أمرني أبي أن أخرج من مكتب وكيل الكلية وأن أنتظره بالخارج. قمت بتثاقل وأنا أنظر إلى الوكيل الغاضب بتحد وخرجت. وقفت في الممر المفروش بسجادة حمراء طويلة على حوافها نقوش نباتية، وفكرت أن أجلس على الأرض في انتظارهم، كنت غاضباً بما يكفي ولكن ليس لدرجة أن أفعل ذلك.

كنت من أسبوعين جالساً هناك على الأرض بالفعل أتسلى بتمرير يدي على تعرجات النقوش النباتية على السجادة الحمراء، ظهري كان يؤلمني قليلا فأنظر إلى مهاب وأثبت عيني عليه في عتاب فيبتسم تلك الابتسامة التي تظهر منها أسنانه كاملة ويخبط بكفه على صدره، يراضيني، فأهز رأسي راضياً وأنا أبتسم.

حولي حشد من الطلاب الجالسين على الأرض يحتلون كامل أرضية الممر الطويل، من سلم الجهة الشمالية حتى سلم الجهة الجنوبية، كلهم ينظرون باتجاه مهاب الذي يصدح صوته في اعتداد مندداً بشطب كل المتقدمين لانتخابات اتحاد طلاب الكلية مؤكداً أن هذا مخالف للقانون وللوائح الجامعة، وأنها جريمة في حق كل الطلاب وبصفته رئيس اتحاد طلاب الكلية المنتخب السنة الماضية فإنه يطالب الإدارة بالتراجع عن هذه الجريمة.

كان وكيل الكلية يقف على باب مكتبه بالقرب من مهاب، وبينهما طالب جالس القرفصاء. عاجزاً عن التقدم في الممر ينظر الوكيل إلى مهاب يخبره شيئاً بصوت خفيض ومهاب لا ينظر إليه، عيناه مثبتتان علينا تتفقد كل واحد من المعتصمين. عندما انتهى الوكيل من كلامه رفع مهاب صوته لينقل لنا ما قاله: سيادة الوكيل يخبركم أن ما حدث مع المرشحين هو استجابة لتعليمات عليا، وأن الوقوف ضدها سيتسبب في أذى لكل الطلاب، وأنا أقول له أننا لا نطالب بأكثر من حقنا، وأن من كان في مكانه السنة الماضية ومن كان في مكان العميد لم يستجيبا لهذه التعليمات وأجريت انتخابات حرة، وأن كليهما لا زال أستاذا جامعياً له هيبته ولم يفقد إلا منصباً ثمنه هو مخالفة الضمير والقانون.

عدّل الوكيل نظارته غاضباً ورفع صوته تجاهنا: راكعين أمامه كالعبيد، في انتظار الأوامر التي لا تدرون من أي تجيء، كيف غسلوا أدمغتكم بهذه الطريقة!

خطا مهاب وحشر جسده النحيل وسط اثنين أفسحا له ليجلس قائلا بصوته العالي الثابت: اعتصامنا مستمر لكل من يريد التأكيد على حقه بشكل سلمي، حذاء كل معتصم هنا فوق رأسي كرئيس للاتحاد وممثل للطلاب ومهمتي خدمتهم.

التقت عيني بعيني الوكيل وهو يلتفت عائدا داخل مكتبه، فكرت أنه لن ينساني بوحمتي الحمراء المميزة، وأنها ربما فكرة حمقاء أن أشترك في هذا الاعتصام بين حشد يعتبرني بعضه متخاذلاً وبعضه جباناً.

انفتح باب مكتب العميد فكاد الطالب الذي يسند ظهره إلى الباب المغلق أن يقع على ظهره بين قدمي العميد، ولكنه تمالك نفسه ورفع ظهره وهو يشبك كفيه حول ركبتيه. وقف العميد ونادى على مهاب وتوعده إن لم ينته هذا الاعتصام خلال دقائق فإنه مضطر لاستدعاء قوات أمن لتتعامل معه ولتحمي مبنى الإدارة من هذا الشغب. جاءه رد مهاب سريعاً بأن ذلك أيضا مخالف للوائح الجامعة وأن دوره كعميد أن يحافظ على اللوائح كلها وأنه مسئول أمام الله والطلاب بخصوصها.

كرر العميد تهديده، فطلب منه مهاب أن يتحدثا لدقائق على انفراد في مكتبه فأذن له.

 

قضى مهاب بالداخل ما يقارب ربع الساعة، خرج بعدها وقال بصوت عال، ربما ليسمعه العميد من الداخل، أن التهديد لا يزال قائما بأن تقتحم قوات الأمن الكلية وتفض الاعتصام ولكنه يطلب رأينا إن كنا نريد أن نفض الاعتصام الآن أو أن ننتظر نصف ساعة لنرحل مع انتهاء المواعيد الرسمية لعمل موظفي الإدارة.

اقترعنا سريعا برفع الأيدي، النتيجة بالإجماع هي الانتظار لنصف ساعة. التقت عيني بعيني مهاب الذي بدا قلقا، لم يتبسم هذه المرة، وجلس ثانية بيننا وهو ينظر في ساعته.

لحق بي مهاب بعد فض الاعتصام وقبض بكفه على كتفي، ربت عليها مرتين ثم أمسك رأسي وقبلها: على راسي والله، لم أتوقع أن تشارك معنا اليوم. وأضاف مبتسماً: غيرت رأيك؟ ستعود لأنك لم تجد آخرين تقف معهم من أجل كلمة حق؟
ربتت على كتفه بالمثل وقلت: بوجودي اليوم لم تكونوا وحدكم من حاول أن يقول كلمة حق.
ابتسم مستدركاً وقال: معك حق، لم أقصد، لسنا وحدنا بالتأكيد، تعرف قصدي، سنواصل كلامنا لاحقاً.

سبقني على السلم بخطوته المهرولة على الدوام يتحدث إلى آخرين، بينما نزلت على مهل من الدور الأول الفخم حيث مكاتب كبار الموظفين إلى الدور الأرضي بحالته الرثة حيث مكاتب صغارهم، الذين كانوا جميعهم خارج مكاتبهم بالقرب من السلم ينظرون إلينا بنظرات ما بين الإكبار والإدانة: هؤلاء العيال يتحدون رؤسائنا.

خارج مبنى الإدارة تجمهرت حشود قليلة من الطلاب. انتشر الخبر. عرفت لاحقاً أن مجموعة من الطلبة كانت مكلّفة من مهاب بالتجول في الكلية في أماكن تجمع الطلاب لتخبرهم أن الاتحاد يدعوهم لاعتصام في الدور الأولى من مبنى الإدارة أمام مكاتب العميد ووكلائه احتجاجاً على شطب جميع الطلاب المرشحين ما عدا طلاب بعينهم عددهم يساوي عدد مقاعد الاتحاد وتم إعلان أسمائهم باعتبارهم فائزين بالتزكية دون الحاجة لإجراء أي انتخابات.

بين هذه الحشود كانت سمر تنظر لي بدهشة. اتجهت إليها وارتبكتُ عندما تحاشت النظر إلى وجهي وخطت بعيداً. راجعت نفسها وتوقفت ثم التفتت إليّ عائدة بخطوات سريعة غاضبة وقالت وعيناها تنظران لي باتهام: لم أكن أعلم أنك معهم. قلت أنني لست معهم، كنت معهم حتى السنة الماضية، والآن أنا مع المحتجين ضد إفساد الانتخابات، ولكن أنا المندهش أنها «منهم»، من سيقبلون عضوية اتحاد اختارته الإدارة وشطبت كل الباقين ليفوزوا بالتزكية بدون انتخابات.
احتدت سمر: لا تقل أنك لست منهم، أنا أعرف جيدا تقسيمكم للأدوار، واسمي لم يشطب لأنني مهتمة بالمسرح فعلاً والكل يعلم ذلك، ولست مسئولة عن معارك أخرى لا تخصني، معركتي هي المسرح فقط، وأنتم تدمرونه بأفكاركم الموجهة، سلام.

وهي ترحل في خطوات عصبية، رأيت الريبة في أعين رفاق الاعتصام: يتحدث مع واحدة من «الأعداء». هذا ما كان ينقصني.
خرجت من الكلية غاضباً ومرتبكاً ومشيت طويلا على كورنيش النيل في اتجاه إمبابة حتى وصلت إلى نصبة شاي أم حفني في العجوزة.

قبل أشهر، في وسط الإجازة الصيفية شربت مع مهاب الشاي من أم حفني، واقفين مسندين ظهورنا إلى سور الكورنيش. التقينا في إمبابة وتمشينا على كورنيش النيل في الاتجاه المعاكس كأننا ذاهبين إلى الكلية حتى وصلنا لأم حفني.

كان مبتسماً وودوداً كعادته. لم يتغير شيء بعد ما بلغه بأني لن أكون معهم بعد الآن. سألني عن الأحوال وإن كنت أعمل أو أتدرب في الصيف فنفيت ذلك وقلت أني أقضي معظم وقتي في القراءة. سألني ماذا أقرأ، فقلت له أشياء لن تعجبك. أصر مبتسماً فأخبرته. قال أنه لم يقرأ لهم ولكن يسمع عنهم بالطبع، وسألني: وما المانع أن تقرأ ما تحب ونتناقش ونعمل معاً. قلت له أنني في البداية لم أكن منسجماً تماما ولكن كنت قريباً، كان الارتباك والجدل محتملاً، الآن أعتقد أني ذهبت بعيداً، أبعد ما يحتمله عمل جماعي، أنا الآن أفكر كيف يمكن أن أنافسكم، ربما أسرة طلابية جديدة أو مجلة مستقلة. وابتسمت.

صمت قليلا وابتسم بدوره، ثم تجهم تدريجياً وقال مقطباُ جبينه: الآن بعد ما عرفت أسرارنا لا بديل من التخلص منك، لقد دسسنا لك السم في الشاي، أم حفني عميلة سرية لنا.
ضحكنا ثم ابتسم مع شيء من الحزن وقال أنه يشعر بالفشل، لأن اثنين هذه السنة تراجعا مباشرة بعد المعسكر الصيفي، وقال لي: سأفشي لك سراً ستعرفه بالتأكيد قريبا، هل تذكر زميلنا الذي أُعلن في نهاية المعسكر إنه المشارك المثالي؟ لقد كان هناك خطأ ما في التواصل، لم يكن يعرف من نحن بالتحديد، تم ترشيحه للمعسكر من جانب زميل قال أنه جاهز لكي ينتقل لمرحلة أخرى في علاقته بنا، وهناك يبدو أنه أصيب بصدمة وذعر مكتوم واستجاب وامتثل لكل الأوامر وأدى كل الأنشطة والتمرينات بدقة وتفان، وأول ما عاد بيته انهار وبكى وأخبر أهله لكي يفعلوا أي شيء لكي لا يحسب علينا في حال كنا مراقبين، لم يرد على زميلنا إلا بعد فترة عندما هدأ وأخبره بكل ذلك وطلب منه ألا يكلمه ثانية أبداً.

التفت لي مرة أخرى ضاحكاً: الآن عرفت لماذا بكى وهو يتسلم جائزة المشارك المثالي، ولماذا رفض أن يتكلم مطلقاً تعليقاً على ذلك، وكانت يداه ترتعشان وهو يقلب الجائزة بين يديه كأنها قنبلة، ثم انخراطه في البكاء أكثر عندما فض غلاف الجائزة ووجد مجموعة كتب.
قلت: أعتقد أنه أحرق هذه الكتب، هي تستحق بصراحة، كتب رديئة جداً.
نظر لي بعتاب: بدأت من الآن تتفلسف علينا، سأقرأ تلك الكتب الأخرى التي أبعدتك عنا وربما نتناقش لاحقاً أي منهم يستحق الإحراق. تعال نتمشى عائدين في الاتجاه إلى إمبابة وسأركب شيئا من هناك.

لم أتحدث مع مهاب كثيرا مع بداية العام الجديد، أخذ مسافة مريحة ولكنها ودودة كأنه يخبرني أن الباب لا يزال مفتوحاً إن أردت، كان أذكى من آخرين أزعجوني بعظات غليظة أو معاتبات لزجة أو نفور مزعج أو بمحاولات طريفة للتصرف كأني واحد منهم لا زلت، كأني سأعود إليهم بسيف الحياء.

اقتربت من دوائر أخرى من المهتمين بالأدب والفن، خليط من الموهوبين والمخلصين ومحبي الظهور والمهرجين والمتسلقين والمتملقين. حافظت على مسافة ودودة وحذرة معهم. سمر كانت أكثرهم وداً. أعددت وحدي مجلة صغيرة وطبعتها ووزعتها. قالت لي سمر أنها أحبتها بشدة، رغم أن بعض الأفكار فيها غريبة. كدت أقع في غرام سمر لولا أني كنت بالفعل واقعاً في غرام زميلتي الأخرى التي قالت لي أنها لم تفهم شيئا من المجلة. سألتني سمر إن كنت أكتب للمسرح فقلت لا، فسألتني إن كنت أفكر في ذلك، فقلت لا أدري، ربما. قال لي مهاب أن المجلة لم ترق له في المجمل، لكنها لا تخلو من أفكار مستفزة ولا تستحق الإحراق بالتأكيد. سألني عن ردود الأفعال، قلت له أن هناك قارئة وحيدة عبرت عن إعجابها، فقال ضاحكا: سنفرح بكم قريباً؟

قضيت تلك السنة أنسج بدايات روابط واهية مع مجموعات وأفراد متناثرين، أذهب إلى ندوات ولقاءات في أحزاب ومراكز ثقافية وأستمع معظم الوقت ونادرا ما أتحدث. الروابط الأوثق كانت تتشكل عبر القراءة، أراسل بعض الصحف والمجلات فينشر بعضها مقالاتي مختصرة ومحررة بشكل مزعج في بريد القراء، مصبوبة في قالب يناسب خطتهم ويظهر فيها صوتهم أكثر من صوتي. في السنتين السابقتين كنت وسط شبكة ممتدة ومنظمة من الناس والأنشطة، تعلمت كثيراً وانزعجت كثيراً، كنت محظوظاً بوجود مهاب، لم يكن الوحيد بهذا الذكاء واللطف، لكن لم يكن أغلبهم مثله. كان اختلافي عنهم ظاهراً، لكنه أفسح لي الطريق ودافع عني وهو ينتقدني ويناقشني، كان عملياً وثابتاً ولا يبدو متحيراً، ولكنه ليس متصلباً ولا متشنجاً، كان الاختلاف معه سجالاً محفزاً والصدام معه كان آمناً، كأننا في لعبة أو مباراة، نلعبها بكل جدية ولكن بلا ضغائن.

بعد أيام من اعتصام مبنى الإدارة التقيته. كان متوتراً وكنت غاضباً. قبل أن أبدأ حديثي اعتذر، ولم يبتسم. قال إن حقي على رأسه وأن هناك خطأ حدث وهو يتحمل مسؤوليته. أدرج زميل اسمي ضمن الأسماء التي تنتمي لهم وتم شطبها ورفض ترشحها للانتخابات، ربما لأن اسمي مألوف لديه، أو لأنني الوحيد من خارجهم الذي ترشح مستقلاً وتم شطبه، وتقدم محاميهم بدعوى نيابة عن هذه القائمة من الطلاب ضد إدارة الكلية أمام القضاء الإداري للطعن على قرار شطب أسمائهم وحرمانهم من الترشح.
لم يسأل القاضي المحامي عن كل توكيلات الطلاب المدعين، كان قاضياً متعاطفاً مع حرية النشاط الطلابي، فحكم لصالح أحقية كل الطلبة المشطوبين في الترشح، وقضى بشكل عاجل بوقف أي إجراءات تخص اتحاد الطلاب لحين إدراج أسمائهم.

إدارة الكلية لم تستسلم، ولأول مرة اتصلت بمنازل كل الطلاب المدعين وأخبرت عائلاتهم بما يحدث، وهددتهم بإن لم يتنازل أبنائهم عن الحق في الترشح فإن جهات أخرى ستتدخل، كما أن هناك عقوبات ربما تصل إلى الفصل التام من الكلية بتهمة إثارة الشغب واحتجاز عميد الكلية في مكتبه، وربما يتطور الأمر إلى محاسبة جنائية أيضاً.
قال مهاب أن الخطة الآن هي انسحاب كل الطلاب وسحب الترشح، لأن الأمر فيما يبدو قرار سياسي أكبر منا بإنهاء دور اتحاد الطلبة تماما هذه السنة وضرورة أن يكون تابعا بشكل كامل للإدارة، أضاف فيما يشبه العتاب أنه كان يتوقع مني أن أستشيره في قرار ترشحي مستقلاً لأن في الأمر مخاطرة، في العادة يخططون جيداً لتكون الأسماء التي ستترشح هي من الأسماء المعروفة مسبقاً ولا مشكلة لديها في مثل هذه المواجهات، ولو أني استشرته ونسقت معه لكان حذرني من مخاطر الأمر.
قلت له بحدة أن هذا قراري ولا دخل له فيه وأنني ترشحت مستقلاً وأن سبب المشكلة الآن هي خطأهم هم. احمر وجهه واعتذر ثانية وقال لي أني محق في غضبي وأنه يتحمل مسئولية هذا الخطأ، وأخطاء أخرى أيضاً. لم أسأله لكنه واصل اعترافه: طالبان آخران ترشحا بتنسيق معه وكان تقديره أن المناخ ملائم كما كان في السنين الماضية ولا مشكلة في ترشحهم بينما لا يزالوا هم في بداية نشاطهم ولم يتوقع أن يصل الأمر لإثارة الاضطراب مع عائلاتهم، ولكن الآن عمت الفوضى، وربما يضطر هذان الطالبان للخضوع لاستجواب أمني لأول مرة بالنسبة لهما، وهو الآن لا يسامح نفسه على ما يحدث.

كان يشيح بوجهه المحمر يخفي عينيه المحمرتين. ثم حاول التماسك واعتذر مرة أخرى وقال أنه يفعل كل ما بوسعه للتفاوض مع الإدارة بإجراء عملية سحب الترشح بشكل لائق وغير مهين للطلاب وأنه طلب منهم أن يجمع هو بنفسه توقيعاتهم على سحب الترشح بدلاً من اضطرارهم إلى الخضوع مع أولياء أمورهم إلى مقابلة مع الوكيل أو العميد.
قلت له أنني في الغالب لن أكون جزءاً من ذلك، لأن ذلك يعني أني أنسق معكم وأنني ما زلت تحت «قيادتك الحكيمة». واستأذنته أن أذهب لألتحق بمحاضرة.

قبل أن ألتفت كان مهاب قد بدأ في البكاء، وسالت دموعه أمامي وحاول إخفاءها بكفيه، لكنه استسلم وترك صوت بكائه يعلو. وقفت مرتبكاً ثم تشجعت ووضعت يدي على كتفه وشددت قبضتي عليها واعتذرت. شعرت أن ذلك ليس كافياً فاحتضنته وربتت عليه. كنا واقفين بجوار السلالم الصاعدة إلى مدخل إحدى المباني فقلت له أن يجلس ويستريح. جلس ومسح دموعه ثم قال ساخراً وهو يستعيد ابتسامته: القيادة الحكيمة تبكي.
كنت أود أن أقول له كلاماً عاطفياً عن مدى حبي له وأن أبالغ وأقول له أنه أفضل قائد قابلته في حياتي، ولكن كلامي كان سيبدو مبتذلاً وهي تجربتي الأولى من هذا النوع، ولأني أقارنه بمدربي النوادي الرياضية أو معلمي المدارس، لا يبدو ذلك هيناً ولكنه لا يبدو مناسباً، كنت أفكر أن أقول له أنني أرغب في البكاء منذ أيام ولكن لا أمتلك هذه الشجاعة. ولكن لم أقل شيئاً من ذلك، فقط قلت له تعال نتمشى ونشرب شاي من أم حفني.

مسح دموعه وأخرج مفكرته التي ينقش فيها دائماً رموزاً غير مفهومة ليتذكر مهامه، قلّب أوراقها ونظر فيها وقال لي أنه لا يستطيع الآن ثم قال: القيادة الحكيمة يجب أن ترتب بعض الأمور قبل أن تنهي دورها وتستريح. شددت على كتفه وقلت له من حسن حظي أنه كان قيادتي الحكيمة وأنني رحلت قبل أن أتورط في التعامل مع قيادات أخرى يعلم هو رأيي فيها.
شد بقبضته على كتفي وابتسم، وابتعد بخطوات أبطأ من المعتاد.

بعد أيام كنت أصعد مع أبي السلم إلى الدور الأول في مبنى الإدارة. مع درجة سلم أفكر أن أتراجع عن الاستسلام وأرفض سحب ترشحي وأفجر المقابلة التي رتبها أبي مع وكيل الكلية باستخدام وساطات رفيعة، وأن أسحب أوراقي كلها من الكلية التي لا أرغب حقا في أن أكون فيها وأن أبدأ من جديد في كلية أخرى، ولأواجه ما يجب أن أواجهه. ومع درجة سلم أخرى أفكر أنه من الأفضل أن أختبئ خلف أبي وأترك كل ذلك يمر، أثق أن أبي  سيجعله يمر كما فعل كل مرة، وفي لحظة أخرى يمكنني أن أكون بعيداً عن كل تلك التورطات وأواجه العالم كما أحب أن أواجهه.

خطوت في الغرفة خلف أبي، أتطلع إلى صورة مبارك في إطارها المذهب، المعلقة على الحائط خلف المكتب. قام الوكيل وصافح أبي باحترام، ثم مد يده إليه وهو يقول معلقاً على تحديقي في الصورة: حسني مبارك رئيس الجمهورية إذا كنت تحاول التذكر.
قهقه أبي مردداً: طبعاً طبعاً.
صافحت الوكيل وأدركت من نظرته أنه يتذكرني منذ الاعتصام، ينظر لي شذراً ولكنه يحول بصره إلى أبي ويتحدث باحترام وبابتسامة متملقة.

تحدثا قليلا عن البيه فلان، وأنه أخبر كل منهما أن الآخر شخص محترم وأن معرفة الناس كنوز وكل هذه الترهات التي جاراه فيها أبي بمهارة وانزلق منها سريعاً إلى توضيح أن هدف المقابلة تصحيح خطأ وسوء تفاهم وأنه يتفهم حال البلد وأني لا علاقة لي بهؤلاء ولكني تصرفت بعفوية وترشحت وأن اسمي تم استغلاله بالخطأ في القضية وأنني لا يمكن طبعاً أن أختصم أساتذتي في المحكمة ولذلك كله سأسحب ترشحي لأبتعد عن كل هذا اللغط.

اختلاط الصدق بالكذب الضروري لم يزعجني بقدر ما كان يزعجني أنه يتحدث عني، وفي الوقت نفسه أثار في نفسي الاطمئنان أن يتم تلخيص الأمر بهذه الخلطة اللزجة التي بدت لي ذات كفاءة عالية للخروج من هذا المأزق بأقل قدر من المواجهة.
صدّق الوكيل على كلام أبي فيما بينهما ولكنه التفت إلي بنظرته المتهمة التي تقول أنني أعرف أنه يعرف. ثم واصل حديثه مع أبي: طبعا يا بيه أولاد الناس المحترمين لا يجب أن يتورطوا في مثل هذه الأمور وأننا نحرص على مستقبلهم وألا يتورطوا مع أولئك الناس الذين يستغلون الطلاب لأغراضهم السياسية. اعتدل في مقعده وأكمل: تخيل يا باشمهندس أنهم اعتصموا منذ أيام وأغلقوا الممر بالكامل ولم يكن هناك طريقة للخروج من مكاتبنا إلا أن ندوس على أجسادهم المكومة على الأرض، تخيل!
هز أبي رأسه وقال: لا يصح طبعاً!
أكمل الوكيل: وكلهم جالسون على الأرض ينتظرون إشارة من زعيمهم إذا قال لهم اجلسوا يجلسون وإن قال لهم قفوا يقفون، كأنهم إمعات بلا شخصية.
ونظر لي وهو يحوّل تعبيرات وجهه إلى الاستئساد.
سمعت نفسي وأنا أقول له: هل هم حقا الإمعات بلا شخصية الذين ينفذون الأوامر مهما كانت؟
حدّق بي الوكيل وقال منفعلاً: ماذا تقصد؟
ارتبك أبي ونظر لي ممتقعاً، ثم ضحك وحاول أن يؤول كلامي لنعود إلى الخلطة اللزجة: يا سيادة الوكيل هم زملائه في النهاية ويدافع عنهم، وكلهم أولاد ناس طيبين ويحتاجون منكم التفهم والاحتواء.

عاد الوكيل ببصره إلى أبي وهو يستعيد هدوءه: طبعا كلهم أولاد ناس طيبين ولكن المشكلة أنهم يتركون أولادهم يقعون تحت سيطرة أناس غير طيبين.
قاطعه أبي: هم الآن رجال ويجربون ويخطئون، الآن دوركم كرجال للدولة وأساتذة في الجامعة أن تكونوا مثل آبائهم وتكونون لهم القدوة والمثل، وتحتوونهم بالنصح والإرشاد، هل تعتقد أن العائلات ستترك أعمالها وتذهب مع أولادها إلى الجامعة لحمايتهم، أليس هذا دوركم؟ أليسوا هنا تحت قيادتكم؟
صمت الوكيل للحظة يفكر كيف يتلقى نيران أبي ثم قال: لا يا باشمهندس أختلف معك، البيت أولا يشكل شخصية الطالب، وهنا نحن نحاول ونعلن أن على أي طالب يريد ممارسة النشاط الطلابي بشكل آمن أن يقترب من المسؤولين عن إدارة رعاية الشباب ويعمل معهم لنحميهم من أولئك الآخرين، وأنا مكتبي مفتوح دائما لهم.

كدت أقول أنك تريدهم أن يكون إمعات تابعين لكم وليس لأحد آخر، ويبدو أن أبي حدس أن حماقة الوكيل تمهد لتدخلي مرة أخرى فأمرني استباقاً أن أنتظر بالخارج لكي يكمل كلامه مع الوكيل.
قمت بتثاقل وأنا أنظر شذراً إلى الوكيل وإلى صورة مبارك فوق رأسه وخرجت.
لا توجد كراس بالخارج للانتظار. نظرت إلى موضع جلوسي قبل أسبوعين وفكرت أن أجلس هناك وأنتظرهم. بدت لي الفكرة حمقاء واستعراضية. قررت أن أنزل وأنتظر أبي عند سيارته.
لم يطل انتظاري، نزل أبي غاضبا ووبخني على ما قلته وكاد يفسد كل جهوده، لولا أنه أمرني بالخروج وأنهى الأمر معه بسلام. قلت له أني لم أوقع بعد على سحب ترشحي، أشاح بيده وقال: لا يحتاجون توقيعات، كل هذا هراء، وهم مجموعة من أولاد القحاب، إمعات على رأيك.

ركبنا السيارة عائدين إلى البيت، وبدأ يسترخي ويضحك: لكن أنا سعيد أنك لم تسكت عندما حاول إهانة زملائك، لن تقول لي طبعا إن كنت قد شاركت في الاعتصام الذي يتحدث عنه أم لا، ولكن أياً كان ما فعلته أنا مطمئن أنك لن تكون تابعاً لأحد، لا تدع أحدا يكسر عينك، وفي الوقت نفسه لا تورط نفسك في معارك أكبر منك لأجل أحد. تفهمني؟
رغم أن هذا كان ما فعلته بالتحديد، إلا أني هززت رأسي بشكل آلي لكي تبدو موافقتي بلا معنى.

كان يختلس النظر إليّ وهو يقود السيارة كأنه يحاول أن يكتشف شيئا ثم قال: طبعاً شاركت في الاعتصام، لا أتوقع أنك كنت ستسكت على شطب اسمك واسم زملائك حتى لو لم تكن منهم، وهذا العرص كان يحاول إهانتك أمامي، لقد طلبت منك الخروج لكي أرد عليه على راحتي بعيدا عن وجودك، قلت له حتى لو أنك كنت منهم فأنت رجل الآن وهذا خيارك ودافعت عنه وعن حقك ولكن ظروف البلد ستضعك تحت ضغط أكبر منك ويبدو أن زمن الأساتذة الذين يدافعون عن طلابهم حتى لو أخطأوا راح وأصبح الأساتذة يرتعبون من مكالمة من هذا أو تعليمات من ذاك، قلت له أنا أيضاً مدير في شركة قطاع عام وتأتيني المكالمات ولكن أتعامل معها ولا أحد يجرؤ على أن يعطيني تعليمات من هذا النوع، أدافع عن الموظفين والعمال حتى لو كانوا مجرمين وأتأكد أنهم يعاملون بأقصى رأفة، كنت أود أن ترى وجهه مسوداً ولا يجرؤ على النظر في عيني، قال لي وعينه في الأرض أن أعتبر الأمر منتهياً، وأنه سيبعد اسمك فوراً عن هذا الأمر كله.

سكت أبي قليلا ثم صاح بأعلى صوته غاضباً: يقول على ابني إمعة أمامي! من أجلك فقط لم أمسح بكرامته البلاط أكثر من ذلك.

نظر لي حتى رأي ابتسامتي الواسعة فعاد إلى الابتسام. مرت السيارة بجوار نصبة شاي أم حفني في طريقنا إلى إمبابة، وفكرت أن أقول لأبي أن ننزل لنشرب شاياً عندها وأصارحه بكل شيء.

في الأيام التالية كنت أبحث عن مهاب ولا أجده، عرفت أنه تم اعتقاله، سألت إن كان قد حدث شيء لباقي المرشحين، نظر لي من أبلغني شذراً، خمن أني أطمئن على نفسي، قال لي: اطمئن، ألم توقع على انسحابك؟

قلت له أني لم أوقع شيئاً.

ذهبت إلى مقر اتحاد الطلاب، كان التشكيل القديم للاتحاد لا زال يمارس عمله، ولم يتسلم التشكيل الجديد المقر بعد. شاركت في كتابة ملصق يندد باعتقال مهاب، رئيس اتحاد طلاب الكلية حتى الآن. طُبع سريعاً وشاركت في لصقه على الأشجار وعلى مداخل المباني. تحمس السعاة والفراشين لمساعدتنا. عندما عرفوا كانوا غاضبين لأجل مهاب. السنة الماضية أصر مهاب على تنظيم حملة لإلغاء قرار العميد بمنع السعاة والفراشين من بيع المأكولات والمشروبات للطلاب في المطابخ الصغيرة الملحقة بكل قسم، وأن يقتصر عملهم على إعداد القهوة والشاي لأعضاء هيئة التدريس. كان ذلك متزامناً مع تأجير مساحات من ساحات الكلية كمقار لفروع سلاسل مقاهِ ومطاعم وجبات سريعة. مئات التوقيعات جُمعت ومسيرة كبيرة انضم لها مئات الطلاب، كانت أكبر من أي مسيرة لمناصرة فلسطين أو ضد الحرب على العراق، حاوطت المبنى الإداري لنصف الساعة وسُلمت للعميد قائمة التوقيعات فتراجع عن قراره بعدها بأيام، وسمينا ذلك «موقعة الساندوتشات». صنع لي عم حسن، فراش القسم، شاياً مجانياً لأنه شاهدني في الموقعة، ولكن أصررت أن يأخذ ثمن ساندوتش الحلاوة الطحينية.

احتلت صورة مهاب كل مطابخ الأقسام وصار حديث أوقات الراحة بين المحاضرات. طلبت سمر وهي تراني أثبت الملصق بجوار قاعة المحاضرات أن نتحدث قليلاً. قالت لي أنها تعتذر عن تكذيبها لي، ورغم أنها تراني الآن ألصق صور مهاب ولا تدري إن كنت قد عدت إليهم أو لا، ولكن في النهاية هو زميلنا وهي وبعض رفاقها من أعضاء التشكيل الجديد توجهوا للعميد وأعلنوا انسحابهم احتجاجاً على اعتقال رئيس التشكيل القديم للاتحاد، ولكنه طمأنهم أنه أجرى اتصالاته وتوّسط بنفسه لإطلاق سراح مهاب لأن الأمر يمس كرامته كعميد للكلية ولأن كل طالب في الكلية هو بمثابة ابن له مهما كانت أفكاره وتوجهاته وأن الأمر مسألة أيام وسيعود مهاب.
كدت أشكك في كلامها وكلامه، لكنها واصلت أنها تدري جيداً أن ما يحدث ليس مثالياً أبداً، ولكنها كما تكره أن تكون تابعة للعميد وللإدارة فإنها لن تكون تابعة لمهاب ورفاقه، قالت أنهم عرضوا عليها أن تترشح على قوائمهم ولكنها رفضت أن تكون وردة تزين جيب قميصهم، أن تكون تفصيلة تكمل صورتهم كقادة لكل الطلاب، يتسامحون مع المختلفين معهم ويحتوونهم، هم أيضا لديهم كبارهم، مثل العميد والوكيل، ليسوا مستقلين، والمجموعات الطلابية الصغيرة لا تقوى على منافسة هؤلاء أو أولئك، ومهما كانت جهودهم فلن تقوى على مواجهة كتلتين كبيرتين لديهما قوتهما خارج أسوار هذه الكلية.

أنهت كلامها قائلة بشكل مسرحي أن أفكر في كلامها جيداً، وأخذت من يدي بعض الملصقات وقالت أنها ستعلقها بنفسها أمام قاعة المسرح وربما تدعو، بصفتها عضو التشكيل الجديد لاتحاد الطلاب، إلى اعتصام آخر في الممر أمام مكتبي العميد والوكيل إن لم يعد مهاب بعد أيام كما وعدوا.

عاد مهاب بعد أسبوع، بكدمة واضحة تحت عينه اليسرى. أول ما رأيته كان يزيل الملصق الذي يحمل صورته وعيونه دامعة من التأثر وسط حشد من زملائه يحتضنونه ويقبلونه وهو يضحك ويقول: الله يخرب بيوتكم! سيظنون الآن أني سأترشح لرئاسة الجمهورية.
اقتربت من الحشد، كان يطوي الملصق ويضعه في حقيبته، سألته إن كان سيعلّقه على حائط غرفته للذكرى. احتضنني وقال إنه إذا تمكن من أن يعود إلى غرفته سيفعل ذلك، وسألني كيف سارت الأمور معي. قلت أن كل شيء على ما يرام بفضل «القيادة الحكيمة» هنا، وأشرت إليه، و«القيادة الحكيمة» التي في البيت. أشرت إلى وجهه أسأله إن كان ذلك كل ما حدث. ضحك وقال لي لا تظلمهم، كانوا مهذبين ولطفاء وأبلغوني بكل ود أن عهد فوزنا باتحادات الطلاب انتهى وأي محاولة أخرى ستواجه بحسم وهذه المرة سيكتفون باستضافتي أسبوع على سبيل الذكرى، أما هذه الكدمة فهي من صنع «القيادة الحكيمة» في البيت.

عندما سمع مهاب الطرق العنيف على باب البيت، عرف أنهم جاءوا إليه، قام مسرعاً ليفتح لهم ويذهب معهم، ولكن أباه، الذي عرف أيضا أنهما جاءوا إليه، لحقه قبل أن يفتح الباب وقال له أن يختبيء بالداخل وهو سيتعامل معهم ويحاول أن يخبرهم أنه ليس هنا، ولكن مهاب رفض أن يعرض أباه لإهانتهم، فانهال عليه أبوه بالصفعات واللكمات صارخا: إذا كنت فعلاً ترفض أن يحدث لنا هذا فلماذا لا تبتعد عن هؤلاء الذين جلبوه لك ولنا.
واستيقظت أمه وفتحت الباب مذعورة لكي لا يوقظ الطرق والصياح بالخارج الجيران، ودخل من جاءوا لاعتقاله، وهم من خلصوه من قبضة أبيه. ضحك مهاب وقال أن الضابط ومعاونيه كانوا يهدئون أبيه الذي كان ثائراً ويطمئنونه أنها كالعادة مسألة أيام وليست المرة الأولى التي يأخذونه فيها، كان الوضع غريباً لدرجة أن أمه شعرت أنها يجب أن تعد لهم بعض الشاي فكان مهاب يضحك وهو ينزل معهم وسط لعنات أبيه الثائر ودعوات أمه المرتبكة.

توجهنا معاً إلى مقر الاتحاد وبدأ مهاب ورفاقه يجمعون أغراضهم من هناك، كانوا ينظرون إليّ وإلى مهاب يحاولون تخمين موقعي بينهم أو خارجهم. أخرج مهاب من إحدى الأدراج ورقة وقال أنهم لم يمهلوه حتى لتسليم توقيعات انسحاب المرشحين المشطوبين إلى إدارة الكلية لكي يقدمها محاميهم وتنتهي القضية، طلبت منه أن أرى الورقة وأخرجت قلماً وأضفت توقيعي إليه. وجهت كلامي إليهم، ولمهاب أيضا، أن ذلك لا يعني أبعد مما هو عليه، وشددت على كتف مهاب كما يحب أن يفعل.
ابتسم لي بامتنان. كان يلملم آخر أشيائه وابتسامته تتسع ويمزح مع الجميع كأننا ذاهبون إلى نزهة. أغلق باب المقر وقال للمفتاح وداعاً وسلمه إلى آخر ليسلمه إلى أصحابه الجدد، وتوجهنا معاً لتسليم ورقة انسحابنا.