في كتاب نسويات إسلامية، والصادر بطبعته الأولى عام 2012 باللغة الفرنسية، تتقدم زهراء علي بطرح يناقش شرعية التشكيك في الربط بين النسوية والإسلام كمصطلحين يوحيان باستحالة الجمع بينهما، وقد يتوجب البدء بتفكيك هذين المصطلحين لتبيُّن شرعية هذا التشكيك. المعضلة الفكرية تدور حول وضع النساء ومعادلة العدالة بين الجنسين ضمن الإسلام.

زهراء علي عالمة اجتماع وناشطة نسوية، وأستاذة في جامعة روتجرز في الولايات المتحدة، كانت قد أتمت دراستها ورسالة الدكتوراة في فرنسا. تركز أبحاثها عموماً على المرأة والجندر، والحراك الاجتماعي السياسي في الشرق الأوسط في ظل خصوصيات المنطقة بما في ذلك الإسلام. ومن أعمالها المرأة والنوع في العراق: بين بناء الأمة والتشرذم (2018)، والصادر بالإنكليزية.

يجمع كتاب نسويات إسلامية مجموعة من المقالات والأبحاث لنسويات إسلاميات معروفات، منها ما صدر باللغة الفرنسية ومنها ما تُرجم من الإنكليزية إلى الفرنسية. يضم الكتاب ثلاثة أقسام: «القراءة البديلة»؛ «من النص إلى السياق: حراك عابر للحدود»؛ «من الخطاب إلى التطبيق: مسلمات ضد الاضطهاد». وتختلف طرق النسويات المشاركات في تحليل النص وفي الرد على فرضيات جاهزة ضد الإسلام من ناحية المساواة بين الجنسين. نستعرض في هذا المقال بشكل موجز بعض طرق التحليل وبعض الفرضيات التي تسعى النسويات الإسلاميات لدحضها.

* * * * *

بدايةً، ترى زهراء علي أن سؤال النسوية الإسلامية ليس حول وضع الإسلام واستجابته لأجندة نسوية جاهزة، بل هو دعوة للباحثين المسلمين وغيرهم للدخول ضمن الإطار الديني الإسلامي للبحث فيه حول الأسئلة المرتبطة بالمساواة بين الجنسين. هذه القراءة ليست معدة ضمن رؤية غربية جاهزة، بل هي موجهة ضمن تطلعات ورؤية المجتمعات المسلمة. من هنا تجادل الكابتة بأن النسوية ليست نموذجاً واحداً هو النموذج الغربي الحداثي النيوليبرالي، وإن كانت كذلك، فهذا يعني انفصالاً بينها (أي النسوية) وبين الطرح الإسلامي، ويجعل القراءة ضمنها محصورة بفكر ما بعد استعماري عنصري. لكن إن تناولنا النسوية كفكر وحراك ضد السيطرة الأبوية، نجد أنها فكر لا ينتمي لبلد بعينه، بل يشمل الحراك ضد هذه المنظومة بشكل عام، الأمر الذي يمكن تطويره في البلدان الإسلامية وغيرها ضمن نماذج مختلفة.

وتقدم علي أمثلة تبين أن المطالبات النسائية بالمساواة بدأت منذ أيام الرسول، عندما تساءلت أم سلمة زوجة الرسول عن سبب عدم مخاطبة النساء بشكل مباشر (13). وحينها، نزل الوحي بخطاب موجه للمسلمين والمسلمات يوضح تساويهن ضمن الخطاب الإلهي. ومن ضمن الأمثلة، تطرح علي أن النسويات بيّنّ أن المجتمع في المدينة كان أكثر انفتاحاً منه في مكة، حيث يعتبر المجتمع أكثر أبوية. وتذكر علي أن النهضة العربية ساهمت بالعمل على النصوص الشرعية والعودة للمصدر، أي الحديث والسنة، ودراسته بما يتماشى مع روح العصر. ومن الأمثلة على ذلك جمال الدين الأفغاني نهاية القرن التاسع عشر وفكره الذي ساهم بالتنوير. وفيما يتعلق بالحراك النسوي الإسلامي، تقدم علي نموذجاً للنسويات في مصر والعراق نهاية القرن التاسع عشر أيضاً، واللواتي بدأن يطالبن بإعادة قراءة التفسير القرآني وإعادة البحث في الاجتهاد لمواجهة ما رأينه طرحاً أبوياً ذكورياً. النسويات شاركن في الحراك على خلفية الدين، والذي اعتبرنه دين عدل ومساواة كبداية للعمل، على خلاف النسويات الغربيات اللواتي نحّينَ الدين عن مطالبتهن. وتقدم علي أعمال النسوية مارغو بدران، والتي بحثت في النسوية الإسلامية والنسوية اللائكية في مصر وغيرها من البلدان الإسلامية والعربية، كمثال لمرجعية في هذا المجال.

تذكر علي أن النسويات الإسلاميات، في إطار عملهن سعين للتمييز بين الفقه والشريعة، عملن على إعادة تحليل الخطاب الفقهي، وهو نتيجة اجتهاد وتفسير للشريعة غالباً ما يكون محملاً بالتمييز الجنسي وبالفكر الأبوي الوصائي. تنقسم النسويات الإسلاميات بين نسويات إسلاميات تقليديات يسعين للعمل للقراءة في الاجتهاد والفقه وإظهار موضع الخلل فيما يقدمه من تشريع؛ وبين نسويات أكثر ثورية، يعملن على تغيير أصول الفقه كعلم موضوع وثابت من جذوره؛ وهناك فئة يفضلن عدم الأخذ بالسنة والاكتفاء بالقرآن كمرجع أساسي للبحث والتحليل.

قراءة بديلة

إحدى المساهمات في كتاب زهراء علي هي أمينة ودود، الأستاذة في جامعة فرجينيا في الولايات المتحدة، والرائدة في مجال النسوية الإسلامية وصاحبة كتاب القرآن والمرأة: إعادة قراءة النصوص المقدسة من منظور المرأة (1999). في مقالها «الإسلام خارج النظام الأبوي من خلال الجندر تحليل قرآني شامل» (2009)، تنطلق ودود من اعتبار القرآن والسنة النصوص الأساسية لفهم الشريعة، وقد طور علماء المسلمين – وهم الوسيط البشري – الفقه كمجال شامل للدراسة من أجل مساعدة المجتمعات الإسلامية على أن تصبح أكثر عدلاً وإنصافاً. وبالمثل يجب الاستمرار بالانخراط في عملية إنشاء مجتمعات عادلة ومنصفة، حيث يتضمن ذلك أفكاراً جديدة حول العدالة وحول الأدوار المهمة التي تلعبها النساء كأفراد وكأعضاء في الأسرة وكموظفات في المجتمعات المدنية الإسلامية اليوم. الأهم هو الإيمان بأن الإسلام هو أسلوب حياة عادل ومنصف. وتشير أمينة ودود أن للفقه أيضاً مصادر ثانوية معقدة، مثل القياس والإجماع. وتعمل ودود على تسليط الضوء على الفروق الدقيقة في التفكير القانوني، بدلاً من تركيزها على القانون الوضعي، خاصة فيما يتعلق بالإصلاح. فترى أن هناك علاقة أساسية وحاسمة بين الأخلاق وعملية الإصلاح هذه والنصوص المقدسة. ومن خلال تركيزها على النظرية الأخلاقية في العلاقة بالتطبيق، وعلى الأفكار في العلاقة بين كل شخص والله وبينه وبين المجتمع الإسلامي، تضع ودود القرآن كدعامة أساسية للتحليل. تنطلق ودود في رؤيتها من المساواة في الخلق في الدنيا والآخرة، ومنذ إعلان الشهادة وحتى عالم الغيب. كل ما نقوم به في الحياة الدنيا مرتبط بإيمان الفرد بوجود الله وباليوم الآخرة. وتشير إلى أهمية التقوى الوارد ذكرها في سورة النساء: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ، وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا، وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً، وَاتَّقُواْ اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ، إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً}.

فمن فكرة النفس الواحدة و«منها زوجها»، تصل السورة للحديث عن الإنسانية، وهنا تُبين ودود أن الفكر الجمعي هو جزء من فكر القرآن، والذي هو فكر نستشعره مؤخراً في عصر التطور التكنولوجي حيث يرتبط العالم ببعضه بشكل واضح وملموس. فتأثير كل حياة على الأخرى يعكس مسألة الترابط وأهمية تأثيره، وسؤال الأسلحة النووية، كمثال، له تأثير على الأسرة وعلى النساء والرجال والمجتمع أجمع. إن أساس فكرة التعددية هو بالفعل متضمن في النظرة القرآنية للعالم. الطرق التي نتشارك بها ونحول المجتمعات والقوانين والثقافات الإسلامية من خلال القرآن في مواجهة واقع عالمي أكثر تعقيداً مذكورة بالفعل في النص القرآني: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَىٰ وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا، إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمّ}.

ضمن هذا العالم المترابط، تصبح التقوى هي المعيار الأساسي للعمل في المجتمع. هذه الكوسمولوجيا للخلق في أزواج لها نتيجة طبيعية مهمة في كل جانب من جوانب التفاعل البشري وفي المجتمعات الاجتماعية. لذلك يجب تحقيق توازن داخل كل مستوى من مستويات المجتمع، من المجال الأكثر خصوصية (في الأسرة) إلى الساحة العامة للحكم والسياسة العامة. وبالتالي، يجب اعتبار كل من الذكر والأنثى مسؤولين عن صياغة القوانين والسياسات، وينبغي كذلك أن يكونا مستفيدين على قدم المساواة من العدالة المتأصلة في تلك القوانين والسياسات. أخيراً، يتكرر مفهوم التعددية مرة أخرى في هذه الآية بعبارة {شُعُوباً وَقَبائِلَ لِتَعَارَفُوا}،التي يُقصَد بها التعارف، أي المعرفة والتبادل الفكري كفعل يؤدي إلى تعاون مبني على أسس عادلة، أو المعاملة بالمثل بين الذات والآخرين. إن المعيار النهائي لإصدار الأحكام بين البشر هو على أساس التقوى، أو نوع معين من النزاهة الأخلاقية في الفاعلين البشريين الناضجين، بصفتنا فاعلين بشريين ناضجين ومسؤولين. تقول ودود:

«نحن قادرون على ذلك الاختيار بين الخير والعدل والشر والظلم. هذا جزء من الإرادة البشرية الحرة. يمكننا ممارسة هذه الإرادة الحرة بالطريقة التي نريدها. ومع ذلك، على الرغم من أننا أحرار تماماً في ممارسة هذه الإرادة بأي طريقة نريدها، فإن الحكم على كيفية اختيارنا للتصرف بناءً على هذه الإرادة الحرة يقع خارج نطاقنا تماماً – فهو يقع على عاتق الله. الله هو القاضي المطلق. الله يرى ويعلم كل شيء، سواء في الساحة العامة أو في المجال الخاص، كما في المنزل. لذلك لا يُقصد بهذين المجالين من التفاعل البشري أن يتطلب طريقتين منفصلتين للتصرف. إن مستوى السلوك العادل في الأماكن العامة ليس أكثر ولا أقل أهمية من مستوى السلوك العادل والمنصف في المنزل. كلا الفضائين يتطلب منا التمييز الأخلاقي والتقوى» (37).

تجادل ودود أن الأبوية سابقة على التاريخ الإسلامي وزمن النبي، وترى أن القرآن منح المسلمين مساراً يسمح لهم بتجاوز هذه المنظومة. وتتشعب الأبوية في الفضاء العام والخاص وتتعامل مع الفضاء العام على أنه أكثر أهمية، ولا تتعلق بالرجال بل بتفضيل طريقة واحدة للمعرفة وللوجود. تنبع طريقة المعرفة هذه من المفاهيم المتعلقة بكيفية عمل الفضاء العام، والتي تستند بالكامل تقريباً إلى الطريقة التي يتصرف بها الرجال في تلك المساحة، والتصور الشائع بأن الفضاء العام ذو أهمية أكبر من الفضاء الخاص. لكن ازدواجية المعايير تتناسى أن متطلبات التقوى، أو التميز الأخلاقي، هي نفسها في كلا الفضاءَين.

لا توجد معايير مزدوجة تستبعد المرأة من المشاركة المتساوية في المجال العام أو تتطلب المشاركة في المجال العام فقط بالطريقة التي يشارك بها الرجال. وبالمثل، لا يُستبعد الرجال من المشاركة المتساوية في المجال الخاص، ولكنهم يُمنحون قيمة متساوية لتلك المساهمات. الجواب على النظام الأبوي ليس أن المرأة يجب أن تحكم الرجل، ولا أن المرأة يجب أن تفعل ما يفعله الرجل، لكن الواجب الانتقال من السيطرة إلى الشراكة.

وتؤكد ودود أن الطريق نحو مجتمع بعد-أبوي باتجاه الإصلاح الجندري ذو شقين:

«التقوى على مستوى الفرد، والتوحيد على مستوى الممارسة الاجتماعية والقواعد الفقهية. مرة أخرى، يمكن استلهام مثل هذه الحركة من الروح القرآنية، والتي كانت أيضاً عقيدة مركزية في أقوال النبي محمد. وتشكل النصوص، وخاصة الإشارات التي يتم فيها الاعتراف بالمساواة بين الرجل والمرأة، مصدراً لمفهوم المساواة كمكوّن أساسي في قوانين الأسرة المسلمة وعلاقاتها» (44).

أسماء بارلاس أستاذة جامعية باكستانية، ورئيسة قسم السياسة في جامعة إثيكا في نيويورك، والتي سبق أن شغلت منصب رئيس كرسي سبينوزا المرموق في كلية العلوم الإنسانية في جامعة أمستردام في هولندا عام 2008 «لإسهاماتها البارزة في المناقشات حول المرأة والإسلام». في بحثها بعنوان «المرأة المسلمة والاضطهاد: قراءة في التحرر من خلال القرآن» (2001)، تبدأ بالإشارة إلى تنوع رغبات واحتياجات المرأة المسلمة باختلاف بلدها وظروف الحياة فيها. في المقابل، يبدو أن النساء يعانين في العالم العربي من عنف وتهميش متماثل. ورغم اعتقادها أن هذا الواقع المؤلم يعزى لأسباب عديدة ترتبط بسياسات هذه البلاد، إلا أنها تهدف في عملها لتحليل الخطاب النسوي الذي ينسب معاناة النساء للتمييز الجنسي/النصي (88).

تبيّن بارلاس أن القرآن ضد الأبوية وفكرها، وأن القراءة الخاطئة هي ما ينتج الممارسات الخاطئة. ورغم اعترافها بدَينها الذي تدين به للنسوية، إلا أنها تعتقد أن المشروع النسوي الإسلامي متأصل في القرآن ولا ينبع من النسوية الغربية وطريقتها. تسعى بارلاس إلى قراءة تمثيل المرأة في القرآن، فالخطاب الذي يحدد المرأة المثالية يساهم بالتأثير على المرأة في الواقع. هنا تُظهر بارلاس التناقض في ادعاء بعض النسويات اللواتي يحصرن الإسلام بقراءة ذكورية، مبيّنةً أن هذا الادعاء يتجاهل أن لكل نص عدداً لا-منتهياً من القراءات.

تكرر بارلاس أن الأبوية نظام موجود قبل الإسلام، ولا سيما في المسيحية واليهودية اللتين استُقدمت قراءات لهما وأُلصقت بالدين الإسلامي. قصة خلق حواء من ضلع آدم ليست مذكورة في القرآن، بل إن الآية القرآنية تشير إلى أن الله خلق من كل نفس زوجها، بما يخالف التفسير المسيحي واليهودي لقصة الخلق. ومن خلال فكرة التوحيد، تبين بارلاس أن العدالة واجبة، وأن الظلم ليس من صفات الخالق الذي ساوى بين النساء والرجال. وعلى الرغم من أن العديد من النسويات يُدينون الإسلام لتشدده في فكرة التوحيد، إلا أن هذا يظهر عدم إدراكهن أن القاعدة تنص على أسبقية الله، وبالتالي تفتح الاحتمالات للمساواة الجذرية للمرأة، وليس على فكرة التمايز الجنسي وبالتالي احتمالات عدم المساواة بين الجنسين. أي بينما يعترف القرآن بالاختلافات الجنسية/البيولوجية، فهو لا يحدد قيمة رمزية أو معيارية للاختلافات الجنسية/البيولوجية بما يربط الجندر بالجنس. وبالتالي فإن القرآن لا يتعامل مع ما يسميه توماس لاكوير «بيولوجيا عدم قابلية القياس الجنسي»، أي فكرة «أن هناك جنسين مختلفين مستقرين وغير قابلين للقياس، وأن الحياة السياسية والاقتصادية والثقافية للرجال والنساء تتم من خلال أدوار جندرية». يفترض هذا «النموذج الجنساني»، الذي يقع في صميم معاداة النساء في الغرب الحديث، أن الاختلافات البيولوجية بين الذكور والإناث، وبالتالي بين الرجال والنساء، تجعلهم «مختلفين في كل جانب يمكن تصوره من الجسد والروح، في كل مادي ومعنوي». الميل إلى عزو «الفروق النفسية والاجتماعية» بين النساء والرجال إلى الاختلافات البيولوجية أمر شائع ليس فقط في «الأديان الأبوية» (التوحيد)، كما تدعي النسويات، ولكن أيضاً في العلمانية الغربية، التي تدعي أن بيولوجيا النساء تجعلهن قاصرات في الأخلاق والتفكير (102).

من النص إلى السياق

وضمن السياق الغربي، برزت العديد من الناشطات المسلمات بهويات مختلطة، ومنهن مليكة حميدي، وهي المديرة العامة لشبكة ثينك تانك للأوربيين المسلمين، ومؤلفة كتاب فكر إسلامي، ولم لا؟ (2017). في نصها «النسوية المسلمة في أوروبا: الناشطية عبر قراءة النصوص والمشاركة العابرة للحدود»، تبحث حميدي في فاعلية النشاط النسوي الإسلامي في أوروبا. وهي تبيّن ازدياد هذا النشاط النسوي منذ بداية الألفينات وظهور هوية هجينة تحمل وعياً دينياً ونسوياً جديداً. ومع ذلك، فإن هذا التعبير يعارضه المسلمون والنسويات على حد سواء انطلاقاً من مواقف إيديولوجية. يرى هؤلاء أن الجمع بين الوعيين ينطوي على تناقض لا يمكن تجاوزه.

لكن هؤلاء النسوة يحملن هوية تعددية تعبر عن نشاطهم الفكري والثقافي الساري منذ مطلع القرن الواحد والعشرين. وهن ينشطن، من ناحية، في تفسير النص، حيث يطورن تأويلات نسوية إسلامية لمنهج تفسيري سياقي للمصادر الدينية للإسلام، ومن ناحية أخرى يعملن على حمل فكرهن ضمن أوروبا وخارجها. التزام هؤلاء النساء، واللواتي يعتبرن أقلية في أوروبا، يأخذ في الواقع شكل سيرورة لتفرد المرأة وتحرير نفسها من الثقافة الأبوية التي يقدسها الإسلام التقليدي، وكذلك شكل الكفاح ضد التمييز وتحقيق المساواة الحقيقية بين المواطنين مهما كانت أصولهم الثقافية أو الدينية. وهذا ما ترفضه النسويات في أوروبا، واللواتي يقمن بطريقة استعمارية بتنميط هؤلاء النساء بشكل يُظهر تعاليهن عليهن، كما تصفه كريستين ديلفي: «تمييز يجمع بين التمييز الجنسي والعرقي» (115).

لا ترغب هؤلاء النساء بالعيش على الهامش، بل بمتابعة النضال مع من يعتبرهن شريكات لهن في صراعهن المتماثل. وقد ساهم حدثان في تطوير هذا الحراك، خاصة في فرنسا وبلجيكا: تنظيم مؤتمر في البرلمان الأوروبي في بروكسل؛ وندوة تدريبية في باريس. في 2004، وفي مناسبة اليوم العالمي للمرأة، طرح تجمع النساء المسلمات ضمن نقاش في البرلمان الأوروبي في بروكسل السؤال التالي: «النسوية الإسلامية: في تناقض مع الواقع». شاركت هذه المجموعة من النساء المسلمات الأوروبيات المنتميات إلى منبر تجمع «الحضور المسلم»، المقربة من طارق رمضان، في ندوات تدريبية قدمها الأخير حول ولادة حركة نسوية إسلامية. وتُظهر هذه الدينامية نساء لا يكتفين بتغيير الخطاب الديني، بل يسعين ليشاركن الحراك النسوي العالمي الهادف لتحقيق عدالة اجتماعية.

ومن الأمثلة عن الحراك النسوي الإسلامي الساعي لنشر الفكر الإسلامي على مستوى عالمي، تقدم حميدي مثال نشوء «مجموعة الدراسة والتفكير الدولية حول المرأة في الإسلام» (GIERFI) في عام 2007، وكان الدافع لإنشائها أساساً الحاجة الملحة لخطاب بديل قادر على سد الثغرات في الخطاب الإسلامي الرسمي حول المرأة، والذي يعتبر خطاباً مصطنعاً وخالياً من الجوهر. وقد ساهمت في هذه المجموعة أسماء المرابط، الرائدة في مجال إعادة قراءة النص الديني على المستوى العالمي. ومن أهداف هذا التجمع تحسين مشاركة المرأة في المجال الفكري واللاهوتي والقانوني في المسائل المتعلقة بالإسلام؛ وشجب التمييز المرتكب باسم الإسلام ضد المرأة في المجتمعات الإسلامية حول العالم؛ وتفكيك الخطابات حول الطابع الكاره للنساء في الإسلام والتصوير السلبي للمرأة من خلال هذه الخطابات؛ ومحاربة كل تمييز ضد المسلمات باسم النسوية والحداثة؛ والشروع في عمل الذاكرة على التراث التاريخي للمسلمين والمسلمات.

من النص إلى التطبيق

في مقابلة مترجمة من العربية إلى الفرنسية مع الداعية والناشطة ل. من دمشق في 2011، يدور الحوار حول حياتها وبدايتها في الكتابة، وأسفارها التي حملتها إلى السعودية ثم عودةً إلى دمشق. تذكر السيدة ل. الفترة التي قام فيها النظام السوري، في بداية الثمانينات، بالتعدي على المحجبات وإجبارهن على خلع حجابهن، والتي عرضتهن لعنف لا يوصف. هذا الحدث تسبب بتهجير قسم منهم، وبخسارات متعددة، وتضرب بذلك مثال ابنتها التي لم تعد تستطيع الذهاب للجامعة، وخسرت عاماً دراسياً بسبب ذلك. وكما تستعيد السيدة ل. فكر أساتذتها المؤثرين، والذين حمل فكرهم اللاعنفي وإصرارهم على قضية المسؤولية بالغ الأثر على رؤيتها. من هؤلاء جودت سعيد، والذي تأثر بدوره بطريقة مالك بن نبي صاحب الفكر الهادف إلى التغيير والتجديد.

وحول فكر التجديد وكيفية تحقيقه، تجيب السيدة ل. بضرورة تقييم الحكم بما يتناسب مع عصرنا وواقعنا. كما تشير إلى أهمية فهم المقصد، أي السياق الذي نزل فيه النص، مشيرةً إلى ضرورة قراءة القرآن مع التأكيد على مبدأ العدل، والذي لا بد من الإصرار عليه كمبدأ أساسي فيما يتعلق بقضية المرأة. وتبين السيدة ل. أن العقبة ضد التجديد هي الحرفية والتقديس، وهما طريقتان تمنعان التفكير المتعمق من استخراج المعنى. وتستغرب القيام بتكريس اجتهاد بعض العلماء السابقين بطريقة تلغي التشكيك وإعادة التفكير بأعمالهم «وكأننا لا نستطيع التفكير بالدين بعيداً عن آرائهم» (219). وتتابع: «كأن البعض يخشى عدم قدرتهم على تقديم فهم أفضل للنص ضمن الواقع الجديد، متناسين أن من سبق من علماء ساهموا بالفكر ضمن الأسئلة المتجددة لزمانهم». وتضيف أن الاجتهاد دون الاستعانة بالعلوم الأخرى كالاقتصاد وعلم الاجتماع وغيرها من العلوم يعجز عن الاستجابة لروح العصر، ولكن عندما يتم تفعيل العلوم الأخرى مع الاجتهاد لتقديم الحلول يمكن عندها الفتوى. وتقول السيدة ل. أنها، فيما يتعلق بعلاقة الدين بالدولة، تؤيد وجود حكومات لائكية، وتعتقد أن سبب فشل الحكومات الثيوقراطية هو ادعاء الأفراد تمثيل كلام الله على الأرض.

نتبين تفاعل السيدة ل. السياسي مع السلطة القائمة في دمشق عند سؤالها عن رأيها حول الحراك في سوريا:

«لم أرغب في التسرع في الدعوة للثورة في سوريا، لأنني شعرت أننا بحاجة إلى الكثير من الاستعداد. لكن مع الأسف تسلسل الأحداث، والإدارة السيئة للأزمة، والمشاكل التي نشأت، كل ذلك جعل الأحداث متفجرة بخطورة هائلة. لم يعد بإمكاننا السكوت على ما حدث في درعا واعتقال الأطفال والمعاملة التي تلحق بهم. في مواجهة هذا، علينا أن نقول لا، وعلينا أن نقف لنعبر عن معارضتنا. إذا لم نفعل ذلك، فنحن مسؤولون أمام الله» (222).

* * * * *

في ختام العمل، تتخذ زهراء علي من الفكر البعد-استعماري طريقة لتفنيد الخطاب الإسلاموفوبي في فرنسا، والذي جعل من الحجاب قضية للتمييز الجنسي والعنصري ضد النساء. وتشجب علي اعتبار المسلمين والمسلمات في مكانة «الآخر» الذي يجب تحريره ويجب أن يخضع لوصاية المجتمع ذي الأكثرية التي تعتبر ذاتها نموذجاً أسمى وأوحد يجب التمثل به. وتشير إلى العبء الواقع على النساء المسلمات في فرنسا، واللواتي يجدن أنفسهن في مواجهة مع الأبوية والتمييز الجنسي والعرقي في آن معاً، مؤكدة على ضرورة تحقيق العدالة في قضايا أساسية مثل الحجاب، العنف المنزلي، الأجور المتساوية، اللامساواة في الفضاء الخاص والعام، وكلها مسائل توحد النساء في مواجهة العنف والتمييز. «يمكن تعزيز النسوية عبر الاعتراف بالتعددية للكينونة النسوية، وفي شرعية تقديم خطاب بديل، قد يكون خطاباً دينياً وينبع من التراث والتقاليد السياسية الأخرى» (233).

في مواجهة خطاب سلفي متشدد متصاعد في العالم الإسلامي والمنطقة العربية، يساهم الفكر النسوي الإسلامي بتحرير الخطاب من سيطرة هذا التيار وبكسر جمود القراءة الواحدة، كما يساعد النساء على التعبير عن أنفسهن ضمن هويتهن الإسلامية، وعلى تقديم أنفسهن كنساء منسجمات مع الزمن الراهن وتحدياته.

يُظهر كتاب زهراء علي دور الحركة النسوية الإسلامية في تسليط الضوء على أهمية ضم نسويات العالم الإسلامي الممتد، وفي التأكيد على أهمية مشاركتهن وتنوعها. ويتيح لنا الكتاب أن نلحظ أن هناك خطاباً إسلامياً في المنطقة العربية يهمش الأصوات المسلمة من مناطق مختلفة حول العالم، مثل ماليزيا وتركيا وباكستان وغيرها، ويعطي مركزية وهمية للمنطقة العربية في تسويق الفكر الإسلامي. إضافة لذلك، يؤكد الفكر الإسلامي النسوي أهمية الاحتفال بالهوية المختلطة لنساء مسلمات يعشن ضمن جغرافيا متنوعة، ويتحدى تهميشهن، ويحررهن من التمييز ضدهن، خاصة في أوروبا. ومن خلال البحث في الفقه والاجتهاد، كعلم له قواعده، وتتبع مصادر الخلل فيه، يتم كسر التقديس والتعصب كنزعة تمنع التقدم.

من اللافت أن النسويات الإسلاميات يعملن على تصفية النص الديني مما اختلط به من فكر أبوي موروث عن المسيحية واليهودية، واللتين تحملان موروثاً أبوياً يجرد في بعضه المرأة من مشيئتها ويحتّم الوصاية عليها. كذلك تضيف النسويات الإسلاميات طرائق جديدة في البحث، تُغني كلاً من النسوية والبحث الإسلامي. من المثير للاهتمام في هذا الحراك اتباع نهج النسويات السود، والتعلم من فكر النسوية ما بعد الاستعمار، وبالتالي إدراك أثر التقاطعية في تحدي الأبوية والنيوليبرالية والعنصرية والإسلاموفوبيا. وضمن تراتبية العنف الموجه في خطاب السلطة المهيمنة، تدرك النسويات الإسلاميات المكانة التي تضعهن هذه المنظومة فيها، ويسعَين للتحرر منها عبر فكر علمي مدروس يثبت فاعليتهن وأهمية مشاركتهن بالحركة النسوية.

يبقى هناك الكثير من التساؤلات. فضمن واقع يعتمد على عرف قاسٍ ضد النساء، هل يمكن للنص الشرعي أن يكون حلاً لإنهاء ثقافة القتل باسم الشرف؟ وضمن ثقافة وصائية تدعي شرعيتها باسم النص الديني، هل يمكن أن تساهم النسويات الإسلاميات بتحرير الخطاب من هذه الثقافة في منطقة الشرق الأوسط أو العالم العربي؟ وهل يمكن للنسوية الإسلامية ضم الهويات الجنسية المتنوعة ضمن خطاب عادل يلغي إقصائها؟ وكيف ترى النسويات الإسلاميات علاقتهن مع النسويات العلمانيات في المنطقة الإسلامية، واللواتي يحاربهن المجتمع بشكل مضاعف لنشاطهن على خلفية لا-دينية؟ هل تراعي النسويات الإسلاميات اختلاف الخطاب السياسي والديني بين المنطقة العربية والإسلامية وبين أوروبا والغرب؟ وبين آليات العنف والتهميش في الغرب حين تكون علمانيات متشددة هي المتحكمة، وبين ما تقاسيه المرأة المسلمة في منطقة يحكمها خطاب ديني يغلب عليه السيطرة السياسية والتيارات المتشددة؟ رغم تعدد الأسئلة وما تبرزه من احتياج لمزيد من البحث والأشكلة في علاقة الدين بالتحرر، والتحرر النسوي منه على وجه الخصوص، لكن يظل العمل في هذا المجال إنجازاً فكرياً وثقافياً يصب في صالح النساء.