فصلت سنة وشهران بين الإعلان الرسمي عن أول إصابة بفيروس كورونا في سوريا ووصول أول دفعة من اللقاحات إلى البلاد. قبل ذلك، تغيرت مسيرة التعامل الشعبي مع الوباء، من النفير العام وتكديس البضائع وفقدان الكمامات والأدوية من الصيدليات، إلى التأقلم الكامل مع انتشاره أو عدم الاكتراث به، وذلك ربما نتيجة اعتياد الموت وعدم القدرة على تحمّل رفاهية الاحتراز من المرض رغم وصول عدد الإصابات – غير الموثقة في معظم الأحيان – إلى أعداد مرتفعة جعلت من صفحات الفيسبوك في الذروات الأساسية لانتشار الفيروس منصّةً لنعِي المصابين بالفيروس وتقبل العزاء بهم.
وعند إعلان البدء بتوزيع لقاحات كورونا حول العالم، لم يتأمل المجتمع الحلبي وصول اللقاح إلى سوريا قبل سنتين على الأقل، إلا أن ما حصل هو توريد اللقاح وإتاحته مجاناً وبسرعة كبيرة نسبياً بالنظر إلى ظروف البلد. حصل ذلك في أيار الفائت، عندما أُعلن عن وصول أول دفعة من لقاح فيروس كورونا إلى سوريا من خلال مبادرة Covax، وأعلنت وزارة الصحة السورية بالتزامن عن إطلاق منصّة التسجيل على اللقاح عبر موقعها الإلكتروني.
من أجل الحصول على اللقاح، على الراغبين التسجيل على المنصة من خلال تقديم بعض البيانات: مثل العمر والحالة الصحية والرقم الوطني ورقم للتواصل. وبعد إتمام التسجيل تصل رسالة تأكيد، ثم ينتظر المسجّلون وصول رسالة أخرى بعد عدّة أيام (بعضها وصل بعد ساعات) للتوجه في اليوم التالي لتلقّي الجرعة الأولى.
ذلك يعني أن على الراغبين بالتسجيل للحصول على اللقاح أن يمتلكوا هاتفاً محمولاً يمكّنهم من الدخول إلى الإنترنت، رغم آلية جمركة الأجهزة المحمولة الجديدة التي تعيق ذلك أحياناً، بالإضافة إلى شبكة إنترنت، وهذا الشرط نظرياً لا ينطبق على الكثير من الشرائح السورية التي تعيش تحت خط الفقر. إلّا أن التجربة ذاتها يبدو أنها نجحت مع آليات توزيع المواد باستخدام البطاقة الذكية التي تتطلب ذات الشروط، وربما هذا ما دفع إلى اعتمادها.
أولويات التلقيح
بالتعاون مع منظمة الصحة العالمية، باشرت وزارة الصحة السورية بتوزيع اللقاح منذ وصول الدفعة الأولى، وأُعطيت الجرعات الأولى في حلب للعاملين في القطاع الصحّي، إذ حصلوا على لقاح سينوفارم الصيني. وفي الدفعات اللاحقة استُعيض عنه بلقاح سبوتنيك الروسي بعد وصوله، وكانت مدة التباعد بين الجرعتين تتراوح بين 18 إلى 20 يوماً. كما بدأ توزيع اللقاحات على طلاب كلية الطب البشري في جامعة حلب بشكل اختياري، بدءاً من أطباء الدراسات العليا وصولاً حتى إعداد هذا التقرير إلى طلاب السنة الرابعة، وذلك في مشفى الرازي الحكومي. فيما تحصل باقي الفئات على لقاح أسترازينيكا البريطاني المصنّع في الهند، وتبلغ المدة الفاصلة بين الجرعتين قرابة شهرين.
وُيعزى سبب اختلاف نوع اللقاحات بين الشرائح العاملة في القطاع الصحي وباقي الشرائح إلى الفترة الفاصلة بين الجرعتين، وبحسب ما هو متاح من اللقاحات، إذ تحتاج الكوادر الطبية إلى استمرارية عملها على خط الدفاع الأول، وبالتالي ضرورة حصولها على الجرعتين في أسرع وقت ممكن. لكن الكثير من الشرائح الأخرى يفضلون لقاح سبوتنيك الروسي نتيجة تأثرهم بالشائعات المنتشرة حول لقاح أسترازينيكا، وبالتقارير العديدة التي أصدرتها جهات طبية رسمية تحدثت عن تسببه بجلطات ومضاعفات خطرة.
على النقيض من ذلك، يفضل آخرون لقاح أسترازينيكا كون لقاح سبوتنيك غير معترف به في كثير من الدول حول العالم، ولا سيما إذا كان المتلقّي سيسافر قريباً إلى إحدى تلك الدول. ويمتنع العديد من الأشخاص عن أخذ اللقاح بنوعيه، لا سيما ضمن فئة الشباب، إذ تقول نادية عبدو (اسم مستعار): «ما يزال اللقاح جديداً، ورغم تسجيلي على المنصّة سأرفض في حال تمت دعوتي لأخذه، لأنني صرت خائفة من أعراضه الجانبية ومضاعفاته المستقبلية غير الواضحة». وتوافقها الطبيبة داليا ناجي (اسم مستعار) بالقول: «اللقاح متاح لي كوني عاملة في القطاع الطبّي، لكننّي فضّلت الامتناع عن أخذه؛ اللقاحات لم تُتم كل التجارب التي لها أن تغطي الآثار الناجمة عنها. حتى في الولايات المتحدة جرى سحب بعض اللقاحات بسبب أضرارها».
بالانتقال إلى الفئات الأخرى غير العاملة في القطاع الصحي، فإن أولوية إعطاء اللقاحات تتحدّد بعمر المسجَّل وحالته الصحية: مثل إصابته بأمراض مزمنة أو حساسيته لأنواع محددة من الأدوية، وقد يطلب في هذه الحالة تقارير طبية تثبت حالة المريض.
ويتاح لتلك الفئات، ممن تعدّت أعمارهم 50 سنة، التسجيل المباشر ضمن مراكز التطعيم والحصول على اللقاح فورياً، فيما يتعيّن على باقي الفئات التسجيل على الموقع حكماً وانتظار الرسالة. وفي جميع هذه الحالات، يُقدم اللقاح مجاناً لكافة الشرائح الراغبة بالحصول عليه.
مراكز اللقاح وتوزّعها
يوجد في حلب 11 مركزاً رسمياً للتطعيم بحسب موقع وزارة الصحة، موزعين بين أربعة مراكز رسمية في المدينة: العيادات الشاملة في الحمدانية غرب حلب، مركز الجلاء في منطقة قاضي عسكر شرق حلب، مركز الملك الظاهر في منطقة الميدان، مركز خالد بن الوليد في منطقة الخالدية في الجهة الشمالية من المدينة. يُضاف إليها سبعة مراكز في ريفها الخاضع لسيطرة النظام السوري: أبين ونبّل في ريف حلب الشمالي، بلاس في ريف حلب الجنوبي، الخفسة وعرّان والسفيرة ودير حافر في ريف حلب الشرقي. كما خُصصت عدّة مراكز صحية ومشافي حكومية فقط للعاملين في القطاع الصحي: مثل مشفى الرازي للعاملين ومشفى التوليد ومشفى ابن رشد.
وبما أنّ عملية التسجيل تتم عن طريق الموقع الرسمي لوزارة الصحة في حكومة النظام وآلية تنظيم الدور تنظَّم تبعاً للرسائل، فإن استطاعة تلك المراكز تتناسب مع عدد الأشخاص الذين وصلتهم الرسالة، لا سيما أن مدة عملية التطعيم لا تتجاوز في مجملها 15-20 دقيقة. وبحسب المعطيات الواردة، من الممكن تطعيم 15 شخص تقريباً في الساعة الواحدة ضمن كل مركز.
إقبال ضعيف على تلقي اللقاح
على الرغم من تسجيل مدينة حلب لأعلى نسبة حالات نشطة من فيروس كورونا في الأسابيع الأخيرة حسب موقع وزارة الصحة، إلّا أن الإقبال على أخذ اللقاح لم يتجاوز حدّاً يؤثر على استطاعة المراكز. إذ يقول الدكتور ياسر أمين (اسم مستعار) الذي يدير أحد مراكز تقديم اللقاح: «إن إقبال المجتمع الحلبي على اللقاح كان ضعيفاً، حتى أن عدداً من المراكز المحلية أتاحت اللقاح لكافة الشرائح دون استثناء وعملت على دعوة مجتمعها المحلي لأخذ التطعيم، إلّا أن تلبية تلك الدعوات بقيت قليلةً حتى أُقفِل بعضها».
الإصابات بالفيروس في حلب تتجاوز بكثير الإحصائيات المنشورة ضمن برنامج رصد الحالات التابع للوزارة، إذ يمكننا الجزم أن نسبة غير قليلة من أهالي حلب قد أصيبوا بفيروس كورونا مرّة على الأقل منذ بدء تفشّي الوباء، إلا أن منحنى انتشار الفيروس انخفض مؤخراً بالنظر إلى تدني عدد الأسرّة المشغولة بمرضى فيروس كورونا ضمن مشفى الباسل الجامعي، إلى جانب انخفاض الضغط ضمن مشفى الرازي إلى مستوى مقبول.
الجدير بالذكر هو أنباء مصدرها عدد من الأطباء في حلب تحدثوا عن انتهاء كميات اللقاحات الواردة إلى سوريا، وبالتالي توقّف عملية التطعيم بشكل مؤقت لعدم وجود لقاحات كافية، وهذا ما حدث بالفعل مع إغلاق العديد من مراكز التطعيم الثانوية وتوقّف المراكز الأساسية عن العمل. إضافةً إلى أنباء أخرى تتحدّث عن توقف توريد لقاح أسترازينيكا والاستعاضة عنه بلقاح سينوفارم الصيني لكافة الشرائح، نظراً لأن استيراد اللقاحات ينحصر بما يُقدم مجاناً، وبالتالي فما من خيار سوى القبول بأي نوع متاح.
لا أرقام عن عدد الحاصلين على اللقاح
رغم تسجيل كافة البيانات بشكل مؤتمت، لا يوجد حتى الآن أي إحصائية رسمية متاحة عن عدد الحاصلين على اللقاح، إذ تتحفّظ وزارة الصحة ومديرياتها على نشر هذه التفاصيل، وتقتصر الإحصائيات المتوافرة حالياً على عدد المصابين وأماكن انتشارهم.
في تجربتي الشخصية مع التطعيم، رافقتُ قريبي السبعيني إلى أحد مراكز التلقيح الرسمية بعد أن وصلتْه رسالة بأن موعد لقاحه قد حان وبإمكانه الحضور إلى المركز. طلبوا هويته، وطلبوا منه تعبئة استمارة قصيرة فيها المعلومات الأساسية عنه، كما سأله الطبيب المسؤول عمّا إذا كان يعاني من حساسية لمادّة معينة قد تمنعه من الحصول على اللقاح. أتممنا العملية وطلبوا منا الدخول إلى غرفة اللقاح الواقعة إلى يمين غرفة تلقيح الأطفال ضد الشلل، وكان المركز يعجّ بالعائلات من مختلف الأعمار تبعاً لاختلاف الشرائح العمرية التي يخدّمها. كان في غرفة التطعيم قرابة خمسة أشخاص تلقوا اللقاح قبل نحو خمس دقائق، وطلبت الممرضة من قريبي الاستعداد، لم يتطلب الأمر سوى بضع ثوانٍ حتى انتهت العملية. وأخبرتْه بعدها أن يستريح في الغرفة لمدة ربع ساعة للتأكد من عدم حصول أي مضاعفات جانبية، كما قدّمت له رقم هاتف للاتصال فيما لو عانى من أي عارض غير متوقع. وتُقدَّم لكافة الحاصلين على اللقاح بطاقة تحمل اسم المركز والتاريخ واسم المُطعِّم ونوع اللقاح وموعد الجرعة الثانية.
يبقى موضوع التطعيم بلقاح كورونا موضوعاً جدلياً بالنسبة للشارع الحلبي، فغالبية الحاصلين على اللقاح حتى الآن هم إمّا من العاملين ضمن القطاع الصحي أو ممن تعدّت أعمارهم الخمسين عاماً، وذلك لكثرة الآراء الطبية التي تشجّع كبار السن على تلقي اللقاح، بالإضافة إلى استهدافهم في هذه المراحل الأولى. أمّا عن الفئات الأصغر سنّاً، ما زال الأمر يتراوح بين الرغبة الخجولة والخوف من الأخبار الطبية المستجدة التي تجتاح مواقع التواصل الاجتماعي والإعلام حول اللقاحات وآثارها.