نهاية كانون الثاني (يناير) الماضي، أصدر المركز السوري للعدالة والمساءلة بياناً صحفياً قال فيه إنه تقدّم إلى المحكمة الجنائية الدولية بشكوى ضد دولة اليونان، وذلك نتيجة ارتكابها انتهاكات، قد تصل إلى مستوى جرائم ضد الإنسانية، بحق اللاجئين الذين قدموا إليها بهدف العبور نحو الدول الأوروبية. وقد تقدّم المركز بهذه الشكوى بموجب المادة 15 من النظام الأساسي للمحكمة، داعياً مكتب المدعي العام فيها إلى فتح تحقيق بهذا الشأن.

أجرت الجمهورية هذا الحوار مع محمد العبد الله، الناشط السوري والمعتقل السياسي السابق، والمدير الحالي للمركز السوري للعدالة والمساءلة، لمناقشة تفاصيل الشكوى والظروف المحيطة بها، وللحديث عمّا يمكن أن تقدمه مثل هذه الجهود للحد من الانتهاكات ضد اللاجئين السوريين في اليونان أو غيرها من دول العبور.

تقدّمتم بشكوى ضد اليونان خلال الشهر الماضي أمام المحكمة الجنائية الدولية، ما هي تفاصيل هذه الشكوى؟

بشكل عام هناك انتهاكات واضحة يتعرض لها اللاجئون السوريين خلال عبورهم نحو دول الاتحاد الأوروبي، وإحدى الدول التي لديها ملف واضح في موضوع الانتهاكات هي اليونان. طبعاً هناك انتهاكات في دول أخرى من بينها تركيا وإيطاليا، فقد قررت إيطاليا على سبيل المثال وقف عمليات إنقاذ اللاجئين في البحر، لأنها اعتبرت أنّ تلك العمليات تشكّل عامل جذب للاجئين. وقد أصدر مكتب المفوض السامي لحقوق الانسان التابع للأمم المتحدة بياناً قال فيه إنّ إيطاليا مطالبة بفتح تحقيق حول وفاة 200 لاجئ أمام شواطئها. وعلى أي حال، من المحتمل أن يكون هناك شكاوى وقضايا ضد دول أخرى في المستقبل بسبب انتهاكات ضد اللاجئين.

يعاني اللاجئون الذين عبروا ووصلوا إلى اليونان من أزمة كبيرة، فالوضع الإنساني سيء للغاية، وهناك انتهاكات تقوم بها شرطة الحدود الأوروبية (فرونتكس) التي يموّلها الاتحاد الأوروبي، وانتهاكات ضد اللاجئين الذين قرروا القدوم عبر البحر.

زميلتنا نسمة الباشي، التي عملت كمتطوعة مع اللاجئين في جزر اليونان، بدأت منذ حوالي العام بتحضير ملف خلال عملها في المركز من أجل توثيق تلك الانتهاكات، سواءً تلك التي كانت شاهدة عليها خلال تطوعها هناك، أو من خلال شهادات الناجيات والناجين واللاجئين الموجودين هناك. وقد وثّقنا نمطين رئيسيين من الانتهاكات:

الأول هو محاولة التعرّض لقوارب المهاجرين في البحر من خلال عمليات تهدف لإغراقها أو جرّها بعيداً نحو المياه الدولية، وهناك أساليب استُخدمت في هذا السياق من نوع ربط مسطَّح معدني بين قاربين بهدف صنع أمواج من خلال حركة القاربين تتسبب بإغراق قوارب اللاجئين، وهي عمليات نتج عنها غرق قوارب وحالات وفاة.

أما النمط الثاني الذي تمّ توثيقه فيجري على الجزر نفسها ضمن مراكز الاستقبال، حيث لا توجد مثلاً أي مقومات نظافة، ولا أبسط مقومات حقوق الإنسان، ناهيك عن تسجيل حدوث انتهاكات جنسية على نطاق واسع.

من مخيم كارا تيبي للاجئين في جزيرة ليسبوس اليونانية، © Anthi PAZIANOU / AFP / ANP
من مخيم كارا تيبي للاجئين في جزيرة ليسبوس اليونانية، © Anthi PAZIANOU / AFP / ANP

الهدف من الربط بين نمطَي الانتهاكات هو التأكيد على أنها جميعها تحدث ضمن الإجراءات الردعية التي تستخدمها الدول لمنع وصول اللاجئين إليها، أو منهم من العبور من خلالها، وهي جميعها محظورة وفق القانون الدولي، فضلاً عن أنها قد تشكل جرائم ضد الإنسانية، مثل حالات الاغتصاب على نطاق واسع، أو التعذيب وإحراق المخيمات. بعد احتراق مخيم موريا في اليونان، مثلاً، تمّت إعادة بناء المخيم على أرض ملوّثة بالرصاص، وهناك تحذيرات بأن على الأطفال والجميع عموماً الامتناع عن العيش في تلك المنطقة. الاتحاد الأوروبي يتحمل مسؤولية عن هذه الإجراءات، وليس اليونان فقط.

الهدف من الشكوى، أولاً، تسليط الضوء على هذه المعاناة، فهذه شكوى ضد دولة أوروبية في المحكمة الجنائية الدولية، ما يعني أنّها ستأخذ صدى واسعاً وتغطية كبيرة؛ وثانياً إخطار دول الاتحاد الأوروبي بأنّ تلك الممارسات تشكّل انتهاكات للقانون الدولي ومن الممكن أن تصل للمحاكم الدولية.

من ناحية أخرى، لدينا أمل بأنّ المحكمة الجنائية الدولية متّجهة لتوسيع صلاحياتها بشكل أكبر، كما جرى مثلاً في موضوع فلسطين وممارسة الصلاحية في الشكوى المقدمة ضد إسرائيل – رغم أنّ إسرائيل ليست طرفاً في الاتفاقية الدولية للمحكمة الجنائية – وكذلك التحقيق الذي أجري بخصوص انتهاكات في أفغانستان – وهو ما تسبب بعقوبات أميركية على المحكمة الجنائية الدولية. قد تكون هذه التحركات التي تقوم بها المحكمة مبشّرة بخصوص قبول الشكوى المقدمة، وفي حال تم فتح تحقيق في موضوع اللاجئين، فإنه سيشمل دولاً غير مشمولة بالشكوى، وهي الدول التي قدمت مساعدات مالية ومساعدات أمنية للإجراءات التي نفذتها السلطات اليونانية.

بعد تقديم الشكوى لمكتب المدعي العام في المحكمة الجنائية الدولية، ما هي الخطوة التالية؟

في المرحلة التالية سيقوم مكتب المدعي العام بدراسة الشكوى، وربما يطلب توضيحات وشهادات بخصوصها، وقد تواصل معنا العديد من اللاجئين وعدة منظمات عاملة في اليونان، مُبدين استعدادهم لتقديم شهادات وأدلة إضافية لدعم الشكوى، فقمنا بإتاحة المجال أمام تلك الشهادات لمدة شهر لدعم الملف بالأدلة الإضافية في حال قُبِلَت الشكوى. من جهته، فإنّ من المفترض أن يصدر مكتب الادعاء العام قراراً علنياً بقبول أو رفض الشكوى مع إبداء الأسباب.

من الممكن أيضاً أن ننخرط في بعض أنشطة المناصرة، مثل أن نطلب من عائلات الضحايا مراسلة مكتب المدعي العام ومطالبته بقبول الشكوى. كما تواصلت معنا جهات رسمية في دول أوروبية – أتحفّظ على ذكر اسمها – وقالت إنها تؤيّد الشكوى وستُساهم في جهود المناصرة، نتيجة قناعتها بضرورة فتح ملف الانتهاكات ضد اللاجئين.

في السياق نفسه، سيكون للبيان الذي قدمته مفوضية حقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة بخصوص إيطاليا، وقرار محكمة ألمانيّة بمنع ترحيل لاجئين سوريين إلى اليونان، أمراً مساعداً على ما أعتقد، خاصةً وأنّ المحكمة برّرت رفض الترحيل بالظروف السيئة التي يعيشها اللاجئون هناك. وإذا ما فُتح الملف، سيصبح تماماً بيد المحكمة التي ستقرر عندها الإجراءات والجدول الزمني.

تحصل المنظمات الحقوقية السورية على تمويل أوروبي يساهم بشكل أساسي في استمرار عملها، هل يؤثر هذا الموضوع على هذا النوع من التحركات؟

للأمانة، كان تخوُّفنا الأساسي قبل التقدم بالشكوى هو حصول مشاكل مع حكومة الولايات المتحدة التي تفرض عقوبات على محكمة الجنايات الدولية، وبما أنّ مقرنا في واشنطن فإنّ ذلك كان ربما الهاجس الأكبر، لذلك انتظرنا إلى حين تسلُّم إدارة جوزيف بايدن للعمل بشكل رسمي، وتقدمنا بالشكوى التي كانت جاهزة منذ نهاية العام 2020. للأسف، لم ترفع إدارة بايدن العقوبات حتى اللحظة، لكننا مع ذلك تقدمنا بالشكوى.

في كل الأحوال، لم نأخذ في المركز إذْن أي مانح، كما لم تصلنا أي رسائل من أي مانحين تحتج على الشكوى التي قدمناها ضد اليونان. في الحقيقة، بعد التقدم بالشكوى حصل العكس، إذ اتصلت بنا دولة أوروبية وعبّرت عن دعمها للشكوى المقدمة.

نحن نحصل حتى اللحظة على تمويل من الخارجية الأميركية، ومع ذلك قمنا بالتحدّث عن ضربات الطائرات المسيّرة في شرق سوريا التي راح ضحيتها العديد من المدنيين. حتى الآن لم نتعرّض لإيقاف أي تمويل بسبب نشاطنا، ولكن أياً يكن الأمر، فإننا سنواصل جهودنا في سبيل العدالة والمساءلة.