انتسبَ إلى حزب البعث قبل الثورة، رئيسُ بلدية بالصدفة، حاول أن يقف على الحياد عقب اندلاع الثورة، فتعرّضَ للضرب والإهانة من ضباط النظام ومقاتلي المعارضة، ثم كان له دورٌ بارز في إبرام اتفاق «التسوية»، وتمسّك برئاسة البلدية وتقرّب أكثر من النظام بعد سيطرة الأخير على المدينة. مواقفُ متتالية تلخّص قصة عدنان الوزة رئيس بلدية حرستا.
عدنان الوزّة، أبو عادل، هو ابن مدينة حرستا، من عائلة متوسطة تعتبر من العائلات الصغيرة في المدينة، درس المراحل الابتدائية والإعدادية والثانوية في مدارس حرستا، ثم درس في المعهد الهندسي وتخرّجَ منه، وانتسب إلى حزب البعث ليصبح عضواً عاملاً فيه، وحريصاً على حضور الاجتماعات الحزبية.
من موظف إلى رئيس بلدية بالصدفة
بدأ الوزة حياته المهنية كموظف ضمن قسم الإشراف الفني في بلدية حرستا، ثم عُيّنَ نائباً لرئيس البلدية، التي كانت تحت إدارة عبد الناصر عراط، إلا أن الأخير أُقيلَ من منصبه في عام 2009، ليتم تكليف نائبه عدنان الوزة برئاسة البلدية مؤقتاً.
قال زاهد حاج موسى، محافظ ريف دمشق التابع للنظام في ذلك الوقت، لعدد من أهالي حرستا إنّ إعفاء عراط من منصبه جاء بسبب ضعف الأداء في عمله وسوء تصرفه مع أغلبية أعضاء مجلس المدينة، وفشله في المهمة المُسندة إليه. لكن الرواية التي شاعت بين الأهالي مغايرة لمزاعم محافظ ريف دمشق، وتقول تفاصيلها إن إقالة عبد الناصر عراط جاءت بسبب هدمه مخالفات سكنية تعود لبعض التجار المرتبطين بآل شاليش (أقرباء بشار الأسد) في نيسان 2008، ما دفعهم للتهجّم على مكتب رئيس البلدية وضربه بشدّة ليُنقل على إثرها للمشفى، وسط تكتمٍ من إعلام النظام. وقد استمر هؤلاء المقاولون النافذون بالضغط على المحافظة للتخلّص من رئيس البلدية الذي عرقل مشاريعهم، إلى أن اضطر محافظ ريف دمشق لإقالة عراط، وتكليف نائبه عدنان الوزة بدلاً عنه بالوكالة خلال عامي 2009-2010.
مواقفه الحيادية لم تشفع له
مع بداية الثورة قرّرَ الوزّة اتخاذ موقفٍ حيادي من الأحداث الدائرة في البلد، وعمل على التقرّب من الأهالي لزيادة شعبيته، وهو ما ساعده على الفوز في انتخابات المجلس البلدي التي أجراها النظام نهاية العام 2011، ليصبح بعدها رئيساً للمجلس بالأصالة.
يقول ناشط إعلامي من أبناء حرستا، فضّل عدم ذكر اسمه لأسبابٍ أمنية: «كان عدنان الوزة شخصاً محبوباً من الأهالي، لكنه كان نموذجاً للشخص الرمادي، يحاول ألّا يعادي أحداً، سواءً الثوار أو قوات النظام، بسبب ضعف شخصيته وخوفه من الجميع، لذا كان يسعى دوماً إلى عمل توافقات بين الطرفين، وإلى كسب ودّهما معاً في الوقت نفسه، في بداية اندلاع الثورة يقول لمسؤولي وضباط النظام: سأعمل على تخفيف المظاهرات وسأغيّر قناعات الأهالي، وسيكون الأمر كما تشتهون. ومن ثم يأتي إلى الثوار والأهالي ويقول لهم: أنتم أولادنا ونريد مصلحتكم وسنفعل ما تريدون. بمعنى آخر، قد كان الوزّة حين يدخل لحرستا يُظهر نفسه ثائراً، وحين يكون في مجالس النظام يحاول أن يُظهِرَ نفسه موالياً للنظام».
مواقف الوزّة لم تعجب ضباط الأسد، وزاد غضبهم منه أكثر بعد مقتل العديد من عناصر النظام على جبهات حرستا. تقول حكاية يتناقلها أهالي المدينة إنه، في إحدى المرات، وصل خبر مقتل مجموعة من قوات النظام إلى فرع الأمن السياسي، فقام أحد ضباط الفرع بالتوجه إلى مشفى الشرطة المتاخم لحرستا، حيث كان يتواجد عدنان الوزة مع بعض أعضاء مجلس البلدية في زيارةٍ تفقدية. نزل ضابط الأمن السياسي من سيارته مع مجموعة من عناصر الأمن المرافقة له، وتوجه نحو الوزة الذي كان أمام باب المشفى، فوجّه له بعض الكلمات النابية وأتّهمه بالتواطؤ مع ثوار حرستا، والإسهام في قتل عناصر من قوات الأسد، فأنكر الوزّة ذلك وأكد للضابط أنه يقف في الحياد ويعمل لمصلحة أهل بلده. استفزّ كلام الوزة الضابط الذي قام بضربه، ووضعَ عناصره باقي أعضاء مجلس بلدية حرستا داخل حاويات القمامة في محاولةٍ لإهانتهم وإذلالهم، وإجبارهم على الرضوخ لأوامر السلطات الأمنية. لم تكن تلك هي المرة الوحيدة التي يتعرّض فيها عدنان الوزّة للإهانة من ضباط النظام على أي حال، حيث تكرر ذلك أكثر من مرة.
في تشرين الأول 2012، شنت قوات النظام حملةً عسكرية واسعة على حرستا، ما تسبّب في نزوح معظم أهالي المدينة. يقول رئيس المجلس المحلي في حرستا سابقاً (خلال مرحلة سيطرة فصائل المعارضة على المدينة) حسام البيروتي: «حين بدأ النظام حملته الهمجية على حرستا عام 2012، خرج عدنان الوزة مع غالبية أهالي المدينة، لكنّه كان آخر من خرجوا، حيث كان يعمل على تأمين خروج المدنيين ودفن الشهداء. وعندما خرج أصبح مكتبه في مدينة التل بريف دمشق، وبات بعدها يدخل إلى مدينته بشكلٍ متقطّع لإخراج جثث، أو إيصال مساعدات أو نقل شروط النظام».
ويضيف البيروتي: «كان الوزّة شخصاً رمادياً بامتياز، حيث حاول أن يكون قريباً من أهالي المدينة وكان محبوباً من قبلهم، وفي الوقت نفسه كان صلة الوصل بين النظام وسكان حرستا، إلا أن هذه الحيادية لم تشفع له، فتعرّض للضرب والإهانة من ضباط النظام في 2012، ثم تعرّض للضرب والتهديدات من الثوار خلال دخوله الى حرستا لإجراء بعض المفاوضات في 2013».
خلال فترة سيطرة فصائل المعارضة على حرستا طوال خمس سنوات، كان عدنان الوزة يحضر في أي مفاوضات مرتبطة بالمدينة، منها التفاوض لإصلاح خط المياه في حرستا، ولفتح معبر غربي الأوتوستراد مع القابون وبرزة، وإجراء صفقات تبادل الأسرى، وتسليم جثامين بالتعاون مع منظمة الهلال الأحمر السوري.
كان الوزة بمثابة مرسال لضباط النظام، يدخل الى حرستا ليُبلّغ أهلها شروط الأسد، ويخرج منها حاملاً مطالب السكان، وكان يرافقه مجموعة من الأشخاص يساعدونه في عملية التفاوض، وفي كل مرة كانوا يُطلقون على أنفسهم اسماً جديداً، ومنها (لجنة الصلح، أو لجنة رد المظالم، أو وفد تفاوضي).
الوزة بعد التهجير الأخير
في الأيام الأخيرة بدا واضحاً تخلي رئيس بلدية حرستا عن حياديّته وانحيازه للنظام، حيث ضغط على الأهالي لتوقيع ما يسمى اتفاق التسوية، عبر عدة مبادرات منها مبادرة الهلال الأحمر، ومبادرة إخراج السكان من المدينة.
يقول حسام البيروتي: «كان عدنان الوزّة يضغط بشكلٍ كبير على الأهالي للقبول باتفاق التهجير، وتحدّثَ معهم أكثر من مرة بلهجةٍ فيها نوع من التعالي والتهديد». وكان رئيس بلدية حرستا من أوائل الذين دخلوا إلى المدينة عند تنفيذ اتفاق «التسوية» عبر مدخل مشفى الشرطة، للإشراف على حافلات المهجّرين، بينما حاول أن يُطمئنَ من بقي في المدينة على أرواحهم، وأنه لن يتم اعتقالهم أو المساس بهم.
اعتقلت قوات النظام العديد من الشباب بعد دخولها الى حرستا، رغم وعود الوزة بعدم المساس بهم. حينها طالب الأهالي رئيس البلدية عدنان الوزة بالتدخل للإفراج عن أبنائهم، إلا أنه وقف مكتوف الأيدي، ولم يستطيع فعل أي شيء لإطلاق سراح من اعتُقل، وما زال هناك حتى الآن هناك شبان معتقلون، أو قُتلوا تحت التعذيب، أو مجهولو المصير.
بعد تهجير جزء من أهالي حرستا إلى الشمال، وسيطرة قوات النظام على المدينة في آذار (مارس) 2018، بدأ عدنان الوزة بإطلاق التصريحات للتأكيد على بدء العمل لإعادة الخدمات إلى المدينة التي تعرضت لدمارٍ كبير، طالَ الأبنية السكنية والبنى التحتية، فباتت تفتقر لجميع الخدمات.
يقول أبو رياض من سكان حرستا: «تصريحات الوزّة ووعوده لنا بإعادة الخدمات للمدينة، لم تكن سوى حبوب مخدرة لتخفيف احتقان الأهالي، وفي الوقت نفسه لزيادة شعبيته ودعمه في انتخابات رئاسة البلدية، والتي تمكن بالفعل من الفوز مجدداً بها في تشرين الأول 2018».
إعادة انتخاب عدنان الوزة رئيساً للبلدية كانت تعبيراً عن تحسين موقعه في النظام، ولا سيما حين وجّه شكراً خاصاً عبر صفحته الشخصية على فيسبوك «للقيادات الحزبية والحكومية والأمنية» على ثقتهم ودعمهم له، وبدا واضحاً تقرّبه من النظام وعدم اهتمامه حتى بتوجيه الشكر والاهتمام لأبناء بلدته، فبعد ثلاثة أعوام من سيطرة النظام على حرستا، لم يتغيّر الواقع الخدمي فيها كثيراً.
بعض الأهالي الذين التقيناهم لم يُحمّلوا الوزة مسؤولية سوء الواقع الخدمي، فهم يدركون أن الأمر ليس بيده، وأن الدمار الكبير الذي لحق بحرستا يحتاج لدعمٍ كبير وعملٍ لسنوات لإعادة المدينة الى ما كانت عليه. ورغم قلة الدعم الذي تلقته بلدية حرستا، يرى بعض الأهالي الذين تحدثنا معهم أن الوزّة قام ببعض المشاريع الخدمية منذ سيطرة النظام على المدينة، وأبرزها مشروع إزالة الركام، وتأهيل بعض المدارس بالتعاون مع منظمات دولية، وترميم مشفى حرستا، وإعادة الكهرباء والمياه لبعض الأحياء.
الوزّة مثالٌ عن شخصيات المصالحة، التي استثمرت كثيراً في علاقتها مع «الدولة» ونظام الأسد قبل الثورة، ما جعلها تفضل الوقوف على هامش الحراك في مناطقها. تلك الشخصيات المحلية التي لم تكن تمثيلاً للوحشية التي تعامل بها نظام الأسد مع السوريين، ثم استُخدمت لاحقاً خلال مرحلة المصالحات خاصةً في مناطق محيط دمشق الفقيرة وريف دمشق. عدنان الوزّة واحدٌ منهم، ويمكن أن تكون قصته مثالاً جيد عن هذه الفئة الجديدة من الوسطاء المحليين بين النظام والسكّان، ابن البلدة أو المنطقة الذي لم يعارض أحداً وينفذ طلبات الجميع حسب استطاعته. شخص لا يقول لا ضد أي فساد أو انتهاكات مهما بلغت، هو الشخص المناسب جداً لهذا الموقع.