استولت شركته على مشروع نفق الأمويين من يد مؤسسة الإسكان العسكري. هرّبَ أموال العائلة إلى قطر في حقائب سفر من أمام عناصر المخابرات الجوية في مطار دمشق، وإلى قطر أيضاً استورد الأبقار كي يفكّ الحصار عنها. اعتُقل في الدوحة، لكنّه لم يمكث محبوساً سوى أيام.

ابن أخت محمد حمشو. هو رجل الأعمال السوري-القطري، والقطري حاف حالياً. صاحب المشاريع في مدينة لوسيل التي ستشهد حفل افتتاح نهائيات كأس العالم لعام 2022، والذي يواجه مع أخيه تهمة تمويل الإرهاب أمام المحكمة العليا في بريطانيا. إذا كان السؤال لا يزال صعباً، أرجوك تناول علبة لبن بلدنا من البراد، ستعرف عمّن نتحدث، إنّه معتز الخياط.

لم يستطع الكثير من السوريين إلّا أن يُلاحظوا الاسم الجديد على آلات الحفر التي تعمل في ساحة الأمويين عام 2005. بعد أعوام من تسلّم شركة الإسكان العسكري للساحة، أعادت محافظة دمشق تسليم المشروع لشركة جديدة؛ الخياط للتجارة والمقاولات. كان مفاجئاً قراءة اسم شركة غير معروفة سابقاً ضمن أحد أبرز مشاريع إعادة تأهيل الطرقات الرئيسية في أهم ساحة في العاصمة دمشق، والتي تألفت من إعادة بناء الساحة وحفر نفق للسيارات أسفل الساحة. ويعد المشروع الذي استغرق قرابة ستة سنوات من الأشغال أحد أبرز المشاريع الذي استهلّ بها بشار الأسد فترة حكمه، وهي أيضاً مثال شديد الوضوح على الأداء الحكومي في سوريا، وحجم الفساد اللازم كي يستغرق نفق صغير نسبياً ستّة أعوام من العمل.

سيتضح للسوريين لاحقاً أن شركة الخياط مملوكة لمحمد رسلان الخياط (أبو العز)، سائق شاحنة صغيرة سابق، وزوج سمية صابر حمشو، أخت محمد حمشو. كان ذاك مشروعاً لحمشو تنفذه شركة غير معروفة لإبعاد الشبهات والعيون. في تلك اللحظة ظهر معتز ابن رسلان باعتباره وجه تلك الشركة الجديدة وبدأ يصرّح للإعلام ردّاً على مقالات نُشرت بأمر من مؤسسة الإسكان العسكري (ومن ورائها آل شاليش، أقرباء الأسد) تتهم محافظ دمشق بتعطيل العمل في ساحة الأمويين ليتم تسليم المشروع إلى شركة الخياط. كان معتز بالمرصاد لتلك الاتهامات، وكانت المشكلة في دراسات التربة حسب قوله، وهي المشكلة ذاتها التي تسبّبت بزيادة تكلفة عقد إنشاء مرآب الصالحية الطابقي -نفذّته شركة الخياط أيضاً- من 120 مليون ليرة إلى ما يقارب النصف مليار ليرة سورية (كانت تعادل 10 مليون دولار).

بدأ معتز رحلة الأعمال الخاصة به عندما قسم له والده الطابق الذي شغلته شركة الخياط للتجارة والمقاولات في داريّا، وأعطاه مكتباً فوق صالة أفراح مشهورة باسم الشاميات. مع أربعة موظفين ودعوات الوالدة ورضا الخال، بدأ معتز يدخل مناقصات متنوعة، بعد أن يملي عليه محمد حمشو أرقام تلك المناقصات عبر الهاتف، ليفوز بها رجل الأعمال الشاب في سوريا التي يحكمها بشار الأسد. تدرّج الخياط من مناقصات صغيرة لدى الوزارات والإدارات الحكومية، إلى الأعمال الإنشائية والمشاريع الكبيرة، وكان من بينها مشروع ساحة الأمويين الذي أضاف اسمه إلى قائمة رجال الأعمال السوريين المعروفين في البلاد. وباعتباره جزءاً من الشبكة التي تكوّنت حول مشاريع صابر حمشو ومن ثمّ ابنه محمد حمشو، كانت الطرق معبّدة أمام معتز الذي كان معروفاً عنه بين مدراء المشاريع أنّه يهوى التربة الرخوة التي تزيد من أرقام العقود والمناقصات، ويكره يوم دفع أجور العمّال، وهو يومٌ كثيراً ما كان يحذفه من الروزنامة.

لوسيل القطرية (ويكيميديا)

علاقة معتز التجارية مع خاله بدأت حين بدأ يدير شركة هي واجهة لأعمال محمد حمشو. كان معتز بذلك موظفاً لدى امبراطورية حمشو التي نمت كثيراً خلال حكم بشار الأسد بدعم منه ومن أخيه ماهر، لكن مشروعاً في تدمر نقل معتز إلى مستوى آخر من الأعمال.

بدأت علاقة معتز الخياط مع الدوحة عبر مشروع إنشاء مضمار لسباق الهجن في مدينة تدمر السورية قبيل عام 2007، تلاه بناء استراحة للأمير القطري في البادية السورية وسط البلاد، وهو ما فتح أمام معتز أبواب علاقة وطيدة مع العائلة الأميرية في قطر، امتدت لبناء قصور لهم في يعفور والصبورة، لم ينته العمل فيها حتى اندلعت الثورة السورية. سرّع معتز العمل في مشاريعه التي تعاقد فيها مع حكومة النظام السوري، لينتهي منها قبل انتهاء عام 2011، وتنتقل العائلة مع حقائب مليئة بالنقود إلى الدوحة تحت سمع وبصر عناصر المخابرات الجوية في مطار دمشق الدولي. تلك الحقائب ستصبح مجرد فكّة بعد أن تسلمت شركات معتز الخياط مشاريع ضمن مدينة لوسيل في قطر، التي تقدّر تكلفة بنائها الكاملة بنحو 40 مليار دولار.

من الدوحة في قطر، يدير معتز الخياط اليوم، عبرَ عدة شركات على رأسها شركة أورباكون القابضة، مشاريعَ سياحية وعقارية تمتد من المالديف إلى تركيا وأوروبا. وقد حصلت شركة أورباكون للتجارة والمقاولات على عدد من مشاريع البناء الهامة في قطر، من بينها مطار حمد الدولي وأسواق شعبية، بالإضافة إلى مبانٍ ضخمة ضمن مدينة لوسيل، التي كشف تحقيق لصحيفة الغارديان البريطانية تشغيل عمالة بالسخرة من كوريا الشمالية فيها، مقابل حصول حكومتهم على مبالغ بالقطع الأجنبي، وهو ما انتهى بعد ضغط أميركي قاد إلى ترحيل العمّال الكوريين الشماليين إلى بلادهم.

وعلى الرغم من المشاريع الإنشائية الضخمة التي تعهدتها شركات معتز الخياط، إلّا أن ظهوره الإعلامي الواسع في قطر بدأ بعد إنشائه مزرعة لتربية الأبقار، إثر بدء الحصار السعودي-الإماراتي على الإمارة وقطع المنتجات الغذائية عنها، والتي كان مصدرها الأساسي السعودية حينها.

احتفت القنوات الرسمية القطرية وتلك التابعة لها بهذا المشروع باعتباره كسراً للحصار المفروض على إمارة قطر، التي لا تمتلك حدود برية سوى مع السعودية. بلغَ حدُّ الاحتفاء أن خصصت قناة الجزيرة مباشر نصف ساعة من البث التلفزيوني لنقل وقائع وصول 3200 بقرة قادمة من الولايات المتحدة عبر البحر.

زار الأمير القطري، تميم بن حمد آل ثاني، مقر شركة بلدنا، وهو ما اعتُبر تعزيزاً لمكانة معتز الخياط وشركاته وعائلته وموقعهم من عالم الأعمال في قطر. فقد كان تكليف شركة أورباكون بمشاريع ضخمة في قطر، وبشكل مباشر من دون مناقصات، أمراً دفع تلك الشركات إلى صدارة واجهة الأعمال الإنشائية في إمارة قطر الغنية بالغاز.

وقال تقرير لصحيفة التايمز البريطانية خلال شهر آب (أغسطس) من السنة الماضية إن معتز الخياط وشقيقه رامز، وعبر شركة لهما في بريطانيا، قاما بشراء عقارات في العاصمة البريطانية لندن قرب السفارة الإيرانية بنحو 300 مليون جنيه إسترليني، وتوقع خبراء حسب الصحيفة أنّها واجهة لمشروع تابع للأمير القطري. كلّ تلك المشاريع تظهر عمق العلاقة التي نسجها آل الخياط، ومعتز بالتحديد، مع الإمارة الخليجية التي يتمتع مع عائلته بجنسيتها الآن.

وضع ذلك الخياط في بؤرة تركيز الإعلام السعودي والإماراتي، الذي استهدفه خلال موجة التصعيد ضد قطر بعد قرار الحصار، خاصةً بعد أن تمّ رفع دعوى صيف العام الماضي من قبل ثمانية سوريين أمام المحكمة العليا البريطانية تتهم بنك الدوحة ومعتز الخياط وشقيقه رامز بتمويل جبهة النصرة، وتطالبهم بتعويضات نتيجة تضرر مقدمي الدعوى من أفعال تنظيم جبهة النصرة (المعروف الآن باسم هيئة تحرير الشام).

منذ بدأ في مكتبه الصغير شمال غرب العاصمة دمشق، لم يكن يخطر على بال معتز الخياط أن تتضاعف ثروته لتقارب ثروة خاله، أحد حيتان الأعمال في سوريا والمدعوم من رأس النظام السوري أو واجهته كما يمكن أن يقال. لقد أصبح معتز بدوره، على الأغلب، واجهة أعمال لعائلة حاكمة في المنطقة، وكانت التدريبات التي حصل عليها في دمشق مفيدة للغاية على ما يبدو.

وفي حين لم يخطر على بال أحد حتى اللحظة تسمية معتز الخياط، أبو محمد، بـ «حريري سوريا»، يبدو خوفاً من اللعنة التي لاحقت هذا اللقب خلال السنوات الماضية، إلّا أنّ الرجل المدعوم بقوّة من العائلة الحاكمة في الدوحة قد أحرز تقدماً جيداً منذ أن كان يتنقل على ظهر هونداية والده في شوارع دمشق خلال ثمانينات القرن الماضي، إلى امتلاكه لمشاريع سياحية في جزر المالديف.

وسواء كان مجرد واجهة للأعمال في قطر، أو عقدة اتصال بين النظام السوري والدوحة، لا يبدو أن أيام معتز الخياط في إدبار. فحتى عندما أضيف اسم والدته سمية حمشو إلى قائمة العقوبات الأميركية، إلى جانب إخوتها من آل حمشو، أُزيل خلال شهر واحد دون إبداء الأسباب. دعوات الآنسة القبيسية التي كانت تعطي الدروس لسمية حمشو لن تكفي على الأغلب للتهرّب من قانون سيزر؛ هل هو الحظ إذاً؟