تعرضت شبكات النقل التي تعبر الأراضي والأجواء والمياه الإقليمية السورية إلى توقف شبه كامل منذ 2011، بما يشمل عمليات الترانزيت الجوي (عبور الطائرات المدنية)، والترانزيت البري الذي يعتمد شبكة الطرقات السورية التي تشكّل جزءاً من شبكة الربط التجاري الإقليمية مع تركيا والأردن والعراق. كما طال أيضاً شبكات نقل الطاقة التي تمر عبر الأراضي السورية  بمختلف أنواعها، ومنها توقف شبكة الربط الكهربائي مع تركيا والأردن. ومع أن كبرى مشاريع نقل الغاز والنفط التي تمر عبر سوريا توقفت قبل 2011 (مثل خط نفط كركوك بانياس الذي توقف عن العمل عام 2003 بعد الغزو الأميركي للعراق، وقبله خط التابلاين من السعودية إلى لبنان الذي توقف بعد الاحتلال الإسرائيلي لهضبة الجولان 1967)، إلا أن الحرب السورية عطّلت كلياً الإمكانيات التي يتيحها موقع البلد الجغرافي على صعيد مشاريع خطوط نقل النفط والغاز.

ويعمل النظام السوري اليوم على تأمين العمق الجغرافي اللازم لمرور بعض المشاريع، مثل مشروع «خط الغاز العربي» الذي أُعيدَ إحياؤه مؤخراً في شهر آب (أغسطس) من العام الجاري 2021، والذي اكتملت سيطرة النظام على مساره داخل الأراضي السورية بإتمام سيطرته على مدينة درعا في أيلول (سبتمبر) الماضي، وهي التي تشكل نقطة بداية المشروع داخل سوريا. لكن رغم ذلك، فإن الظروف الراهنة تدفع نظرياً إلى الافتراض بأن النظام ليس قادراً فعلاً على الانخراط في مشاريع كهذه أو الاستفادة منها، وذلك نتيجة العقوبات الغربية المفروضة عليه والحالة الاقتصادية المتردية لمؤسساته.

ولكن ما هي الظروف الإقليمية والدولية التي هيأت لعودة خط الغاز العربي في سوريا؟

يمكن تلخيص هذه الظروف في أن هناك دولاً إقليمية لديها احتياطيات كبيرة من الغاز تزيد عن حاجتها للاستهلاك، وتريد تصديرها عبر شبكات نقل إلى الدول المستهلكة. وتشكل سوريا ممراً مهماً لبعض هذه الشبكات، في مشهد لا يغيب عنه تنافس الشركات الكبرى العاملة في مجال الطاقة وتنافس الدول التي تتبع لها. وفي ظل هذا التنافس، تنجح بعض مشاريع نقل الطاقة ويفشل بعضها الآخر.

واقع احتياطيات الطاقة في الحوض الشرقي للبحر المتوسط

تم اكتشاف الغاز الطبيعي لأول مرة في شرق البحر المتوسط في أوائل السبعينيات، وتُقدِّرُ هيئة المسح الجيولوجي الأميركية أن هناك ما يصل إلى 122 تريليون قدم مكعب من الغاز، بالإضافة إلى 1.7 مليار برميل من النفط، في حوض شرق المتوسط.

سوريا

تُقسَم المنطقة الاقتصادية الخالصة السوريةالمنطقة الاقتصادية الخالصة: هي المنطقة البحرية التي تمارس عليها الدولة حقوقاً خاصة في استغلال واستخدام الموارد تحددها اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار، وهي تختلف عن «المياه الإقليمية». في البحر المتوسط إلى أربعة بلوكات رئيسية وفق مخططات وزارة النفط والثروة المعدنية السورية، ورغم كل عقود المسح التي أبرمتها الحكومة السورية مع شركات بحث سيزمي،البحث السيزمي: عملية لتحديد التكوين الجيولوجي تحت سطح الأرض، وذلك من خلال جهاز يقوم بإصدار موجات صوتية إلى باطن الأرض للبحث عن التجاويف الصخرية وما تحويه من مكامن نفطية أو غاز، والتأكد من وجودها. ويُستخدم المسح السيزمي ثلاثي الأبعاد للبحث عن مكامن النفط والغاز وتحديد امتدادها. إلا أنه لا توجد أرقام دقيقة مُعلنة لكميات النفط والغاز السوري في البحر المتوسط.

تسيطر شركات روسية على واقع الاستثمار في المنطقة الاقتصادية الخالصة السورية، وذلك بعقود وصلت مدتها إلى 25 سنة لكل من شركة إيست ميد عمريت التي وقَّعت عقدها مع وزارة النفط والثروة المعدنية السورية عام 2013 للتنقيب في البلوك رقم 2 مقابل ساحل محافظة اللاذقية، وشركة كابيتال ليميتد التي وقّعت عقدها عام 2021 لتقوم بعمليات المسح والتنقيب في البلوك رقم 1 مقابل ساحل محافظ طرطوس.

لبنان

تُقسم المنطقة الاقتصادية الخالصة التابعة للبنان إلى تسعة بلوكات. وكشف مسح سيزمي أُجري مؤخراً في البلوكات الجنوبية، غير المتنازع على ترسيم حدودها مع إسرائيل، عن وجود 12 تريليون قدم مكعب من الغاز. وقد حصلت شركات متعددة الجنسيات على عقود مسح وتنقيب، منها توتال الفرنسية وإيني الإيطالية ونوفاتيك الروسية، فيما لم يجرِ حتى الآن إنتاج أي كمية من الغاز اللبناني.

يشهد لبنان مفاوضات ترسيم حدود بحرية مع إسرائيل، ويطمع بدور روسي (بحكم وجود القوات الروسية في سوريا) لترسيمها مع سوريا.

مناطق السلطة الفلسطينية

تحتوي المياه التابعة للسلطة الفلسطينية قبال مدينة غزة حقلين للغاز (غزة مارين 1) و(غزة مارين 2)، كانت قد كشفت عنهما شركة التنقيب البريطانية BG Group أواخر التسعينيات، وتُقدَّر كمية الغاز فيهما بـ 1.4 تريليون قدم مكعب. وقد جرت محاولات عديدة لتشغيل الحقلين، آخرها مع شركة غاز بروم الروسية، لكنها فشلت بسبب الرفض الإسرائيلي.

مناطق السيطرة الإسرائيلية

كان اكتشاف إسرائيل لحقل تامار البحري في العام 2009 (تشغله حالياً شركة شيفرون الأميركية) هو الذي نبَّه دول الحوض الشرقي للمتوسط إلى مدى انتشار الغاز الطبيعي في مناطقها الاقتصادية الخالصة، وقد تبعه في العام 2010 اكتشاف حقل ليفياثان قبالة الشواطئ التي تسيطر عليها إسرائيل، وحقل أفروديت قبالة شاطئ قبرص. وبهدف استغلال هذه الإمكانات، تم طرح عدد من خيارات التصدير، بدءاً من خطوط الأنابيب البحرية (أحدهما إلى اليونان والآخر إلى تركيا) وصولاً إلى مصانع إسالة الغاز الطبيعيإسالة الغاز الطبيعي: تحويل الغاز الطبيعي إلى الحالة السائلة لتقليل كلفة نقله، إذ يأخذ الغاز في حالته السائلة حجماً أقل بـ 600 مرة من الحالة الغازية. (في قبرص وإسرائيل ومصر). وقد اتسمت تلك السنوات بتوقعات كبيرة، حيث تم الترويج لاكتشافات الغاز الجديدة كأداة لتعزيز حقبة جديدة من الاستقرار الاقتصادي والسياسي في المنطقة. لكن التوقعات العالية الأولية تراجعت في إسرائيل، إذ ساهم النقاش السياسي الإسرائيلي الداخلي الطويل حول إدارة موارد الغاز (تصديرها أم استعمالها محلياً) في تأخير قرارات الاستثمار الرئيسية.

مصر ونقطة تحول مشاريع الطاقة

مثّلَ العام 2015 نقطة تحول، حين اكتشفت شركة إيني الإيطالية حقل ظهر للغاز قبالة الشاطئ المصري، وهو أكبر اكتشاف للغاز على الإطلاق في البحر المتوسط. بدأ إنتاج الغاز في هذا الحقل في كانون الأول (ديسمبر) 2017، ما سمح لمصر باستعادة اكتفائها الذاتي من الغاز. وشهدت مصر بعدها مرحلة جديدة من أنشطة الاستكشاف في المياه البحرية، ما أدى إلى اكتشاف حقول أخرى وسمح لها باستئناف صادراتها من الغاز، لا سيما إلى الأردن.

تتجاوز أهمية حقل ظهر وغيره من الحقول البحرية حدود مصر، حيث أن القرب الجغرافي من الحقول الأخرى قبالة شواطئ إسرائيل وقبرص يمكن أن يؤدي إلى إنشاء بنية تحتية إقليمية لتصدير الغاز بالاستعانة بإمكانيات مصر التصديرية عن طريق إسالة الغاز في منشآتها المحلية أو تصديره عبر شبكة الخطوط البرية الى الأردن ومنها إلى مستهلكين إقليميين محتملين.

في غضون ذلك، بدأت إسرائيل في كانون الثاني 2020 تصدير غازها إلى مصر عبر خط أنابيب عسقلان العريش. يهدف هذا الغاز في المقام الأول إلى تغذية السوق المحلي في مصر، لكنه يغذي أيضاً صادرات الغاز الطبيعي المُسال والجاف.

يشكل تعثر مشروع نقل الطاقة خط أنابيب إيسدمدخط إيسدمد أو EastMed هو خط أنابيب تم التخطيط له بحيث ينقل 10 مليارات متر مكعب سنويًا من الغاز، من حقول غاز شرق البحر الأبيض المتوسط إلى اليونان، ثم إيطاليا. يبلغ طوله حوالي 1900 كيلومتر، ويصل إلى أعماق تقرب من 3 كيلومترات، وسيكون أطول وأعمق خط أنابيب تحت سطح البحر في العالم. التكلفة المقدرة تتجاوز 6 مليار يورو. في يناير 2020، وقعت إسرائيل وقبرص واليونان اتفاقية حكومية دولية تنص على التزام الدول الثلاث بتأسيس مشروع EastMed. بغياب إيطاليا، حيث تبدو الحكومة الإيطالية متشككة بشأن الجدوى الاقتصادية والبيئية للمشروع. على أي حال، يجب أن يثبت مشروع خط الأنابيب أنه يمكنه جذب رأس المال اللازم لبنائه وأن يكون مستدامًا اقتصاديًا مع الأخذ في الاعتبار أيضًا أنه لا يمكن الحصول على تمويل من مؤسسات الاتحاد الأوروبي بعد الآن. على الرغم من أنه في عام 2015، تم إدراج المشروع في قائمة الاتحاد الأوروبي للمشاريع ذات الاهتمام المشترك (والتي قام الاتحاد الأوروبي بموجبها بتمويل دراسات جدوى المشروع)، ولكن الوضع اليوم مختلف. في ظل التوجه الأوروبي لاعتماد مصادر طاقة بيئية، لم يعد هناك مجال للدعم العام لمشاريع الوقود الأحفوري في أوروبا. أيضاً، يجب أن يثبت مشروع خط الأنابيب قدرته على المنافسة مقابل مصادر الغاز الأخرى إلى أوروبا، وخاصةً الإمدادات الروسية. أحد أهم الأسباب التي دفعت الدول المنتجة للغاز في المنطقة إلى البحث عن تفعيل عاجل لخطط مشاريع النقل إلى الأسواق القريبة، وتفعيل شبكة الأنابيب المصرية ومنشآتها لإسالة الغاز بهدف تصديره إلى أسواق بعيدة مثل الأسواق الآسيوية. يرجع تعثّر المشروع بشكل أساسي إلى عدم الثقة في الجدوى الاقتصادية المحتملة له، ولكن يمكن إرجاعه أيضاً إلى السياسات التركية في مياه البحر المتوسط، ومُحاولتها قطع الطريق أمام المشروع الذي يتجاهلها من خلال عقد اتفاقية ترسيم حدود بحرية مع ليبيا بعد تدخلها العسكري هناك إلى جانب حكومة الوفاق المعترف بها دولياً كحكومة شرعية. ومع ذلك، من المرجح أن العوامل الاقتصادية والتجارية هي العائق الرئيسي أمام تنفيذ مشروع إيسدمد، وليس تركيا. وقد تنتهي خطوة ترسيم الحدود البحرية التركية مع ليبيا ببساطة إلى أن تكون محاولة غير فعّالة من قبل تركيا للتأثير على ديناميكيات الغاز الإقليمية.

بشكل عام، فإن خطة إنشاء سوق غاز شرق البحر المتوسط، استناداً إلى البنية التحتية الحالية للغاز الطبيعي المُسال في مصر وشبكة الأنابيب البرية التي تنطلق منها إلى دول الجوار، تبدو وكأنها المسار الأكثر منطقية لاستثمار الغاز في المنطقة، لأنها ستقدم فوائد اقتصادية وتجارية لجميع اللاعبين الإقليميين المعنيين. من شأن مثل هذا النهج أيضاً أن يوفر لمورديّ الغاز في شرق البحر المتوسط مرونةً فيما يتعلق بالتعامل مع الأسواق المستهلكة للغاز في المستقبل، وهو أمر أساسي بالنظر إلى الدور غير المؤكد للغاز في نظام استهلاك الطاقة البيئي في الاتحاد الأوروبي.

بناءً على ما سبق، يُعَدُّ خط الغاز العربي اليوم أهم المشاريع البرية لنقل الغاز من مصر إلى دول المنطقة.

خط الغاز العربي

خط الغاز العربي هو مشروع لنقل الغاز تم إنجازه جزئياً من مصر حتى سوريا مروراً بالأراضي الأردنية، وذلك على عد مراحل:

المرحلة الأولى بين العريش في مصر والعقبة في الأردن، وتم إنجازها عام 2003.

المرحلة الثانية داخل الأردن بين العقبة ومحطة الرحاب لتوليد الطاقة الكهربائية، وتم إنجازها عام 2005.

المرحلة الثالثة بين محطة الرحاب في الأردن ومحطة الريان في حمص، وتم إنجازها عام 2008.

المرحلة الرابعة داخل سوريا بين محطة الريان في حمص ومحطة الدبوسية على الحدود السورية اللبنانية، وتم إنجازها عام 2009

المرحلة الخامسة من الشبكة الداخلية لسوريا إلى كِلّس في تركيا، ولم يتم إنجازها.

استمرّ تشغيل الخط داخل الأراضي السورية وإلى لبنان بين عامي 2009 و2012، ثم توقف تصدير الغاز المصري إلى سوريا تماماً بعد سلسلة عمليات تفجير طالت الخط في سيناء. لكن العامل الحاسم في توقف الخط كان تناقص الإنتاج المصري من الغاز المتاح للتصدير، وخصوصاً بعد نمو الاستهلاك المحلي وانخفاض إنتاج الحقول المصرية إلى الحدّ الذي تحولت فيه مصر من مُصدِّر للغاز إلى مستورد له من إسرائيل.

تمت إعادة إحياء خط الغاز العربي هذا العام، وتجري عمليات صيانة أنابيبه في الجزء السوري واللبناني في هذه الأيام، ليُعاد تشغيله لضخ الغاز كما كان مقرراً له من مصر إلى الأردن فَسوريا وبعدها لبنان. ومن غير المرجح أن تتوفر إمكانية متابعة طريقه إلى الأراضي التركية قريباً، بسبب واقع السيطرة العسكرية في الجزء الشمالي من الأراضي السورية، وانقطاع العلاقات السياسية بين النظام السوري وتركيا.

جغرافيا خط الغاز العربي في سوريا

يدخل خط الغاز العربي الأراضي السورية بالقرب من معبر نصيب الحدودي قادماً من الأردن، من محطة تَحكّم رحاب الأردنية (25 كم جنوب الحدود السورية)، ويتجه شمالاً ليحاذي طريق درعا دمشق، وقرب قرية بويضان (منطقة اللجاة شمال محافظة درعا) يتفرع عنه الأنبوب المغذي لمحطة دير علي على بعد 12 كم. ثم يتابع طريقه شمالاً ليتفرّع عنه من جديد الأنبوب المغذي لمحطة تشرين شرقي دمشق على بعد 5 كم من الخط الرئيسي، ثم يتابع طريقه ليصل شمالاً إلى محطة توزيع وتخزين الضمير، وبعدها إلى محطة ضخ وتوزيع الريّان.

يقطع خط الغاز العربي مسافة 320 كم داخل الأراضي السورية من الحدود السورية الأردنية حتى محط ضخ الريان في ريف حمص الشرقي بقطر 36 بوصة (حوالي 90 سم)، ثم يمتد لـ 65 كم بقطر 24 بوصة (حوالي 60 سم) من محطة الريان إلى محطة الدبوسية على الحدود اللبنانية السورية.

لا ينفصل خط الغاز العربي في قسمه الممتد داخل الأراضي السورية عن الشبكة الداخلية السورية لنقل الغاز، بل يُشكِّلُ جزءاً منها. وكان عند تشغيله يضخ الغاز القادم من الأردن جنوباً إلى محطات توليد الطاقة الكهربائية الداخلية في دير علي وتشرين، فمحطة الناصرية في القلمون الشرقي، وعندما يصل محطة ضخ وتوزيع الريان شرقي حمص يتفرع عنه ثلاثة أنابيب: يتجه الأول جنوباً لتغذية محطة جندر لإنتاج الطاقة الكهربائية والمدينة الصناعية في حسياء في الريف الجنوبي لحمص، ويتجه الثاني غرباً باتجاه الحدود السورية اللبنانية ليغذي في طريقه محطة قطينة لإنتاج الطاقة الكهربائية، ثم قبل أن ينتهي إلى محطة توزيع غاز الدبوسية على الحدود اللبنانية، يتفرع عنه أنبوب يتجه شمالاً لتغذية محطة بانياس لإنتاج الطاقة الكهربائية، أما الفرع الثالث فيتجه شمالاً لتغذية محطة الزارة.

عند توقفه عن العمل، تمت إعادة تهيئته ليُستعمَل في الاتجاه المعاكس، وينقل الغاز من حقول رميلان وحقول تدمر إلى محطات توليد الطاقة الكهربائية في الأجزاء الجنوبية والغربية من سوريا، فيما استمرّ الجزء الممتد من محطة ضخ الريان في ريف حمص الشرقي إلى بانياس  الاتجاه في الاتجاه ذاته.

ثمة جزء آخر يمتدّ من محطة ضخ الريان شرقي حمص إلى المحطة الحرارية في حلب قرب كويرس، لكنه لم يدخل بعد الخدمة الفعلية. ويصل خط الغاز العربي إلى محطة حلب التي تخضع لعمليات صيانة من قبل شركة إيرانية، لكن لم يتم تفعليه سابقاً. وتتغذى تلك المحطة من حقل آراك النفطي، ولا يتوقع أن يصلها الغاز من الخط العربي في الفترة القريبة مع احتمال تزويدها بالغاز القادم من حقل توينان جنوب الرقة. من حقل الغاز إلى المحطة إلى المدينة التي تغذيها المحطة، الأفضلية لإيران في إدارة كامل العملية.

مسار ومحطات خط الغاز العربي في سوريا
مسار ومحطات خط الغاز العربي في سوريا

من أجل نسخة أكثر تفصيلاً من الخريطة، يمكن زيارة هذا الرابط. تم رسم الخريطة بتتبع دقيق لأثر الخط الظاهر على الأرض، وبالاستعانة بعمليات التوصيل بين محطات الضخ والتوزيع والمراقبة الأكثر وضوحاً.

خط الغاز مدفون بالكامل على عمق 2-3 متر تحت الأرض، ولا يظهر منه إلا محطات الضخ والمراقبة التي يحتاجها لضمان تدفق الغاز بالضغط المطلوب، بالإضافة إلى الصمامات المقطعية على طول امتداده، والتي تتلخص مهمتها في قطع الغاز عن جزء أو أجزاء من الخط عند القيام بأعمال الصيانة الدورية أو في حال تعرضه لعمل تخريبي.

الغاز الذي ينقله خط الغاز العربي من النوع الجاف وليس المُسال، وذلك لسببين أولهما أن الغاز المُسال يحتاج للحفاظ الدائم على تبريده، وهو ما لا يؤمنه خط الغاز، والثاني أن عملية إسالته تتم بتعريضه للضغط بغية تقليل حجمه بهدف تسهيل عملية نقله وتوفير كلفتها، الأمر الذي يحققه النقل عبر الأنابيب بالفعل.

تأثير خط الغاز العربي على الاقتصاد السوري

لم تُعرَف بعد تفاصيل طريقة استفادة النظام السوري من خط الغاز بشكل دقيق، لكن وبحسب تصريحات بسام طعمة، وزير النفط والثروة المعدنية في حكومة النظام، فإن النظام سيقتطع لنفسه حصة من الغاز أجراً لمرور الغاز المصري إلى لبنان عبر الأراضي السورية، وذلك ليستخدمها في تشغيل محطات توليد الطاقة الكهربائية التي تعمل بالغاز، والتي تعاني منذ سنوات من نقص الإمدادات القادمة من حقول غاز وسط سوريا (جزل، حيان، الشاعر).

كمية الغاز التي سيستفيد منها هي الأخرى غير معروفة بشكل دقيق، لكنها وفقاً لبعض التحليلات الاقتصادية لا تكفي لحل مشكلة نقص الغاز المُشغِّل لمحطات كهرباء سوريا، والأولوية هي توريد الغاز لمحطة ديرعلي المغذية لدمشق، وفي أحسن الأحوال محطة تشرين أيضاً.

نظرياً، يستطيع النظام رفع مقدار استفادته من الغاز المتدفق في الخط العربي ليسد كامل النقص، لكنه يحتاج موارد مالية كبيرة بالدولار لا يبدو قادراً على تأمينها في الوقت الحالي. وأياً كانت كمية الغاز التي سيستفيد منها النظام، فإنها ستنعكس إيجاباً على إنتاج الكهرباء والاستهلاك المنزلي للغاز، وإن أي تدفق لغاز جديد في الشبكة المحلية السورية سيخفف الضغط على الحقول السورية المغذية لمحطات شمال وغرب سوريا.

الربط الكهربائي المُرافِق لخط الغاز العربي

تترافق عملية إعادة إحياء خط الغاز العربي مع إعادة شبكة الربط الكهربائي الموجودة سلفاً بين الأردن وسوريا ولبنان إلى العمل، وذلك بعد إجراء عمليات الصيانة اللازمة في سوريا بهدف تصدير الكهرباء عبر الأراضي السورية إلى لبنان. وعلى غرار خط الغاز، سيستفيد النظام من الكهرباءللاستزادة حول واقع الكهرباء في سوريا يمكن الاطلاع على دراسة سِنان حتاحت وكرم شعّار «قطاع الكهرباء في سوريا بعد عقد من الحرب: تقييم شامل»، معهد الجامعة الأوروبية، https://bit.ly/3FH9fxs القادمة من الأردن إلى لبنان باقتطاع كهربائي يقابل أجور العبور. إن إنتاج الكهرباء في محطات التوليد في الأردن، التي تعمل بالغاز نفسه الذي يُورَّد عن طريق خط الغاز العربي، هي عملية مُكمِّلة لمشروع نقل الطاقة تستهدف سد ثغرات نقص الكهرباء التي يسببها الطلب المتزايد على الطاقة الكهربائية ونقص مشاريع توليدها، وخاصة في لبنان.

صيانة خط الغاز العربي

تعني إعادة تشغيل خط الغاز العربي الحاجة لإعادة صيانة أجزائه المتضررة بفعل الأعمال التخريبية التي طالته على طول امتداده داخل الأراضي السورية. تهيئةُ الخط ليعمل باتجاهه الأساسي هو ما تقوم به ورشات الصيانة التابعة لوزارة النفط والثروة المعدنية في حكومة النظام السوري، ويحتاج تشغيل كل من خط الغاز العربي وشبكة الربط الكهربائي المرافقة له إلى كثير من أعمال الصيانة المكلفة، وذلك لكثرة الأضرار التي لحقت بالخطوط على طول امتدادها، سواء تلك التي لحقت بالأنابيب أو محطات الضخ والتحويل والمراقبة.

وعلى نقيض الوضع الحالي لشبكة الربط الكهربائي بين سوريا والأردن ولبنان، المتوقفة كلياً بعد تعرضها لأضرار بالغة، والتي لم تتم إعادة صيانتها إلا مع إعادة تفعيل اتفاقية نقل الغاز المصري، فإن خط الغاز العربي (كجزء من الشبكة المحلية السورية) لا يزال يعمل بين محطة ديرعلي جنوب دمشق ومضخة الريان شرقي حمص (وهو الجزء الأكثر عرضة لعمليات الاستهداف لأنه متاخم في جزء كبير منه للبادية السورية مما يرفع من احتمالات تعرضه لغارات خلايا للدولة الإسلامية وغيرها)، وهو ما يزال قيد العمل أيضاً من مضخة الريان حتى محطة بانياس.

مما لا شك فيه أن تكاليف عمليات الصيانة مرتفعة، إلا أنها تتيح للنظام، بسبب رعاية الولايات المتحدة لمشروع خط الغاز العربي، استيراد مستلزمات صيانة الخطوط دون أن تعيقه العقوبات الأميركية، وربما يكون النظام قد بالغَ في مقدار كلفة الصيانة بسبب نيته شراء معدات لصيانة ما هو أكثر من خط الغاز العربي وشبكة الربط الكهربائي مع الأردن ولبنان.

موقع إسرائيل من خط الغاز العربي

يتدفق الغاز الإسرائيلي في الخط العربي للغاز عبر تصديره إلى مصر بواسطة خط عسقلان-العريش، ومن مصر يعاد ضخه باتجاه الأردن وسوريا ولبنان. وهناك طريقة أخرى لنقل الغاز من إسرائيل إلى الأردن وإشراكه في الخط العربي دون الحاجة إلى وساطة مصر، وذلك عبر خط غاز ليفياثان-محطة الخناصري.

تشكّل محطة الخناصري عقدة ربط بين خط الغاز الإسرائيلي وخط الغاز العربي، وهي تقع شمالي الأردن في محافظة المفرق على بعد 12 كم من الحدود السورية.

النظام السوري وإسرائيل وخط الغاز العربي

يحمل قبول النظام إعادة العمل بخط الغاز العربي، الذي يحمل غازاً إسرائيلياً، غايات أبعد من من دعم شبكات الطاقة المحلية، بل يتجاوزها إلى غايات أخرى سياسية لعلّها من أولويات النظام المعزول عن محيطه العربي. يريد النظام من خلال هذه الخطوة إعادة شرعنة نظامه، وإعادة إدخاله في المنظومة الإقليمية والدولية، وهذا ما يحدث فعلاً بالتدريج.

لا شيء أكثر رمزيةً من أن يدخل الغاز الإسرائيلي في الخط العربي من بوابة درعا، حيث بدأت الثورة السورية التي اتّهمها النظام على طول الخط بالعمالة لإسرائيل ومشاريعها. ورغم سعي النظام للسيطرة على كل الأرض السورية، إلا أن تزامن نقضه لاتفاق درعا 2018 وحصارها ثم السيطرة عليها مع عودة فكرة تشغيل خط الغاز العربي يُرجِّحُ أن ضمان مرور آمن لخط الغاز كان أحد أسباب العملية العسكرية الأخيرة على درعا.

يمرّ الخط بحماية جيش النظام ومطاراته العسكرية التي يحاذيها على طول امتداده، من مطار خلخلة إلى مطار الشعيرات مروراً بمطارات بلّي والسين والضمير، حتى أنه يمر في داخل إحدى نقاطه العسكرية في درعا.

يدخل خط الغاز حمص من ريفها الجنوبي ثم يتجه غرباً باتجاه الدبوسية وسط المنطقة الممتدة من القصير إلى تدمر، هذه المنطقة التي تدخَّلَ فيها حزب الله اللبناني بكل قواته لإخراج فصائل المعارضة منها، لتحقيق أهداف أبرزها تأمين شبكات التهريب التابعة له والمتصلة بالعراق عبر البادية السورية، وتأمين خطوط إمداد النظام من الغاز والنفط السوري منه، والعربي، الإيراني والإسرائيلي.

لا تسمح الأوضاع السياسية المتوترة حالياً في المنطقة بتوسع شبكة الغاز العربي لأكثر من سوريا ولبنان، لكن تظل احتمالات إشراك دول إقليمية أخرى في رفد خط الغاز قائمة، وعندها كم سيكون سريالياً أن يكتمل هذا المشروع بمشاركة أنابيب غاز قادمة من إيران، وقطر، والسعودية لتختلط بالغاز المصري والإسرائيلي في أنبوب واحد يعبر من سوريا باتجاه تركيا ثم أوروبا.

غاز وجيوسياسة

أصبحت الاكتشافات الضخمة للغاز في منطقة شرق البحر المتوسط محور تركيز ومنافسة بين القوى الدولية الكبرى، إذ يُنظر إلى المنطقة على أنها جزء أساسي من مستقبل إنتاج الغاز في العالم.

ينظر الاتحاد الأوروبي إلى غاز المتوسط كفرصة حقيقية لضمان أمن الطاقة، إذ يمكن أن يساعد في الحد من الاعتماد على الغاز الروسي على ضوء أزمة شبه جزيرة القرم. ويُفترض من دول الاتحاد أن تدعم مثلث الغاز الاستراتيجي لإسرائيل وقبرص وتركيا كخطوة أولى نحو بناء ممر للطاقة في شرق البحر المتوسط.

وعلى الرغم من المفهوم السائد بأن روسيا ليس لديها مصلحة في اكتشافات الغاز في منطقة شرق البحر المتوسط، التي تشكل مصدراً بديلاً لأوروبا يساعدها في الخلاص من الأثر السياسي للغاز الروسي، لكن ما تفعله روسيا هو السعي إلى حماية احتكارها للغاز المُصدَّر إلى أوروبا، ومن أجل ذلك تستخدم طرقاً مختلفة في استثماراتها في قطاع الغاز التي بدأت تخترق المنطقة تدريجياً. وتعتمد روسيا بشكل رئيسي على شراء أسهم في الشركات الأوروبية والعربية المُشغِّلة لحقول الغاز، ومنها عملية شراء كبيرة قامت بها شركة روسنفت الروسية لأسهم في امتياز شركة إيني الإيطالية المشغلة لحقل ظهر المصري، ومحاولاتها المستمرة للحصول على حصة من امتياز حقل ليفاثان الإسرائيلي.

كذلك دخلت الشركات الروسية مجال الاستثمار والتشغيل المباشر لحقول الغاز. في سوريا، وبفضل تدخلها العسكري إلى جانب النظام السوري، باتت تسيطر على كامل قطاع الاستثمار في الغاز البحري. وفي سوق الغاز اللبناني، تسيطر شركة نوفاتيك الروسية (قطاع خاص) على حقوق المسح والتنقيب.

كما حصلت شركة غاز بروم المملوكة للحكومة الروسية باتفاق مع الحكومة الإسرائيلية على حق تشغيل حقلي تامار وداليت لمدة 20 عاماً، وهو الاتفاق الذي لم يترجم إلى واقع بعد. ورغم كل الصعوبات التي واجهت روسيا في سوق الغاز الإسرائيلية، إلا أن محاولاتها أثمرت نسبياً في 13 حزيران (يونيو) 2016، بعد أن دعا رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو الشركات الروسية إلى الاستثمار في قطاع الغاز الإسرائيلي في البحر المتوسط خلال مؤتمر صحفي مشترك مع الرئيس فلاديمير بوتين في موسكو. قال نتنياهو وقتها: «أبوابنا مفتوحة لجميع الشركات ذات الخبرة الواسعة في تطوير الغاز، بما في ذلك الشركات الروسية بالتأكيد».

لا تتعلق الأسباب الكامنة وراء قبول إسرائيل بشركات الغاز الروسية بمسألة الطاقة فقط، بل أيضاً لها غايات سياسية وجيواستراتيجية في مقدمتها محاولة إسرائيل الاستفادة من الحماية الروسية لمنشآت استثمار الغاز والنفط التي تؤمنها علاقات روسيا بحزب الله، الذي يشكل مصدر الخطر الوحيد على مشاريع الغاز الإسرائيلية في المتوسط. وكذلك الاستثمار في علاقة الحماية الروسية للنظام السوري، بهدف ضمان توفير قناة لتصدير الغاز الإسرائيلي عبر خط الغاز العربي الذي يمرّ في جزء منه من الأراضي السورية. باختصار، تمثّلُ المشاركة الروسية الحل الأمثل لإسرائيل لضمان قبولها في نظام نقل الطاقة الإقليمي.

وإلى جانب استثمارات الشركات الروسية، يشكل التدخل العسكري الروسي لدعم النظام السوري أبرز ما قامت به روسيا لحماية مركزها كمُصدِّر رئيسي للغاز إلى أوروبا من منافسة غاز شرق المتوسط، ففي حال سقوط النظام السوري قد تصبح سوريا مهيئة سياسياً عبرنظامها الجديد لتمرير مشاريع خطوط غاز برية وبحرية إلى تركيا ومنها إلى أوروبا، تكسر حالة شبه الاحتكار الروسي لسوق الغاز الأوروبي.

بالمحصلة، لا تستطيع روسيا من موقعها في سوريا منع استثمارات الغاز في حوض شرق المتوسط، لكنها تستطيع، ربما بمساعدة تركية، التحكم في وجهتها والاستفادة من تشغيلها عبر شركاتها بما يعود عليها بالمكاسب الاقتصادية والسياسية.

ولا تلقى المساعي الروسية في المنطقة معارضةً من الولايات المتحدة، التي تتّبع سياسات توافقية عبر دعم المشاريع التعاونية لكل الأطراف في المنطقة، مع الحفاظ على أولوية استفادة حليفتها إسرائيل من مواردها الغازية، وخاصة مع الاستثمارات الكبيرة للشركات الأميركية ولا سيما «نوبل إنيرجي» في قطاع الغاز الإسرائيلي. وكذلك تتيح الولايات المتحدة المجال أمام حلفائها الآخرين (مصر والأردن) للاستفادة من شبكة الطاقة الإقليمية، التي تراعي جميع دول المنطقة ولا تتجاهل تركيا وصولاً عبرها إلى أوروبا. مروراً طبعاً بالمنطقة الأكثر حساسية، حيث تسعى الولايات المتحدة إلى توافقات مع روسيا في سوريا تضمن لها وجوداً آمناً ومربحاً يؤمّنُ في النهاية حماية إسرائيل ومشاركتها في شبكة الطاقة الإقليمية.