ثمة صداقات تتأسّس على وعد لقاء، وتنشأ وتستمرّ في انتظار اللقاء هذا وتكراره. على أن اللقاء أحياناً لا يحصل، والأشخاص المعنيّون به يختفون، فنتذكّرهم بابتسامةٍ، أو بإقران صفاتٍ بأسمائهم كانت الأقرب لشعورنا تجاههم أو لتوصيفنا لما يثيرونه من انطباعات.
وإذا قلنا أن صداقتنا مع سميرة الخليل تشبه ما ذكرنا، نكون قد أشرنا للفصل الأوّل منها فقط. ذلك أنه إضافة للقاء سريع في بيروت، على هامش حدث مأساوي جاءت من سوريا للمواساة وللتعبير عن التضامن الإنساني والسياسي من بعدِه (اغتيال حبيبنا سمير قصير)، وللتواصل الفيسبوكي التالي لاندلاع الثورة السورية ثم تحوّلها إلى حرب طاحنة، ولوعد اللقاء وقراءة يومياتها في الغوطة بانتظار انعقاده، نشأت لنا بسميرة علاقة خاصة، أكثر حميمية ومعرفة، بعد اختفائها.
مردّ ذلك أن شريك حياتها، ياسين، أشركنا في رحلة البحث عنها وفي كتابة سيَر لها وسرد يوميّات معها واستذكار تعليقات تخصّها. ثم هو أعاد كتابة سيَرِه وسيَر سوريا منذ اختطافها ليخاطبها، ليستحضرها، ليتمرّن على الحياة بموازاة غيابها، وليعوّض لها ما فاتها خلال تعليق الزمن في محبسها، فأبقاها رفيقةً له ولنا، نحن الأصدقاء المنتظرين، أو القرّاء المعنيّين الذين يفصلنا عنها زمنٌ وكثافةُ جدران وحصار.
ومردّ ذلك أيضاً، أن وعد اللقاء نفسه الذي أسّس الصداقة قبل سنوات، وكبر الأمل في تحقيقه بعد تغييبها، تخطّى فرديّته ليصبح وعداً خلاصياً لها ولعدد من الأصدقاء ولمئات الألوف من البشر الذين سمعنا بأسمائهم ورأينا وجوه بعضهم وتخيّلنا باقي الأسماء والوجوه.
هكذا، باتت سميرة الخليل منذ 9 كانون الأول (ديسمبر) 2013 أكثر حضوراً في حياتنا. وها هي اليوم، في 9 كانون الأول 2021، تذكّرنا بهذا الحضور في ذكرى الغياب الثامنة.
لسميرة إذاً، صديقتنا الأمس واليوم، ولرزان زيتونة ووائل حمادة وناظم حمادي، ولفائق المير وكثرة من الأصحاب الذين جمعتهم ثورة وآمال وآلام، ثم غيّبتهم ظروفٌ حالكة عن الحياة وعنّا، الحبّ والشوق ووُعود اللقاء وباقات وروده الملوّنة.