلال الارتباط بالرجال. لقد تم تعليمنا أن علاقتنا مع بعضنا البعض تقلل من غنى تجربتنا عوض إغنائها. كما تم تلقيننا أن النساء عدواتٍ بطبيعة الحال، وأن التضامن بيننا لن يحدث أبداً، ذلك لأننا لا نستطيع، ولا ينبغي علينا، أن نرتبط ببعضنا البعض. لقد تعلمنا هذه الدروس بشكل جيد، وعلينا أن نتخلص منها إذا كنا نريد بناء حركة نسائية متماسكة. يجب علينا أن نتعلم العيش والعمل بشكل متضامن. وينبغي لنا تعلم المعنى والقيمة الحقيقية للأُختِيّة.
لم تعتبر النسوياتُ الأختيّةَ إنجازاً ثورياً ستعمل المرأة وتكافح من أجل الحصول عليه، لذا لم توفر الحركة النسوية المعاصرة أرضية تدريب للنساء لتعلّم المزيد عن التضامن السياسي. استندت رؤية الأختيّة التي أثارتها النساء الساعيات للتحرر على فكرة القهر المشترك. وغني عن القول إن النساء البرجوازيات البيض في الأساس، سواء الليبراليات أو الراديكاليات في المنظور، هن من اعتقدن بفكرة الاضطهاد المشترك. وفي حقيقة الأمر، فإن «الاضطهاد المشترك» قضية باطلة وفاسدة، تخفي حقيقة الواقع الاجتماعي المتنوع والمعقد للمرأة وتضللها. لذا، من المهم التدليل على أن النساء يُقسمن بحسب مايتعرضن له من التمييز بناءً على الجنس والعنصرية والامتياز الطبقي الاجتماعي وإلى ما ذلك من عوامل أخرى تعزز التمييز والتحيز. لا يمكن أن يحدث التضامن النسائي المستدام إلا عند مواجهة هذه الانقسامات واتخاذ الخطوات اللازمة للقضاء عليها. كما لا يمكن القضاء على الانقسامات عبر التفكير الحالم أو الأوهام الرومانسية حول فكرة الاضطهاد المشترك، رغم أهمية تسليط الضوء على التجارب التي تتشاركها جميع النساء، وتعكس حجم معاناتهن.
في السنوات الأخيرة، لم تعد الأختية تثير، كشعار وكصرخة ضمن الحشود، روح العزيمة والرغبة بالاتحاد. وباتت بعض النسويات يشعرن أن الوحدة بين النساء مستحيلة نظراً لاختلافاتنا. إن التخلي عن فكر الأختية كتعبير عن التضامن السياسي يقلل زخم الحركة النسوية ويضعفها. وفي المقابل، يعزز التضامن القدرةَ على مقاومة العنف ضد النساء. لا يمكن خلق حركة نسوية ذات قاعدة جماهيرية لإنهاء التحيز الجنسي دون بناء جبهة موحدة، ولذا يجب على النساء القيام بالمبادرة وإظهار قوة التضامن. ما لم نتمكن من إزالة الحواجز التي تفصل بين النساء، ومن العمل لتحقيق التضامن، فلن يكون في وسعنا أن نأمل بتغيير المجتمع ككل وتحويله. ابتعدت كثير من النساء عن الأختية بسبب غضبهن من الإصرار على فكرة «الاضطهاد المشترك»، أو الهوية المشتركة، أو فكرة التماثل، فانتقد بعضهن الحركة بينما رفضتها أخريات بشكل كامل. الأختيّة هي وسيلة تلاعب عاطفي تخفي خلفها انتهازية النساء البرجوازيات البيض المتلاعبة. استُخدمت الأختية كغطاء لإخفاء حقيقة أن العديد من النساء يقمن باستغلال واضطهاد النساء الأخريات…
يُثرى الحراك النسوي عندما نترابط مع بعضنا البعض، لكننا لا نستطيع تطوير روابط مستدامة أو تضامن سياسي باستخدام نموذج الأختيّة الذي أنشأته النسويات البرجوازيات. فقد أوضحن أن أساس الترابط بين النساء هو شعور الضحية المشترك، وبالتالي قمن بالتركيز على فكرة الاضطهاد المشترك. يعكس مفهوم الترابط على هذا الأساس فكر التفوق الذكوري، وتنطوي هذه الإيديولوجيا على وضع النساء في موقع الضحايا. وبدلاً من رفض هذه المعادلة (التي تُؤسطر التجربة الأنثوية كأيقونة للضحية، رغم أن معظم النساء في حياتهن لسن «ضحايا» سلبيات أو عاجزات أو ضعيفات) تبنَّت النسويات البرجوازيات ذلك، مما جعل مفهوم «الأذية المشتركة» أساساً لترابط النساء ضمن هذه الرؤيا. يعني هذا أنه كان على النساء أن يعتبرن أنفسهن «ضحايا» كي يشعرن بأن الحركة النسوية تمتّ لهن بصلة. لذلك، ضمن هذه المعادلة، بات يُنظر، غالباً، إلى النساء الحازمات الواثقات كأنما ليس لهن مكان في الحركة النسوية التي تقوم الروابط فيها على مبدأ الضحية. هذا هو المنطق نفسه الذي دفع الناشطات البيض (جنباً إلى جنب مع الرجال السود) إلى اعتبار أن النساء السود «قويات» لدرجة أنهن لسن بحاجة لأن يكنّ ناشطات في الحركة النسوية. ومن المفارقة أن النساء اللواتي كن أكثر حرصاً على أن يُنظَر إليهن على أنهن «ضحايا»، واللواتي شددن بأغلبية ساحقة على دور الضحية، كن أكثر امتيازاً وقوة من الغالبية العظمى في مجتمعنا. وكمثال على هذا الاتجاه تأتي بعض الكتابات التي تناقش العنف ضد المرأة. لا تستطيع النساء اللواتي يتم استغلالهن واضطهادهن يومياً التخلي عن الاعتقاد بأنهن يمارسن قدراً من السيطرة، مهما كان نسبياً، على حياتهن. حيث أنه لا يمكنهن تحمل رؤية أنفسهن «ضحايا» فحسب، لأن نجاتهن تعتمد على إرادتهن ورغبتهن بالاستمرار. سيكون من المحبط نفسياً لهؤلاء النساء أن يتضامنّ مع نساء أخريات على أساس شعور الضحية المشترك. لذا، يجب أن نعزز التضامن على أساس نقاط القوة والرغبة بالعمل المشترك. هذا الترابط الذي ينبغي على الحركة النسوية أن تشجعه. هذا النوع من الترابط هو جوهر الأختيّة.
بدعوتهن للتضامن باتخاذ دور «الضحية»، لم تواجه النساء البيض مسؤولية مواجهة تعقيد تجربتهن. لم يقمن بمُساءلة الذات لفحص مواقفهن القائمة على التمييز بناءً على الجنس تجاه النساء المختلفات عنهن، أو تأثير امتياز العرق والطبقة على علاقاتهن بمن ينتمين إلى المجموعات العرقية والطبقية الأخرى. عند تعريف أنفسهن بـ«الضحايا»، يمكنهن أن يتهربن من المسؤولية عن دورهن في الحفاظ على التمييز بناءً على الجنس والعنصرية والطبقية، وهو ما فعلنه من خلال الإصرار على أن الرجال هم العدو فقط، وبذلك لم يعترفن بالعدو الداخلي ويواجهنه. لم يكنّ مستعدات للتنازل عن امتيازاتهن والقيام بـ«العمل الشاق» (النضال والمواجهة الضروريان لبناء الوعي السياسي)، وهو أمر ضروري لتحقيق التغيير. لذلك، تكمن المهمة الأولى في العمل على نقد الذات والتقييم الصادق للمكانة الاجتماعية التي يحظى بها الفرد، والقيم، والمعتقدات السياسية وما إلى ذلك.
أصبحت الأختيّة درعاً آخر ضد مواجهة الواقع، ونظام دعم إضافي، حيث تقوم نسخة البرجوازيات من الأختيّة على الافتراضات العنصرية والطبقية حول الأنوثة البيضاء، وأن «السيدة» البيضاء (أي المرأة البرجوازية) يجب أن تكون محمية من كل ما قد يزعجها أو يضايقها، ومن الحقائق السلبية التي قد تؤدي إلى المواجهة. نصت نسختهن من الأختيّة على أن الأخوات يجب أن «يحببن بعضهن البعض دون قيد أو شرط»، كما عليهن تجنب الصراع والتقليل من الخلاف، وعدم انتقاد بعضهن البعض، خاصة في الأماكن العامة. خلقت هذه القوانين لبعض الوقت وهماً بالوحدة التي تقمع المنافسة والعداء والخلاف الدائم والنقد المسيء (التهكم) الذي غالباً ما كان هو القاعدة في التجمعات النسوية. اليوم، تلجأ العديد من المجموعات المنشقة ذات الهويات المشتركة (مثل النساء البروتستانت البيض وعضوات هيئة التدريس البيض والنسويات الأناركيات وما إلى ذلك) إلى هذا النموذج من الأختيّة، وبهذا تسعى المشاركات في هذه المجموعات إلى دعم وحماية بعضهن البعض، مع إظهار العداء، عادةً، من خلال تحقيرٍ للنساء خارج المجموعة. إن الترابط بين الدائرة المختارة من النساء الذي يتم تعزيزه من خلال استبعاد النساء خارج المجموعة وتقليل قيمتهنّ، يشبه إلى حد كبير نوع الترابط الشخصي بين النساء الذي كان يحدث دائماً في ظل النظام الأبوي: الاختلاف الوحيد هو العمل حالياً تحت شعار النسوية. لتطوير التضامن السياسي بين النساء، لا يمكن للناشطات النسويات أن يقبلن بالشروط التي وضعتها الإيديولوجية المهيمنة ثقافياً.
يجب علينا أن نحدد معاييرنا الخاصة، فعوضاً عن الترابط على أساس شعور الضحية المشترك أو كاستجابة للشعور الزائف بوجود عدو مشترك، يمكننا الترابط على أساس التزامنا السياسي بالحركة النسوية التي تهدف لإنهاء التمييز بناءً على الجنس. في ظل هذا الالتزام، لن تتركز طاقاتنا على قضية المساواة مع الرجال أو على النضال لمقاومة هيمنة الذكور فحسب. لن نقبل بعد الآن تفسيراً مبسّطاً يقوم على تفسير الأمور من خلال ثنائية الفتيات الطيبات والأولاد السيئين الناتج عن بنية التمييز بناءً على الجنس. قبل أن نتمكن من مقاومة الهيمنة الذكورية، يجب أن نكسر ارتباطنا بالتمييز بناءً على الجنس. يجب أن نعمل على تغيير وعي النساء. يتم ذلك من خلال العمل معاً لفضح التنشئة الاجتماعية للتمييز بناءً على الجنس داخل أنفسنا، وفحصها واجتثاثها. بذلك ستتمكن النساء وسيدعمن بعضهن البعض وتبنين أساساً متيناً لتطوير التضامن السياسي.
في العلاقة بين النساء والرجال، غالباً ما يتم التعبير عن التحيز بناءً على الجنس ضمن صيغة تعكس تفوق الذكور القائم على التمييز أو الاستغلال أو الاضطهاد. بينما في العلاقات بين النساء، يعكس السلوك الدفاعي والتنافسي حقيقة قيمة تفوّق الذكور التي تجعل من النساء في حالة منافسة مع بعضهن. إن التحيز المبني على أساس الجنس هو الذي يقود النساء إلى الشعور بالتهديد من قبل بعضهن البعض دون سبب. وبينما يُعلِّم التحيز الجنسي المرأة أن تكون كدمية جنسية للرجال، يتجلى هذا الأمر أيضاً عندما تشعر النساء اللواتي تنكرن بهذا الدور بالازدراء والتفوق تجاه النساء اللواتي يقبلن أن يكن أداة جنسية. يقود التحيز الجنسي المرأة إلى التقليل من قيمة العمل الأسري في مقابل تضخيم قيمة الوظائف والمهن. وتتجلى الإيديولوجياالجنسية عندما تُعلّم النساءُ الأطفال أن هناك نمطين فقط من أنماط السلوك الممكنة: دور المهيمن أو دور الخاضع. يُعلِّم التحيز الجنسي النساء كرهَ النساء، والذي نعبر عنه بوعيٍ وبلا وعي في تواصلنا اليومي مع بعضنا البعض…
في جميع أنحاء الولايات المتحدة، تقضي النساء ساعات من وقتهن يومياً في الإساءة اللفظية للنساء الأخريات، عادةً من خلال الثرثرة الخبيثة (يجب عدم الخلط بينها وبين النميمة كتواصل إيجابي). كما يصور الإعلام باستمرار عبر المسلسلات التلفزيونية والدراما الليلية العلاقات بين النساء على أنها تتسم بالعدوانية والازدراء والتنافسية. يتم في الدوائر النسوية التعبير عن التحيز بناءً على الجنس تجاه النساء من خلال تحقير من لم ينضممن للحركة النسوية وتجاهلهن بشكل تام. يتضح هذا بشكل خاص في حرم الجامعات، حيث غالباً ما يُنظر للدراسات النسوية على أنها تخصص أو برنامج ليس له علاقة بالحركة النسوية. في خطاب حفل التخرج في كلية بارنارد في أيار (مايو) 1979، أخبرت الكاتبة السوداء توني موريسون جمهورها:
لا أريد أن أسألكن هذا المعروف، بل سأطالبكن بألا تشاركن في اضطهاد أخواتكن. الأمهات اللواتي تضربن أطفالهن هنّ نساء، ويجب على امرأة أخرى، ليس مؤسسة أو تنظيم ما، أن تعمل على إيقافهن. والأمهات اللواتي يضرمن النار في حافلات المدرسة هنّ نساء، وعلى امرأة أخرى، وليس مؤسسة أو تنظيم ما، أن تعمل على إيقافهن. النساء اللواتي يوقفن ترقية النساء الأخريات في العمل هن نساء أيضاً، ويجب على امرأة أخرى أن تأتي لمساعدة الضحية. قد يكون العاملون في المجال الاجتماعي والرعاية الذين يذلون عملاءهم من النساء، وقد يتعين على الزميلات الأخريات من النساء تحمل غضبهن. إنني قلقة من العنف الذي تمارسه النساء تجاه بعضهن البعض: العنف المهني والعنف التنافسي والعنف العاطفي. إنني قلقة من استعداد النساء لاستعباد النساء الأخريات. إنني قلقة من تردّي الخُلق في ساحة الصراع في عوالم النساء المحترفات.
توني موريسون (1931-2019)- ويكيميديا كومنز
من أجل بناء حركة نسوية سياسية ذات قاعدة جماهيرية، يجب على النساء أن يعملن بجد أكبر للتغلب على التنشئة الاجتماعية القائمة على التمييز الجنسي، والتي تؤدي إلى ممارسات تسبب اغترابهن عن بعضهن، مثل رهاب المثلية، والحكم بناءً على المظهر، والحكم على الآخرين بسبب حياتهم الجنسية الخاصة. حتى الآن، لم تغير الحركة النسوية طبيعة العلاقات بين النساء، خاصة بين النساء غير المقربات من بعضهن أو من خلفيات مختلفة، رغم ضرورة خلقها مساحة للترابط بين الأفراد ومجموعات النساء. يجب أن نجدد جهودنا لمساعدة النساء على التخلص من التمييز بناءً على الجنس إذا أردنا توطيد علاقاتنا الشخصية إلى جانب الوحدة السياسية.
بالإضافة إلى ذلك، تعتبر العنصرية عائقاً آخر أمام التضامن بين النساء. لم تشر إيديولوجيا الأختيّة، كما عبرت عنها الناشطات النسويات المعاصرات، إلى أي اعتراف بأن التمييز العنصري والاستغلال والقمع ضد النساء المتعددات الأعراق من قبل النساء البيض قد جعل من المستحيل على المجموعتين الشعور بأنهما تشتركان في الاهتمامات الإنسانية أو السياسية. كما أن وجود خلفيات ثقافية مختلفة بالكامل يمكن أن يجعل التواصل صعباً، خاصة ضمن العلاقات النسائية بين البيض والسود. من الناحية التاريخية، اختبرت النساء السود العلاقة مع النساء البيض كمجموعة متعالية عرقياً مارست عليهن السلطة بشكل مباشر، وغالباً بطريقة أكثر وحشية وتجرداً من الإنسانية من تلك التي يمارسها الرجال البيض العنصريون. اليوم، رغم سيطرة إيديولوجيا تفوق الرجل الأبيض، غالباً ما تعمل النساء السود في أماكن يكون فيها المُشرف المباشر أو المدير أو من يمثل السلطة هي امرأة بيضاء. ومع إدراك النساء السود لامتيازات الرجال والنساء البيض على حد سواء نتيجة للهيمنة العرقية، سارعت النساء السود للإشارة إلى التناقض القابع في فكر الأختية المزعوم، حيث يتوجب عليهن مساعدة النساء اللواتي يقمن باستغلالهن على التحرر. رأت العديد من النساء السود الدعوة إلى الأختيّة على أنها نداء للمساعدة والدعم لحركة لا تخاطبهن… كما أدركت الكثيرات أن حركة تحرير المرأة كما حددتها النساء البيض البرجوازيات ستخدم مصالحهن على حساب الفقراء والنساء العاملات، وأغلبهن من السود. بالتأكيد، لا يمكن تأسيس فكر الأختيّة على ما سبق، وليست النساء السود ساذجات سياسياً للانضمام لمثل هذه الحركة. ومع ذلك، نظراً لمشاركة النساء السود تاريخياً وحالياً في التنظيم السياسي، كان من الممكن أن يكون التركيز على تطوير وتوضيح طبيعة التضامن السياسي.
تمارس النساء البيض التمييز والاستغلال ضد النساء السود، ويكنّ في الوقت نفسه حسودات وتنافسيات في تفاعلهن معهن. وبالتالي لا تساهم أي من آليات التفاعل هذه في خلق الظروف التي يمكن أن تتطور فيها الثقة والعلاقات المتبادلة. فبعد بناء النساء البيض النظرية النسوية والتطبيق العملي بطريقة تتجاهل التركيز على العنصرية، تركن عبء هذه القضية لتتحمله النساء من الأعراق الأخرى. وبهذا يحمل على عاتقهن أخذ زمام المبادرة لمناقشة العنصرية أو الامتياز العرقي، لكن كان بإمكانهن الاستماع والرد على النساء غير البيض اللواتي يواجهن العنصرية، من دون تغيير بنية الحركة النسوية بأي شكل من الأشكال، ودون أن يفقدن هيمنتهن. يمكنهن بعد ذلك إظهار اهتمامهن بوجود المزيد من النساء ذوات البشرة الملونة في المنظمات النسوية من خلال تشجيع مشاركتهن بشكل أكبر. وبهذا لم يتحتم عليهن مواجهة سؤال العنصرية.
ليست العنصرية مشكلة لمجرد أن الناشطات البيض عنصريات بشكل فردي. هنّ يمثلن نسبة صغيرة من النساء في هذا المجتمع. كان من الممكن أن يكنّ جميعاً مناهضات للعنصرية منذ البداية، لكن القضاء على العنصرية لا يزال بحاجة إلى أن يكون قضية نسوية مركزية. العنصرية هي في الأساس قضية نسوية لأنها مترابطة للغاية مع الاضطهاد الجنسي. في الغرب، تتشابه الأسس الفلسفية الإيديولوجية العنصرية وأسس التمييز على أساس الجنس. دفعت القيم المتمحورة حول تفوق العرق الأبيض المنظرات النسويات إلى افتراض أن التمييز الجنسي يعتبر أولوية على العنصرية، وقد فعلن ذلك في سياق محاولة خلق مفهوم تطوري للثقافة، والذي لا يتوافق بأي حال من الأحوال مع تجربتنا التي نعيشها. في الولايات المتحدة، كان الحفاظ على التفوق الأبيض أمراً مهماً على الدوام، إن لم يكن أولوية أكبر من الحفاظ على التقسيمات الصارمة في الأدوار الجنسية. ليس من باب المصادفة أن يتم تأجيج الاهتمام بحقوق المرأة البيضاء كلما كان هناك احتجاج جماهيري مناهض للعنصرية. يمكن حتى لأكثر الأشخاص سذاجة من الناحية السياسية أن يدركوا أن دولة التفوق الأبيض، والتي طُلب منها الاستجابة لاحتياجات السود المضطهدين و/أو احتياجات النساء البيض (لا سيما من الطبقات البرجوازية)، ستجد أنه من مصلحتها الاستجابة للبيض. تعتبر الحركة الثورية لإنهاء العنصرية (صراع قضى الكثيرون نحبهم من أجل المضي فيه) أكثر تهديداً من حركة نسائية تم تشكيلها لتلبية الاحتياجات الطبقية للنساء البيض الصاعدات.
لا يقلل إدراك أهمية النضال ضد العنصرية ،بأي شكل من الأشكال، من قيمة النسوية أو الحاجة إليها. سيكون للنظرية النسوية الكثير لتقدمه إذا أظهرت للمرأة كيفية تقاطع العنصرية والتمييز بناءً على الجنس مع بعضهما، وذلك بدلاً من المفاضلة بين هذه القضايا أو رفض العنصرية بشكل صارخ. وإحدى القضايا المركزية للناشطات النسويات هي النضال من أجل الحصول على حق النساء في السيطرة على أجسادهن. يعتمد مفهوم تفوق البيض بذاته على إدامة العرق الأبيض ورسوخ نقائه، لذا فمن مصلحة الفوقية العنصرية البيضاء والنظام الأبوي استمرار السيطرة على أجساد جميع النساء. أي ناشطة بيضاء تعمل يومياً لمساعدة النساء على تحصيل حق حرية الجسد، وهي في ذات الوقت ذات فكر عنصري، فإنها تتسبب في تقويض جهودها بنفسها. عندما تقوّض النساء البيض فكرة تفوق العرق الأبيض، فإنهن يشاركن في النضال لإنهاء الاضطهاد الجنسي في آنٍ معاً. هذا مجرد مثال واحد على الطبيعة المتقاطعة والمتكاملة للاضطهاد العنصري والجنسي. وهناك العديد من الأمور الأخرى التي يجب أن تعمل النظرية النسوية على فحصها.
تسمح العنصرية للنساء البيض بتكوين نظرية نسوية وتطبيق عملي لها بطريقة تجعلها بعيدة كل البعد عن أي شيء يشبه النضال الراديكالي. كما تساهم التنشئة الاجتماعية العنصرية في جعل النساء البرجوازيات البيض يعتقدن أنهن، بالضرورة، أكثر قدرة على قيادة جماهير من النساء من المجموعات الأخرى. لقد أظهرن مراراً وتكراراً أنهن لا يردن أن يكن جزءاً من الحركة النسوية، بل يردن قيادتها. رغم أن البورجوازيات البيض قد لا يملكن معرفة عن التنظيم الشعبي أكثر من العديد من النساء الفقيرات ونساء الطبقة العاملة، فقد كن واثقات من قدرتهن القيادية، وكذلك واثقات من أن دورهن يجب أن يكون هو الدور المهيمن في تشكيل النظرية والتطبيق العملي.
تعطي العنصرية إحساساً متضخماً بالأهمية والقيمة، خاصةً عندما يقترن بامتياز طبقي. لم يكن لمعظم النساء الفقيرات ونساء الطبقة العاملة، أو حتى النساء البرجوازيات غير البيض، تخيل إمكانية إطلاق حركة نسوية دون الحصول أولاً على دعم ومشاركة مجموعات متنوعة من النساء.
في مقالها «نظريات العرق والجنس: محو النساء السود»، تشدد إليزابيث سبيلمان على هذا التأثير للعنصرية بقولها:
إننا نعيش في مجتمع عنصري، وجزء مما يعنيه هذا، بشكل عام، أن احترام الذات لدى الأشخاص البيض يتعزز بناءً على اختلافهم وتفوقهم المفترضين على السود. قد لا يعتبر البيض أنفسهم عنصريين، لأنهم لا يمتلكون عبيداً أو لا يكرهون السود، لكن هذا لا يعني أن الكثير مما يدعم شعور الأشخاص البيض لتقدير الذات يقوم على العنصرية التي ساهمت بتوزيع الامتيازات والأعباء بين البيض والسود بشكل غير عادل.
الافتراض المتغطرس للنساء البيض الناشطات في الحركة النسوية، القائم على أن دعوة النساء السود للأختيّة كان بادرة غير عنصرية، هو من الأسباب التي جعلتهن غير راغبات في مواجهة العنصرية. وقد بينت لي العديد من النساء البيض قائلات: «أردنا أن تنضم النساء السود والنساء الأخريات من غير البيض إلى الحركة»، غير مدركات تماماً لتصورهن أنهن «يمتلكن» الحركة بطريقة ما، وأنهن «المُضيفات» اللواتي يحق لهن دعوة الأخريات.
ورغم التركيز الحالي على القضاء على العنصرية في الحركة النسوية، فإن ثمة تغيير طفيف في اتجاه النظرية والتطبيق العملي. تقوم الناشطات النسويات البيض الآن بتضمين كتابات لنساء ملونات في الخطوط العريضة للمناهج، أو توظيف امرأة ملونة لتعليم فصل دراسي عن مجموعتها العرقية، أو التأكد من تمثيل واحدة أو أكثر من النساء الملونات في المنظمات النسوية. ومع الإقرار بأهمية وقيمة هذه المساهمة للنساء ذوات البشرة الملونة، لكن، في واقع الأمر، فإن النسويات البيض البرجوازيات يحاولن التستر على حقيقة أنهن غير مستعدات تمامًا للتنازل عن هيمنتهن على النظرية والتطبيق، وهي هيمنة لم تكن لتتعمق لولا تفوق البيض في هذه الدولة الرأسمالية.
وكما سعت النسويات البيض للرد على العنصرية من خلال إنشاء ورشات عمل لمحاربتها، والتي غالباً ما يدرنها بأنفسهن، تعتبر ورش العمل هذه مهمة، لكنها تميل إلى التركيز بشكل أساسي على الاعترافات النفسية والفردية الهادفة للتعافي من التحيز والتمييز الشخصي، دون التأكيد على الحاجة للتغيير الجوهري المرتبط بالالتزام السياسي والعمل. إن المرأة التي تحضر ورشة عمل للتخلص من العنصرية، حيث تدرك وتتعلم الاعتراف بأنها عنصرية، لا تقل تهديداً عن تلك التي لا تفعل ذلك. الاعتراف بالعنصرية يكون مهماً عندما يؤدي إلى التغيير.
يجب إجراء المزيد من البحث والكتابة والتطبيق العملي للنتائج حول طرق التخلص من التنشئة الاجتماعية العنصرية. تفتقر العديد من النساء البيض اللواتي يمارسن امتياز العرق يومياً إلى الوعي بأنهن يقمن بذلك (وهو ما يفسر التركيز على قضية الاعتراف بالممارسات العنصرية في ورشات العمل بهدف محاربتها). قد لا يكون لديهن فهمٌ واعٍ لإيديولوجيا تفوق العرق الأبيض ومدى تأثيرها على تشكيل سلوكهن ومواقفهن تجاه النساء المختلفات عنهن. في كثير من الأحيان، تُنشئ النساء البيض فيما بينهن علاقات وروابط قائمة على أساس الهوية العرقية المشتركة من دون وعي بأثر هذه الممارسات. هذا التكريس اللاواعي لاستمرار التفوق الأبيض هو أمر خطير، لأنه لا يمكن لأحد منا النضال لتغيير المواقف العنصرية إذا لم ندرك وجودها.
سيتبين أن الناشطات النسويات البيض قد بدأن في مواجهة العنصرية بطريقة جادة وثورية عندما لا يعترفن فقط بالعنصرية ضمن الحركة النسوية، أو يكتفين بمواجهة التحيز الشخصي، بل عندما سيكافحن بنشاط لمقاومة الاضطهاد العنصري في مجتمعنا. يتجلى التزام النساء سياسياً بالقضاء على العنصرية عندما يساهمن في تغيير اتجاه الحركة النسوية، وعندما يعملن على التخلص من التنشئة الاجتماعية العنصرية قبل تولي مناصب قيادية أو صياغة نظرية، وعندما يتوقفن عن التواصل مع النساء ذوات البشرة الملونة بطرق تسمح باستمرار القمع العنصري والحفاظ عليه، وعندما يمتنعن عن الإساءة للنساء غير البيض وإيذائهن بشكل واعٍ أو غير واع. السعي الراديكالي هو الذي يخلق أساساً لتجربة التضامن السياسي بين النساء البيض والنساء ذوات البشرة الملونة.
ليست النساء البيض من عليهن فقط مواجهة العنصرية إذا كان لفكر الأختية أن يتحقق. يجب على النساء ذوات البشرة الملونة أن يراجعن كيفية استحواذ معتقدات تفوق العرق الأبيض على تفكيرنا؛ «العنصرية النابعة من الداخل والناتجة عن تشرب الفكر العنصري» والتي قد تقودنا إلى الشعور بكره الذات، والغضب من الظلم وتنفيسه تجاه بعضنا البعض بدلاً من القوى القمعية، وكما تدفعنا لإيذاء وإساءة معاملة بعضنا البعض، أو قد تدفع مجموعة عرقية معينة لعدم بذل أي جهد للتواصل مع مجموعة أخرى.
تعلمت النساء ذوات البشرة الملونة والمنحدرات من مجموعات عرقية متنوعة الاستياء والكراهية لبعضهن البعض، أو التنافس مع بعضهن البعض. وكثيراً ما تجد المجموعات الآسيوية أو اللاتينية أو الهندية-الأميركية الأصلية أنها تستطيع الارتباط بالبيض عن طريق كراهية السود. ويستجيب السود لهذا من خلال تعميق الصور النمطية العنصرية ضد هذه المجموعات العرقية، مما يتحول إلى حلقة مفرغة من الكراهية. لن يتم القضاء على الانقسامات بين النساء ذوات البشرة الملونة حتى نتحمل مسؤولية العمل لتحقيق الاتحاد،ليس فقط على أساس مقاومة العنصرية، بل أيضاً من خلال التعرف إلى ثقافاتنا، ومشاركة معرفتنا ومهاراتنا، واكتساب القوة من تنوعنا. نحن بحاجة إلى إجراء المزيد من البحث والكتابة حول العوائق التي تفصل بيننا، والطرق التي يمكننا بها التغلب على هذا الفصل. ومن الممكن ملاحظة أنه لدى الرجال في مجتمعاتنا العرقية اتصال مع بعضهم البعض أكثر مما لدينا. غالباً ما تتحمل النساء الكثير من المسؤوليات المتعلقة بالوظيفة والمسؤوليات المنزلية إلى درجة أننا نفتقر إلى الوقت، أو لا نخصص الوقت للتعرف على النساء خارج مجموعتنا أو مجتمعنا. وفي كثير من الأحيان، تمنعنا الاختلافات اللغوية من التواصل. يمكننا تغيير هذا من خلال تشجيع بعضنا البعض على تعلم التحدث بالإسبانية والإنجليزية واليابانية والصينية، إلخ.
أحد العوامل التي تجعل التفاعل بين مجموعات النساء متعددة الأعراق صعباً، بل ومستحيلًا في بعض الأحيان، هو فشلنا في إدراك أن نمط السلوك في ثقافة ما قد يكون غير مقبول في ثقافة أخرى، أو احتمال أن يكون له دلالة مختلفة بين الثقافات. من خلال تدريسي المتكرر لدورة بعنوان «نساء العالم الثالث في الولايات المتحدة»، تعلمت أهمية فهم ما تعنيه الرموز الثقافية لبعضنا البعض. أوضحت طالبة أميركية آسيوية، من أصول يابانية، أن إحجامها عن المشاركة في المنظمات النسوية نابع من كون الناشطات النسويات يملن للتحدث بسرعة، دون توقف لاستيعاب الأمور، والاستعداد دائماً للرد. لقد نَشأت على التوقف والتفكير قبل التحدث، للنظر في تأثير كلمات المرء، وهي خاصية شعرت أنها تنطبق بشكل خاص على الأميركيين الآسيويين. ولهذا عَبّرت عن الاستياء من هذه التصرفات غير الملائمة في مناسبات مختلفة عند حضورها في المجموعات النسوية. في فصلنا، تعلمنا السماح بإعطاء وقت للتفكير وتقدير هذه المساحة. ومن خلال مشاركة هذا الرمز الثقافي، أنشأنا جواً في الفصل سمح بأنماط اتصال مختلفة. وقد شكلت النساء السود العدد الأكبر في هذا الدرس.
اشتكت العديد من الطالبات البيض من أن الجو في الفصل كان «معادياً للغاية». وأشاروا إلى مستوى الضوضاء والمواجهات المباشرة التي حدثت في الغرفة قبل بدء الفصل الدراسي، كمثال على هذا العداء. كان ردنا هو توضيح أن ما اعتبرنه عداءً وعدواناً اعتبرناه إغاظة مرحة وتعبيرات حنونة عن سعادتنا بالتواجد معاً. لقد رأينا نزعتنا للتحدث بصوت عالٍ كنتيجة طبيعية لوجودنا في غرفة مع العديد من الأشخاص الذين يتحدثون مع بعضهم، بالإضافة إلى أننا أوضحنا أثر الخلفية الثقافية على هذا الأمر: نشأت الكثيرات منا في أسر يتحدث فيها الأفراد بصوت عالٍ. في نشأتهن كنساء بيض من الطبقة الوسطى، تم تعليم الطالبات المشاركات، اللواتي اشتكين من الضجيج، اعتبار الكلام بصوت عالٍ ومباشر تعبيراً عن الغضب. أوضحنا أننا لم نر الكلام بصوت عالٍ أو فوضوي أمراً مزعجاً بهذه الطريقة، وشجعناهن على قراءة الرموز الثقافية بطريقة مختلفة، والتفكير فيها على أنها بادرة طيبة. بمجرد تغيير قراءتهن للرموز، لم يبدأن فقط بالحصول على تجربة أكثر إبداعاً وبهجة في الفصل، لكنهن تعلمن أيضاً أن الصمت والكلام الهادئ يمكن أن يشير في بعض الثقافات إلى العداء والعدوان. من خلال فهم الرموز الثقافية لبعضنا البعض واحترام اختلافاتنا، شعرنا بروح المجموعة وبإحساس الأختيّة. احترام التنوع لا يعني التماثل والرضوخ. أحد المخاوف الأساسية في هذه الفصول الدراسية متعددة الأعراق هو الاعتراف والتسليم باختلافاتنا، وفهم كيف يحدد ذلك الاختلاف نظرة الآخرين لنا. كان علينا أن نذكّر بعضنا البعض باستمرار بمنح التقدير لتنوعنا، لأن الكثير منا تربى على الخوف من ذلك.
بالتقاطع مع قضية العرق، يعتبر موضوع الطبقة الاجتماعية من القضايا التي تخلق انقساماً سياسياً خطيراً بين النساء. غالباً ما اقترحت الأدبيات النسوية المبكرة أن قضية الطبقة الاجتماعية لن تشكل عائقاً إذا انضمت المزيد من النساء الفقيرات ومن الطبقة العاملة إلى الحركة. هذا التفكير هو إنكار لوجود الامتياز الطبقي المُكتسب من خلال الاستغلال، وكذلك هو إنكار للصراع الطبقي. لبناء الأختيّة، يجب على النساء أن يرفضن الاستغلال الطبقي. قد تكون دعوة المرأة البرجوازية لـ«أخت» أقل امتيازاً لتناول الغداء أو العشاء في مطعم فاخر اعترافاً بالتمييز الطبقي، لكن ذلك لا يعني تنصلها من الامتياز الطبقي، بل يؤكد هذه الممارسة. إن ارتداء الملابس المستعملة والعيش في مساكن منخفضة التكلفة في حي فقير، وشراء أسهم في البورصة في آنٍ معاً، ليس بادرة تضامن مع المحرومين أو فئات المجتمع الأقل حظاً. وكما في حالة التعامل مع العنصرية في الحركة النسوية، فقد تم تبرير التفاوت الطبقي بالوضع الفردي والاختلاف المرتبط به. إلى أن تعترف النساء بالحاجة لإعادة توزيع الثروة والموارد في الولايات المتحدة والعمل على تحقيق هذه الغاية، لن يكون هناك ترابط بين النساء يتجاوز حدود الطبقة الاجتماعية.
لم تجد النساء من مجموعات الطبقة الدنيا صعوبة في رؤية أن المساواة الاجتماعية التي تحدث عنها أنصار حرية المرأة قد ساوت بين مسألة المهنة وتجاوز الحواجز الطبقية وبين التحرر. كما عرفن مسبقاً من سيتم استغلاله في خدمة السعي لتحقيق هذا التحرر. في مواجهة الاستغلال الطبقي يومياً، لا يمكنهن تجاهل الصراع الطبقي بسهولة. في مقتطفات من كتاب نساء الأزمات، تعبر هيلين، وهي امرأة بيضاء من الطبقة العاملة تعمل خادمة في منزل «نسوية» برجوازية بيضاء، عن فهمها للتناقض بين الخطاب النسوي والممارسة:
أعتقد أن السيدة على حق: ينبغي أن يكون الجميع متساوين. هي تواصل قول هذا، لكن مع ذلك تجعلني أقوم بالكثير من الأعمال المنزلية، وأنا لست متساويةً معها، وهي لا تريد أن تكون متساويةً معي؛ وأنا لا ألومها، لأنني لو كنت مكانها، فسوف أتشبث بأموالي تماماً كما تفعل. ربما هذا ما يفعله الرجال – إنهم يحتفظون بأموالهم. إنها معركة كبيرة، كما هو الحال دائماً عندما يتعلق الأمر بالمال، ولابد أنها تعلم هذا. إنها لا تُنفق رواتب كبيرة على «الخدم». إنها عادلة، كما تستمر في تذكيرنا– لكنها لن «تحررنا» أكثر من الرجال الذين «سيحررون» زوجاتهم أو سكرتيراتهم أو النساء الأخريات العاملات في شركاتهم.
لم تكتف مدعيات حرية المرأة بالمساواة بين الألم النفسي والحرمان المادي للتقليل من أهمية الامتياز الطبقي؛ بل غالباً ماعبرن عن كونه المشكلة الأكثر خطورة. لقد تمكنّ من التغاضي عن حقيقة أن العديد من النساء يعانين نفسياً ومادياً، ولهذا السبب وحده يستحق تغيير وضعهن الاجتماعي اهتماماً أكبر من مركزية المسار المهني للنساء البرجوازيات. قد تجد المرأة البرجوازية التي تعاني نفسياً المساعدة بشكل أكبر من المرأة التي تعاني من الحرمان المادي والألم العاطفي. إن إحدى الاختلافات الأساسية في المنظور بين المرأة البرجوازية والمرأة من الطبقة العاملة أو المرأة الفقيرة، تكمن في أن الأخيرة تدرك أن التعرض للتمييز أو الاستغلال لأنها أنثى قد يكون مؤلماً وغير إنساني، لكنه قد لا يكون بالضرورة مؤلماً ومهيناً للإنسانية، أو يشكل تهديداً مثل عدم توفر طعام أو مأوى، أو الجوع أو إصابتها بمرض مميت وعدم قدرتها على الحصول على الرعاية الطبية. ولو أمكن للنساء الفقيرات وضع جدول أعمال الحركة النسوية فلربما قررن أن الصراع الطبقي سيكون قضية نسوية مركزية، حيث تعمل النساء الفقيرات والنساء ذوات الامتيازات على فهم البنية الطبقية والطريقة التي تضع النساء في حالة منافسة ضد بعضهن البعض.
أكدت النسويات الاشتراكيات الناشطات، ومعظمهن من النساء البيض، على قضية الانقسام الطبقي، لكنهن لم يكنّ فعالات في تغيير المواقف المتعلقة به في الحركة النسوية. ورغم دعمهن للاشتراكية، إلا أن قيمهن وسلوكياتهن وأنماط حياتهن لا تزال متأثرة بالامتيازات العرقية والطبقية وتنتفع منها. لم تطور هؤلاء استراتيجيات جماعية لإقناع النساء البرجوازيات اللواتي ليس لديهن منظور سياسي راديكالي بأن القضاء على الاضطهاد الطبقي أمر حاسم للجهود المبذولة لإنهاء الاضطهاد القائم على التمييز بناءً على الجنس. لم يعملن بجد للتنظيم مع النساء الفقيرات ونساء الطبقة العاملة اللواتي قد لا يُعرّفن عن أنفسهن كاشتراكيات، لكنهن مدركات لضرورة إعادة توزيع الثروة في الولايات المتحدة. لم تعمل النسويات الاشتراكيات على رفع وعي النساء بشكل جماعي. لقد أنفقن الكثير من طاقتهن على مخاطبة اليسار الذكوري الأبيض، ومناقشة الروابط بين الماركسية والنسوية، أو الشرح للناشطات النسويات الأخريات أن النسوية الاشتراكية هي أفضل استراتيجية للثورة. وبطريقة مغلوطة، غالباً ما يقتصر التركيز على الصراع الطبقي كقضية وحيدة للنسويات الاشتراكيات.
ورغم أنني ألفت الانتباه إلى التوجهات والاستراتيجيات التي لم يستخدمنها، إلا أنني أود التأكيد على أن هذه القضايا ينبغي أن يتم تناولها من قبل جميع الناشطات والناشطين في الحركة النسوية. عندما تواجه النساء واقع الطبقية ويتعهدن بالتزامات سياسية للقضاء عليها، لن نواجه بعد الآن الصراعات الطبقية التي كانت واضحة جداً في الحركة النسوية. إلى أن نقوم بالتركيز على الانقسامات الطبقية بين النساء، لن نكون قادرين على بناء التضامن السياسي. إن التمييز بناءً على الجنس والعنصرية والطبقية يفرّق النساء عن بعضهن البعض ويزرع الانقسام. كما أدت الانقسامات والخلافات داخل الحركة النسوية، حول تصميم استراتيجية العمل، إلى اختلاف النسويات وتشكيل عدد من المجموعات ذات المواقف السياسية المتنوعة.
وقد قاد الانقسام إلى فصائل سياسية مختلفة وجماعات ذات مصالح خاصة، إلى وضع حواجز غير ضرورية أمام الأختيّة؛ حواجز يمكن إزالتها بسهولة. تدفع المصالح الخاصة النساء المنقسمات ضمن مجموعات للاعتقاد بأن النسويات الاشتراكيات هن فقط من ينبغي عليهن التركيز على قضية الطبقة الاجتماعية، وأن النسويات المثليات هن من يجب أن يكنّ معنيات باضطهاد المثليين والمثليات، وأن على النساء السود فقط أو غيرهن من النساء الملونات الاهتمام بالعنصرية. يمكن لكل امرأة أن تقف في وجه المعارضة السياسية للاضطهاد القائم على التمييز بناءً على الجنس والعنصرية وكراهية المثليين والطبقية. في حين أنها قد تختار تركيز عملها على قضية سياسية أو قضية معينة، إذا كانت تعارض بشدة جميع أشكال الاضطهاد الجماعي، فإن هذا المنظور واسع النطاق سيكون واضحاً في جميع أعمالها بغض النظر عن خصوصيتها. كون الناشطات النسويات مناهضات للعنصرية والاستغلال الطبقي، فلا يهم ما إذا كانت النساء ذوات البشرة الملونة حاضرات للعمل أم النساء الفقيرات، إلخ… ستُعتبر هذه القضايا مهمة وستتم معالجتها، رغم أن النساء الأكثر تأثراً على الصعيد الشخصي باضطهاد معين سوف يبقين بالضرورة في طليعة تلك النضالات. يجب أن تتعلم النساء قبول مسؤولية محاربة الظلم الذي قد لا يؤثر علينا بشكل مباشر كأفراد. تعاني الحركة النسوية، مثلها مثل الحركات الثورية الأخرى في مجتمعنا، عندما تكون الاهتمامات والأولويات الفردية هي السبب الوحيد للمشاركة. عندما نُظهر اهتمامنا بالجماعة، فإننا نعزز تضامننا… تحتاج النساء للالتقاء في المواقف التي تحتمل وجود خلاف إيديولوجي، وللعمل على تغيير هذا التفاعل بحيث نحقق التواصل. هذا يعني أنه عندما تجتمع النساء، بدلاً من التظاهر بالاتحاد، فإننا نعترف بأننا منقسمات ويجب علينا تطوير استراتيجيات للتغلب على المخاوف والتحيزات والاستياء والتنافس، إلخ… دفعت الخلافات السلبية الشديدة التي حدثت في الأوساط النسوية العديد من الناشطات النسويات إلى تجنب التفاعل الجماعي أو الفردي، حيث قد تؤدي احتمالية الخلاف إلى المواجهة. وجرت إعادة تعريف السلامة والدعم لتعني الاكتفاء بمجموعات تلتقي فيها المشاركات على قيم متشابهة. وبينما لا تريد أي امرأة الدخول في خلاف يتم فيه تدميرها نفسياً، يمكن للنساء أن تواجهن بعضهن البعض، وأن تختلفن أو تتصارعن حتى، ثم يمكن لهن تخطي العداء للوصول للتفاهم. يُنظر للتعبير عن العداء كفعل عديم الفائدة، لكن عندما يكون هو المحفز الذي يدفعنا للمزيد من الوضوح والفهم، فإنه يصبح ذا جدوى.
تحتاج النساء لتجربة العمل رغم العداء للوصول إلى التفاهم والتضامن، ولو كان ذلك فقط لتحرير أنفسنا من التنشئة الاجتماعية المتحيزة جنسياً، التي تخبرنا بتجنب المواجهة لأننا سنكون الضحية أو سيتم تدميرنا.
عندما تكافح النساء بشكل فاعل، وبطريقة داعمة حقاً، لفهم اختلافاتنا ولتغيير وجهات النظر المُضللة والمشوهة، فإننا نضع الأساس لتجربة التضامن السياسي. التضامن ليس مثل الدعم. لتجربة التضامن، يجب أن يكون لدينا وحدة من المصالح والمعتقدات والأهداف المشتركة التي نتحد حولها لبناء الأختيّة. يمكن للدعم أن يكون أمراً عرضياً، ويمكن منحه أو التوقف عنه بنفس السهولة. في حين يتطلب التضامن التزاماً ثابتاً ومستمراً. في الحركة النسوية، هناك حاجة للتنوع والخلاف والاختلاف إذا أردنا أن ننمو. كما أكدت جريس لي بوجز وجيمس بوجز في كتاب الثورة والتطور في القرن العشرين:
إن التقدير لواقع التناقض مبني على أساس مفهوم النقد والنقد الذاتي. النقد والنقد الذاتي هو الطريقة التي يمكن بها للأفراد الذين توحدهم الأهداف المشتركة أن يستخدموا بوعي اختلافاتِهم والأمور التي تقيدهم، مثل السلبية، من أجل تسريع تقدمهم الإيجابي. الصيغة الشائعة لهذه العملية هي ‘تغيير الأمر السيء إلى آخر جيد…
لا تحتاج النساء للقضاء على الاختلاف ليشعرن بالتضامن. ولا نحتاج لتقاسم القمع المشترك للقتال على قدم المساواة من أجل إنهاء الاضطهاد. لسنا بحاجة للمشاعر المعادية للذكور لربطنا ببعضنا البعض، إذ أن الخبرة والثقافة والأفكار التي يجب أن نشاركها مع بعضنا البعض أمر عظيم. يمكننا أن نكون أخوات توحدنا المصالح والمعتقدات المشتركة، متحدات في تقديرنا للتنوع، متحدات في كفاحنا لإنهاء التمييز بناءً على الجنس، متحدات في إطار تضامن سياسي.