1. طلاع من راسي
راسلتنا ل.ق من حي الخزّان في مدينة بحرية عربية مستفسرة عن معنى تعبير «أعباء ذهنية»، الذي تردده صديقاتها لها منذ أن بدأت الشكوى من غَمام يغطي دماغها دائماً ويمنعها من التركيز، مع أعراض أخرى مثل التعب الدائم والمزاج السيء والقلق واختلال النوم، علماً أن زوجها منفتح على مساعدتها في المنزل ولا تعتقد أن الأعباء تقع عليها حصراً. ل.ق متزوجة حديثاً، وتعمل، ولديها طفل صغير بعمر ثلاث سنوات.
عزيزتي، الأعباء الذهنية هو انشغال المخ بحيزين بنفس الوقت، والمقصود غالباً الشغل والبيت، أو تعدد مهام البيت وتعقيدها. شو السبب؟ أكيد سمعتي عن الدراسات العلمية العديدة اللي بتقول أنو دماغ المرأة مهيأ ليكون متعدد المهام، وأنو دماغ الرجل يعمل بشكل خطي (أو خلينا نقول بؤري). وأكيد سمعتي كمان عن النظرية الغريبة اللي بتقول إنو العمل بالصيد عبر التاريخ خلّى الرجل يشوف الدنية بشكل بانورامي، وخلّى المرأة تنحصر بالبيت وبالتالي تشوف تفاصيل أكثر وتهتم بتدبيرها، تمام؟ أدعوك الآن لتكبي هالنظريات والدراسات جانباً حتى لو كانت دراسات بريطانية، وتتأملي بنظرية ثانية منبثقة من تجربة حياة ملايين النساء.
يمكن في أسباب بيولوجية بتخلي المرأة مهتمة بالتفاصيل، مثلاً قدرها بإنو تعدّ كتير أشياء؛ أيام وسنين ضمن دورتها البيولوجية، وتنتبه لتغير دورة الحياة وتفاصيلها. ولكن في شي تاني تماماً بدنا نحكي عنو: عموماً الرجل حريص حرص شديد على أعضاءه (الأعضاء بشكل عام وليس بشكل حصري) ومن بينهم العصبونات والمادة الرمادية في الدماغ، وبيعرف تماماً أنو التشتت بألف مهمة ومهمة، واستباق الأمور والتخطيط أسبوع لقدام، والتفكير بالطبخة المسا بنفس الوقت اللي بيفكر فيه بخطط استراتيجية بشغلو، وبمواعيد أطباء الولاد واللقاحات ودفع الفواتير وبعزيمة الأصدقاء وتنظيف البرادي واجتماع لجنة البناء ومباركة للجارة بمناسبة بكالوريا بنتها وجلسة اعتناء بالجسم ونتف الشعر، وبنشاطات الولاد صيفاً شتاءً، وتنظيم معقد للغسيل والطبيخ إذا الكهربا مقطوعة 20 ساعة بالنهار، وبالتفكير بوسائل منع الحمل إذا كانت الأمور الرومانسية تمام؛ بيعرف إنو هالأشياء الكثيرة رح تنحيه عن تحقيق الأهداف والرسائل السامية اللي هو مؤهل إلها بشكل طبيعي بيولوجي (أو إلهي)، وإنها تبديد وهدر للتركيز والعصبونات اللي حكينا عنهم قبل شوي. طبعاً اضربي هالأعباء بألف في حال بعيد الشر كان في حدا مريض مرض عضال بالعيلة، أو معاق، أو في أحفاد وفي أهل كبار بالسن… إلخ.
المرأة من جهتها وبحكم تربية آلاف السنين، ليست فقط معنية بدور الرعاية وبالتالي مجبورة شوي تفكر بكل هدول مع بعض لتمشي أمور محيطها، ولكن بكثير حالات بتعتبر إنو ما يُطلب منها من مهمات صغيرة من هالنوع هو تقدير واعتراف ومحبة إلها (بجيلي يمكن؟ بتمنى ما تكوني هيك يا ل.ق)، وبتصير تبرهن أنها تستاهل هالتقدير وتتفانى في تأديتها.
فيه منظومة عتيقة ومترسخة بتصير فيها عمليات سرقة يومية بكل سلاسة وكأنَّ شيئاً لم يكن؛ سرقة وقت وانتباه وتركيز، وسرقة لإمكانية إنو تجوهر هالأشياء بشكل واضح وملموس: سيرة مهنية، اعتناء بالذات، هواية، مشروع شخصي، أي شيء. هل هالشي بالبيت فقط ضمن الزواج والشراكة في السكن؟ لا أبداً. بالشغل كمان. المهمات اللي ما فيها تحصيل تقدير واعتراف اجتماعي بتكون غالباً من نصيب النساء، الإداريات والنثريات التافهة ولكن المهمة بنفس الوقت اللي بتسهّل حياة الكل وبتمشّي الشغل ولا استغناء عنها، وطبعاً الراتب أقل من الرجل. كل عمل إلو خصوصية بتقسيمو غير العادل، وحتى بالحياة الثقافية اللي العمل فيها غير واضح، الإيثار والعبء الذهني ما بيتقسم بشكل عادل للأسف. اللي بيبذل وقت لصالح الآخرين بدون ما ترجعلو مباشرة بالفائدة هن النساء، كاتبات أو ناشرات أو صحفيات أو أي مهنة من مهن الثقافة. الشركاء ممكن يعطوا توجيهاتهم الرشيدة العليا آخر شي، أو ينقحوا اللغة للنساء، لأنو مهمات التنقيح والتصحيح من نصيب الرجال بالمجتمع الثقافي (هي ما كتير بتاخد وقت على فكرة).
الحقيقة كمان إنو الأمور كتير مرتبطة ببعضها ومشربكة، يعني عدم التساوي في مكان العمل، وعدم التساوي بالأجور، بيساهم أكثر إنو الطرف اللي من المنطقي يضحي أكثر بعملو أو بساعات من عملو، ليستكمل أمور منزلية أو ليعتني بحضانة الولاد هو الشخص اللي بيكسب أجر أقل، يعني المرأة مو زوجها (إذا كانت بتشتغل خارج المنزل طبعاً)، وبالتالي بتصير أعباء شغلها وتقسيم ذهنها بين مكانين: البيت والشغل أصعب وأصعب.
تقسيم العمل والوقت مو بسبب الطبيعة والبيولوجيا والكتلة العضلية المختلفة بين الجنسين وبس، الحقيقة فيه أسباب تاريخية واجتماعية ما رح نفوت بتفاصيلها كلها، ولكن منها إنو الأدوات التقنية للصيد، اللي انحصر استخدامها بالرجال بزمن الالتقاط والصيد، كانت من نصيب الرجل، وخلت المرأة تتجه أو توجَّه لأعمال أصغر ومتعددة ومرهقة بنفس الوقت مثل الالتقاط.
تمارين مقترحة
عزيزتي ل. ق، رح أعطيك بعض النصائح حول هالموضوع:
وقت شريكك بالبيت يشدّ همته ويشحذ طاقته لمدة يومين ويتحمس باليوم الثالث للمساعدة، لا تنعجقي قدامو ووراه وتشعري بالذنب وتصيري بدك تختصري المهمات عليه عرفاناً بالجميل الكبير. حاولي لمرة وحدة تعملي شي ثاني، تنامي أو تحضري تلفزيون أو تقري جريدة. لا تعوّلي تعويل شديد على الحساسية والحَسوَسة، والاستشعار عن بعد، وإنو هلأ بحس وهلأ بيقوم لحالو، وأكيد رح يتذكر، الحقيقة بهي معو حق شوي زوجك (التقدمي بهالحالة) وقت يقلك: «إنتي ما طلبتي! بس اطلبي!». بالمرحلة الأولى التعليمية والتحسيسية، اطلبي شوي، اطلبي عزيزتي بدون زَور وغمز! اطلبي! تذكري كمان أنو إنجاز الأشياء الضرورية بمعدل متوسط مو غلط، ومو ضروري كل شي يكون منجز على السنتيمتر وتحلف الحارة والجارات ونساء العيلة بحياتك وبإنك خارقة القدرات وولادك وبيتك وشغلك وشكلك وجمالك في مستوى شاهق من تصنيفات ما رح تفيدك بشي وما حدا رح يتذكرها بعد سبع دقائق. قدرات المانجمنت العالية تبع تشغيل الغسالة قبل بدء الطبخ والشروع بالخطوة 1 قبل الخطوة 2 لأنها بتاخد وقت انتظار أكثر، وكل هالقصص، ما تتأملي تكون موجودة بكثرة بالشريك بؤري التفكير، وما ضروري كل مرة تصطك أسنانك غضباً، استرخي. إذا كلفت شريكك بمهمة وطلب منك داتا ومعلومات وإحداثيات وترجمة وكاتالوغات مرهقة أكثر من إنجاز المهمة بحد ذاتها، لا تيأسي وتقولي لحالك: «يمكن إذا عملت المهمة لحالي أسهل»، اصمدي! ووقت حدا يقول عن سيدة «ما بتشتغل شي، ست بيت» سكّتيه عزيزتي، وفهمي ولادك، وخاصة الصبيان، شو يعني كمية العمل المجاني اللي بتقوم فيه ست بيت.
وتذكري إنو الوقت رأسمال مهم، من العدل توزيعه بين كل الأطراف ومن الظلم هدره بدون إنصاف. وبالشغل تذكري إنو وقت عم تنسخي عناوين وايميلات مية شخص لتكتبي مراسلات مهمة للعمل، زميلك الندّ اللي بنفس مجال عملك عم يفكر بشكل رؤيوي واستراتيجي، ومن حقك تفكري بشكل رؤيوي من وقت لآخر. هل معنى هالشي هو عدم تقدير وتعزيز لدور الرعاية في المجتمع؟ أبداً والله، بالعكس، القصة وما فيها إنو دور الرعاية ما بيعود بيرضيك إذا كنتي لحالك فيه، وحلو يتقسم على الكل.
وحابة قلك كمان إنو تتذكري أمهاتنا اللي فجأة بعد ألف نثرية كانوا يعملوها باليوم، ما بقى شي يُذكر يعملوه ويتابعوه ودخلوا بقلب شاشات المسلسلات التركية، كل هداك الركض تطاير مثل الريش، مالو أي أثر إلهم. الأثر الوحيد أنو ربّوا ولاد وحسّنوا حياة عائلة ومجتمع صغير متكامل، وهو دور جوهري ما اختلفنا، ولكن مالو أثر لحياتهن وذاتهن هن.
وأخيراً، إنتي وعم تقرأي هالنص الصغير، أو إنتي وعم تلمي للمرة الستين جوارب وأغراض أولادك، بنصحك تسمعي مقطوعة بوليرو لرافييل، رح تنذكريني أكيد وتحزري ليش اقترحتو:
,
وبدل المسلسلات التركية إنتي وعم تكوي الخمسين قميص تبع العائلة المصونة، بنصحك تحضري مسلسل ذات المصري، كتير حلو، أحلى من مسلسل مرارة الحب التركي:
,