في شباط من هذا العام أصدر المجلس الإسلامي السوري في اسطنبول ما أسماها وثيقة الهوية السورية، دون أن يرفقها ببيان دواعي الإصدار، خلا إشارة مجملة إلى عشر سنوات من ثورة الشعب السوري على «النظام الطائفي المستبد»، مع استمرار هذا الأخير في محاولاته «طمس» هذه الهوية، معززة بـ«محاولات البعض التشويش والتدليس والتلبيس على معالم الهوية السورية». لا يوضح المجلس المكون من «علماء»، أي فقهاء / مفتين/ خطباء، وذكور، شيئاً عن هوية هذا البعض، لكن مقالة لمحمد أيمن الجمال تتناول الوثيقة بعين الرضا تشير إلى «العالم الغربي» مرة وإلى «الآخر» المحلي مرة، وإلى من «أعطوا جنسية البلد من الفرس الرافضة والأفغان» مرة ثالثة، ممن يحتمل أن يشكلوا معاً البعض «المُشوِّش المُدلِّس المُلبِّس» للهوية السورية.

هذه المناقشة تتخذ من وثيقة المجلس ومن مقالة الجمال موضوعاً لها، لكنهما كذلك مناسبة للنظر في تكون الوعي-الضمير الإسلامي السني المعاصر في سوريا. ليس خوض معركة فكرية في هذا الشأن ترفاً ولا تنطعاً، إنه انشغال بمستقبل سورية والقضية السورية.

هوية سوريا

تقرر وثيقة المجلس الإسلامي السوري التي تبدأ بالبسملة ثم بحمد الله والصلاة والسلام على رسوله وآله وصحبه البنود الخمس التالية تعريفاً للهوية السورية:

الإسلام هو دين غالبية الشعب السوري، وهو ثقافةٌ وحضارةٌ لجميع أبناء سورية.

سورية جزء لا يتجزأ من العالمين العربي والإسلامي.

اللغة العربية هي اللغة السائدة والرسمية في سورية.

الثقافة والقيم الحضارية المعهودة في التاريخ السوري الممتد لقرون معرّفات أساسية من معرّفات الهوية السورية، وكذلك الطابع العمراني والاجتماعي.

المكوّنات التاريخية العديدة الموجودة في سورية والمتنوّعة في ثقافاتها ولغاتها وأديانها وانتماءاتها هي مكوّنات أصيلة، وحقوقها مصونة مضمونة، وحريّات الجميع مكفولة متناغمة مع الهوية السورية الأصيلة، ولا تعود عليها بالنقض.

كما هو متوقع، الإسلام واحد بحسب واضعي الوثيقة، وهو الإسلام السني، على ما تدل اللغة المستخدمة، وعلى ما ينص صراحة محمد أمين الجمال في مقالته الشارحة التي سيجري تناولها أدناه. هذا يُخرِج من الإسلام الشيعة المنازعين للسنة على الشرعية الإسلامية، كما يُخرِج الجماعات التي تفرعت عن الجذع الإسلامي دون أن تكون مُنازِعة على الشرعية الإسلامية، مثل العلويين والدروز والإسماعيليين. كان يمكن لذلك أن يكون مفهوماً بعض الشيء من قبل جماعة مشيخية تتكلم على شؤونها أو الشؤون العقدية لجماعتها، لكننا هنا حيال وثيقة تُعرّف سوريا ككل، وتقرر أن الإسلام السني هو الإسلام. هذه من البداية وصفة تفجير، وليس استقرار وسلم.

من الناحية الديمغرافية الوصفية، ليس تقرير سنية أكثرية السوريين خطأ، لكن لسنا هنا حيال تقرير موضوعي مجرد لأكثرية عددية للسنيين السوريين. هذا بالأحرى تقرير معياري في وثيقة تصبو إلى أن تكون مرجعية، أو فوق دستورية، تصدرها هيئة يتواتر وصفها في الآونة الأخيرة بأنها «مرجعية»، ويبدو أنها تفكر بنفسها كذلك. تريد الوثيقة أن تكون مرجعية للسنيين السوريين الذي يحجب تعريفهم بالإسلام تعددهم المتعدد المستويات: الإثني (عرب، كرد، تركمان، شركس…) والاجتماعي (طبقات وشرائح، مدن وأرياف وبادية…) والجهوي والسياسي والفكري (علمانيون، يساريون، ليبراليون، متصوفة، إخوان، سلفيون، سلفيون جهاديون…). الأكثرية هنا تتحول من كونها علاقة سياسية متغيرة، تقوى وتضعف، في إطار اجتماعي سياسي متغير بدوره، لتصير جوهراً ثابتاً، لصيقاً بالمسلمين السنيين في كل حال. يجري هنا في وقت واحد نفي التعدد والاختلاف ضمن السنيين، ثم إضفاء وحدة سديمية على السوريين تحت عنوان عائم: الإسلام.

وليس إلا متوقعاً أن تنخفض عتبة تماهي السنيين بتصور سني للهوية السورية، فيما ترتفع عتبة غيرهم إلى حد أن تصير حاجزاً ومبعث غربة وإحباط. هل ثمة جدال في أن نحو ثلث السوريين من غير السنيين لن يتعرّفوا على أنفسهم بهذه الهوية، وهذا مثلما لا يتعرف على أنفسهم غير العرب في التعريف البعثي لهوية عربية ثابتة للسوريين؟ ثم إن جميع السنيين سوسيولوجياً، لكن العلمانيين أو غير المؤمنين، يجري إعدامهم رمزياً بهذا التعريف الديني للهوية السورية، وهو ما يمهد للإعدام الفعلي إن أخذنا بالاعتبار سيرة المجموعات السلفية في سورية بعد الثورة.

المجلس لم يسأل أحداً من السوريين غير السنيين عمّا إذا كان الإسلام «ثقافة وحضارة» له. الواقع أن الإسلام ينزع إلى أن يكون ثقافة وحضارة لغير المسلمين في مجتمعاتنا حين يكون ثقافة وحضارة للمسلمين، أي حين يكون ثقافة وحضارة وليس سياسة أو مشروعاً سياسياً، ولا من باب أولى إيديولوجيا حرب. أعني بقدر يتناسب عكساً مع تسييسه، وأكثر مع تسييده. فإن جرى ذلك، وهو ما يجري منذ أربعين عاماً وأكثر، وجرى بشدة في العشرية المنقضية، فإنه يكفّ عن أن يكون أرضية إجماع للسنيين، دع عنك غير السنيين وغير المسلمين، وبالتالي لن يكون ثقافة وحضارة لأحد. وهذا لأنه لا يمكن أن يُزَجّ الدين في المنازعات السياسية والعسكرية، ثم يُتوقَّع أن يبقى عامل إجماع أو تقارب.

بعد الاحتواء السني لسورية تقرر الوثيقة أن سوريا جزء لا يتجزأ من العالمين العربي والإسلامي. لا جدال في ذلك وصفياً، لكن هنا أيضاً لسنا حيال تقرير وصفي محايد، وإلا لأمكن أن نضيف إليه مثلاً: والعالم. المشايخ يدركون كما ندرك سياسة الكلمات. يعلمون أن القول إن سوريا جزء لا يتجزأ من العالم يقتضي أننا مسؤولون عن العالم كما هو العالم مسؤول عنا، يعني العمل من أجل مبدأ للمسؤولية العالمية بوصف العالم فضاء لاختلاط أمم وثقافات وأجناس وأديان مكسباً للجميع، يعني كذلك أن نكون إيجابيين حيال العالم، وطن البشر والحياة، ونعمل على إصلاحه مع شركاء لنا في مختلف البلدان والثقافات. العالم «ثقافة وحضارة» لجميع البشر اليوم، بمن فيهم السوريون.

على أنه لا يبدو أن نسبة سوريا إلى العالمين العربي والإسلامي موجهة نحو استبعاد العالم حصراً، وإنما هي كذلك بمثابة توفير الإطار الأنسب لتعريف سوريا تعريفاً إسلامياً، أي هي بمثابة سور حماية لتعريف سوريا بالإسلام. «العالمان العربي والإسلامي» في واقعهما، أو في سياسة دولهما، أو في أفعال وأقوال مشايخهما، لا يُسائِلان ما يمتحن أقوال المشايخ السوريين أو يُظهر تعسُّفيّتها.

ومثل ذلك يصح على تقرير أن اللغة العربية هي السائدة والرسمية في سوريا. هنا سور إضافي، وفي داخله حظيرة تمر فيها بيسر أقوال وتقريرات المجلس الإسلامي السوري.

ليس واضحاً معنى قول الوثيقة إن «الثقافة والقيم الحضارية المعهودة في التاريخ السوري الممتد لقرون معرّفات أساسية من معرّفات الهوية السورية، وكذلك الطابع العمراني والاجتماعي». أخمن أن الأمر يتعلق بأعراف وعوائد اجتماعية موروثة أو «ممتدة لقرون». والحال أن هذه متغيرة في كل مكان من العالم. الثقافة ليست الطبيعة، والعوائد ليست طبائع، والأعراف ليست أوابد. وفوق كونها متغيرة تاريخياً، فهي متعددة في كل وقت، اليوم وفي الأمس وغداً. في ثقافتنا في ريف الرقة الشمالي، والسكان مسلمون سنيون في أكثرية ساحقة (كان هناك أسر أرمنية في تل أبيض)، لم يُعرَف الحجاب الذي يغطي رؤوس النساء كلياً إلا حديثاً، فهل يجب حظر الحجاب لأنه طارئ، وليس من معهودنا الممتد لقرون؟ وفي منطقتنا نفسها كانت المساكن تبنى من الطين، وهي بيئية جداً وصحية، لكنها مستوجبة لصيانة سنوية. فهل هي من المعهود في التاريخ السوري، أم أن المعهود يشمل فقط ما يشبه أحياء الشام القديمة وحلب القديمة؟ أشير إلى زي النساء والمشهد العمراني في منطقة بعينها لأنه يبدو أن الإسلام الذي يزكيه المشايخ عموماً هو إسلام مديني، ذكوري، محافظ اجتماعياً، ومرتاح مادياً. إنه الإسلام الذي أنتجته وتثابر على إنتاجه سلطات دينية في كنف سلطات سياسية كانت استبدادية، وإلا فطغيانية، بدون استثناءات تذكر.

القصد أن «المعهود في التاريخ السوري» هو تقليد لا يكف مشايخ ذكور عن ابتداعه وتعميمه، وأن فكرة هوية سورية تقوم على الإسلام السني هي اختراع حديث جداً، ظهر في شروط تاريخية معلومة، أولها بطبيعة الحال هو ظهور شيء اسمه سوريا في التاريخ وفي العالم. وهو ما حدث في نهاية الحرب العالمية الأولى كدولة وطنية حديثة يفترض أن تقوم على المواطنة (دون أن يطابق واقعها ذلك حقاً). لظهور سوريا كدولة حديثة بوادر سابقة عليها، تعود إلى حقبة التنظيمات العثمانية منذ 1839، وقد جاءت إصلاحاتها استجابة لانحدار السلطنة ومسعىً للتحديث. لذلك لا يستقيم كلام المشايخ إلا بافتراض استمرارية تاريخية متجانسة، هي استمرارية هوية متجانسة بدورها ولا تتغير، وهذا ليس واقع الحال. تاريخ سوريا خلال قرن ونيف هو انقطاع عما سبق، وهو شهد خلال قرن ونيف انقطاعين كبيرين لما يُحَط بأقدمهما كفاية، ومن باب أولى بثانيهما: الأول هو تحول سوريا إلى دولة سلطانية محدثة بعد ثلاثين سنة من حكم الطاغية حافظ الأسد، والثاني هو وقوع البلد تحت احتلالات متعددة يحتمل أن تستمر عقوداً (ظلت ألمانيا منقسمة لنحو 45 عاماً بفعل احتلالها إثر الحرب العالمية الثانية)، وقد تزول سوريا على نحو ما عرفناها بأثر حداثة وجودها في التاريخ وغزارة التدخلات الخارجية التي صارت احتلالات، و«التخرجات» الداخلية التي صارت تبعيات وطلبات لحُماة مختلفين. أعني بالتخرجات الداخلية طلب قطاعات من الداخل السوري الارتباط بقوى خارجية بغرض تعزيز الوزن أو الحماية أو نيل أرجحية في التنافس مع مجموعات داخلية أخرى. لكن «التخرج» هذا يلغي الداخل على نحو يشكل مصيرُ سوريا اليوم مثالَه الناطق. الحكم الأسدي طليعي في التخرج والتبعية وطلب الحماية من الإيرانيين وأتباعهم، ثم من الروس. لكن الإسلامية السورية بمجملها اليوم تابعة لتركيا، والمناطق التي يسيطر عليها تنظيم الاتحاد الديمقراطي الكردي محمية أميركية. وليس في وثيقة المشايخ إلا ما يندرج في ديناميكيات الاستقطاب والتقسيم و«التخرجات».

يمكن التفكير في البنود الثاني والثالث والرابع من الوثيقة كأسوار حامية. القلب المحمي هو إسلامية سوريا التي نص عليها البند الأول، ثم البند الخامس حول المكونات: «المكوّنات التاريخية العديدة الموجودة في سورية والمتنوّعة في ثقافاتها ولغاتها وأديانها وانتماءاتها هي مكوّنات أصيلة، وحقوقها مصونة مضمونة، وحريّات الجميع مكفولة متناغمة مع الهوية السورية الأصيلة، ولا تعود عليها بالنقض».

بعد أن قرر المشايخ سنية سوريا، يعرضون في البند الخامس من وثيقتهم كرماً حيال غير السنيين، لكن على طريقة طبطبة السيد على كتف التابع. يصون المشايخ حرية «المكونات»، والأرجح أن المقصود أنهم لن يُجبَروا على دخول الإسلام (السني)، وتُترَك لهم شؤونهم الدينية الخاصة وفق نظام أهل الذمة المعروف الذي ألغته التنظيمات العثمانية قبل ما يقترب من قرنين. لكن الوضع الذي قامت ضده الثورة السورية يؤمن «حريات المكونات» هذه وأكثر، بما فيها بالمناسبة حرية «المكون السني». المشايخ لا يَعِدون المكوّنات بغير حريات لا يتجاوز سقفها ما هو متاح لها، المكونات، من حريات في ظل النظام، وربما أقل. الحرية التي حُرم منها السوريون في الحقبة الأسدية والبعثية ليست حرية المكونات بحال، بل حريات الأفراد حيال الدولة (وضمنياً حيال المكونات). ولا يستقيم مفهوم الحرية كسيادة للأفراد على أنفسهم دون حرية الاعتقاد الديني، بما في ذلك حرية عدم الاعتقاد وحرية تغيير الاعتقاد، وحرية اللامبالاة بشؤون الاعتقاد، فضلاً عن الحريات العامة والسياسية. وفي أي سياقات إسلامية، لا بد أن يشمل تصور الحرية الحريات الاجتماعية الخاصة بالزي والأكل والشرب والاختلاط بين الجنسين، وهي حريات يخشى المرء عليها من الإسلاميين وليس من الأسديين وما شابه. وليس بين هذه القضايا ما يتنطع كاتب السطور بالكلام عليها، بل هي قضايا طرحها مسار السنوات العشرة المنقضية بصور بالغة القسوة، وصلت حد الخطف والتغييب، بل حد الصلب والرجم، والغافل وحده هو من يستطيع الاستمرار في التفكير في شأن سياسة الإسلاميين ومعتقداتهم دون إثارتها.

بالمناسبة، لماذا النظام استبدادي طائفي، إن كان المشايخ يفكرون في السوريين كـ«مكونات»، وينكرون حرياتهم كأفراد؟ الطائفية هي حصر الأفراد في منابت دينية ومذهبية موروثة سواءً بقوة القانون (أو «الشرع») أو عبر التمييز السياسي النشط بينهم، والاستبداد هو إنكار حرية الرأي والتعبير والاعتقاد والتجمع والتنظيم على الأفراد المختلفين. ما يَعِدُ به المشايخ، بالتالي، ليس أكثر من نظام استبدادي طائفي بسيادة سنية، يحل محل نظام استبدادي طائفي بسيادة علوية.

وليس واضحاً بعدُ من هي «المكونات» التي يعتبرها المشايخ أصيلة. هل العلويون مشمولون بها؟ والدروز؟ والاسماعيليون؟ والإيزيديون؟ أم هي مقتصرة على «أهل الكتاب»، أي عملياً على المسيحيين؟ هنا أيضاً مسألة طرحها الواقع، ولا يفتعلها الكاتب. جيش الإسلام وجبهة النصرة وداعش استهدفوا علويين بوصفهم علويين، واعتقلوا وقتلوا نساءاً ورجالاً وأطفالاً وشيوخاً. وداعش قتلت رجال الإيزيديين في سنجار وسَبَت نساءهم واستعبدتهن جنسياً وشرّعت ذلك دينياً (لم يُسمَع صوت للمشايخ ضد ذلك بحدود ما أعلم). السياق المعلوم لحدوث هذه الجرائم، أعني اندلاع المَنازِع الإبادية لدولة الأسديين بعد الثورة، لا ينزع عنها صفة الجرائم.

ثم ليس واضحاً كذلك المقصود بكفالة حريات «المكونات التاريخية»، «متناغمة مع الهوية السورية الأصلية»؟ هذا يشبه اشتراطاً من هذه الهوية الأصيلة المزعومة، أي السنية، على «المكونات التاريخية»، يوجب عليها أن تنضوي ضمن تلك الهوية، وألا تعود عليها بالنقض. هذه الصيغة الملتبسة باب لتدخلات سلطوية من كل نوع باسم الهوية الأصلية التي لا يجوز نقضها. هل بناء كنيسة جديدة يعود بالنقض وعدم التناغم على «الهوية الأصيلة»؟ أو امتلاك خمارة؟ أو ارتداء زي يقرر جهاز حسبة مشايخي أنه غير محتشم؟

في المحصلة، تَصوُّر الهوية الصادر عن مشايخ المجلس الإسلامي السوري ساكن وغير ديناميكي، يجعل من معطيات متشكلة تاريخياً ومتغيرة تاريخياً الأساس الثابت لهوية البلد، يغفل كلياً ما يتصل بعناصر الهوية الأحدث، رغم أن إطار الهوية المحال عليه، سوريا، حديث كلياً ولم يكن له وجود قبل نهاية الحرب العالمية الأولى.

عن السياق

نفهم الوثيقة التي لا تصرّح بشرطها السياسي إن فكرنا فيها كتعبير عن قلق وجودي يعرضه المشايخ السنيون بفعل تحطم بيئات سنية سورية واسعة، سواء بالمجازر أو التهجير، وبالتالي تطلع نافذين ضمن هذه البيئات إلى ضرب من الحماية. لا القلق الوجودي، ولا الحاجة إلى الحماية، اختراع مشايخي. النظام الطائفي الذي ميّز بين السوريين وأقام سياسته مثل الاستعمار الفرنسي على حماية الأقليات ولّدَ مطلب حماية الأكثرية الذي يصدر عنه المشايخ، دون أن يحظى أحد بالحماية في واقع الأمر غير الطغمة المالكة الحاكمة. وتأخذ حماية الأكثرية شكلاً محسوساً يمتزج فيه التهجير مع التشييع مع الإحلال، مما هي ركائز لمشروع توسعي إيراني في سوريا، إلى جانب العراق ولبنان، عمليات فاقمت بمجملها ما كانت دِبرا آموس سمّته في كتاب لها سبق الثورات العربية «الأفول السني» (تُرجم إلى العربية بعنوان: أفول أهل السنة). وهذا اتجاه توطّدَ بعد مشاركة إيران مباشرة وعبر ميليشياتها اللبنانية والعراقية وغيرها في سحق الثورة السورية، وفي حماية النظام الطائفي (أُشارك المشايخ التشخيص، وإن بدلالة مغايرة، فصّلتُها في كتابي: السلطان الحديث، 2020). وثيقة المشايخ يبطنها قلق الأفول، لكنها لا تسمّي هواجسها بأسمائها، ولا تستطيع صوغ خطاب عدالة وإنصاف حولها، يخاطب عموم السوريين وعموم الناس. خيالها السياسي المسكون بأشباح إمبراطورية من الماضي الغابر يقودها نحو إعلان مُناقِض كلياً للواقع: سوريا سنية (وهذا بينما المتن السوري يقع في كنف دولتين قوميتين، لا تشكو مَنازِعهما الإمبراطورية من الخفوت: إيران وروسيا). الجماعة لا يتكلمون بمنطق صاحب القضية العادلة الذي يخاطب العادلين في كل مكان مستنصراً وطالباً التضامن والشراكة، ولا بمنطق الضعيف الذي قد يطلب أماناً مساوياً لنفسه مع غيره، ما قد يدفع إلى ميثاق أمان عام سوري، بل يتكلمون بعتو وتعالٍ مألوف. هذا العتو أو الصلف السني يبدو أثراً لميراث إمبراطوري قديم، للاعتقاد بحق السيادة واللامساواة مع الغير في «الشرف» والسلطان، ولاستثناء دائم للنفس من قواعد تعمها مع غيرها. وما يثير السخرية هو أن هذا التكوين النفسي الأخلاقي يتعارض اليوم كلياً مع وضع المسلمين السنيين في سوريا وفي كل مكان. هناك حالة ضعف وفشل عامة، تقود إليها الدول في مجالنا، كما يقود إليها الدين بشهادة كل التجارب التي قامت باسمه في الأربعين سنة الماضية. وقد يجازف المرء بالتفكير في حاجة المسلمين السنيين إلى سياسة تتوافق مع شروطهم الواقعية، أي التصالح مع شرط الضعفاء الذي يعملون إلى جانب أشباههم من الضعفاء على تغيير الواقع، ومن أجل المساواة والحرية والاحترام. أعني أشباههم من المسلمين وغير المسلمين، من الغارمين في عالم اليوم، وممن يتطلعون إلى عالم أعدل يعيشون فيه بكرامة. كان من شأن ذلك في تصوري أن يجعل الإسلام دين احتجاج الضعفاء على الإمبريالية في نطاقات عالمية أوسع. لكن ليس هذا هو الإيثوس أو النَّفَس السائد في بيئات الإسلاميين السنيين. السائد هو عنجهية ديانة المنتصرين، رغم هزيمتهم الواقعية وضآلة شأنهم الواقعي. ويتظاهر هذا السائد في طلب السيادة، أي عملياً الحق الحصري في القتل والتعذيب والاستتابة (وليس السياسة حيث يكونون قوة بين قوى أو طرفاً بين أطراف)، وانتحال سلطة تعريف الكل، وعدم احترام أيٍّ كان أو الاعتراف بأيٍّ كان كندّ ومساوٍ. الإسلاميون «إمبرياليون مقهورون»، مع كونهم في الوقت نفسه من ضحايا الإمبرياليات القاهرة، الغربية والروسية والصينية، ولذلك يفتقر احتجاجهم على الإمبرياليات إلى محتوى تحرري. ماذا يُحتمَل أن تكون سياسة الضعيف الذي يحلم أحلاماً إمبراطورية بدل أن يحلم بالمساواة والأخوة؟ الإرهاب، الغدر بالأقوياء. الإرهاب ينبثق من هذه الفجوة الفاغرة بين ضعف لا يطاق وبين تطلع إمبراطوري لم يُصفَّ الحساب معه. أو هو الحل العنيف للتناقض بين واقع المهزومين وديانة المنتصرين، الحل الذي لا يحل مشكلة الضعف والهزيمة، بل يبعث على الانحلال والأفول. الأقوياء سيردُّونَ بـ«الحرب ضد الإرهاب»، وهذه تعذيب جماعي وليست حرباً بحال، ومن هذه الدورة تتولد العدمية والكراهية والاحتقار الشامل، ومجتمعاتنا وليس مجتمعات الأقوياء هي التي تُدمر وتتدهور.

يتكلم المشايخ باسم مسلمين سنيين سوريين تعرضوا لتشتيت رهيب وتمزق مجتمعاتهم تمزقاً قد لا يُرأب، وخرجت من صفوفهم تشكيلات إجرامية شريرة فاقمت تمزقهم ودمار بيئاتهم، ومع ذلك ترى المشايخ، وهم أنفسهم لاجئون في تركيا، يتشرطون على غيرهم ويتكلمون كأنهم فاتحون.

لا يَغفل كاتب هذه السطور، وهو نفسه لاجئٌ مثل المشايخ، عن طائفية النظام، ولا عما تعرضت له بيئات سنية من تمييز طوال الحقبة الأسدية، ومن تدمير تمييزي بعد الثورة، استهدفها وحدها بالمجازر الكيماوية والبراميل المتفجرة والقصف بالطائرات، واغتصاب نساء ورجال في مقرات أجهزة الأمن الأسدية، الطائفية بشدة. كل ذلك باعث على الغضب، لكن مقاربة المشايخ للهوية السورية تضفي صفة نسبية على جرائم النظام، ما دامت لا تقترح غير هوية سنية لسوريا، وبالتالي حكما سنياً، وليس وطنية سورية استيعابية تقوم على المواطنة.

لا يقف مبدأ حماية الأكثرية، الذي هو المحتوى الفعلي لوثيقة المشايخ، في مواجهة حماية الأقليات، التي جعل منها النظام حجر الزاوية في حملة علاقات عامة يديرها في الغرب والعالم. بالعكس، هو يزجنا في منطق حرب أهلية دائمة، ويحكم على مستقبلنا بأن يكون استمراراً سنياً للأسدية.

تطييف وتبعية

وثيقة الهوية السورية تعكس تقدم تطييف السنيين السوريين، وشمول طلب الحماية الجميع، الكثيرين وغير الكثيرين. الكل في قلق وجودي، خوف من الفناء. ومع قلقهم هذا، لا يُحتمَل للسنيين السوريين، بصفتهم هذه، أن يحظوا بحماية أي كان. سوريا تبدو أهم لإسرائيل ولروسيا ولأميركا من أن تُترك لحكم سني. سبق لوزير الخارجي الروسي سيرغي لافروف أن قال ذلك علانية. وليس في ما تعرضه سياسة الإسلاميين، ومنهم مشايخ المجلس الإسلامي السوري في إسطنبول، من قلة احترام لأي كان في العالم، وقبل ذلك للسوريين غير السنيين وللسنيين غير النمطيين، ما يدفع أياً كان إلى مراجعة هذا التفكير. صحيح أن عالم اليوم ليس مرجعية عادلة يُستنَد إليها، لكن من سيساعد الضعيف المتعجرف الذي لا يساعد نفسه، ويظن أنه يحتكر الصواب في العالم؟ يمكن لتركيا أن تحمي المشايخ والإخوان والسلفيين التائبين، مثلما تحمي إيران وروسيا بشار ورهطه. لكن هذا يجعل المحميين عملاء والحماة سادة. أوهام المشايخ وتصوراتهم الذاتية لا وزن لها أمام وقائع القوة الفعلية.

ويرجِّح هذا السياق ألا تحظى مساعي بناء مرجعية سنية سورية بالحياة لأنها ولدت مصابة بتشوه ولادي: التبعية! وإنما لذلك ليس المجلس الإسلامي السوري مكاناً مناسباً للكلام على «القرار الوطني السوري المستقل»، مثلما تراءى للسيد جورج صبرا في كلمة له أمام المشايخ في صيف 2017. بعد حين تتغير المعادلات السياسية التي نشأ فيها هذا المجلس، ويجد القوم أنفسهم «على الحديدة»، مثلما يبدو أنه يحصل للإخوان المسلمين المصريين بأثر التقارب بين الحكومتين التركية والمصرية. ما يمكن أن ينقض ذلك ويحمي من الأفول هو عكس ما يقوم به المشايخ بالتمام: التواضع والتعلم وتغيير الذات والاحترام والشراكة مع الغير.

الإسلامية المطلقة

تصدر وثيقة مشايخ المجلس الإسلامي السوري عن تصور للذات يمكن تسميته الإسلامية المطلقة على غرار العروبة المطلقة، البعيثة. العروبة المطلقة تقرر أن السوريين كلهم عرب، وعروبتهم ماهوية، مثل إسلامية السوريين بحسب المجلس الإسلامي السوري؛ وأنهم جزء من «الوطن العربي الكبير» الذي ينفصل عن غيره بحدود طبيعية: صحاري وبحار، بينما لا تفصل بين أقطاره المختلفة غير حواجز مصطنعة من صنع الاستعمار. أي أننا كلنا مثل بعضنا، كلنا عرب، وكلنا على اختلاف تام مع غيرنا من غير العرب. من قد يمثلون شوائب أو خروجاً على هذا المنطلق، «يُجْلَون من الوطن العربي» على ما قرر دستور حزب البعث عام 1947. وبطبيعة الحال سيكون الحكم حقاً شرعياً ودائماً لرافعي راية العروبة. الهوية ثابتة لا تتغير، طبيعة. لكن هذا وهم، وليس هناك ما هو ثابت إلا الموت. الهوية الثابتة هي نتاج تثبيت يقوم به منتفعون، يجنون منها مكاسب رمزية وسياسية ومادية، ويعود عليهم تثبيتها بإشغال وضع مرجعي، يجنون منه الوجاهة والطيبات.

الإسلامية المطلقة تقرر أنه كلنا مسلمون، إن لم يكن اعتقاداً، فثقافة وحضارة بحسب المشايخ. ثم أنه كلنا مختلفون عن غيرنا من غرب وغيره اختلافاً تاماً. ومثلما أن العروبة المطلقة لا تعني بحال أن العرب كأفراد ومجموعات حظوا بامتيازات رفعتهم فوق غيرهم، فإن الإسلامية المطلقة لا تعني بحال أن عموم المسلمين، أو المسلمين السنيين، سيكونون بخير في ظل حكم إسلامي. داعش والنصرة وجيش الإسلام، وهم إسلاميون مطلقون، أسسوا إمارات طغيان وتعسف، عانى منها «عوام المسلمين» أكثر من غيرهم، وجعلوا الجريمة منهج حكم مثل الأسديين.

وثيقة المجلس الإسلامي السوري تنتمي إلى عالم الإسلامية المطلقة والفوق-دستورية، لا إلى إسلامية دستورية يمكن أن تقول إن المسلمين يعيشون في مجتمعات عينية مختلطين بغيرهم ومتمايزين داخلياً إلى جماعات فرعية مختلفة وأحياناً متنازعة، وأنهم جزء من بشرية تعاني من مشكلات كبيرة وعليهم أن يساهموا في حلها، وأن يكونوا سنداً لغيرهم في قضايا العدالة والتمييز مثلما يجدر بغيرهم أن يكونوا سنداً لهم، وأن الحكم السياسي يتوجه بهذه الاعتبارات التي تولي كرامة السكان المختلفين وإضعاف منابع التوتر المحتملة أعلى أولوياتها، وأن المسلمين يستلهمون ما في دينهم وتاريخهم من مبادئ تُعين على السير في هذا الاتجاه. الإسلامية الدستورية هي وحدها «ثقافة وحضارة»، إن حاكينا لغة المشايخ، وهي من يمكن أن تكون ثقافة وحضارة لغير المسلمين في بلدان يشكل سوادها من مسلمين. الإسلامية المطلقة لا يمكن أن تكون ثقافة وحضارة لأحد، ولا للمسلمين السنيين. ومعلوم أن تشكيلاتها أخذت الإسلام لنفسها، وهي (وليس أي علمانيين) من فصلته عن المجتمع الذي حسب نفسه مسلماً على الدوام، وصارت تعيد أسلمة المحكومين بالدورات الشرعية وشرطة الحسبة، إلى درجة أن صار لسان الحال يقول: «يا أخي هدول الجماعة عندن دين نحن ما بنعرفو» (تُنظَر مقالة أوس مبارك عن جهاز الحسبة في جيش الإسلام). الإسلامية المطلقة نظام حزب واحد ديني، بالغ المحافظة، عنيف، ونَزّاع نحو الفاشية. هو بعثية إسلامية. الإسلامية المطلقة هي إسلامية التطبيق، سواء تطبيق الشريعة أم تطبيق العقيدة أو الحاكمية الإلهية. مفهوم التطبيق فاشي في كل حال، سواء تعلق الأمر بالتطبيق الاشتراكي أو تطبيق الشريعة، يعامل الحياة البشرية والاجتماع البشري كأشياء مِطواعة يمارس عليها المطبِّقون السياسيون والدينيون معتقداتهم المعصومة، فيحذفون بعنف لا يحد ما لا يتوافق مع ما يمليه اعتقادهم. ولقد رأينا النماذج سلفاً. قول ذلك هنا أيضاً ليس مسألة استدلال منطقي.

والسؤال الذي طرحته علينا نماذج الإسلامية المطلقة أو السلطات الدينية المطلقة هو كيف يمكن ضبط هذه السلطات؟ كيف يمكن منعها من الطغيان؟ من قيام نظام حِسْبوي تجسسي، يتلصص على سماع الموسيقا أو اختلاط نساء ورجال، أو لون طرف ثوب امرأة تحت نقابها الأسود، أو مقالات يتشمم منها مخبرون دينيون نفساً غير تبجيلي للعقيدة المفروضة؟ كيف يمكن دسترة هذه السلطة؟ كيف يمكن حماية المجتمع منها؟ أياً يكن الأمر، فإن الدستور الضابط لسلطةٍ ما لا يمكن أن ينبع من هذه السلطة على نحو ما تريد الإسلامية المطلقة. ما يحمي المجتمع من سلطة الإسلاميين ليس شرع الإسلاميين، بل دستور مدني، وضعي، تصدره «جمعية تأسيسية» السوريين.

خصخصة الثورة سنياً

ليس غرض هذا التدخل بطبيعة الحال هو إقناع المشايخ بخلل تفكيرهم. الجماعة يعيشون في عالم يخصهم عالي الأسوار. الغرض هو مخاطبة غير المشايخ من السوريين ممن يعيشون خارج الأسوار لإظهار خطورة هذا الطرح الذي يستفيد تمام الاستفادة مما تورثه سلطة إبادية كالحكم الأسدي من انفعال وغضب كي يضعف المَنازِعَ النقدية حياله. كلام الرجال المتدينين المدينيين الملتحين المقيمين في إسطنبول طائفي وتمييزي، وليس لحكم طائفي، قاتل وعميل، أن يحجب حقيقته. هذا يظهر بوضوح أكبر في مقالة الدكتور محمد أمين الجمال الذي يدنو من الأرض و«أبناء هذه الأرض» كما سنراه يقول، ولا يحوم في سماوات العمومية التي حوّم فيها المشايخ.

في مقالته التي تعلق على وثيقة المجلس الإسلامي السوري وتشرحها وتدافع عنها، والتي نشرت مثلما تقدم في مجلة المجلس، مقاربات، يقرر الجمال بداية أن «شعوبنا التي خرجت من المساجد بشعارات عفويّة في أوّل الثورة تهتف للحريّة لهي أحقُّ بإعلاء قيمة الهويّة، وأولى أن تكون الهويّة متمثّلة في منطلقاتها في الحياة ومنطلقاتها في الثورة». ويضيف مؤكداً: «لم يخرج الثائرون ليعبّروا عن هويّة شيوعيّة ولا عروبيّة قوميّة، ولا كرديّة ولا شركسيّة، ولا ليعلنوا انتماءهم إلى الديمقراطيّة الغربيّة أو الليبراليّة الأوروبيّة، بل خرجوا تعبيراً عن هويّة دينيّة». هنا عدد كبير من المصادرات لا مفر من التوقف أمامها. خرج الثائرون بدءاً من درعا ضد نظام بهيمي، يعذب الأطفال ويهين الآباء، ويعامل عموم محكوميه بعنجهية واحتقار. هذا واقع معروف، ومن يقول بعكسه عليه أن يثبت ما يقول. والجمال لا يثبت، يقرر فحسب. ولم يُسمَع في احتجاجات الثورة السلمية الباكرة تأكيد خاص على هوية إسلامية سنية، وإن كان مرجحاً أن أكثر الثائرين ينحدرون من بيئات سنية. وحين هتف الثائرون «سوريا لينا وما هي لبيت الأسد» لم يكن المقصود أن سوريا للسنيين فقط، بل إنها للسوريين. وكان هذا الهتاف موجهاً ضد خصخصة الدولة. وخصخصة الثورة مثلما يفعل المشايخ وشارحهم ليست الردَّ على الدولة المخصخصة، بل هي استمرارٌ لها. معلوم أنه حيثما سيطرت المجموعات الإسلامية التي سبقت المشايخ والشارح في خصخصة الثورة أنتجت أسدية إسلامية.

خرج السوريون احتجاجاً على ذل وطغيان، وبغرض تغيير النظام السياسي القائم منذ أربعين عاماً وقتها. والسياق معلوم، هو «الربيع العربي»، وهو تمرد اجتماعي انتشر في ستة بلدان خلال أسابيع طلباً للتغير السياسي، تحفزه قيم الكرامة والحرية والعدالة، ولم يكن تعبيراً عن «هوية دينية»، وإن لم يكن مُنازٍعاً لها بحال. خرجت بعض مظاهرات السوريين من مساجد ولم تخرج بعضها من مساجد. من تجمعوا في ساحة الساعة في حمص قبل المجزرة ليلة 18 نيسان جاءوا من بيوتهم، وربما جاء بعضهم من المسجد. ومن حاولوا احتلال ساحة العباسيين في دمشق في مطالع نيسان 2011 جاءوا من البلدات والضواحي القريبة. وخرج طلاب جامعة حلب من الجامعة، وليس من الجامع. ولكان طلاب جامعة دمشق فعلوا الشيء نفسه لو لم تكن جامعتهم واقعة تحت احتلال أشد قسوة. وهو ما لا يطعن في أن كثير من المظاهرات خرجت من مساجد هي أماكن التجمع الوحيدة في سوريا. ليس هناك مقرات أحزاب معارضة أو منتديات شبابية واجتماعية مستقلة، أو نقابات مستقلة، أو قوى ديمقراطية متمرسة بتنظيم النشاط الاحتجاجي في المجتمع. الواقع أن الشبكات الدينية انتفعت دون غيرها من الطغيان الدولتي لأن الدين يجنح لأن يكون سياسة مجتمعات بلا سياسة، مجتمعات مفقرة سياسياً، ممنوعة من الاجتماع ومن الكلام والاحتجاج. في ألمانيا الشرقية وفي بولونيا قامت الكنيسة بدور مماثل ضد نظام الحزب الواحد، الشيوعي، الذي حطم المنظمات الاجتماعية المستقلة وألغى الحياة السياسية. لا يفعل الناس ذلك اليوم في أي من البلدين حين يخرجون محتجين.

وبالمناسبة، فإن الخروج من المساجد الذي يقرره الجمال هو بالذات ما يأخذه على الثورة السورية معادون لها مثل الشاعر أدونيس. ومثل الجمال يصر الشاعر الذي تفرغ للطعن في الثورة السورية (وللثناء على نفسه) على أن المظاهرات خرجت من المساجد، ويرفض أن يرى لماذا خرج ما خرج منها من المساجد، كما واقع أن مظاهرات كثيرة لم تخرج من مساجد. في الحالين لدينا مصادرة ماهوية لحدث تاريخي كبير ومركّب ومتعدد المحركات وواسع القاعدة. واحد يقرر إسلامية الثورات ليستأثر بما تعود به من شرعية، وواحد يقرر إسلاميتها كي ينكر عليها الشرعية. الاثنان طائفيان على حد سواء.

لا يلبث الدكتور أن يقرر إسلامية الهوية وصمودها في وجه العابثين طوال أربعة عقود، «فلم يستطيعوا تغيير الهوية لتصبح هويّة قوميّة أو اشتراكيّة أو بعثيّة أو شيوعيّة!» بلى، كانت الهوية قومية عربية بين استقلال سوريا وحتى سبعينات القرن العشرين، وكان التماهي العربي أقوى من التماهي الإسلامي الذي صعد بارتباط وثيق مع الحجر السياسي على المجتمع السوري، وحدوث ما يشبه ذلك في معظم المجتمعات العربية. ثم إن للموجة الإسلامية الحالية بدء، وما له بدء له انتهاء. وضمن الموجة موجات فرعية منها السلفية الجهادية وتتويجها بداعش. والدعاة الداعشيون يعتبرون الإخوان علمانيين، على ما ورد بالفعل في كتاب إدارة التوحش لأبي بكر ناجي.

ولمن قد يتساءل عن «طبيعة المجلس الإسلاميّ» الذي يشرح الجمال وثيقته، و«من الذين يمثّلهم المجلس ويتحدّث باسمهم، ويعدّ مرجعيّة لهم»، يأتيه جواب الدكتور الجمال كالتالي: «أكثريّة سكّان سوريا التي عبّرت الوثيقة عن هويّتها، فنحنُ المسلمون السنّة الذين يقطنون هذه البلاد منذ مئات السنين، ولغةُ عامّتنا هي اللغة العربيّة». ليس معلوماً متى أُعطي المجلس الإسلامي صفة تمثيلية ومرجعية، ومن أعطاه إياها، وبأي حق. لكن ما لم تصرح به وثيقة المشايخ من أن ما تعنيه بالإسلام هو الإسلام السني صرَّحَ به الدكتور في مجلة المجلس وتعليقاً حماسياً على وثيقة المجلس. وما يغفل عنه المجلس يغفل عنه الدكتور، وهو أن الأكثرية الأهلية التي يُحيلون إليها ليست موحّدة سياسياً ولا اجتماعياً ولا فكرياً ولا نفسياً، وأن ما انتسب إليها من تعبيرات سياسية كانت متقاتلة فيما بينها، وأن قطاعات منها موالية للنظام إلى اليوم، وقطاعات منها لا تُعرِّف نفسها كإسلامية ولا كسنية، بل ترتضي تعريفاً وطنياً سورياً أو قومياً عربياً، وهذا دون أن تكون بالضرورة على عداء للإسلاميين، ومن باب أولى للإسلام. على أن منها ما هو معاد بالفعل، وهذا العداء يظهر بقوة أكبر كلما أخذت الإسلامية شكل الإسلامية المطلقة، ويتراجع حين تقترب من أن تكون إسلامية دستورية أو مقيدة.

 وبعد أن حدد النحن على الصورة المتقدمة، يميز الدكتور الجمال بين ثلاثة أشكال لـ«الآخر»، تعزز ما تقدَّمَ استنتاجه من أن ما تنفتح عليه وثيقة المشايخ الذين انتخبوا أنفسهم مرجعية إسلامية سورية هو نظام أهل ذمة محدث. «الآخر» عموماً هو «المنتمي إلى غير هذه الهوية، من أبناء هذه الأرض الذين يشاركون الأكثرية في العيش المشترك عليها منذ مئات السنين». هل لهذه العبارة الأخيرة الدلالة ذاتها للقول: الذين تشاركهم الأكثرية العيش منذ مئات السنين؟ ذلك أن بعض «أبناء هذه الأرض» أقدم من «الأكثرية» كما يعلم الدكتور. والسؤال الذي يفرض نفسه هنا: لماذا هوية سوريا هي الإسلام السني، بينما «أبناء هذه الأرض» متنوعون؟ فإذا كانت سوريا وطن السوريين وجب بناء تصور استيعابي للهوية، وليس تصوراً استبعادياً يقوم على عقيدة بعض السوريين. والتصور الاستيعابي لا يمكن أن يكون دينياً. فدين البعض، وإن كانوا أكثرية، لا يمكن أن يكون هوية الجميع، ولا من باب أولى دولة الجميع.

ويُفرِّع الكاتب «الآخر» إلى ثلاثة أصناف. الآخر الأول هو «الواقف في وجه الظالمين المناوئ للبطش والديكتاتوريّة والاستئثار بالسلطة والحكم والموارد من حَمَلَة المبادئ غير المنتمية إلى هويّة هذه البلاد؛ إمّا لكونهم من أتباع ديانات أخرى كالنصيريّة والدرزيّة والنصرانيّة والصابئة، أو لكونهم من أتباع أيديولوجيات مستوردة من الشرق أو الغرب؛ الذين يرونَ تمسّك عموم الشعب بعاداته وتقاليده جزءاً من التخلّف والعودة إلى العصور الحجريّةِ، وانتماءً إلى الجزيرة العربيّة!». الرجل يتكلم على «واقفين في وجه الظالمين»، لكن فكره يسوقه سوقاً إلى الحط من شأن من ليسوا مثله منهم. إذ بعد أن سجل الدكتور والمشايخ سوريا باسم المسلمين السنيين يصير من ليس منهم غريباً، غير منتمٍ إلى هوية هذه البلاد! وضمن صنف الآخر هذا هناك صنف فرعي أول مشكَّل من علويين (نصيريين بلغة الدكتور الذي لا يبالي باسم علويين الذي ارتضوه لأنفسهم) أو دروز أو مسيحيين (يسمي الدكتور دينهم بالنصرانية) أو إيزيديين (صابئة)، ثم صنف فرعي آخر مكون من «أتباع أيديولوجيات مستوردةٍ من الشرق أو الغرب»، والأرجح أن الأمر يتعلق بمسلمين سنيين سوسيولوجياً لكنهم يساريون أو ليبراليون أو علمانيون. بما أن «الأصيل» هو الدكتور ومن يشبهه، فإن من لا يشبهه مستورد. ولا يتخيل الرجل من لا يشبهونه إلا مزدرين للشعب المتدين وناسبين له إلى عصور حجرية أو إلى الجزيرة العربية. هناك أصوات من هذا النوع بالفعل، لكنها في صف النظام وليس من طرف الثورة عليه، ولهم التكوين المتعصب، وفي الغالب الطائفي، الذي هو تكوين الدكتور.

يستخلص الجمال أن هذا الصنف الأول من الآخر «لا يمكن أن يكون منتمياً إلى الهويّة انتماءً مباشراً، وإن كان منتمياً إلى وصفَي العربيّة الإسلاميّة أو أحدهما بمعناه العام الذي يشكّل العمود الفقريّ في هذه الهوية، وإن كان هؤلاء منتمين إلى الثورة أيضاً». لا يكفي أن يكون المرء عربياً مسلماً، ولا يكفي أن يكون منتمياً إلى الثورة السورية، ينبغي أن يتبع ملّة الدكتور حتى ينال الرضا.

الآخر الثاني هو «الذي لم يعترض على الظالم اعتراضاً مباشراً، ولم يمنعه من ظلمه، ويُظهِرُ نفسَه معتدلاً غير مشاركٍ في الإثم والعدوان على الأكثريّة، وهم كثير من أبناء المناطق التي بقيت تحت سيطرة النظام من السنّة وغيرهم من المنتمين إلى الهويّة من حيث الأصل، المبتعدين عنها من حيث الممارسة والسلوك». تُرى لم لا يقال لنا بوضوح إن الإسلاميين السنيين ذوي التكوين الإخواني أو السلفي أو السلفي الجهادي هم الهوية، وليس حتى عموم المسلمين السنيين؟

الآخر الثالث هو «الموافق للظالمين، الذي شارك في قتل الأكثريّة ومحاولة تغيير هويّتها ديمغرافيّاً وعسكريّاً وثقافيّاً». بعض هذا الآخر، على ما لا يخفى على الدكتور، من «الهوية السورية الأصيلة»، مسلمون سنيون، وهو ما من شأن التبصر فيه أن يحيل إلى توزيع سياسي للآخرية إن جاز التعبير، توزيع أكثر عدالة وإنسانية، دون أن يكون متعامياً بالضرورة عن الطائفية والتمييز الطائفي.

ويقرر الجمال أن «الواجب الشرعي» يقضي «بقبول الصنف الأول والثاني من الآخر في إطار الوطن، والتعامل معهم في نطاق الحقوق والواجبات كما نتعامل تماماً مع من ينتمي إلى الهويّة نفسها انتماءً حقيقيّاً كاملاً… فلهم ما لنا وعليهم ما علينا، من البرّ إلى محسنهم ومنع مسيئهم من الإساءة إلى الدين أو الهوية أو المجتمع، والأخذ على يد المعتدي». الكاتب يضع نفسه وهويته في موقع السيد، واضع القوانين والديّان على الناس. وهو، الإسلامي السني، يقرر من يقبل ومن لا يقبل. وبطبيعة الحال هو من يُعرِّف من هو المحسن ومن المسيء، ما يضع عموم غير الإسلاميين السنيين في ذمة أمثال الدكتور، لا يعرف الواحد منا متى يجد أشباهُ السيد في أقوالنا وأفعالنا ما يسيء، فنعتصم بالصمت أو نهجر البلاد مثلما فعل سوريون كثيرون في ظل الحكم الأسدي. ما سنحصل عليه من سيادة هوية المشايخ والدكتور هو أسدية إسلامية سنية، لا أكثر ولا أقل.

يستأنف الجمال كلامه عن معاملة «الآخر» بالقول: «وليس من المقبول أن نتنازل عن ثوابتنا أو نطمس هويتنا تحت شعار رعاية الآخر والقبول به، ولا من المطلوب منا شرعاً أن نغيّر أحكام ديننا من أجل أن يقبل بنا الآخر! الذي لا يمثّل هوية المجتمع». يتكلم الأخ كأنه صاحب البيت في سوريا، و«الآخر» أو الآخرون غرباء حلوا عليه ضيوفاً ثقلاء. ترى ما يكون الحال معه لو لم يكن لاجئاً في تركيا، وكان حاكماً في سوريا؟

أما الآخر الثالث فيريد الجمال محاكمته محاكمة عادلة، والعدالة هي فرض قانونه هو أو شريعته هو على غيره. إذ بالطبع لا يجوز أن يتنازل عن ثوابته.

فإن لم يتضح ما يريده شارح وثيقة مشايخ المجلس الإسلامي السوري عن هوية السوريين إلى الآن، يزيدك الشارح بياناً: «قبول الآخر لا يعني أن يأخذ حقوق الأكثرية، ولا يعني أن نقتنع بفكره ونغيّر هويتنا تماشياً مع رأيه ووجهات نظره، ولا يعني عدم بيان ما في فكره من مفاسد من وجهة نظر الأكثريّة الذين يشكّلون هذه الهويّة». ولكن من قال لك أن تغير شيئاً من نفسك أو ما بنفسك يا سيد! المشكلة معك ليس في أنك لا تريد أن تتغير، فهذا شأنك، بل في أنه لا يهنأ لك عيش دون أن تفرض معاييرك وأفكارك على غيرك باسم ما تزعم من هوية أصيلة؛ المشكلة أنك تريد من غيرك أن يقبلوا سلطانك وسيادتك، فلا يظهروا أفكارهم وعقائدهم أو يعبروا عنها، ولا ينتقدوك، ولا يقولوا إنك مستبد أرعن أو طائفي متعصب أو متسلط فاسد، وهذا مثل حالنا تماماً في ظل حكم الأسديين! المشكلة أنك تريد لـ«الآخر» أن يكون مواطن درجة ثانية أو أقل، ذمي، يحق لأشباهك بيان ما في فكره من مفاسد بحسب فكرتك عن المصالح والمفاسد! وبطبيعة الحال لا يمكن التفكير في أن للآخر المنكود الحق في بيان ما في فكرك من مفاسد وتمييز وتعسف. الأرجح أنه سيفقد رأسه أن جالت فيه فكرة كهذه. الجمال يعرف مثلما يعرف المشايخ كل ما هو حق، وله ولهم الحكم على جميع الناس لأن السيادة لهم، ولهم الحق دون غيرهم في ألا يكون مساوين لغيرهم.

وبلا مناسبة، يختم شارح وثيقة المجلس الإسلامي السوري مقالته بالقول: «إنّ الدعوات إلى النسوية وإلى الجندر وإلى قانون الزواج المدني المخالف للشريعة الإسلامية هي دعوات لإنكار الهوية والبعد عن الذات، وفي مؤدّاها دعوات إلى الانحلال الأخلاقيّ الذي لا يمكن أن يتوافق مع الهوية السوريّة الوطنيّة». يصعب التعليق. قبل كل شيء يتساءل المرء إن كانت هذه اللغة الغوغائية المُسفّة لغة «أستاذ الدراسات العليا في جامعة إسطنبول» على ما جرى تعريف الرجل في المجلة (دون توضيح لحقل دراساته… العليا)، فما تكون لغة المتعلمين على يديه؟ وهل يعسر عليه أن يفهم أنه في مجتمعاتنا المعاصرة، مثل كل المجتمعات، أخلاقيات متعددة، وأن الصراع الفكري والقيمي الحقيقي عندنا وعند غيرنا هو بين أخلاق وأخلاق، وليس بين أخلاق ولاأخلاق مثلما أوهمته ميلودراماه الدينية؟ وأن «النسوية والجندر والزواج المدني» تندرج ضمن أخلاقية أساسها الحرية وسيادة الناس، نساءً ورجالاً، على أنفسهم، ويعرض معتنقوها شجاعة وحساً بالعدالة يفوق ما يعرضه الدكتور، فضلاً عن أفق معرفي أوسع؟ وأن الشريعة الإسلامية هي أخلاقية بين أخلاقيات ممكنة، وأن محتواها الأخلاقي ينحدر بشدة كلما فُرضت بالقوة؟ وإذا كان بيان المحاسن والمفاسد حقاً متاحاً للجميع، ولا شيء يكون حقاً إن لم يكن قابلاً للتعميم، فسيجد كثيرون وبحق أن في الزواج المتعدد للرجل تمييزاً غير عادل بين الرجال والنساء (تشهد به كل امرأة مسلمة حين تكره زواج رجلها بأخرى)، ويحق للنساء والعادلين من الرجال الاعتراض عليه. النسوية متكونة حول مطالب من هذا النوع موجهة ضد امتيازات الرجال والسلطة الذكورية. إنها دعوة للعدالة وليس للانحلال الأخلاقي على ما يضلل الدكتور غيره ونفسه. والزواج المدني مبني على مبدأ أن الزواج علاقة بين فردين، وليس بين دينين أو طائفتين، وأن الفردين هما من يقررانه. هذا أكثر توافقاً مع الحرية والعدالة، وإن لم يكن ما تفضله سلطات دينية. وهو بلا شك غير منحل أخلاقياً خلافاً لما يفتري الجمال.

والطريف والدال أنه عند التدقيق في آخرَي الجمال الثلاث نلاحظ أن الآخر الأول، المشارك في الثورة، و«المناوئ للبطش والديكتاتوريّة والاستئثار بالسلطة والحكم والموارد»، هو من يربك وجوده الدكتور أكثر من الآخرين الثاني والثالث، «الصامت» و«الموافق للظالمين». وهو يستخرج من قبو قومي إسلامي متعفن عبارة الإيديولوجيا المستوردة، وينسب الثائرين غير السنيين إلى مذاهب ونصيرية ونصرانية وصابئة، فضلاً عن سوء ظنه بهم واعتقاده بأنهم يرمون المتدينين بالتخلف أو بالانتماء للعصر الحجري… الدكتور يغص بالثائرين من غير الإسلاميين ومن غير السنيين لأن لهم قولاً متماسكاً غير قوله، وحضوراً مؤثراً لا يستأذن حضوره، وشرعية ذاتية لا تنتظر إقراره. ولأنه يمثلون بوجودهم سوريا منفتحة ومتعددة وحيوية وحرة، ممتنعة على التعليب الديني. كان يتمنى لو أن جميع غير السنيين كانوا إلى جانب النظام، إذاً لاستقر عالمه وطابت هويته، وأخذ كامل راحته في تعظيم الذات واغتياب الغير.

الروحية العامة لمقالة الجمال الشارح تتسم بالشح والتزمت. ليس هناك ترحاب أو مودة أو استضافة للغير في النفس. هناك بالعكس تجهم وتشرُّط وتضييق. هذا الخلو من السماحة والكرم ملمح يتجاوز مقالة الجمال إلى أوسع أطياف الإسلاميين، وقد تقدمت الإشارة إلى سمة أخرى لخطابات الإسلاميين تتمثل في مديح النفس والثناء على النفس وتعظيم النفس. ومقابل ذلك لن يجد المرء عند الإسلاميين كلمة طيبة بحق دين آخر أو فكرة أخرى أو مذهب اجتماعي آخر، ولا تضامن مع قوم دهمتهم كارثة طبيعية أو سياسية، وهذا مع رخصة مستمرة للنفس بتقييم جميع الناس والحكم عليهم.

لدينا طرف سوري خاص، وهو مهزوم وتابع اليوم، يعلن لعموم السوريين، للمهزومين مثله، كذلك للمنتصرين عليه، أنه لا يريد المساواة مع أي منهم، وأنه يعتزم تحكيم نفسه فيما يشجر بينهم وبين غيره منهم، وأنه في الحقيقة خير منهم ومن الجميع، وأنه هو (هذا الطرف الخاص) هو «الهوية» العامة، وهو الأكثرية، وهذا في نفس واحد بعد أن كان حطَّ من شأن ما لا يقل عن ثلثي السوريين في آخريه الثلاثة! أليس هذا بالفعل أصلح تعريف للتطرف؟ إذ ما التطرف إن لم يكن احتلال طرف بعينه محل الكل، وإشغال موقع جميع الأطراف؟

تكوين الإسلامية الفكري والأخلاقي

يبدو شاغل «الهوية» عند المشايخ والشارح تعويضاً عن الأرض، عن ارتباط بمجتمع مستقر وبيئات حية. الإسلامية السورية اليوم إسلامية شتات، معرضة بقوة أكبر لما ميز الإسلام المعولم من تجريد وتطرف بفعل انفصاله عن المحلي، وإقامته الاضطرارية في الماضي. ويبدو هذا من وجه آخر أحد أوجه النكوص العام الذي أصاب المجتمع السوري في الحقبة الأسدية: التحول السلطاني، والأبد، وفقدان الوجهة، والمستقبل.

تثير وثيقة مشايخ المجلس الإسلامي السوري في إسطنبول وشرح شارحهم تساؤلات محيرة عن حس الواقع عند الإسلاميين. تكررت الإشارة فوق إلى تعارض شاسع بين الوضع المتداعي لبيئات الإسلام السني السورية وبين الخطاب العاتي والمغرور للناطقين المفترضين باسمها، بين «الأفول السني» والاكتفاء الذاتي الذي يعرضه المتكلمون السنيون، وهو ما لا يغذي غير مزيد من الأفول. كأنما هناك «غريزة موت» تعتمل في تكوين الجماعة، كأنما هناك نازع لتدمير الذات بفعل عدم القدرة على التكيف الفاعل مع البيئات الحديثة أو مجرد استيعاب الواقع الفعلي. وكأن الجماعة فوق ذلك صفحوا عالمهم بدروع صفيقة تحول دون الحس بتعدد الواقع وتعقده، وإجراء الانعطاف الضروري لتجنب الكارثة المتكررة. تكوين الإسلامية السنية في سورية انتحاري، والأرجح أن منبع المنزع الانتحاري هو صورة عن الذات متناقضة كلياً مع الواقع، والقصور الذي تعرضه نخب الإسلاميين في مراجعة الماضي والراهن باتجاه قدر من التواضع والاستعداد للتعلم. «الأكثرية السنية» محتاجة إلى حماية من النزعات الانتحارية لنخبها أكثر من أي شيء آخر.

التكوين الفكري للإسلامية السورية بأجنحتها المشايخية والإخوانية والسلفية والسلفية-الجهادية، هو تكوين إسلامي تقليدي بصورة حصرية. علاقتهم بالفلسفة والعلوم الاجتماعية تتراوح بين العداء والعدم. بالعلوم الطبيعية إنتاجاً وتجريباً ومساهمة معدومة. بالأدب والفن غير الإسلامي – وربما العربي القديم – مثل ذلك وأكثر. ثم إنه في تأهيلهم الإسلامي بالذات، يغلب الفقهي، رغم أننا اليوم في وضعية كلامية تستدعي إعادة التفكير في الله والخير والشر والقضاء والقدر وحرية الإنسان. علم الإسلاميين في عالم اليوم محدود وقابل للختم، و«العلماء» هم خاتمو هذا العلم. والعالَم المتكون حول هذا العلم القابل لأن يُختم ضيقٌ مثله. ورغم هذا التكوين الخاص، الضيق والانعزالي، ينسب الإسلاميون إلى أنفسهم صفة عامة، صفة الهوية العامة وصفة الجدارة بالحكم والدولة العامة. هنا ثمة تناقض كبير بين التكوين الخاص الضيق والمتزايد الضيق وبين إرادة العام الذي يفيض عليهم من كل جهة، بفعل تشكله عبر انخراطنا الواجب والمحتوم في العالم الحديث والمعاصر. هذا التناقض بين خصوصية متصلبة لتكوين الإسلاميين وبين تطلعهم للعام الأعلى سياسياً وفكرياً لا يمكن حله بغير مصادرات لفظية على طبيعة إسلامية ثابتة لمجتمعاتنا، أو بعنف لا يُحَد يتخلص أولاً بأول من كل من قد تخامره فكرة أخرى. عنف داعش ليس حتماً ممارسة شخصيات سادية مريضة، بل هو وليد علم وعالم ضيقين، لم تتجاسر الإسلامية المعاصرة على القول إنهما انعزال وانتحار. وليس سمير كعكة، وهو «شرعي» جيش الإسلام أي مفتي الجريمة فيه، شخصاً منحرفاً موتوراً أسود القلب حتماً، لكنه ضحل ومبتذل، يشعر أنه «مرجع» حين يختم «علماً» محدوداً جاف الروح، يقول له إنه صح وغيره خطأ، ولأنه صح يحق له أن يكره، بل أن يؤذي من ليسوا مثله (ماذا تقول عقيدة الولاء والبراء غير ذلك؟). الجريمة تصير طاعة، والشر يصير خيراً، على هذا النحو الذي نحاه ما لا يحصى من إسلاميين في العقود الأخيرة. كعكة مجرم بفعل تمام علمه، وليس لنقصه، وهو متشكل بعلمه/عالمه الضيق المفعم بالكراهية الذي لا يوجد فيه إلا أمثاله، فلا حوار ولعلنا نستدل من ذلك على أن أكبر الشر يأتي من طرف من يُحكِّمون عقائدهم الخاصة المعزولة عن النقاش العام في الحياة العامة، أو من لا يستأذنون غير «الواجب الشرعي» في معاملة من هم من خارج عصبتهم على طريقة أستاذ الدراسات العليا المذكور فوق. إذا كانت التجارب الإسلامية تقتضي العنف ضد المجتمع وتبتدئ به فلأنها خاصة وضيقة، ولا يسعفها تكوينها المغلق هذا لمعالجة مشكلات حديثة مركبة في مجتمع مفتوح وعالم مفتوح.

وما أريد الخلوص إليه هو أن الإسلامية اليوم لا تشبه بحال سلطان الإسلام في أزمنة ما قبل التنظيمات العثمانية، لكن محرومة من السلطة. كانت سلطنات المسلمين العثمانية وما قبلها بنت زمنها بقدر كبير، وحدث أحياناً أن كانت طليعية هنا أو هناك. كان علمها علم وقتها وكذلك ممارساتها وقيمها ومؤسساتها وتقنياتها. لم يعد الأمر كذلك اليوم، علم الإسلامية محدود، ونظرتها للعالم ضيقة، وممارساتها انعزالية، وقيمها غير متجددة، وكل من يتطلع إلى معرفة أغنى وحياة أكرم وحرية أوسع وكفاءة أكبر لا يجدها في كنفها، بل في العالم الحديث على علّاته الكثيرة بالفعل. عالمنا الإسلامي معتلّ أكثر وعقيم أكثر ومغلق أكثر وعنيف أكثر. إذا صارت الأكثرية التي يتكلم عليها المشايخ والإسلاميون أقلية، فليس فقط بفعل وحشية نظام استبدادي طائفي، ولا بفعل حماته الطائفيين مثله، وإنما كذلك بفعل التكوين الخاص والضيق لقيادات الإسلام السني «العلمية» والسياسية. أي بفعل قصور ذاتي كبير عند نخب الإسلام السني، معزز باكتفاء هذه النخب بقليلها الموروث الذي تتفاقم قلته بفعل اتساع يومي للمحسوس والمعقول في العالم الحديث والمعاصر. ومن يقلل نفسه بنفسه على هذا النحو يصير أقلية اجتماعياً وسياسياً، يتطيف.

وغير التقليل الذاتي الناشئ عن التخاذل والافتقار إلى الشجاعة، تمعن عقائد الإسلاميين في الغرابة والاعتباطية في عالم اليوم. القصة التي يرويها القوم لأنفسهم ولنا هي أنهم أهدى من الجميع، وأعدل من الجميع، وأعلم من الجميع، وخيرٌ من الجميع، وأحق من الجميع بالسيادة والسؤدد في مجتمعاتنا والعالم، وأن لهم فرض عقائدهم وشرائعهم على الجميع بالقوة، وهذا لأن الله، الأقوى من كل قوي، قال لهم أن يفعلوا ذلك! ولا يبدو واقع المسلمين البائس، وقلة إنتاج الإسلاميين من الحق والسلم والسكينة والمعرفة والروح والضمير والمعنى يوفر لهم شواهد على بطلان القصة واعتباطيتها.

في غيبة علم كلام جديد ودون فلسفة ودون إنسانيات، ودون تدرب أخلاقي على وضع النفس في موقع الغير والنظر إلى النفس بعين الغير، تمعن عقائد الإسلاميين في الغرابة والشذوذ، بقدر ما هم يمعنون في التحول إلى طائفة خاصة، قليلة معنوياً وفكرياً وأخلاقياً، وإن كثيرة العدد. ورغم افتراض صفة إسلامية جوهرية لمجتمعاتنا فإن مجموعات الإسلاميين لم تسيطر حيثما سيطرت إلا بالاعتقال والاغتيال والتغييب والتعذيب. وهذا بالضبط بسبب غرابة العقيدة وطائفية الجماعة.

وفضلاً عن ديناميكية تقليل طائفي وعن عقيدة غريبة تطلب لنفسها حق الإكراه (والكره للجميع كذلك)، لا تعرض الإسلامية المعاصرة حسّاً أخلاقية يبعث على الثقة. رأينا أعلاه أستاذ الدراسات العليا يحيل إلى «الانحلال الأخلاقي» ما لا يوافق اعتقاده الذاتي الذي يرفع فوق غيره درجات. لكن أليس الأستاذ بالأحرى مدافعاً عن امتيازات دينية وذكورية غير عادلة، وهو يجرم من يناضلن ويناضلون من أجل العدالة للنساء ولغير المسلمين من أجل مصلحته الطائفية؟ وهل عن غير  تكوين أخلاقي مثل تكوين الأستاذ، يشرع للنفس حق اغتياب جميع الناس، تصدر الأحكام السفيهة لشبيه للأستاذ، هيثم المالح، عن لباس «غير محتشم»، لمغيَّبة على يد إسلاميين، وربما شهيدة، مثل رزان زيتونة؟ هل كان يمكن أن يقول ذلك لولا إدمان الغيبة والنيل من الأعراض مما يثابر الإسلاميون على ممارسته؟

فإذا عرفنا مجال الأخلاق بحب الخير مبدئياً، والالتزام بذلك في التفاعلات مع الغريب والقريب من البشر، وتوخي العدالة  في معاملة من آذاك، فإن ما يؤخذ بحق على الإسلاميين هو طائفية أخلاقيتهم، تحصر فعل الخير في الجماعة وتبيح الشر حيال الغريب. فهم قلما يحسنون لغيرهم، ولا يرجون الخير لغريب لم يؤذهم، وبعض جماعاتهم توجب كره غير المسلم لمجرد أنه غير مسلم، وفي صيغ أخرى توجب إيذاءه. هذه عصبية طائفية، تحتفي بأخلاقية متدنية ولا-إنسانية، ولا تؤسس لاجتماع بشري معافى. التكوين الفقهي للإسلامية المعاصرة وآلية الفتوى المعتمدة في أوساطها تتوافق مع أسلمة الشر، أي إضفاء شرعية إسلامية على أفعال وانفعالات الملأ الإسلامي، وهي تتراوح بين غير ودودة حيال وبين العداء الشديد لكل غير المسلمين وكل غير الأشباه من المسلمين. فعل الخير يقتضي تكويناً نفسياً فكرياً محباً للبشر وإيجابياً حيال العالم، وليس في الإسلامية المعاصرة شيء من هذين. وبطبيعة الحال أسلمة الشر لا تغير الشر بل تغير الإسلام، تجعل منه عقيدة معدومة الشخصية تبرر مسالك مستخدميها الأشرار أياً تكن.  ظاهرة المجالس الشرعية و«الشرعيين» الذين انتشروا كالوباء بعد الثورة السورية، تعكس بالضبط أسلمة الشر، تشريع فعل قتلة كانوا يسمون الأمنيين.

وبعد، لا تقتضي هذه المناقشة إنكار فروق سياسية ضمن طيف الإسلاميين تحيل إلى المنشأ المختلف، وبقدر ما إلى إطار العمل (محلي، دولي، معولم)، لكن يبدو أنه يمتنع للاعتدال الذاتي المحتمل لأي إسلاميين أن يترجم إلى اعتدال سياسي علني دون الخروج من نموذج إسلامية التطبيق المطلقة إلى إسلامية دستورية غير تطبيقية، تستلهم القيم الإسلامية العامة من عدل وتوحيد وتقوى وأخوة وحسن معاملة… ولعل هذا يقتضي النظر بإمعان في تكوين الضمير الإسلامي السني المعاصر، وهو قائم على المظلومية واحتكار المعاناة من جهة، ثم على التفوقية السنية القائمة على الميراث الإمبراطوري واحتكار الله، وهما يؤسسان معاً لما يمكن تسميته الظالمية الحلال أو الشرعية، ثم نزعة الاكتفاء الإسلامية التي تمضي من القول إن كل ما لدينا حق إلى القول إن كل ما هو حق لدينا، أي بالضبط الظلامية. هذه العناصر الثلاث تجمع بنسب تتفاوت بين الإسلاميين المختلفين، وتشكل ركائز نفسية وخيالية لإسلامية التطبيق التي لا يقوم عليها غير حكم استبدادي مطلق. ويستبعد بعد ذلك أن نكون حيال استبداد تقليدي يستأثر بالسلطة ويفرض صبغة دينية على الحياة العامة، ولكنه سطحي في اختراقه للمجتمع. بالعكس، يرجح لاستبداد ديني اليوم أن يؤسس لحكم تفتيشي، تشرف عليه أجهزة حسبة فاشية من صنف رأيناه عند داعش وجيش الإسلام وجبهة النصرة، ويعمل على إذلال نخبوي منظم لعموم السكان.

إسلام بلا شكل

لا يبدو أن الجمال ولا المشايخ من قبله أخذوا علماً بظهور داعش وجبهة النصرة وجيش الإسلام، وهي منظمات سنية جمعت بين الدين والسياسة والجريمة، تماماً مثل شبيحة الحكم الأسدي. يبدو أنه يمكن للمشايخ وشارحهم قول الأشياء نفسها قبل هذه الظهورات الوحشية وبعدها، وأنه ليس لها أدنى تأثير على طريق الكلام على «الهوية» وعلى «الإسلام». لا يبدو التاريخ مُحَكِّماً ولا التجربة مُحَكِّمة عند الإسلاميين، المُحَكِّم هو شهادة اعتقادهم الذاتي لنفسه. تظهر هذه الشهادة المحابية للذات بطبيعة الحال في القول المتكرر: المشكلة ليس في الإسلام، بل في المسلمين! وهذا حين يواجه إسلاميون أو مسلمون متدينون بجرائم الإسلاميين. ليس غرض الكاتب قول العكس، الغرض بالأحرى هو إظهار لا معنى هذا القول. حين يقول مسلمون إنهم هم المشكلة وليس دينهم، فإما أن يكون قولهم عن أنفسهم صحيحاً، وفي هذه الحالة كيف يؤخذ بكلامهم عن دينهم أو عن أي شيء آخر؟ وإما ألا يكون صحيحاً، ويتعين في هذه الحال الاضطلاع الجدي والشجاع بالتوترات والمشكلات المتولدة عن وضع الإسلام في العالم المعاصر، والتي تدفع مسلمين إلى قول غريب كهذا. الإسلام اليوم فاقد للشكل إلى درجة أنه يمكن نفي كل شيء عنه (الإسلام من ذلك براء!) وتبرير كل شيء به (استطاع قتلة ولصوص وكذابون من كل نوع فعل ذلك) في الوقت نفسه. فقدان الشكل هذا تعريف صالح للمشكلة، ولن يكون للإسلام شكل، فيكفَّ عن كونه مشكلة، بدون جهد إعادة تشكيل واسع، يقوم به الحريصون على دينهم. جهد كلامي وفلسفي وأخلاقي، وليس فقهياً إفتائياً لا مؤدى له غير أسلمة الشر، وغير نظرة مفتتة وتجزيئية للعالم لا تحيط بعمليات تكونه وتحوله.

وما لا يبدو أن مجمل التفكير الإسلامي المعاصر يتبيّنه هو أنه إذا كان لا تمايز بين الديني والسياسي في الإسلام، فإن الجرائم السياسية التي يرتكبها إسلاميون، مثل ثالوث الشر المذكور فوق (داعش وجبهة النصرة وجيش الإسلام) هي جرائم دينية كذلك، يُساءَل عنها دينهم، وأن المعنيين بكرامة الإسلام مخيرون بين أن يرفضوا تطابق الديني والسياسي، أي أن يرفضوا الإسلامية المطلقة ويعتنقوا إسلامية دستورية، وبين أن يقبلوا أن جرائم القتل والخطف والتعذيب هي جرائم دينية فوق كونها سياسية، وعندئذ من حق المرء أن يتساءل: إذا كانت الجرائم مقبولة ديناً على هذا النحو، فلماذا يا ترى الكفر هو السيء؟

هناك تخاذل إسلامي عن مواجهة المشكلات التي تنشأ حتماً من الوجود في عالم متغير، وتؤدي إلى فقدان الشكل، وتقتضي بالتالي فكراً مبدعاً حراً متجدداً واسع القاعدة من أجل تطوير شكل حي. وتجري التغطية على الافتقار إلى الشجاعة بالقول إن الإسلام صالح لكل زمان ومكان. هذا باطل. لا شيء يصلح لأزمنة متغيرة وأماكن متغايرة إلا ما يتغير. وما لا يتغير لا يصلح لأي وقت ولا لأي مكان. تواتر نماذج الإسلاميين الإجرامية، وغياب نموذج ناجح يمكن البناء عليه، يشير إلى الحاجة الملحة إلى إعادة تشكيل واسعة للمجمل الإسلامي تتيح له أن يحيا ويتجدد. ماذا يحول دون إعادة التشكيل أو الهيكلة؟ اعتياش كثيرين على القديم الجامد الذي لا شكل له، يدر عليهم سلطة ونفوذاً ووجاهة. المشكلة هي في هذا الملأ الإسلامي. والمشايخ وشارحهم نماذج ناطقة.