تشكل جائحة كورونا «أزمة عالمية»، وهذا يعني أننا جميعنا تقريباً قد تأثرنا بها بشكل أو بآخر. ويمكننا أن نلمس هذا الأثر عندنا (كأفراد) على أفكارنا ومشاعرنا وسلوكياتنا وعلى روتين أيامنا وفلسفتنا الحياتية الخاصة بنا، بالإضافة إلى الأثر العميق المتروك في جميع جوانب الحياة الأخرى وتفاصيلها. قد تشير «عالميّة» هذا الحدث إلى التشابه في تبعات هذه الجائحة (الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والنفسية) بين جميع الدول، مع مراعاة خصوصية كل دولة ومدى تأثرها بالوباء على نحو منفرد.
سنحاول في هذا المقال استعراض هذه الآثار بقراءة أوّلية للتبعات النفسية الناتجة أو المتوقعة.
* * * * *
الفيروس خطر «غير مرئي». كل شيء قد يشكل خطراً حقيقياً، وقد لا يشكل أي خطر في آن واحد.
هذه نقطة هامة لفهم الآثار النفسية الناتجة عن انتشار الفيروس، وخاصةً اضطرابات القلق بشكل عام. أيضاً رافقت هذه الجائحة اضطرابات نفسية أخرى، حيث ارتفعت معدلات الإدمان وسوء استخدام المواد المخدّرة والاكتئاب والوسواس القهري واضطرابات الطعام، واضطرابات الشدة ما بعد الصدمة (خاصة عند الأطفال). حتى الآن نحن لا نعرف بدقة هذه الآثار على المدى القصير والبعيد، لكن يمكننا أن نقدم توقعات وملاحظات أولية.
على مستوى المشاعر، طورت الجائحة حالات شعورية مثل الخوف، والتوتر، والوحدة؛ وعلى مستوى الأفكار رفعت مستويات الشك والتفكير الكارثي؛ وعلى مستوى الجسد منعت التلامس وفرضت التباعد.
فاقم كل ذلك الأعراض المرضية عند من كانوا يعانون من اضطرابات نفسية مسبقاً، أو تسبّب في تطوير أعراض جديدة عند غيرهم.
* * * * *
تكاد الآثار الناتجة عن إجراءات احتواء الجائحة تعادل أثر الفيروس في حد ذاته.
فالغلق العام والحجر الصحي والتباعد الاجتماعي، الذين فُرضوا في كل مكان تقريباً، سبّبا أيضاً «أعراضاً جانبية» مثل ازدياد مستويات الوحدة والعزلة الاجتماعية، وتراجع الدعم المجتمعي.
تُضاف إلى ذلك التبعات الاقتصادية التي ترزح على كاهل الأفراد من ذوي الطبقة المتوسطة والفقيرة، وخاصة من يعيشون على أجر يومي (وهو ما توالت أنباؤه في الأردن ولبنان مثلاً)، وارتفاع مستوى البطالة تقريباً في كل البلدان.
كذلك عمّقت هذه الإجراءات الفروق الطبقية في المجتمعات، فالحجر الصحي الذي عاشه الأغنياء في منازلهم الريفية وحدائقهم الجميلة مرّ كفترة راحة واسترخاء، على العكس من باقي طبقات المجتمع. ومثلها تعمّقت أيضاً الفروق التعليمية، حيث الكثير من الطلاب ليس لديهم وصول إلى الإنترنت من أجل متابعة الدروس عن بعد.
أما العاملات والعاملون على الخطوط الأولى في القطاع الطبي، أو في قطاع المستلزمات الأساسية كالمخابز ومحلات بيع المواد الغذائية وقطاع النظافة وما إلى ذلك، فلهم حصتهم من التبعات النفسية الحادة كمعاناتهم من مستوى أعلى من الضغط ومن خوف نقل العدوى لمنازلهم، فضلاً عن ارتفاع نسبة خطر التقاط العدوى وحتى خطر الموت، غالباً مع افتقارهم إلى الدعم النفسي اللازم أو الكافي.
ينسحب الأمر نفسه على الجندر، فالنساء تأثرن على نحو أكبر من الرجال في فقدان وظائفهن، وارتفعت أيضاً مستويات العنف ضدهنّ بكافة أشكاله، وخاصة العنف المنزلي والجنسي خلال الحجر (ما سُمّي بجائحة الظل). وهو حال الأطفال والمراهقين أيضاً، والذين افتقدوا أيضاً اللقاء مع الأصدقاء، وأُغلقت مدارسهم، ومُنعوا من التواصل الجسدي المهم جداً لنموهم النفسي.
هذه الآثار الاجتماعية «الجانبية» تركت بصمتها بشكل جلي على الناحية النفسية، تقريباً على كل أفراد المجتمع.
* * * * *
ومن أمثلة الاضطرابات النفسية التي رافقت الجائحة الإدمان وسوء استخدام المواد المخدّرة.
فمع انتشار الوباء، زاد الإجهاد والضغط الناتجان عن التخبط الشعبي الطاغي على وسائل التواصل، أو التخبط الطبي الناتج عن تضارب التعليمات اللازمة مثل أهمية لبس الكمامة وطريقة انتشار العدوى، أو تخبطات السياسيين التي مثلت تعليقات الرئيس الأميركي السابق مثالها الأكثر هزلية ومأساوية، حيث تراوحت بين إنكار وجود الوباء في البداية واقتراح الحقن بالديتول لتعقيم الجسم!
ومن جهة أخرى ارتفع منسوب التوتر الناتج عن البطالة والغلق العام وفقدان التواصل الاجتماعي الفيزيائي، ولعل الملل هو أحد العوامل المساهمة في هذا الإدمان، الأمر الذي يفسر زيادة استخدام المواد المخدرة والكحول. فقد أشارت دراسة أميركية – تناولت استهلاك الكحول قبل وبعد أوامر البقاء في المنزل – إلى زيادة استخدام الكحول بين شباط وآذار 2020، سواء على مستوى الاستهلاك اليومي (زيادة بنسبة 29 بالمئة) أو الشرب بنهم الذي يتجاوز الحدود الموصى بها (زيادة 20 بالمئة). هذه الفترة شكلت الفترة الحادة من انتشار الفيروس، والتي سببت صدمة للمجتمعات وللاقتصاد، ما تسبّب بموجة من الخوف والقلق ساهمت في استهلاك الكحول. وربما يتماشى هذا مع ارتفاع أعداد الوفيات الناتجة عن الجرعات الزائدة بالأفيون في 40 ولاية أميركية على الأقل في العام 2020، وفقاً لموقع علم النفس اليوم.
* * * * *
ارتفعت كذلك معدّلات القلق والتوتّر بحسب معظم الدراسات.
في اتصالات الدعم النفسي التي أشارك فيها عبر الهاتف ضمن مؤسسة الصليب الأحمر الفرنسي منذ بداية الجائحة وحتى اليوم، عبّرت أغلب الاتصالات التي تلقيتها عن حالة من التخبط حيال هذا الفيروس، وفيما بعد حيال اللقاح. هذا التخبط وانعدام اليقين حول ما ستؤول عليه الأمور طوّرا أعراض قلق واضحة. وقد عبّر المتصلون عن خوفهم من المستقبل، وعن انهيار خططهم، وشعورهم بعبثية فكرة التخطيط من أساسه. يتماشى ذلك مع نتائج دراسة نشرتها مجلة اضطرابات القلق، والتي تشير إلى ارتفاع نسبة اضطرابَي القلق والاكتئاب في المجتمع الصيني من 4 بالمئة في عام 2019 إلى 20 بالمئة في عام 2020، في حين سجل الأميركيون زيادة بنسبة 34 بالمئة في استخدام مضادات القلق منذ بدء الجائحة.
برز أيضاً شعور عام وحادّ بالخوف من الإصابة بالفيروس، الأمر الذي فاقم أعراض الوسواس القهري عند الذين شُخِّصوا مسبقاً بهذا الاضطراب، وخاصة وسواس النظافة القهري. هذا ما أشارت إليه الدراسة نفسها المنشورة في مجلة اضطرابات القلق، والتي شملت 394 شخص من أصحاب الوسواس القهري، والتي أكدت زيادة أعراض الوسواس القهري بنسبة 72 بالمئة، وتوقّعت زيادة نسبة الإصابة باضطرابات القلق عامة، والوسواس القهري خاصة، بعد الجائحة.
ولعل الجائحة نفسها عامل مساعد في تطوير رُهاب الفيروسات والعدوى والرُّهاب الاجتماعي، بالإضافة إلى نوبات الهلع. وبالفعل فقد شبّه بعض الأصدقاء السوريين المقيمين في المنفى حالة الخوف ونوبات الهلع التي عانوا منها أثناء الغلق العام الأول بحالة الرعب والهلع الذي عاشوه سابقاً في سوريا من قصف وتهديد مباشر للحياة.
* * * * *
الكثير انتابته – وما تزال تنتابه – حالة من الرعب والخوف واليأس من المستقبل.
ربما شعر البعض في بداية الجائحة والغلق العام الأول أنه يعيش «بروفا» نهاية العالم. لقد تغير شكل الحياة كليّاً عند الكثيرين، وانهار الروتين اليومي على نحو مفاجئ، واختفى أسلوب الحياة الاعتيادي الذي يخلّف شعوراً بالأمان والاستقرار، وانعدمت وسائل الترفيه بسبب إغلاق المسارح وصالات السينما والمطاعم وإلغاء الحفلات، وحُدَّ التنقل الجغرافي والزيارات بين الأصدقاء والأهل، كل ذلك مترافقاً مع «خطر» اللمس والتقبيل، مما أدى إلى إفقار كبير لهذه الحاسة. ترافق مع ذلك أيضاً شعور بتواجد الموت وكثافته في مناطق البؤر. كل هذه الظروف قادت بشكل مفهوم إلى ارتفاع خطر اضطراب الاكتئاب. وقد تناولت عدة دراسات تزايد الاكتئاب بالعلاقة مع فيروس كورونا، وهي بمجملها أكدت تزايد الأعراض الاكتئابية. وقد أرجعت دراسة أسترالية هذه الزيادة بشكل عام إلى فقدان الوظيفة والضائقة المادية والهشاشة الاجتماعية.
هذه العوامل مجتمعةً تُفاقم أيضاً حالات اللجوء للانتحار وتوارد الأفكار الانتحارية. أظهرت دراسة يابانية – تناولت تغيِّر معدل الانتحار بالعلاقة مع الجائحة – وجود انخفاض واضح في معدل محاولات الانتحار الناجحة بنسبة 14 بالمئة خلال الأشهر الخمسة الأولى للفيروس (من شباط حتى حزيران 2020)، قبل أن تعاود الارتفاع بنسبة 16 بالمئة خلال الموجة الثانية (من تموز إلى تشرين الأول 2020)، مع زيادة ملحوظة بشدة بين النساء (37 بالمئة) والأطفال والمراهقين (49 بالمئة). فسّرت الدراسة الانخفاض الأول بالدعم الذي قدمته الحكومة اليابانية في الفترة الأولى من الوباء، واستشهدت بدراسات سابقة أُجريت بعد انتهاء أوبئة سابقة مثل الإنفلونزا الاسبانية، أظهرت أيضاً زيادة في السلوك الانتحاري وقتذاك، وهو ما أرجعته الدراسة إلى الركود الاقتصادي الناتج.
وأظهرت دراسة أخرى – أجرتها مراكز السيطرة على الأمراض والوقاية منها (CDC) في الولايات المتحدة بين 24 و30 تموز 2020 – ازدياد التفكير الانتحاري عند الأميركيين أيضاً.
* * * * *
يُتوقَّع أن يستمر أثر الجائحة التي يعيشها الأطفال والمراهقين اليوم على المدى الطويل.
يمكن أن يطوّر الأطفال حالات من القلق، وخاصة الرُّهاب كالرُّهاب الاجتماعي، بالإضافة إلى اضطراب الشدة بعد الصدمة. لقد اختبر الأطفال حالات قلق عالية وصادمة بسبب هذه الجائحة، ومُرّر إليهم الخوف عبر والديهم ومدرّسيهم وخلال المعلومات التي تلقوها عبر الإنترنت.
في مدينة تولوز الفرنسية، أجريت دراسة على الأطفال (8 إلى 15 عاماً) وخَلُصت إلى أن واحداً من كل خمسة أطفال – مع معدل أكبر عند الطفلات – أظهر أعراض اضطراب الشدة بعد الصدمة (مقارنة مع طفل من كل ثلاثة أطفال في إيطاليا) بعد تجربة الغلق العام، وقد تمظهر ذلك في أشكال مختلفة مثل اضطرابات النوم والغضب وكذلك الضيق العام أو حتى حالات من رفض الخروج من المنزل. كذلك سجل المستشفى الجامعي في المدينة نفسها ارتفاعاً واضحاً بنسبة 40 إلى 70 بالمئة في استشفاء الأطفال والمراهقين بسبب مشكلات نفسية، اشتملت على اضطراب فقدان الشهية العصابي ومستويات حادة من القلق.
أما المراهقون الذين عاشوا الحجر الصحي، والذين يطلق عليهم مصطلح مراهقي الحَجْر (quaranteens) فحالتهم أكثر خصوصية حتى، إذ يُتوقَّع أن تكون الآثار النفسية عليهم أكثر حدة على المدى الطويل. ففي دراسة أجريت على مستوى أميركا اللاتينية ونُشرت في موقع اليونيسيف، تبيَّن أن 27 بالمئة المراهقين والشباب بين 15 و29 عاماً ذكروا اختبارهم لحالات قلق، في حين أن 15 بالمئة ذكروا حالات اكتئاب، كما أن 49 بالمئة منهم فقدوا الدافع للقيام بالأنشطة اليومية التي كانوا يستمتعون بها سابقاً، و36 بالمئة يشعرون بدافعية أقل للقيام بالأنشطة الروتينية، وأخيراً 43 بالمئة من الفتيات يشعرن باليأس مقابل 31 بالمئة من الفتية.
* * * * *
لعل أحد أهم حواسنا التي تأثرت هنا، سواء أُصبنا بالعدوى أم لا، هي حاسة اللمس.
إنها هي الحاسة الأولى التي يطوّرها الجنين أثناء النمو، والحاسة التي يقوم عبرها الأطفال باستكشاف البيئة حولهم، والحاسة الأكبر من حيث حجم الأعضاء (كامل الجلد)، والأداة الأساسية في التواصل الاجتماعي والعاطفي، بل والقابلة حتى للتوظيف (وفق شروط محددة) كأداة دعم نفسي واجتماعي.
وفي حين أننا نعاني كراشدين من هذا الفقد، إلا أن هذه المعاناة أعمق بكثير عند الأطفال والمراهقين والمتقدمين في السن. فمع إغلاق المدارس وتفعيل الدراسة عن بعد، وهو ما ينطبق على العمل عن بعد بالنسبة للراشدين، ومع تجريم اللمس – وخاصة مع المعرضين للعدوى بشكل سريع، ولا سيما الأجداد الذين حُرموا من اللمس بشكل كلّي تقريباً – تحول التواصل الجسدي إلى رفاهية خَطِرة، وازداد ارتباط الأطفال والمراهقين بالعالم الافتراضي على حساب العالم الواقعي، الأمر الذي سيؤثر بشكل كبير على تطور الشخصية.
يوجد تأكيد اليوم على ضرورة تجنب التقبيل، بل تجنب المصافحة، وحتى تجنّب لمس الشخص لوجهه أو استخدام يديه قبل غسلهما بشكل دوري متكرر. هذا التحول المفاجئ أثناء هذه الجائحة وضع حاسّة اللمس في موضع المحرّمات الصحيّة، وقد ترافق ذلك مع تداعي الدعم المجتمعي وزيادة معدلات العزل وارتفاعه إلى مستويات أعلى بكثير، وقد ترك ذلك شعوراً أقسى بالوحدة وبانعدام القدرة على التواصل غير اللفظي الدافئ مع الآخر، وقد صبغ كل ذلك العلاقات البين-شخصية في العالم بصبغة مختلفة (على نحو أقل رمزية وأكثر لفظية ربما).
لا نعرف بعد آثار كل ذلك على المدى البعيد، ولكن يمكننا أن نشعر بحجم حاجتنا للمس ومدى افتقارنا للتواصل الجسدي، وهذا ما يصرّح به الكثيرون بقولهم «أول ما سأقوم به بعد انتهاء هذا الوباء هو تقبيل الجميع!».
* * * * *
ماذا عن عالمنا العربي؟
أثناء بحثي عن الدراسات المتعلقة بموضوعنا، عثرت على دراسة واحدة من عالمنا العربي أُجريت في لبنان ونُشرت في المجلة العربية للنشر العلمي، وقد انتهت إلى عدم وجود أثر نفسي سلبي واضح مرتبط بالوباء على الشعب اللبناني عامة، مع وجود الآثار طالت فئات معينة من المجتمع دون غيرها، كالمراهقين والنساء. ربما لأن الوباء كان أصغر الأزمات التي هزت لبنان في 2020، لكن أيضاً لا يمكننا إغفال حقيقة أن الإجراءات (خاصة في بداية الوباء) لم تُطبَّق بنفس الجدية التي طُبِّقت بها في الدول المتقدمة. ومع ذلك، لا يلغي عدم فرض إجراءات صارمة بالضرورة وجود تبعات نفسية سلبية، بل ربما تكون الآثار أشد وطأة، وهذا ما نحتاج متابعته على المدى الطويل.
في سوريا مثلاً، تكاد تنعدم الإجراءات التي فرضتها الحكومة، أو كانت على الأقل شكلية، لم تتجاوز محاولة خجولة لفرض الغلق العام لخمسة عشر يوماً في بداية انتشار الفيروس، وهو الغلق الذي كسرته فعلياً طوابير الخبز والوقود والتجمعات في يوم تقاضي الراتب الشهري، مع غياب أي دعم مادي من الحكومة للمتضررين من الغلق أو للمصابين بالعدوى، كما تم التستر – كالعادة – على أعداد المتوفين بالفيروس خاصة في القطاع الطبي، هذا دون الحديث عن مراكز العزل غير الصحية أساساً، وإلقاء اللوم في النهاية على «جهل» الشعب. كل هذا ستكون له تبعاته المتضافرة مع الظروف الحالية التي يعيشها السوريون داخل سوريا، لكننا سنبقى نفتقر إلى التحديد وإلى الدراسات والمعلومات الحقيقيّ. وربما لهذا «أنكر» السوريين خطر كورونا، واعتبروها «غْريب تقيل»، واقترح بعضهم بعض الثوم كحل للقضاء عليها. فعندما تغيب إجراءات الحكومة الحامية لا بد من «ترك الأمر للسماء» و… الثوم!
* * * * *
لعل الجائحة النفسية ستستمر حتى بعد هذه الجائحة التنفّسية، ولا بد من الاستعداد لها.
في دراسة شملت 78 دولة لقياس الأثر النفسي للجائحة، وشارك بها ما يقارب 10,000 شخص، تمت الإشارة إلى عاملَين مهمَّين على نحو خاص في المحافظة على مستوى جيد من الصحة النفسية:
- الدعم الاجتماعي، أي الدعم الذي نتلقاه من المحيطين بنا وشعورنا بأننا جزء من شبكة اجتماعية داعمة؛
- والمرونة النفسية، أي مدى قدرة الفرد على التكيف مع الصعوبات والتحديات الجديدة؛
- بالإضافة إلى عامل ثالث هو المستوى الدراسي، والذي قد يزيد القدرة على فرز المعلومات الصحيحة من الخاطئة واختيار مصادر موثوقة للمعلومات.
لا بد من التنويه في النهاية إلى أن هامش التأثر الفردي يظل واسعاً، رغم عالمية الجائحة وتشابه الآثار النفسية المترتبة عليها في مختلف دول العالم، فكل منا يتأثر بطريقة مختلفة عن الأخر، ليس فقط بسبب العوامل المساعدة المذكورة، وإنما أيضاً نتيجة تباين كل وضع فردي عن الآخر. فمثلاً بعض الأفراد الذين كانوا يعانون من «الاحتراق الوظيفي» قبل الوباء ربما تأثروا بشكل إيجابي بالغلق العام، أما الذين يعيشون في مناطق بؤرية أو خبروا حالات وفاة لأحد المقربين بسبب الفيروس، فقد تظهر عليهم درجات تأثر سلبي أكثر حدة.