احتدم النقاش حول الخصوصية والقانون في لجنة التجارة الفيدرالية بشكل غير اعتيادي في ذلك اليوم. المدراء التنفيذيون في مجال صناعة التكنولوجيا «جادلوا بأنهم قادرون على تنظيم أنفسهم وأن التدخل الحكومي سيكون مكلفاً وسيؤدي إلى نتائج عكسية». حذر المدافعون عن الحريات المدنية من أن القدرات البيانية لدى الشركات تشكل «تهديداً غير مسبوق للحرية الفردية». أشار أحدهم: «علينا أن نقرر مَن هم البشر في العصر الإلكتروني. هل سنكون مجرد متاع للتجارة؟». وأضاف أحد المفوضين: «أين يجب علينا أن نرسم الخط؟». حدث كل ذلك عام 1997.
«الخط» لم يُرسم أبداً، ومدراء الأعمال واصلوا شقّ طريقهم. بعد ثلاثة وعشرين عاماً، ظهر الدليل. كانت ثمرة هذا الانتصار منطقاً اقتصادياً جديداً أسميه «رأسمالية المراقبة»، والتي يعتمد نجاحها على عمليات انعكاس أحادية مصممة لتجهيلنا، ملفوفةً في ضباب من التضليل والكلام المنمَّق والكذب. لقد ترسخت وازدهرت هذه المراقبة في المساحات الجديدة للإنترنت، والتي احتفل بها رأسماليو المراقبة مرة على أنها «أكبر مساحة غير خاضعة للحكم في العالم». لكن القوة تملأ الفراغ، ولم تعد تلك المساحات البرية غير خاضعة للحكم. فهي مملوكة ومُدارة من قبل رأسمال خاص مخصص للمراقبة؛ محكومة بقوانينه الحديدية.
صعدت المراقبة الرأسمالية خلال العقدين الماضيين دون مواجهة تُذكر. قيل لنا إن «العالم الرقمي» سريع، وأن من يتلكؤون سيفوتهم الركب. ليس مفاجئاً أن معظمنا سيتبعون «الأرنب الأبيض» الصاخب في نفقه نحو عالم العجائب الرقمي الموعود، فنحن مثل أليس وقعنا ضحية الوهم. في عالم العجائب، احتفلنا بالخدمات الرقمية «المجانية»، لكننا نعرف الآن أن المراقبة الرأسمالية الكامنة خلف هذه الخدمات تعتبرنا سلعاً مجانية. ظننا أننا نبحث في غوغل، غير أننا نعرف الآن أن غوغل يبحث فينا. افترضنا أننا نستخدم وسائل التواصل الاجتماعي لنتواصل، لكننا عرفنا لاحقاً أن التواصل هو الكيفية التي تستخدمنا بها وسائل التواصل. بالكاد تَساءَلنا لماذا يحتوي تلفازنا أو فراشنا الجديد على سياسة خصوصية، لكننا بدأنا نفهم أن سياسات «الخصوصية» هي، في واقع الأمر، سياسات مراقبة.
ومثل أسلافنا الذين أطلقوا على السيارات اسم «عربة دون أحصنة»، لأنهم لم يستطيعوا حساب أبعادها الحقيقية، فإننا اعتبرنا منصات الإنترنت «لوحات إعلانية» يستطيع أي منا وضع ملاحظة عليها. عزز الكونغرس هذا الوهم في أحد التشريعات، تحديداً الفصل 230 من قانون لباقة الاتصالات لعام 1996، معفياً تلك الشركات من الالتزامات التي تقيّد «الناشرين» وحتى «المتحدثين».
لكن الأزمات المتكررة فقط هي التي علّمتنا أن هذه المنصات ليست لوحات إعلانية، بل في الحقيقة مجاري دم عالمية فائقة السرعة، يمكن لأي شخص إدخال فيروس خطير فيها دون لقاح. هكذا استطاع الرئيس التنفيذي لشركة فيسبوك، مارك زوكربيرج، أن يرفض بقوةِ القانون إزالة مقطع فيديو مزيف لرئيسة مجلس النواب نانسي بيلوسي، ثم يأخذ هذا النهج لمستوى آخر ليعلن أن الإعلانات السياسية لن تخضع لعمليات تدقيق الحقائق.
ترتكز كل هذه الأوهام على أكثر الهلوسات تغريراً وغدراً: الإيمان بأن الخصوصية خاصة. لقد تخيلنا أن بإمكاننا اختيار درجة خصوصيتنا من خلال حسبة فردية، نقايض فيها القليل من المعلومات الشخصية مقابل خدمات قيّمة. المقايضة معقولة. على سبيل المثال، عندما جربت شركة دلتا للخطوط الجوية نظام بيانات بيومترية [تشمل سمات بيولوجية خاصة بالفرد مثل بصمة العين] في مطار أتلانتا، علمنا أن 98 بالمئة من أصل 25,000 مسافر أسبوعي إلى هذا المطار اختاروا المشاركة في هذه العملية. وأفادت الشركة أن «خيار التعرف على الوجه يوفر في المتوسط ثانيتين لكل مسافر عند الصعود، أو تسع دقائق عند الصعود على متن طائرة ذات ممر مزدوج».
في الواقع، يكشف التطور السريع لأنظمة التعرف على الوجه عن العواقب العمومية لما يفترض أنه اختيار خاص. طالب رأسماليو المراقبة بالحق في التقاط صور لوجوهنا أينما ظهرت – في شوارع المدينة أو صفحات فيسبوك. ذكرت صحيفة فاينانشيال تايمز أن قاعدة بيانات خاصة بشركة مايكروسوفت للتدريب على التعرف على الوجه، والتي جمعت 10 ملايين صورة من الإنترنت دون علم أي شخص وكان من المفترض أن يقتصر استخدامها على البحث الأكاديمي، استُخدمت من قبل شركات مثل IBM ووكالات تابعة للدول منها القوات المسلحة التابعة للولايات المتحدة والصين. ومن هؤلاء اثنان من مورّدي المعدات الصينيين لمسؤولين في شينجيانغ، حيث يعيش أفراد من مجتمع الإيغور في سجون مفتوحة تحت مراقبة مستمرة عن طريق أنظمة التعرف على الوجه.
الخصوصية ليست خاصة، لأن فعالية هذه الأنظمة وغيرها من أنظمة المراقبة والتحكم – الخاصة أو العامة – تعتمد على الأجزاء التي نتخلى عنها من أنفسنا، أو بالأحرى التي سُرقت منا سراً.
كان من المفترض أن يكون عصرنا الرقمي هو العصر الذهبي للديمقراطية. لكننا ندخل عقده الثالث بشكل صارخ جديد من التفاوت الاجتماعي، والذي يمكن فهمه بشكل أفضل على أنه «تفاوت معرفي». يذكرنا هذا بحقبة ما قبل اختراع الطباعة، حيث الانعدام الشديد للتناسق بين المعرفة والقوة التي تراكمها هذه المعرفة، وحيث يسيطر العمالقة على المعلومات وعلى التعلم نفسه. لقد صُمّم وهم «الخصوصية الخاصة» لتنمية وتغذية هذا الانقسام الاجتماعي غير المتوقع. يستغل رأسماليو المراقبة التفاوت المعرفي الآخذ في التوسع لتحقيق الربح. يتلاعبون بالاقتصاد، بمجتمعنا، وحتى بحياتنا دون عقاب. وليست الخصوصية وحدها ما يعرّضونه للخطر فقط، بل الديمقراطية بحد ذاتها. نحن المشتّتين بأوهامنا لم نلاحظ هذا الانقلاب غير الدموي الآتي من الأعلى.
الاعتقاد بأن الخصوصية خاصة تركنا لاهثين نحو مستقبل لم نختره، لأنه فشل في حساب الفرق العميق بين مجتمع يُصرّ على الحقوق الفردية السيادية وآخر يعيش من خلال العلاقات الاجتماعية ذات الاتجاه الواحد. الدرس المستفاد هو أن الخصوصية عامة – إنها خير جماعي لا ينفصل منطقياً وأخلاقياً عن قيم الاستقلال الذاتي البشري وتقرير المصير، وهي القيم التي تعتمد عليها الخصوصية ويتعذر بغيابها تخيُّل مجتمع ديمقراطي.
مع ذلك، يبدو أن الأمور بدأت أخيراً بالتغير. وُلد إدراك جديد هش في الوقت الذي كنا نشق طريقنا خارجين من حفرة الأرنب نحو المنزل. إن رأسماليي المراقبة سريعون، لأنهم لا يسعَون إلى موافقة حقيقية أو إجماع. يعتمدون على التخدير النفسي ورسائل الحتمية لاستحضار العجز والاستسلام والارتباك؛ لشلّ فريستهم. الديمقراطية بطيئة، وهذا شيء جيد. تعكس وتيرتها عشرات الملايين من المحادثات بين أفراد العائلة، بين الجيران، بين زملاء العمل والأصدقاء، وداخل المجتمعات والمدن والدول، مما يحرك تدريجياً عملاق الديمقراطية النائم دافعاً إياه للعمل.
تجري هذه الأحاديث الآن، وهناك العديد من المؤشرات على استعداد المشرعين للانضمام والقيادة. من المرجح أن يقرر هذا العقد الثالث مصيرنا. هل سنجعل المستقبل الرقمي أفضل، أم هو سيجعلنا أسوأ؟ هل سيكون مكانا يمكن أن نسميه الوطن؟
لا يقوم التفاوت المعرفي على ما يمكننا كسبه، بل ما يمكننا تعلُّمه. يمكن تعريف التفاوت المعرفي على أنه الوصول غير المتكافئ إلى التعلم الذي تفرضه الآليات التجارية الخاصة بالتقاط وإنتاج وتحليل وبيع المعلومات. ثمة هوة سريعة النمو بين ما نعرفه وما هو معروف عنا، وهي أفضل مثال عن ذلك التفاوت المعرفي.
نُظِّم المجتمع الصناعي في القرن العشرين حول «تقسيم العمل»، وتبع ذلك تَمَحوُر السياسة في ذلك الوقت حول المساواة الاقتصادية. يُغيِّر قرننا الرقمي إحداثيات المجتمع من تقسيم العمل إلى «تقسيم التعلُّم»، ويترتب على ذلك أن الصراع على الوصول إلى المعرفة – والقوة التي تولدها هذه المعرفة – سيشكل السياسة في عصرنا.
تشير المركزية الجديدة للتفاوت المعرفي إلى تحول في القوة من ملكية وسائل الإنتاج، التي صبغت سياسات القرن العشرين، إلى ملكية إنتاج المعنى. تتلخص تحديات العدالة المعرفية والحقوق المعرفية في هذا العصر الجديد في ثلاثة أسئلة أساسية حول المعرفة والسلطة والقوة:
من يعرف؟
من يقرر من يعرف؟
من الذي يقرر من يقرر من يعرف؟
خلال العقدين الماضيين، ساعد كبار رأسماليي المراقبة – غوغل، تبعها فيسبوك، ثم أمازون ومايكروسوفت – في دفع هذا التحول المجتمعي مع ضمان صعودهم في نفس الوقت إلى قمة هرم التسلسل المعرفي. لقد عملوا في الظل لتكديس احتكارات معرفية ضخمة دون استئذان، وكل طفل يعرف أن هذا سرقة. تبدأ رأسمالية المراقبة من خلال دعم ادعاء أحادي الجانب أن التجربة الإنسانية الخاصة هي مادة خام مجانية تُترجم إلى بيانات سلوكية. يتم صهر حيواتنا وإعادة صياغتها كدفق بياني.
في وقت مبكر، ومن غير علم المستخدمين، تم اكتشاف أنه حتى البيانات التي يتم تقديمها مجاناً تحتوي على إشارات تنبؤية عالية، وأن فيها فائضاً أكبر من المطلوب لتحسين الخدمة. لا يتعلق الأمر فقط بما تنشره على الإنترنت، ولكن ما إذا كنت تستخدم علامات التعجب أو تُشبع الألوان في صورك؛ ليس فقط أين تمشي ولكن إذا ما كان كتفاك محنيَّين؛ ليس فقط هوية وجهك ولكن الحالات العاطفية التي تنقلها تعابيرك الدقيقة؛ ليس فقط ما تُعجب به ولكن نمط الإعجابات عبر المشاركات. سرعان ما طورد هذا الفائض السلوكي سراً، ثم تم الاستيلاء عليه، وادُّعي أنه بيانات مملوكة.
تُنقَل البيانات من خلال سلاسل توريد معقدة مكونة من أجهزة، برامج تتبع ومراقبة، بيئة تطبيقات وشركات متخصصة في تدفقات البيانات الشديدة التخصص والسرية. على سبيل المثال، أظهر اختبار أجرته صحيفة وول ستريت جورنال أن فيسبوك يتلقى بيانات معدل ضربات القلب من تطبيق لمراقبة ضربات القلب من HR Monitor، وبيانات الدورة الشهرية من تطبيق Flo Period & Ovulation Tracker، وبيانات الاهتمام بالممتلكات العقارية من موقع Realtor.com – كل ذلك من وراء ظهر المستخدم.
تتدفق هذه البيانات إلى المصانع الحاسوبية لرأسماليي المراقبة، والتي تدعى بـ«الذكاء الاصطناعي»، حيث يتم تصنيعها لتشكيل تنبؤات سلوكية تتعلق بنا، لكنها ليست من أجلنا. بدلاً من ذلك، تُباع هذه البيانات للعملاء من رجال الأعمال في نوع جديد من الأسواق التي تتاجر حصرياً في العقود الآجلة للبشر. يعد اليقين في الشؤون الإنسانية شريان حياة هذه الأسواق، حيث يتنافس رأسماليو المراقبة على جودة توقعاتهم. هذا شكل جديد من التجارة ولّد بعضاً من أغنى وأقوى الشركات في التاريخ.
من أجل تحقيق أهدافهم، سعى كبار رأسماليي المراقبة إلى إرساء هيمنة منقطعة النظير على 99.9بالمئة من المعلومات العالمية، والتي حُوِّلت إلى بيانات رقمية ساعدوا هم في إنشائها. بنى رأسمال المراقبة معظم شبكات الكمبيوتر الكبرى في العالم، ناهيك عن مراكز البيانات وتجمعات الخوادم الحاسوبية وكابلات النقل البحرية والرقائق الدقيقة المتطورة والآلات الذكية الرائدة، وهو ما أشعل سباق تسلح بين عدد من المتخصصين على هذا الكوكب، لا يتجاوز العشرة آلاف أو نحوه، ممن يعرفون كيفية تحصيل المعرفة من قارات البيانات الجديدة والواسعة هذه.
مع تربع غوغل على عرش الصدارة، يسعى كبار رأسماليي المراقبة إلى التحكم بأسواق العمل من خلال امتلاكهم لخبرات حاسمة، بما في ذلك علوم البيانات وأبحاث الحيوانات، وإخراج المنافسين مثل الشركات الناشئة، والجامعات، والمدارس الثانوية، والبلديات، والشركات الراسخة في مجالات أخرى والموجودة في بلدان أقل ثراءً. 57 بالمئة من الأميركيين الحاصلين على الدكتوراه في علوم الكمبيوتر حصلوا على وظائف في هذا المجال عام 2016، فيما أصبح 11 بالمئة فقط مدرّسين دائمين. لكن هذه المشكلة ليست حكراً على الولايات المتحدة. ففي بريطانيا أيضاً يفكر مسؤولو الجامعات ملياً في «جيل مفقود» من علماء البيانات. يرثي عالم كندي «القوة والخبرة والبيانات التي تتمركز جميعها في أيدي عدد قليل من الشركات».
أنشأت غوغل أول الأسواق ذات الربح الجنوني للتداول في العقود الآجلة للبشر، وهو ما نعرفه الآن بإعلانات الإنترنت الموجَّهة، وذلك بناءً على توقعات الشركة للإعلانات التي سينقر عليها المستخدمون. بين عام 2000، عندما بدأ هذا المنطق الاقتصادي الجديد بالظهور، وعام 2004، حين طُرحت الشركة للتداول العام، زادت الإيرادات بنسبة 3,590 بالمئة. يمثل هذا الرقم المذهل «عائد المراقبة»، والذي سرعان ما أعاد تعريف المعايير للمستثمرين، مما أدى في النهاية إلى دفع الشركات الناشئة ومطوِّري التطبيقات والشركات القائمة إلى تحويل نماذجهم الربحية نحو رأسمالية المراقبة. الوعد بإيرادات ضخمة عن طريق بيع العقود الآجلة للبشر دفع هذه الهجرة في بادئ الأمر إلى فيسبوك، ثم عبر قطاع التكنولوجيا، والآن في جميع أنحاء الاقتصاد إلى صناعات شديدة التباين مثل التأمين وتجارة التجزئة والتمويل والتعليم والرعاية الصحية والعقارات والترفيه، وكل منتج يبدأ بكلمة «ذكي» أو خدمة توصف بأنها «مشخصنة».
حتى شركة فورد، مهد اقتصاد الإنتاج الضخم في القرن العشرين، تسير على سكة عائدات المراقبة، حيث ترغب في مواجهة التحدي المتمثل في تراجع مبيعات السيارات من خلال إعادة تصور سيارات فورد على أنها «نظام تشغيل للنقل». وكما قال أحد المحللين، فإن فورد «يمكن أن تكتسب ثروة من تحويل البيانات إلى مال، لن يحتاجوا إلى مهندسين أو مصانع أو تجار للقيام بذلك، إنه ربح صاف تقريباً».
صُفِّيت الضرورات الاقتصادية لرأسمالية المراقبة في المنافسة لبيع اليقين. في البداية، كان من الجلي أن الذكاء الآلي يجب أن يتغذى على حجم البيانات، مما دفع باقتصاديات الوفرة [زيادة الربح بتكثير الإنتاج] إلى الدخول في مجال استخراج البيانات. في النهاية كان الحجم ضرورياً لكن غير كاف. تتطلب أفضل الخوارزميات أيضاً مجموعة متنوعة من البيانات – اقتصاديات المجال [زيادة الربح بتنويع الإنتاج]. ساعد هذا الإدراك في دفع «ثورة الهاتف المحمول» وذلك عن طريق إرسال المستخدمين إلى العالم الحقيقي مسلحين بالكاميرات وأجهزة الكمبيوتر وأجهزة تحديد الاتجاه والميكروفونات المتضمنة داخل هواتفهم الذكية الجديدة. في المنافسة على المجال، يريد رأسماليو المراقبة منزلك، وما تقوله وتفعله داخل جدرانه؛ يريدون سيارتك، وضعك الصحي، والبرامج التي تشاهدها؛ يريدون موقعك، وجميع الشوارع والمباني في طريقك، وكل سلوك لكل الناس في مدينتك؛ يريدون صوتك، وما تأكله وما تشتريه؛ يريدون وقت لعب أطفالك ودوامهم في المدرسة؛ يريدون موجات دماغك ومجرى الدم في شرايينك… لا شيء مستثنى على الإطلاق.
تولّد معرفتهم بنا بشكل غير متكافئ قوة لهم علينا غير متكافئة، لذا فإن التفاوت المعرفي يتسع ليشمل المسافة بين ما يمكننا فعله وما يمكن فعله بنا. يصف علماء البيانات هذا على أنه التحول من المراقبة إلى التشغيل، حيث يمكن التحكم عن بُعد بنظام ما إذا توفرت كتلة حرجة من المعرفة حول هذا النظام. أصبح الناس الآن أهدافاً للتحكم عن بُعد، حيث اكتشف رأسماليو المراقبة أن البيانات الأكثر قدرة على التنبؤ تأتي من التدخل في السلوك لضبط وتجميع وتعديل الإجراءات نحو الأهداف التجارية. هذه الضرورة الثالثة، «اقتصاديات الأداء»، أصبحت ساحة للتجارب المكثفة. قال أحد العلماء: «نحن نتعلم كيف نكتب الموسيقا، ثم سنجعل الموسيقا تجعلهم يرقصون».
هذه القوة الجديدة، «جعلهم يرقصون»، لا تنشر جنوداً يهددون بالإرهاب والقتل. هذه قوة تحضر وهي تحمل كوب كابتشينو، لا مسدساً. إنها قوة «آلاتية» جديدة، تعمل بإرادتها من خلال وسيط الأجهزة الرقمية الواسعة الانتشار، لتتلاعب بالإشارات اللاشعورية، وتتواصل بشكل مستهدِف على الصعيد النفسي، وتفرض بنى اختيار تلقائية، وتحرّض ديناميكيات المقارنة الاجتماعية، وتفرض نظام المكافآت والعقوبات – كل ذلك بهدف الدوزنة والضبط عن بُعد، ومؤالفة وتعديل السلوك البشري ليصب في مصلحة العائد الربحي، والذي دائماً ما تتم هندسته للحفاظ على جهل المستخدمين.
لقد رأينا كيف تحولت المعرفة التنبؤية تدريجياً إلى أداة قوة في تجارب العدوى على فيسبوك، والتي نشرت على دفعتين في عامي 2012 و2014، حيث زُرعت إشارات لا شعورية وتم التلاعب بالمقارنات الاجتماعية على صفحات المشاركين، وذلك أولاً للتأثير على المستخدمين للتصويت في الانتخابات النصفية، ولاحقاً لجعل الناس يشعرون بالحزن أو السعادة. احتفل باحثو فيسبوك بنجاح هذه التجارب، مشيرين إلى نتيجتين رئيسيتين: أنه كان من الممكن التلاعب بالإشارات على الإنترنت للتأثير على السلوك في العالم الحقيقي ومشاعر الناس، وأنه يمكن تحقيق ذلك مع التحايل بنجاح على وعي المستخدمين.
في عام 2016، اختبرت لعبة الواقع المعزَّز Pokémon Go، والتي احضتنتها غوغل، اقتصادات السلوك في الشوارع. لم يعرف لاعبو اللعبة أنهم كانوا بيادق في اللعبة الحقيقية الرامية لتعديل السلوك من أجل الربح، حيث تم استخدام مكافآت وعقوبات صيد المخلوقات الخيالية لأخذ الناس إلى مطاعم ماكدونالدز وكافيهات ستاربكس ومطاعم البيتزا المحلية، والتي كانت تدفع للشركة مقابل «الدعسات»، بالطريقة نفسها التي يدفع بها المعلنون على الإنترنت مقابل «النقر» والدخول إلى مواقعهم على الشبكة.
في عام 2017، كشف مستند تم تسريبه من فيسبوك، وحصلت عليه صحيفة ذا أسترالينان، عن اهتمام الشركة بتطبيق «استبصار نفسي» من «بيانات فيسبوك الداخلية» لتعديل سلوك المستخدم. كان الهدف 6.4 مليون شاب أسترالي ونيوزيلندي. كتب المسؤولون التنفيذيون: «من خلال مراقبة المنشورات والصور والتفاعلات ونشاط الإنترنت في الوقت الفعلي، يمكن لفيسبوك أن يحسب متى يشعر الشباب بـ’التوتر‘، ’الهزيمة‘، ’الإرهاق‘، ’القلق‘، ’العصبية‘، ’الغباء‘، ’السخافة‘، ’عدم الفائدة‘، ’الفشل‘». كما أوضحوا أن عمق المعلومات هذا يسمح لفيسبوك بتحديد الإطار الزمني الذي يحتاجه الشاب إلى «تعزيز الثقة»، بالإضافة للإطار الزمني حين يكون أكثر انكشافاً لتكوين معين من الإشارات والمحفزات اللاشعورية. بعد ذلك يتم استخدام البيانات لمطابقة كل مرحلة عاطفية مع الرسائل الإعلانية المناسبة لتحقيق أقصى احتمالات المبيعات.
أنكرت فيسبوك هذه الممارسات، لكن مديراً سابقاً للمنتجات اتهم الشركة بـ«الكذب المحض». في الحقيقة، فإن قواعد التفاوت المعرفي هي التي تحكم المشهد، في ظل غياب شفافية الشركات والرقابة الديمقراطية. إنهم يعرفون. إنهم يقررون من يعرف. إنهم يقررون من يقرر.
لقد تَعمَّق نقص المعرفة المفرط لدى الجمهور نتيجة إتقان رأسماليي المراقبة التلاعب بالعقول، حد الكمال، عن طريق وسائل الاتصال. ما يلي مثالان توضيحيان. في 30 نيسان 2019، أدلى مارك زوكربيرغ بتصريح مثير في مؤتمر المطوِّرين السنوي للشركة، معلناً أن «المستقبل خاص». بعد بضعة أسابيع، مَثَلَ أحد محامي فيسبوك أمام قاضٍ فيدرالي في كاليفورنيا للتصدي لدعوى قضائية رفعها مستخدِم بحجة انتهاك الخصوصية، وقد جادل المحامي أن فعل استخدام فيسبوك بحد ذاته ينفي أي توقع معقول للخصوصية «كمسألة قانونية». في أيار 2019، كتب الرئيس التنفيذي لشركة غوغل سوندار بيتشاي، في صحيفة ذا تايمز، عن التزام شركاته بالمبدأ القائل بأن «الخصوصية لا يمكن أن تكون سلعة فاخرة». بعد خمسة أشهر، وُجد متعاقدون مع غوغل يقدمون بطاقات هدايا بقيمة 5 دولارات للمشردين غير البيض في حديقة أتلانتا مقابل السماح بمسح وجوههم.
يدعو إنكار فيسبوك إلى مزيد من التدقيق في ضوء وثيقة أخرى مسرَّبة من الشركة ظهرت عام 2018. يقدم التقرير السري نظرة ثاقبة نادرة عن قلب مصنع الحوسبة في فيسبوك، حيث يعمل «محرك تنبؤ» على منصة ذكاء آلي «تستوعب تريليونات من نقاط البيانات كل يوم، تُدرّب الآلاف من النماذج»، ثم «توظفها في أسطول الخوادم لتحقيق التنبؤات الحية». يشير فيسبوك إلى أن «خدمة التنبؤ» تنتج «أكثر من 6 ملايين توقع في الثانية». لكن، لأي غرض؟
توضح الشركة في تقريرها أن هذه القدرات الاستثنائية مكرَّسة لمواجهة «تحديات البزنس الأساسية» لعملائها من الشركات، وذلك من خلال الإجراءات التي تربط بين التنبؤ والاستهداف الدقيق والتدخل وتعديل السلوك. على سبيل المثال، يتم الترويج لخدمة لفيسبوك المسماة «توقع الولاء» وذلك لقدرتها على التحكم في الفائض السلوكي للتنبؤ بالأفراد الذين يُبدون «خطر» تحويل ولائهم من علامة تجارية معينة لأخرى، ومن ثم تنبيه المعلنين للتدخل الفوري بالرسائل الموجَّهة والمصممة لحفظ الولاء في الوقت المناسب وتغيير مسار المستقبل.
في ذلك العام، قام شاب يدعى كريستوفر ويلي بإفشاء مخالفات الشركة التي عمل بها، وهي شركة الاستشارات السياسية المعروفة كامبريدج أناليتيكا. اعترف ويلي: «لقد استغللنا فيسبوك لسحب الملايين من الملفات الشخصية للأفراد، وبنينا نماذج لاستغلال ما نعرفه عنهم واستهداف شياطينهم الداخلية». وصف السيد ويلي هذه التقنيات بأنها «حرب معلومات»، حيث قدّر مُحِقاً أن حروب الظل هذه مبنية على عدم التماثل بين المعرفة والقوة التي توفرها. كان الأمر الأقل وضوحاً للجمهور أو للمشرِّعين هو أن استراتيجيات هذه الشركة السياسية بغرض الإخضاع والغزو السرّيَّين وظفت إجراءات التشغيل المعيارية لرأسمالية المراقبة التي يتعرض لها مليارات «المستخدمين» الأبرياء كل يوم. وصف السيد ويلي عملية الانعكاس هذه، وهو تحدث عن استخدام معيَّن للفيسبوك تم وقفه بالفعل واعتباره خطيراً. يكمن الابتكار الحقيقي لكامبريدج أناليتيكا في تحويل المشروع برمته من الأهداف التجارية إلى الأهداف السياسية.
بعبارة أخرى، لعبت كامبريدج أناليتيكا دور الطفيلي، في حين لعبت رأسمالية المراقبة دور المُضيف. بفضل هيمنتها المعرفية، قدمت رأسمالية المراقبة البيانات السلوكية التي كشفت أهدافاً جرى الهجوم عليها. أصبحت وسائلها في الاستهداف السلوكي الدقيق والموجَّه وتعديل السلوك هي الأسلحة. شكل افتقار رأسمالية المراقبة للمساءلة عن المحتوى على منصاتها، والذي يوفره التشريع 230\1996، فرصة لشن هجمات خفية مصممة لإثارة الشياطين الداخلية للمواطنين الغافلين.
ليس التفاوت المعرفي ما يجعلنا مكشوفين بشكل تام لهجمات الجهات الفاعلة مثل كامبريدج أناليتيكا. النقطة الأكبر والأكثر إثارة للقلق هي أن رأسمالية المراقبة حولت التفاوت المعرفي إلى شرط معرِّف لمجتمعاتنا، فطبّعت حرب المعلومات باعتبارها خاصية مزمنة لواقعنا اليومي تُقاضيها الشركات ذاتها التي نعتمد عليها للمشاركة الاجتماعية الفعالة. هذه الشركات لديها المعرفة والآلات والعلم والعلماء والأسرار والأكاذيب. كل الخصوصية في يدهم الآن، مما يترك بأيدينا وسائل قليلة بوجه غزاة البيانات المحتالين. بدون قانون، نتزاحم للاختباء في حياتنا، بينما يناقش أطفالنا استراتيجيات التشفير على مائدة العشاء ويرتدي الطلاب أقنعة في المظاهرات لحماية أنفسهم من أنظمة التعرف على الوجه المبنية باستخدام صور عائلتنا.
في ظل غياب مواثيق جديدة عن الحقوق والتشريعات المعرفية، تهدد رأسمالية المراقبة بإعادة تشكيل المجتمع، وذلك لكونها تفكك الديمقراطية. من الأسفل، هي تقوض القدرة البشرية، تستولي على الخصوصية، تقلص الاستقلالية وتحرم الأفراد من حق الاشتباك والقتال. من الأعلى، لا يتوافق التفاوت والظلم المعرفي بشكل معياري وأساسي مع تطلعات الناس الديمقراطية.
نعلم أن رأسماليي المراقبة يعملون في الظل، لكن ما يفعلونه هناك والمعرفة التي يكتسبونها مجهولة لنا. لديهم الوسائل لمعرفة كل شيء عنا، لكن لا يمكننا معرفة الكثير عنهم. معرفتهم بنا ليست لنا، بل يتم بيع العقود الآجلة للبشر من أجل مكاسب وأرباح بشر آخرين. منذ اجتماع لجنة التجارة الفيدرالية عام 1997، لم يتم رسم خط فاصل أبداً، وأصبح الناس رقيقاً يُتاجَر بهم. الوهم المدمِّر الآخر هو أن هذه النتيجة كانت حتمية – نتيجة لا مفر منها للتقنيات الرقمية المعزِّزة للراحة. في الحقيقة، فإن رأسمالية المراقبة اختطفت الوسيط الرقمي. لم يكن هناك شيء لا مفر منه.
كان المشرِّعون الأميركيون متردّدين في مواجهة هذه التحديات لأسباب عديدة. أحدهما هو سياسة غير مكتوبة لـ«استثنائية المراقبة» صيغت في أعقاب هجمات 11 أيلول الإرهابية، عندما تحولت مخاوف الحكومة من حماية الخصوصية على الإنترنت إلى تعصُّب جديد لصالح «وعي معلوماتي كامل». في تلك البيئة السياسية، بدا أن قدرات المراقبة الوليدة الناشئة من وادي السيليكون تبشر بالخير.
أيضاً، دافع رأسماليو المراقبة عن أنفسهم من خلال جماعات الضغط والدعاية السياسية الرامية إلى تقويض وترهيب المشرِّعين، ناشرين الإرباك في إطلاق الأحكام ومتسبّبين بشلل على مستوى الأفعال. وبالكاد تلقت هذه الدعاية أي تدقيق مقارنةً بالضرر الذي سبّبته. خذ بعين الاعتبار هذين المثالين:
الأول هو الإصرار على أن الديمقراطية تهدد الازدهار والابتكار. عام 2011، أصرّ الرئيس التنفيذي السابق لشركة غوغل إريك شميدت: «لقد اتخذنا موقفاً وهو أن عليكم أن ترفعوا أيديكم عن الإنترنت … أتعلمون، اتركونا وشأننا … يمكن للحكومة أن ترتكب أخطاء تنظيمية من الممكن أن تبطئ الأمر برمته، ونحن نرى ذلك ونحن قلقون حيال هذا الشيء». هذه الدعاية معاد تدويرها من أباطرة عصر المذهَّب الذين اغتنَوا أيام اكتشاف الذهب في الولايات المتحدة قبل مئة وخمسين عاماً، وهؤلاء ندعوهم الآن بـ«اللصوص». لا حاجة للقانون في ظل «قانون البقاء للأقوى» و«قوانين رأس المال» و«قانون العرض والطلب».
للمفارقة، لا يبدو أن رأسمال المراقبة دافعاً للابتكار. تُظهر حقبة جديدة واعدة من الأبحاث الاقتصادية الدور الحاسم الذي لعبته الحكومة والحكم الديمقراطي في الابتكار، مع نقص في ابتكار في شركات التكنولوجيا الكبرى مثل غوغل. لا تكرس رأسمالية المراقبة المعلومات التي تستحوذ عليها في معالجة التحديات الملحة المتمثلة في الطاقة الخالية من الكربون، أو القضاء على الجوع، أو علاج السرطان، أو تخليص المحيطات من البلاستيك، أو ملء العالم بمدرسين وأطباء أذكياء وكرماء وذوي أجور جيدة. عوضاً عن ذلك، هناك عملية غير مسبوقة يديرها عباقرة برأسمال مرعب وقوة حسابية مهولة وغاية وحيدة هي درّ الأرباح من خلال العلم واقتصاد التنبؤ البشري.
الشكل الثاني من الدعاية تلك الحجة القائلة بأن نجاح الشركات الرأسمالية الرائدة في المراقبة يعكس القيمة الحقيقية التي تقدمها للناس. لكن البيانات من جانب الطلب تشير إلى أن رأسمالية المراقبة يمكن فهمها بشكل أفضل على أنها فشل في السوق. فبدلاً من التقارب الوثيق بين العرض والطلب، يستخدم الناس هذه الخدمات لأنه لا بدائل مماثلة لديهم، ولأنهم يجهلون عمليات رأسمالية المراقبة التي تتم في الظل ومدى عواقبها. مؤخراً أفاد مركز پْيو للأبحاث أن 81 بالمئة من الأميركيين يعتقدون أن المخاطر المحتملة لجمع الشركات للبيانات تفوق المنافع، مما يشير إلى أن نجاح الشركة يعتمد على الإكراه والتعتيم بدلاً من تلبية احتياجات الناس الحقيقية.
في كتابه عن تاريخ القوانين، أطلق المؤرخ توماس مكراو تحذيراً. فعبر القرون، كان المشرّعون يفشلون حين لا يضعون «استراتيجيات مناسبة للصناعات المعينة التي كانوا يضعون قوانينها الناظمة». تعد قوانين الخصوصية ومكافحة الاحتكار الموجودة حالياً أمراً في غاية الأهمية، لكن أياً منها لن يكفي تماماً لمواجهة التحديات الجديدة لعكس التفاوت المعرفي.
إن صراعات القرن الواحد والعشرين هذه تتطلب إطاراً للحقوق المعرفية، المنصوص عليها في القانون والخاضعة للحوكمة الديمقراطية. من شأن هذه الحقوق أن تقطع سلاسل توريد البيانات من خلال حماية حدود التجربة البشرية قبل أن تتعرض للهجوم من القوى التي تحول كل شيء إلى بيانات. إن اختيار تحويل أي جانب من جوانب حياة الفرد إلى بيانات هو أمر يعود إلى الأفراد وحقوقهم ضمن مجتمع ديمقراطي. يعني هذا، على سبيل المثال، أنه لا يمكن للشركات المطالَبة بالحق في وجهك، أو استخدام وجهك كمادة خام مجانية للتحليل، أو امتلاك وبيع أي منتجات مُحَوسَبة مشتقة من وجهك. لقد بدأ بالفعل الحديث حول الحقوق المعرفية، وهو ما انعكس في تقرير رائد أصدرته منظمة العفو الدولية.
على جانب الطلب، يمكننا حظر أسواق العقود الآجلة البشرية قانونياً، وبالتالي القضاء على الحوافز المالية التي تحافظ على عائد المراقبة. هذا ليس طرحاً بعيد المنال. على سبيل المثال، تحظر المجتمعات الأسواق التي تتاجر بالأعضاء البشرية والرُّضَّع والعبيد. في كل حالة، نحن ندرك أن مثل هذه الأسواق بغيضة أخلاقياً وتؤدي إلى عواقب عنيفة يمكن التنبؤ بها. يمكن إظهار أن أسواق العقود الآجلة للبشر تؤدي لنتائج يمكن التنبؤ بها بنفس القدر، وتتحدى حرية الإنسان، وتقوِّض الديمقراطية، كما هي الحال مع الرهون العقارية عالية المخاطر واستثمارات الوقود الأحفوري. إن أصول المراقبة أصبحت هي الأصول السامة الجديدة.
دعماً لمشهد تنافسي جديد، سيحتاج المشرِّعون إلى دعم أشكال جديدة من العمل الجماعي، تماماً مثل الحماية القانونية قبل ما يقرب من قرن لحقوق التنظيم والإضراب والمفاوضة الجماعية من قبل المشرِّعين والعمال للحد من سلطات الرأسماليين الاحتكاريين. على المشرِّعين أن يسعَوا لإقامة تحالفات مع المواطنين القلقين بشدة من السلطة غير الخاضعة للرقابة التي يمتلكها رأسماليو المراقبة، ومع العمال الذين يسعَون للحصول على أجور عادلة وأمن معقول في تحدٍّ لظروف العمل غير المستقرة التي يتسم بها اقتصاد المراقبة.
باستطاعة البشر تدمير أي شيء خلقوه. رأسمالية المراقبة شابة، بالكاد تخطت عامها العشرين، لكن الديمقراطية قديمة ومتجذرة في أجيال من الأمل والصراع.
رأسماليو المراقبة أغنياء وأقوياء، لكنهم ليسوا منيعين. الخوف كعب أخيلهم. إنهم يخشون أي مشرِّعين لا يخشونهم؛ يخشون المواطنين الذين يطالبون برسم طريق جديد ويصرون على إجابات جديدة لأسئلة قديمة: من سيعرف؟ من سيقرر من يعرف؟ من سيقرر من يقرر؟
من سيكتب الموسيقى، ومن سيرقص؟